كتب : لؤي هشام
"أيها السادة، صباح الخير.. أولا أريد أن أقول لكم كم هو شرف لي أن أدرب هذا النادي .. أنا أحب هذا النادي جدا وكل قرار سأتخذه سيكون لمصلحة البارسا فأنا أحب البارسا ولن أتخذ قرار يؤذي النادي، النادي مر بلحظات صعبة وحان الوقت للتغيير".
"أنا كنت جزءا من هذا النادي لفترة طويلة، وسأدافع عنكم حتى الممات، لكني سأطلب منكم الكثير من العمل مثلما سأطلب من نفسي أيضا.. لن أعاتبكم إذا أضعتم فرصة أو هدف أو تمريرة ما دمتم تلعبون بقلبكم".
"أيها السادة هذه هي البارسا، لذلك يجب على كل شخص تقديم كل ما يملك. اللاعب لوحده لن يقوم بعمل شيء فهو يحتاج زملاءه، يجب أن نكون فريقا.. نحن هنا لنكون سويا، لا نريد مجموعات صغيرة متفرقة، نريد أن نكون فريقا مع بعضنا البعض".
كان ذلك جزءا مقتطفا من خطاب بيب جوارديولا الأول في مسيرته التدريبية الاحترافية بعد توليه مهمة برشلونة – بحسب كتاب (طرق أخرى للفوز) - ولكن قبل تلك الكلمات العاطفية والحماسية كان هناك الكثير من لحظات الشك وعدم الثقة والتي استمرت في رحلته لصناعة إنجازه الأبرز.
خلال مسيرته مع 3 أندية دائما ما ترك بيب تأثيره وأفكاره مع تلك الفرق، ستظل تجربته مع بارسا هي الأنجح والأكثر تأثيرا نظرا للثورة التي أحدثها في عالم كرة القدم، وقد تكون تجربته الحالية مع مانشستر سيتي نموذجا لقوة فلسفته والتغيير القادر على إحداثه في بيئة مختلفة.
ولكن فترته مع بايرن ميونيخ قد تعد هي الأهم بالنسبة للمدرب نفسه وهي التجربة التي أكسبته الكثير من الخبرات والمواقف القادر على الاستفادة منها رغم عدم نجاحه في تحقيق الهدف الأهم للنادي وهو التتويج بدوري أبطال أوروبا.
دعونا نسرد القصة من البداية
بعدما سائت الأوضاع في برشلونة اتجهت الإدارة للبحث عن بديل لفرانك ريكارد، وكما يعلم الجميع فإن الأنظار اتجهت نحو جوزيه مورينيو وجوارديولا ولكن استقر الوضع في النهاية على الأخير بعد استشارة يوان كرويف واقتناع من تيكسيكي بيرجيستان المدير الرياضي وهو ما كان كفيلا بموافقة رئيس النادي خوان لابورتا.
قدم جوارديولا مجهودا كبيرا ونتائج متميز مع فريق برشلونة ب (طالع التفاصيل)، والنادي بحث عن نظام مشابه في الفريق الأول.
بيب كان متشككا في قدرته على تولي المهمة ولكنه قبلها في النهاية، وبعد خطابه المؤثر للاعبي بارسا شرع لاعب الوسط السابق في فرض نظامه الخاص داخل أروقة النادي.
"التحدث بالكتالونية، تناول وجبة الغداء بالنادي وعلى طاولة دائرية حتى ينظر الجميع لبعضهم البعض بدون أحزاب أو مجموعات، منع قصات الشعر الغريبة والسيارات الفاخرة، التخلص من عادة الفرق الإسبانية بنوم اللاعبين في الفندق قبل المباراة إذ قال (هم بشر وليسوا سجناء)".
كان ذلك جزءا مما فرضه بيب على اللاعبين بحثا عن مزيد من التناغم في فريقه.
"بالبداية كان بعض اللاعبين مستائين لأنه أصبح لا يوجد وقت لعمل خطط مع الأصدقاء خارج النادي لكن مع الوقت اكتشفنا أننا أصبحنا كالعائلة بالنادي، الجميع يتكلم عن أمور خاصة مع الجميع، نتكلم عن كل شيء بالتدريبات ليس فقط كرة القدم".
هكذا يقول أحد اللاعبين – دون ذكر اسمه – في كتاب طرق أخرى للفوز. وعقب فرض النظام وضخ دماء جديدة في الفريق مثل داني ألفيش وجيرارد بيكيه وسيدو كيتا كان عليه أن يبدأ المهمة.
النتائج كانت سيئة بالبداية وهو ما أثار حيرة جوارديولا وتشككه إلا أن عمل الفريق كان واضحا لدرجة أن كرويف كتب في مقال أن "هذا البارسا أفضل بارسا شاهدته يلعب كرة القدم منذ سنين".
وفي خضم حيرة بيب وشكوكه كان يتعين عليه الذهاب إلى ملهمه يوان الذي قال له بكل ثقة "استمر يا جوسيبي.. النتائج ستأتي لا تقلق.. استمر".
وبعدها كما يعرف الجميع.. إحدى أفضل الفرق في تاريخ كرة القدم وسداسية رائعة لم يسبقهم إليها أحد ليضع جوارديولا نفسه في قائمة مطوري كرة القدم، ويخلق مذهبا هجوميا ترك آثاره بين الجميع.
ولكن لماذا كان الحديث عن بداياته مع برشلونة مهما؟ ربما لأن البدايات دائما هي من تحدد مسيرة الرحلة. ولأن جوارديولا كان متشبعا بجينات بارسا ومدركا لكافة تفاصيل النادي فقد ساعده ذلك كثيرا في مهمته الصعبة قبل أن يكتسب الثقة في نفسه وثقة لاعبيه بمرور الوقت.
الأمر أشبه بأن تكون في بيتك وبين عائلتك وحينها وعند تملكك لمقومات النجاح والتغيير يصبح ترتيب البيت أسهل في ظل ثقة العائلة بك. ولكن ماذا إن خرجت من هذا البيت؟
الانتقال إلى بيت آخر في ظل نجاحاتك قد يسهل من المهمة ولكن ذلك لا يعني أن ثقة العائلة كاملة بك، وقد لا يعني إدراكك لكافة التفاصيل المحيطة بك. كان هذا تحديدا ما حدث في بايرن ميونيخ.
بافاريا والتجربة الأهم
يعتبر البعض تجربة جوارديولا مع بايرن فاشلة أو لنقل غير ناجحة بسبب عدم قدرته على التتويج بدوري أبطال أوروبا، الغرض الأساسي من قدومه بعد عام من الراحة عقب الرحيل عن برشلونة.
ولكن ما هو الفشل؟ الفشل هو التوقف عن المحاولة، وذلك ما لم يعهده بيب أو كما يقول نيلسون مانديلا "أنا لا أخسر أبدا، إما أن أربح أو أتعلم".
وفي البيت البافاري لم يكن الأمر بهذه السهولة، تسليمه كل مقاليد الأمور أو على الأقل الرضوخ لطلباته لم يكن حاضرا بالشكل الذي عهده في كتالونيا. وإدراكه لكافة تفاصيل البيت أيضا لم يكن حاضرا بالصورة التي كان عليها في برشلونة.
أو لنقل ببساطة إن بايرن لم يكن يوما بيتا لبيب.
إرث تاريخي عريق وهوية خاصة بجانب بيروقراطية إدارية، لاعبين بعضهم مخضرم ليس من السهل اكتساب ثقته بشكل كامل مثلما حدث مع لاعبي البلاوجرانا الذين عايش بعضهم بيب كمدرب بأكاديمية النادي أو عايشه كلاعب على أرض كامب نو.
كل هذه الأشياء اصطدم بها جوارديولا. لم يكن قادرا على الاحتفاظ بخدمات لاعب محوري مثل توني كروس بسبب أمور مالية، كما رحل باستيان شفاينشتايجر وغادر الثلاثي ماريو ماندزوكيتش وشيردان شاكيري ولويس جوستافو النادي بعد تقارير عن توتر العلاقة مع مدربهم.
لدرجة أن ماندزوكيتش وصف ما حدث من قبل جوارديولا بـ"قلة احترام"، كما لم يكن بيب قادرا على التخلص بسهولة من مولر فولفارت طبيب الفريق الذي رحل بعد خلافات كبيرة مع المدرب الإسباني.
انتقادات عديدة تلقاها من أساطير النادي أمثال فرانز بيكنباور وأوليفر كان وأوتمار هايتسفيلد وغيرهم بسبب طريقة اللعب التي تتنافى مع هوية النادي الذي عٌرف بأسلوبه الهجومي المباشر إضافة إلى الصحافة الألمانية نفسها التي اتهمته بالابتعاد عن الهوية الألمانية.
ورد بيب كان "لا أمتلك عقلية ألمانية، أنا كتالوني". في النهاية رحل بيب بعد انتهاء عقده تاركا تأثيرا كبيرا من أفكاره في الدوري الألماني بل والمنتخب الألماني ذاته.
ولكنه بالتأكيد أحدث انقساما كبير في الأراء بألمانيا. البعض رأى أنه أحدث ثورة ومحاولات تغيير جذرية فيما يعتقد البعض الآخر أنه تفلسف أكثر من اللازم ولم ينجح في تحقيق أهدافه الأساسية.
أريين روبن مثلا ورغم سنه الكبير قال إن بيب هو أكثر مدرب طوره وتعلم منه، أما الجناح الأخر فرانك ريبيري فقد قال إن جوارديولا مازال مدربا شابا لم يكتسب الكثير من الخبرات قائلا "يتحدث كثيرا مع أن كرة القدم لعبة سهلة".
في النهاية وبعد كل ما أحدثته تلك التجربة من انقسامات في الأراء إلا أن بيب كان المستفيد الأول في النهاية، فالطريق نحو أسطورتك الشخصية يتطلب التعلم من كل ما مررت به يوما، وبدون أخطاء ترتكب لما تحقق التعلم (خروج خيسوس ودخول مانجالا.. جوارديولا نحو إدراك أكبر وواقعية أكثر).
اختيار مانشستر سيتي بعد ذلك كان اختيارا ذكيا، ناد يطمح لمشروع كبير وإيمان كامل بأفكار وقدرات المدرب الإسباني ورجال ثقة سبق العمل معهم في برشلونة. كان ذلك كفيلا بقبول بيب للمهمة.
مع السماوي ظهر جوارديولا أكثر هدوءا وصبرا وأقل عنادا. ومع عدم نجاحه في تحقيق أي بطولة في موسمه الأول لأول مرة في مسيرته، لم يشعر الكتالوني بأنه في ورطة وأكد مرارا أن "الأمر يحتاج إلى وقت للتأقلم" على عديد من الأشياء.
الصحافة الإنجليزية لم تتوقف عن إخباره بأن الأفكار التي يريد تطبيقها لا تتناسب مع إرث الإنجليز وطريقة لعبهم ولكنه في النهاية فعلها وأخبر الجميع أن فلسفته قابلة للتطبيق في كل مكان (جوارديولا مع مانشستر سيتي.. حين تصنع الثقة مع الإيمان أبلغ رد).
لم يحقق بيب أي بطولة حتى الآن مع سيتي، وقد ينتهي الموسم ببطولة وحيدة مثلا، ولكن المؤشر بات واضحا. مانشستر سيتي سيصبح قوة أوروبية.
مع مرور الأعوام والتجارب المختلفة يصبح الشخص قادرا على النظر إلى الأمور بزاوية مختلفة دون التخلي عما آمن به يوما، ومع جوارديولا فإن الطريق نحو أسطورته الشخصية مازال طويلا.
اقرأ أيضا
طارق يحيى: تعثر بسيط في صفقة انتقال رجب للزمالك
لوس أنجلوس: لم نفكر في السعيد بل نريد لاعبين مصريين أخريين
فتح الله: أشيمبونج لا يستحق المرور من أمام بوابة الزمالك
الشباب السعودي: سنتحدث لاحقا عن عرضنا لضم أحمد فتحي
عماد سليمان عن رغبة الأهلي في ضم لاعبه: أرفض التفريط في أحمد سامي
إنفوجرام في الجول - هل علي جبر الخيار الأمثل لتعويض إيفانز في وست بروميتش ألبيون؟