40 عاما من الاستقلال.. واجب وطني لزيدان أفسدته المناصرة صونية
الخميس، 25 يناير 2018 - 10:41
كتب : مصطفى عصام
أول زيارة للمنتخب الجزائري إلى فرنسا وتحديدا ستاد "سان دونيه" كانت في السادس من أكتوبر لعام 2001، بعد أقل من شهر على الهجمات التي استهدفت برج التجارة العالمي بنيويورك.. زيارة كانت محفوفة بالمخاطر أمنية مع توارد احتمالات بوقوع حدث إرهابي جديد ضحاياه سيفوقوا أعداد ضحايا حادث برج التجارة.
المواجهة كانت الثالثة بعد استقلال الجزائر من إمرة استعمار فرنسا، الأولى كانت بدورة ألعاب البحر المتوسط عام 1967 وخسر المنتخب الجزائري أمام منتخب فرنسا الرديف 3-1.
والثانية جاءت بعد أول زيارة رسمي لمسؤول فرنسي للجزائر بعد الاستقلال (فاليري جيسكارد) وأقيمت المباراة بالجزائر بحضور شخصي للرئيس الجزائري "هواري بومدين" من منصة الشرفية، وحضر المنتخب الفرنسي بكامل نجومه بقيادة بلاتيني. وفاز المنتخب الجزائري 3-2 في مباراة درامية كان متأخرا فيها بنتيجة 2-1 حتى الوقت بدل الضائع.
أما مباراة السادس من اكتوبر عام 2001 فأقيمت كذكرى بدء التفاوض نحو الاستقلال، بعنوان "الحرب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام".
قناة CANAL FOOT الفرنسية كانت قد أعدت تقريرا عام 2012 بعنوان "الجزائر وفرنسا.. تاريخ لم ينته". وكان إيمانويل بتيت نجم منتخب فرنسا والجيل الذهبي الحاصل على كأس العالم 1998 مشاركا في تلك المباراة التي أحرز بها الهدف الثاني، وأدلى برأيه عنها في التقرير التلفزيوني.
"لاعبو منتخبنا كانوا قد أخطروا الاتحاد الفرنسي بمقاطعتهم مواجهة الخضر، وهذا بسبب الهواجس الأمنية، بيد أن السلطات الفرنسية آنذاك وخاصة وزيرة الشباب والرياضة (ماري جورج بوفيه) التي مارست ضغوطا رهيبة عليهم، ووصل بها الأمر في بعض الأحيان لحد التهديد". على حد قوله؛ لأن لقاء الجزائر وفرنسا لم يكن لدواع رياضية وإنما لأسباب سياسية بحتة.
وواصل بتيت حديثه بالقول "لقد شعرنا بأننا رهائن في بلدنا، فعندما دخلنا ملعب سان دوني وشاهدنا الأعداد القياسية للجماهير الجزائرية الحاضرة في المدرجات لتشجيع الخضر، أيقنا بأن شيئا ما سيحدث، وأخذنا ننظر إلى بعضنا البعض دون أن نتمكن من إبداء أي ردة فعل".
"وبعد عودتنا لغرف تغيير الملابس، أكدت للمدرب روجيه لومير بأن الاستمرار في اللعب يعد مخاطرة غير محمودة العواقب، لكن لومير لم يتقبل هذا الأمر وقال لي بالحرف الواحد: (لدينا مهمة تجاه بلدنا وعلينا إتمامها)، ولا أخفيكم سرا بأننا عدنا لإتمام المواجهة احتراما لزين الدين زيدان حتى لا يتعرض للإحراج أمام أبناء بلده الأصلي، بما أن كل الأنظار كانت مصوّبة نحوه".
قبل بداية المباراة، كرم المدير الفني لمنتخب الجزائر رابح ماجر الفرنسي ذو الأصول الجزائرية زين الدين زيدان. كانت هناك شكوك تحوم حول مشاركته بالمباراة لتعرضه للإصابة بالكاحل، ولكن بدأ اللقاء وبدد تلك الشكوك.
فرانك لوبوف خلال نزوله ضيفا على برنامج حجرات الملابس على أمواج إذاعة "إس أف آر" الفرنسية قال: "أتذكر جيدا تلك المباراة، التي شعرت خلالها بخوف كبير بعد نزول الجماهير إلى الملعب، وتحدثنا في الممر المؤدي إلى حجرات الملابس فقلنا إن ما حدث كان فوضى وعاراً على بلدنا".
وتابع المدافع الدولي الفرنسي السابق "بعض الأطراف حاولت استغلال هذا اللقاء لتوطيد العلاقات بين الجزائر وفرنسا، والمباراة كانت سياسية بامتياز، لكن دارت المواجهة في ظل غياب أمني يطرح الكثير من التساؤلات".
وواصل مدافع تشيلسي الإنجليزي سابقا حديثه "رجال السياسة في تلك الفترة فشلوا في تنظيم المباراة على المستوى الأمني، وكانوا يبحثون عن ترضية بعض الأطراف. وشخصيا طالبت وزيرة الرياضة بالاستقالة بعد تلك الأحداث".
وكشف لوبوف عن الخوف الكبير يومها، وخاصة أن المباراة جاءت بعد شهرين من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فقال: "لعبنا لقاء الجزائر بعد شهرين من أحداث 11 سبتمبر، وكنا خائفين من حدوث هجمات. لو سقطت طائرة على ملعب فرنسا يومها لكان عدد الضحايا أكبر من أولئك الذين سقطوا في نيويورك".
تقدم المنتخب الفرنسي بثلاثة أهداف سريعة بأقدام فانسان كانديلا، إيمانويل بتيت وتييري هنري في الدقائق 19، 32 و42 من عمر اللقاء، قبل أن يحرز جمال بلماضي هدفا من ركلة حرة مباشرة سكنت شباك الفرنسي فابيان بارتيز في الدقيقة 45 من الشوط الأول.
في الشوط الثاني سجل روبيرت بيريس نجم أرسنال الهدف الرابع في الدقيقة 54، قبل أن يبدأ الفرنسي روجيه لومير في إراحة نجومه، فأخرج تييري هنري وإيمانويل بيتيت وزيدان من المباراة.
بدأ ناقوس الخطر في الإفراغ ببعض القلاقل، فالمناصرة الفرانكو جزائرية "صونية" لاعبة كرة القدم نزلت في الدقيقة 75 إلى أرضية الملعب حاملة علم الجزائر قبل اعتراضها من قبل قوات الأمن.
تعالت أصوات المشجعين الجزائريين مع اقتحام صونية لأرض الملعب بهتاف "أسامة.. أسامة"، في إشارة لأسامة بن لادن، مع سب لزيدان "Zidan Harki" وتعني بأن زيدان جندي جزائري خائن موالي لفرنسا (سبق لبعض الجنود الجزائريين أن حاربوا مع فرنسا ضد الاستقلال)، قبل نزول واقتحام الجمهور للملعب فأنهى الحكم المباراة في التو عند الدقيقة الـ76.
تلك اللحظة التي وصفها زين الدين زيدان لصحيفة "جارديان" البريطانية عشية إقامة يورو 2004 بأنها اللحظة الأسوأ في مسيرته من قبل الجمهور، وأنه كان يأمل بأن يستقبله الجمهور بدفء عن ذلك.. فالجزائري المولود بمارسيليا قبل أن يأخذ الجنسية الفرنسية ويختار اللعب لفرنسا.
ولكن في المقابل اختار نجوم منتخب الجزائر أخذ الصور التذكارية وتوقيعات مع زيدان داخل غرف خلع الملابس التي احتموا بها من غضب الجماهير.
أمسكت بعض الجماهير بيد ليليان تورام وحاولت التصوير معه قبل أن يتم تخليصه من قبلهم بواسطة الأمن، ليليان صرح بعدها لإذاعة "بي بي سي" البريطانية إنه عد المباراة الأهم في مسيرته لأنه أحس قبلها بتيار جارف من العداء ضد المسلمين في أوروبا بعد أحداث 11 سبتمبر، وعلق بأن هؤلاء الصبية يتصرفون دون واعز من المسؤولية صوب علاقات البلدين.
هذه الحادثة وضعت رئيس الاتحاد الفرنسي كلود سيمونيه في مأزق لأنه لم يستطع السيطرة على الوضع، فمنذ نشأة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم FFF سنة 1904 لم يسبق أن أوقفت مباراة رسمية قبل انتهاء الوقت الأصلي ما جعلها عثرة في تاريخه.
وتم حبس المناصرة صونية لسبعة أشهر مع النفاذ مع حرمانها من دخول الملاعب لثلاث سنوات، وألقت تلك الحادثة بظلالها على العلاقة كرويا بين فرنسا والجزائر وكانت سببا لإلغاء مباراة ودية بينهم بالجزائر عام 2009.