كتب : علي أبو طبل
The Three Degrees هو مسمى لفريق غنائي بريطاني لمع في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وهو الإسم الذي اقتبسه رون أتكينسون ليطلقه على الثلاثي الهجومي ذو البشرة السمراء الذين لعبوا أثناء فترة قيادته لويست بروميتش ألبيون، سيريل ريجيس ولوري كانينجهام وبريندون باستون.
يوم الإثنين الماضي، توفي سيريل ريجيس عن عمر 59 عاما إثر أزمة قلبية. كان ذلك بمثابة نبأ مفجع لأوساط كرة القدم الإنجليزية.
في إنجلترا، يعتبرون ريجيس من الرواد الذين أثروا كثيرا في مسار اللعبة وبالأخص في مصائر لاعبي كرة القدم ذوي البشرة السمراء.
ظهور ريجيس وتألقه كان في وقت ازدادت فيه أزمات العنصرية والشد والجذب في المجتمع البريطاني، وتعرض بالفعل لكثير من المضايقات ولكنه كان يتجاوزها على كل حال.
ويقول اللاعب الراحل في سيرته الذاتية: "كلما تعرضت لمضايقات، كلما حولت طاقة غضبي إلى أداء قوي في الملعب".
لم ينف أبدا كون تلك المضايقات كانت جارحة بالنسبة له ولكنه تعامل معها بشكل إيجابي.
يتحدث ريجيس مرة أخرى في سيرته الذاتية عن موقف حدث له مع انضمامه للمرة الأولى لمنتخب إنجلترا في 1982 حين تلقى بريدا من أحد المشجعين، وعند فتحه وجد رسالة مصاحبة ورصاصتين.
الرسالة كانت تقول: "إذا وضعت قدميك على ملعب ويمبلي فإنك ستجد إحدى تلك الرصاصتين تخترق ركبتك".
يقول ريجيس أن الأمر أضحكه كثيرا ولكنه احتفظ بالرصاصتين.
في كل الأحوال، لم يمثل ريجيس منتخب إنجلترا سوى في 5 مباريات ما بين عامي 1982 و1987، وكان ذلك لأسباب فنية بدرجة أكبر، في وقت ظهر فيه تنافسا شديدا في مركز رأس الحربة داخل البلاد.
تمثيل دولي يبدو ضعيفا للاعب سجل أكثر من 150 هدفا في أكثر من 600 مباراة خاضها على المستوى الاحترافي متألقا بين أندية ويست بروميتش ألبيون في بداية الثمانينيات، ثم كوفنتري سيتي الذي حقق معه لقب كأس الاتحاد الإنجليزي في 1987، وأستون فيلا وولفرهامبتون ووايكومب وشيستر سيتي حتى الاعتزال في عمر الـ38 عاما.
يقول مديره الفني السابق رون أتكينسون لشبكة "بي بي سي": "لقد حصل على 5 مشاركات دولية فقط ولكنه لو تواجد في الأيام الحالية لحصل على 60 أو 70 تمثيلا دوليا على الأقل. لقد كان مهاجما رائعا، وبالمقاييس الحالية، الحصول عليه مقابل 90 مليون جنيه إسترليني يعتبر مبلغا زهيدا".
ريجيس كان ثالث لاعب ذو بشرة سمراء يمثل إنجلترا تاريخيا، بعد زميله في ويست بروميتش ألبيون لوري كانينجهام، ومدافع نوتنجهام فورست السابق فيف أندرسون.
ينعي أندرسون وفاة ريجيس ويضيف لشبكة "بي بي سي": "لقد كان وحشا في الملعب، ولكن خارجه تجد شخصا طيب القلب".
ثم يتابع: "هذا الثلاثي –ريجيس وكانينجهام وباستون- كان رائدا. الكل كان ينظر لهم نظرة الإعجاب والاعتزاز، وليس فقط جماهير ويست بروميتش".
نشأ ريجيس في جوايانا الفرنسية ثم انتقلت أسرته إلى بريطانيا حين كان في عمر الخامسة. كان والده عاملا بسيطا يعمل بكد لتأمين حياة أسرته الكبيرة من مسكن وملبس.
في أوقات كثيرة كان شمل العائلة يتفرق حيث يعمل كل شخص على حدا لتكفية ذاته، وهذا ما حدث لسيريل الذي عاش منفردا مع شقيق واحد له لفترة قاربت الـ9 أشهر.
مسألة وقت حتى اجتمعت العائلة من جديد وحصلت على مسكن بالقرب من منطقة ويمبلي حيث استقروا.
بعد التخرج من المدرسة، عمل سيريل ككهربائي ثم بدأ يسلك طريقه كلاعب كرة قدم بشكل هاوي في مسابقات كرة القدم للهواة التي تقام مبارياتها في الأحد من كل أسبوع.
لفت الأنظار هناك بشكل كبير ليجذب اهتمام نادي مولاسي، أحد أندية درجات الهواة، له وينضم إليهم وتزداد سمعته بشكل إيجابي.
رغم ذلك، تخوفت الأندية الكبرى من ضمه حيث أن فكرة نجاح لاعب كرة قدم ذو بشرة سمراء لم يكن أمرا شائعا في تلك الفترة.
فقط ويست بروميتش ألبيون هم من اتخذوا القرار وقاموا بالتوقيع مع اللاعب مقابل دفع 5000 جنيه إسترليني لناديه، و5000 أخرى ظلت معلقة حسب عدد مشاركات اللاعب وتألقه، ولم تظل تلك الأخيرة معلقة لفترة طويلة، فباقي القصة معروف.
اعتزل سيريل ريجيس كرة القدم في 1996 بعد العديد من التنقلات وبعض المعاناة في حياته.
المعاناة الأكبر كانت في أواخر التسعينيات حين أخذته الشهرة إلى مصائر غير مرجوة أدت إلى افساد زواجه وانفصاله، قبل أن يتوفى صديقه الأقرب لوري كانينجهام في حادث سير في إسبانيا، لتنقلب شخصيته رأسا على عقب ويصبح أكثر التزاما.
بعد اعتزاله، عمل ريجيس في التدريب مع فرق شباب ويست بروميتش ألبيون، قبل أن يتجه للعمل كوكيل للاعبين ويستمر في سعيه في الدفع باللاعبين الشباب ذوي البشرة السمراء للأمام في مسيرتهم.
مسيرة ريجيس وأقرانه من ذوي البشرة السمراء كانت حافزا لجيل أصغر من اللاعبين ذوي البشرة السمراء داخل إنجلترا لاحتراف اللعبة والتألق فيها.
أندي كول، مارك برايت، سول كامبل، وآخرون ممن ظهروا في التسعينيات من ذوي البشرة السمراء، أبدوا حزنا عميقا على رحيل ريجيس عن عالمنا.
فارق سيريل ريجيس الحياة، ولكن يظل تأثيره في مسار أجيال مارست اللعبة داخل انجلترا حيا على الدوام.