كتب : إسلام مجدي | الخميس، 04 يناير 2018 - 12:30
مقال رأي – التحدي اسمه محمد صلاح
نادرا ما تواجه نموذجا أمامك في الحياة واقعيا تماما وتشهد قصة بطل يبدأ من تحت الصفر وصولا إلى القمة، حينها ستجد مثلا تحتذي به حتى النهاية.
محمد صلاح نجم منتخب مصر وليفربول خاض رحلة في أعوام قليلة من الصفر مرتين إلى المجد.
كنا نستمع دائما إلى ما تقوله التنمية البشرية عن تطوير الذات وقوة الشخصية وأسرار الوصول للنجاح، لكن إن أردنا أن ننظر إلى ذلك عن كثب علينا بالنظر إلى محمد صلاح ومسيرته فقط لنعلم جليا أنه لم يكن بحاجة إلى أي شيء سوى العزيمة والرغبة القوية في إثبات نفسه.
ما دافع صلاح الذي جعله يرحل سريعا عن تشيلسي إلى فيورنتينا ثم استمراره في إيطاليا مع روما حتى عاد مرة أخرى إلى ليفربول؟
المخاطرة ليست دائما من أجل الطمع، فبمجرد أن شعر الدولي المصري أن مسيرته في أوروبا قد ضربها زلزال قوي للغاية أصبح مرفوضا في تشيلسي وشعر أنها خطوة خاطئة ليقرر أن يخاطر وبمجرد أن قضى على تردده نجح سريعا.
-------
تساءلت صحيفة "جارديان" البريطانية في وقت سابق عن الأمر الذي يجعل كريستيانو رونالدو نجم ريال مدريد بهذه الروعة والقوة؟ ثم ذكرت قصة تدريباته المتكررة ورغبته الدائمة في أن يصبح شيئا أكبر مما تخيل أحد.
الإجابة كانت من يمكنه أن يكون بهذه العزيمة سوى رونالدو؟ من بهذه القوة –ليس بدنيا- بل عقليا سواه؟ ذلك اللاعب الذي كان يتقبل الصافرات والنقد ويحولها لأهداف ضد الخصوم.
رونالدو يوضع دائما في مقارنة مع ليونيل ميسي نجم برشلونة والأخير يتم اعتباره واحد من أفضل الموهوبين في تاريخ اللعبة، بالنسبة للبرتغالي فلا مشكلة فبعمله وضع نفسه في مصاف الكبار.
قال جاري نيفيل في وقت سابق: "ما يجعل اللاعبين الكبار متميزين هي إيمانهم بقدراتهم، عملهم الدائم، رغبتهم في التطور، رونالدو ليس أفضل من ميسي، لكن معدله التهديفي يضعه في مصاف العظماء".
وأضاف "لذا لنكن واقعيين اللاعب الكبير ذلك الذي يمتلك العزيمة والرغبة في تحقيق هدف جديد كل يوم، من هنا تبدأ الأساطير".
---------
ماذا عن ليونيل ميسي؟ هناك اسم وحيد ضمن الـ11 لاعبا في برشلونة الذي تضمنه أنه من دون جدال أنه الموهبة الأفضل في العالم وأنه سيصنع الفارق في أي وقت.
ميسي طوال الأعوام الماضي بجانب موهبته تطور مع الوقت ليصبح النقاش إذا ما كان الأفضل في العالم أم الأفضل في التاريخ.
كتب سيد لو صحفي "جارديان" في وقت سابق :"ما يجعل اللاعب الكبير في وضعه ذلك أنه يمتلك العزيمة والشخصية، وأقصد بذلك أنه يسجل بطرق مختلفة ويواصل قيادة الفريق، لا يتأثر أبدا بالنقد بل على العكس يحوله إلى نجاح، أيا كان ذلك فهو متوفر بكثر لدى النجوم الكبار ولكي يصبحوا أساطير يجب أن يحققوا أشياء خارقة".
---------
كنت قد سألت عدد من الصحفيين الإسبان حول حقيقة الأنباء التي ربطت صلاح بالانضمام إلى ريال مدريد، تعجبهم الأكبر كان من استغرابي لتأكيدهم على أنه لديهم أخبار تقول إنه فعليا على رادار الملكي، قائلين لي :"إنه هداف الدوري الإنجليزي الممتاز كيف لا يلفت الأنظار".
وأحدهم هنأني على تواجد هداف مثله مع منتخب مصر في كأس العالم، لكننا لازلنا نعاني من تلك العقدة التي تدفعنا للتقليل من أي نجاح، معتبرين أنه وليد الصدفة أو الحظ، إن تم التصويت له وذلك أمر هام فهو لشعبيته وليس عمله وهذا مفهوم خاطئ.
يترشح النجوم الكبار للجوائز الفردية العالمية بناء على الشعبية والاسم التجاري وأشياء أخرى وفي النهاية الأداء، لم يعد تسجيل 30 هدفا في الموسم كافيا لكي تتواجد ضمن تلك القائمة واسألوا جونزالو إيجوايين، أو حتى أن تكون لاعبا ممتازا مع منتخب بلادك وفريقك، والأمر ذاته حدث لأندريس إنييستا وتشابي هيرنانديز وويسلي شنايدر.
التصويت في جائزة مثل الكرة الذهبية وأفضل لاعب في أي مسابقة يعتمد بصفة كبيرة وجزء هام منها على العلامة التجارية والشعبية، وإلا فلماذا تجري المواقع تصويتا للجماهير؟ زيارتك لتلك الاستفتاءات تشكل فارقا كبيرا لهم وقيمة نجم بلادك تأتي من عدد زيارات مشجعيه، لهذا نعم التصويت لصلاح يشكل فارقا حتى وإن كانت نسبة ضئيلة من الجائزة.
------
أي نجم كبير مر بصعوبات في بداية مسيرته، ما إن حولها إلى نقاط قوة تلقائيا يصبح في مصاف الكبار، جامعة أبردين كانت قد أجرت دراسة عما يجعل بعض اللاعبين نجوما كبارا دون غيرهم.
نعم التدريبات والعمل جزء مهم لكن اللمسة الأولى كانت أول الخطوات، العمل بشكل مستمر على تحسين تسلمك للكرة وركلها من أول مرة.
ثاني النقاط كان العمل على القدم الضعيفة واستندت بالطبع إلى ميسي ورونالدو وقدرتهما على العمل بقدميهما وعدم تواجد نقطة ضعف في هذه المنطقة.
النقطة الثالثة تمثلت في التحكم في الكرة والمراوغة في المناطق الضيقة، ويقصد بها أمام منطقة الجزاء والاختراق من الطرف للعمق.
النقطة الرابعة تمثلت في زيادة معدلات اللياقة البدنية التغذية السليمة.
تأتي أهم النقاط التي تمت مناقشتها في عدة محاضرات في الجامعة وناقشها سير أليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد الأسطوري السابق في وضع الأهداف لنفسك.
أيا كان طموحك فيجب أن تضع أهدافا خاصة بك وبفريقك وجماهيرك، إنه أمر حيوي أن تحسن من فريقك مثلما تطور من نفسك، العمل الجماعي مهم للغاية.
كذلك بجانب تحديد الأهداف للعقل، كما تمت الإشارة إلى أن العلوم الرياضية أصبحت تهتم بوضع أهداف للاعبين للحرص على تطويرهم الدائم بدلا من وقوفهم عند حد معين.
النقطة الخامسة تمثلت في التعلم ممن يعتبرون أفضل منك، بمعنى أنه إن كان رونالدو مثلا أفضل من ميسي أو العكس عليك أن ترى ما هو أفضل منك فيه وتنفذه، وأشاروا إلى أن مشاهدة بعض التحليلات من كبار المحللين قد تفيد اللاعب أحيانا ويقصد بها الفنية وليس الانتقادات الحادة. أما السادسة فكانت التعامل بحذر مع الإصابات والاستماع لتعليمات الطبيب بحرص.
كل ما سبق يمتلكه صلاح، نتذكر كيف كانت الانتقادات للجناح الدولي المصري منذ عامين أو عام ونصف، طريقة إنهاؤه للفرص لم تكن جيدة، قدمه اليمنى لا تعمل، لا يضرب بالرأس كما يجب و"أهدافه نادرة بها"، لا يمتلك الكاريزما الكافية وأكثر.
مع الوقت تطور صلاح وتقبل كل تلك الانتقادات من المحللين ومدربيه، نعم يمتلك شخصية وعقلية رائعة، لكنه أيضا طور من قدراته، مثلا هدفيه ضد ليستر سيتي عكسا تطورا ملحوظا في قدراته، وأهدافه ضد ستوك وساوثامبتون عكست تطورا فنيا وهكذا.
حتى في تصريحاته واحتفالاته أصبح يعكس شخصيته في الملعب، ذلك البطل الذي يقود فريقه للانتصارات، يجيد الحديث خارج الملعب، وظهر ذلك جليا في حواره المطول عبر موقع ليفربول.
ستيفن جيرارد أسطورة الحمر كان قد تحدث عن تطور قدرات صلاح البدنية، أما إيان رايت أسطورة أرسنال فقال إنه يجعله يشعر بنفس الشعور الذي يحسه حينما يتسلم ميسي الكرة حتى وإن عارضه جاري لينيكر فلا ينفي ذلك حقيقة ما أصبح عليه نجم الكرة المصرية.
--------
صلاح لم يعد في مرحلة الموهبة التي بحاجة للصقل، بل أصبح نجما كبيرا يقارن بالنجوم ويجب أن يوضع في هذه الصورة الآن، هذا لن يشكل عليه ضغطا بل سيفيده كثيرا، خاض رحلة تحدي ممتازة وقبل بمخاطرة لم يفعلها سوى قليل ورفض الاستسلام وحول ما كنا نعتبره مجرد كلمات معسولة إلى حقائق ملموسة من النجاح.
دائما إن أردت أن تتغلب على أي شيء فعليك بكسر حالة التردد والمضي قدما في الأمر، تجربة فيورنتينا كانت محفوفة بالمخاطر لكنه قبل بها، خطوة روما كانت مرحلة أكبر نوعا ما، ثم أخيرا ليفربول ومن يعلم الخطوة المقبلة.
حينما حاورت يورجن كلوب مدرب ليفربول في وقت سابق حول صلاح قال نصا: "أحب سلوكه كذلك. إنه لاعب من طراز عالمي، لذا، توقعاتي منه؟ أن يجلب السلوك الرفيع العالمي الذي ساعده على أن يصبح لاعبا مهما في ناد أوروبي".
وواصل "لدى صلاح الموهبة والسلوك الصحيح وفي ليفربول الثقافة والبيئة التي تساعده على الوصول لكامل تطلعاته للمستقبل، لا يوجد سقف للطموحات هنا".
وتابع "نوعية صلاح هي لاعب طموح يعمل ليصبح جزء من قصة خاصة، لديه الإمكانية لأن يصبح لاعبا خاصا في قصة ليفربول للمواسم القليلة المقبلة".
لذا كلوب ضم إلى فريقه لاعب يمتلك سلوكا رفيعا وعقلية رائعة شكلت قيمة لا بأس بها.
البعض –منهم ستيف نيكول نجم ليفربول السابق- انتقد صفقة صلاح وقال إنه لاعب سيجلس على مقاعد البدلاء ثم اعتذر بعد ذلك وقال لم أتوقع أبدا أن يكون بهذه القوة.
إن أردنا تعريف التحدي فيجب أن ننظر إلى صلاح لاستنتاج جملة تجعلنا نعلم جيدا ما سنقوله.
للتواصل مع الكاتب
مقالات أخرى للكاتب
-
إلى مارادونا الذي لم ولن أراه قط.. وداعا الخميس، 26 نوفمبر 2020 - 20:32
-
كيف تخسر قبل أن تلعب الأربعاء، 05 فبراير 2020 - 17:23
-
حرب لا نريدها.. الاحترافية الغائبة عن الدوري المصري الإثنين، 11 فبراير 2019 - 16:52
-
رحيل زيدان .. الحظ لا يطرق بابك ثلاث مرات الخميس، 31 مايو 2018 - 18:38