ما هي المكافأة المستحقة للنجاح؟ الأموال قد تكون محفزة أو معبرة عن مدى التقدير لهذا أو ذاك الإنجاز، ولكنها ليست السر الذي سيجعلك تحافظ عليه لأن البداية كانت حرفيا من الصفر لذا فالأمر لا يتعلق ببعض العملات النقدية.
الصيت أو الشهرة رد فعل ممتع، ولكنها قد تكون فخا إذا ما بدأ بتصوير مدى النجاح الذي وصلت إليه قبل أن تمتد المشاهد كعادة السيناريوهات لتوقع مثيلها في المستقبل وتصديق ذلك قد يتسبب في حدوث إشباع كبير يٌسبب تخمة لدرجة أنك قد لا تتقدم خطوات إيجابية أخرى. المال أو الشهرة يجب أن يكونا مكافأت مؤقتة فقط لا غير، التقدير الحقيقي والذي يجعل النجاح عرض مستمر لأطول فترة ممكنة هو منح الثقة والدعم النفسي أكثر من أي شئ آخر.
ولكن للأسف لا يبدو ذلك واردا في كرة القدم. لأن جميع المتعلقين باللعبة من ملاك ، لاعبين أو مدربين ، لديهم ذاكرة أشبه بعقود اللاعبين والمدربين، يتم تفعيلها لسنوات محدودة وقد تصل إلى بضعة أشهر فقط لا غير في هذه الأيام ، فعلى سبيل المثال ، كل تلك السلسلة الرائعة من الانتصارات المتتالية قد يتم محوها بسبب خسارة واحدة ثقيلة.
كرة القدم تتعامل بمبدأ أن هدف لك مقابل هدف في مرماك لا يعني سوى التعادل. مهما كان الأداء جميلا ، حتى وإن كان الهدف الذي سُجل في مرماك غير مستحق بسبب خطأ تحكيمي أو نسبة كبيرة من الحظ أو التوفيق فذلك لن يُغير شيئا. ما يهم هو ما يظهر على الشاشة ، إذا انتصرت فأنت من الأبطال ، إذا خسرت فأنت من المطلوبين للقبض عليهم، التعادل يمنحك فرصة يتيمة للهروب.
على غرار ما حدث مع كلاوديو رانييري في ليستر سيتي ، لم يمر سوى أقل من عام واحد على فوز تشيلسي ببطولة الدوري الإنجليزي المُمتاز وأصبح أنطونيو كونتي مُهددا بفقدان منصبه، وكأن الوصول إلى المنصات يحمل لعنة يجب أن تتقبلها مفادها أن المجد لا يمكن أن تتذوقه سوى مرة واحدة في مكان ما بعينه. هل هو تعامل خاص مع أي مدرب إيطالي ؟ أم أن الوصول لحالة التشبع بات سريعا هذه الأيام كما لو كانت الألقاب أشبه بالوجبات السريعة ؟ هو سبب لا يُلام عليه المدرب ولكن اللاعبين الذين أصبحوا لا يتعشطوا للبطولات وبحاجة إلى فواتح أخرى للشهية؟
برغم التعاطف التلقائي مع أي بطل يتم إهانة نجاحه بهذه السرعة ، إلا أن ذلك لا يبدو غريبا في تشيلسي تحديدا مُقارنة بمختلف أندية العالم لأن مالك النادي رومان إبراموفيتش والذي يملك كل شئ من الممكن الحصول عليه عدا الصبر على فريقه حتى نهاية الموسم على الأقل، فسبق له وأقال أكثر من مدرب في منتصف الموسم لسوء النتائج، لأنه يرى أن فريقه دوما جاهز للمنافسة على كل شئ في أي وقت وربما قد تكون خدمته قراراته العشوائية من قبل إلا أنها لا يمكن أن تستمر وبالأخص مع كونتي حتى لا ينهار الفريق تماما فهو لم يعد بتلك القوة أو تلك الشخصية.
وإنما للتسرع حدود. إحدى أسباب إقالة جوزيه مورينيو منذ عام هي ما يفعله إبراموفيتش نفسه منذ سنوات ، اللاعبين يدركوا الآن أن بعض النتائج السيئة قد يُعجل برحيل أي مدرب لا يرغبوا ببقائه في الفريق ، ومع مشاكل مورينيو مع الطبيبة إيفا كارنيرو وتصاعد حدة الخلافات رحل أكثر مدرب يثق به إبراموفيتش وهو يندد علانية بخيانة عمله ، لهذا ما ذكرته جريدة "تليجراف" يجب ألا يكون مُجرد مُسكن لتهدئة الصحف عقب الهزيمة المدوية ضد واتفورد ، وأن يكون المالك الروسي مُقتنعا تماما ألا يسمح للاعبيه أن يُقرروا مصير كل من يُدرب النادي وكأنهم شركائه في رئاسته وإلا فتصبح النتائج تحت رحمة مزاجية نجوم الفريق لا يمكن إتخاذ قرار عشوائي آخر والفريق يفتقد إلى قائد حقيقي في غرفة الملابس منذ رحيل فرانك لامبارد ومن بعده جون تيري ، لأنه سيكون أشبه بمثابة تسليم مستقبل الفريق رسميا للمجهول.
السبب الآخر الذي يدعو للإبقاءعلى كونتي تحديدا لأطول فترة ممكنة هو تغيير سياسة النادي والذي بدأت بوادره في الظهور حاليا ولن يفلح معها أي مدرب آخر بخلاف أنطونيو كونتي.
في 2014 وفي حوار له مع يوروسبورت خرج مورينيو بتصريح مفاده أن تشيلسي لم يعد بنفس قوة طرفي مانشستر ماليا ، وتعامله في سوق الانتقالات اختلف تماما في محاولة لجني ثمار تطوير الأكاديمية ع طريق الشراء مقابل بيع بعض المواهب بأسعار كبيرة وهي سياسة انتقدها راي ويلكينز نجم تشيلسي السابق مستشهدا بالتفريط في لاعب في نفس عمر تيموي باكايوكو وهو ناثانييل تشالوبا بسعر 6 ملايين جنيه إسترليني وإنفاق ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترليني لضم نجم موناكو السابق ودون إي إضافة حقيقية تُذكر حتى الآن.
ولكن من الذي يستطيع أن يفوز بالدوري بلاعبين لم يكونوا أولوية في سوق الانتقالات مثل ديفيد لويز ماركوس ألونسو وباستعادة بعض المنسيين في الإعارات مثل فيكتور موزيس، وبعد تغيير طريقة اللعب والتعامل مع مشاكل لاعب مشاغب مثل دييجو كوستا والتي كادت تهدد استقرار الفريق ، كونتي فعل كل ذلك في موسمه الأول في إنجلترا وبعدد انتصارات قياسي وصل إلى ثلاثين انتصارا في الموسم. لذا فمحاولة التقليل من إنجازه لأن الفريق كان هو حامل اللقب قبل قدومه بعامين سخيفة جدا ، تشيلسي لم يكن مرشحا أبدا للقب بعد أن أنهى الترتيب في المركز العاشر.
في هذا الموسم ارتكب كونتي بعض الأخطاء التكتيكية مثله مثل أي مدرب ولكن ما زاد الطين بلة هو عدم دعم الإدارة له، فرأينا جمهور روما يحتفل برحيل أحد لاعبيه على غير العادة وهو أنطونيو روديجير والبعض يترك تشيلسي رغما عن أنف المدرب مثل نيمانيا ماتيتش الذي لم يكن كونتي يرغب بتركه ووصفه بالخسارة الكبيرة جدا ولأول مرة منذ فترة يخسر تشيلسي بعض الصفقات لصالح المنافسين المباشرين مثل أليكس أوكسليد تشامبرلين الذي انتقل إلى ليفربول وفيرناندو يورينتي الذي كان يرغب كونتي بضمه من فترة ولكن المطاف انتهى به في فريق لندني آخر وهو توتنام، ناهيك عن الإصرار على بعض الأسماء التي لا تصدق أن تشيلسي مهتم بها مثل أندي كارول وبيتر كرواتش وآشلي بارنز وضم ثنائي تاريخه في الإصابات أكبر من عدد المباريات التي لعبها وهما روس باركلي وإيمرسون بالميري ، حتى تيموي باكايوكو وداني درينكووتر عانى كلاهما بدنيا ولم يكونا في أتم الجاهزية عند التعاقد معهما، يكفي القول أن أرسنال وليفربول تعاملا مع سوق الانتقالات بصورة أفضل ، بالرغم أن كل ما يحملوه هو الأمل وليس اللقب.
كونتي مظلوم في كل الأحوال، سواء افترضنا أن إبراموفيتش يتعمد التعامل هكذا لأنه يعلم أن كونتي يمكنه الفوز بالألقاب بلاعبين ليسوا نجوم صف أول؟ كما لو كانت أغبى طريقة لإظهار الثقة ، أو لأن تشيلسي وبسبب قواعد اللعب النظيف أو بعض المشاكل المالية لمالكه ، لن ينفق كما كان مثلما قال مورينيو منذ ثلاث سنوات ، هذا أكبر داع للإبقاء على كونتي الذي وبرغم أنه لا يمكنه الإنفاق مثل مانشستر يونايتد ولكن أغلى لاعب في تاريخ هذا النادي كان يوما ما صفقة مجانية له وهو بول بوجبا ، إذا ما كان النادي سيتجه للاعتماد على الرديف ، فالأنسب هو أنطونيو كونتي أيضا.
رومان إبراموفيتش يجب أن يقاتل للإبقاء على كونتي ، يدعمه ضد الضغط الذي يواجهه منذ الخسارة الأولى في الموسم في أغسطس الماضي ضد بيرنلي والتوقعات المستمرة بإقالته ، والدعم لا يجب أن يكون بمنح الثقة فحسب ولكن المال أيضا لأن كونتي سبق وأن ترك يوفنتوس بسبب عدم توفير السيولة المطلوبة له من قبل إدارة النادي ، بالرغم أنه قدم ما يثبت أنه يستحق كامل الدعم ، سواء بإعادة يوفنتوس للواجهة إو الخروج بتشيلسي من وحل خيانة الاستثنائي ، ومن المرجح أن يكون هو من يطلب الرحيل ، وحينها سيكون إبراموفيتش كالمُخرج الذي يعشق قتل أبطال أعماله وسيصبح كونتي البطل الوحيد الذي يموت في النهاية مرتين.