سؤال المليون دولار: كيف أصبح عماد متعب أسطورة تهديفية

عندما سجل عماد متعب أخر أهدافه للأهلي في الدوري، كان الفريق في حالة صيام عن التهديف لمدة 254 دقيقة. 32 ثانية كانت كافية لعماد متعب لكسر هذا الصيام.

كتب : فادي أشرف

الثلاثاء، 02 يناير 2018 - 18:48
عماد متعب - الأهلي - النجم الساحلي

عندما سجل عماد متعب أخر أهدافه للأهلي في الدوري، كان الفريق في حالة صيام عن التهديف لمدة 254 دقيقة. 32 ثانية كانت كافية لعماد متعب لكسر هذا الصيام.

قبل 15 عاما تم تصعيد عماد محمد عبد النبي إبراهيم متعب للفريق الأول للأهلي، وخلال 15 عاما جمع متعب من الخبرة التي جعلته في أقل من 32 ثانية يسجل هدفا ليس الأهم ولا الأروع في مسيرته المليئة بالأهداف الهامة والرائعة، ولكنه يوضح تماما لماذا سيظل عماد متعب عملة نادرة في الكرة المصرية.

ضد المقاولون العرب في 19 فبراير 2017، يرفع الحكم الرابع اللوحة الإلكترونية معلنا عن التغيير، يركض متعب إلى داخل الملعب. إذا لم تكن تعرف متعب، فتلك الركضة لا توحي لك بأننا أمام لاعب يمتلك أي قدرات خاصة، ليس طويلا أو قوي البنيان بشكل مميز، ليس سريعا لدرجة مخيفة.. يتمشى قليلا، يبدأ في التحرك للأمام بخطوات سريعة تشعر أنها متشككة وأنه لا يعرف إلى أين هو ذاهب بالتحديد. يطلب الكرة من جونيور أجاي في مكان من الصعب تشكيل خطورة فيه.

يستلم الكرة، ليست أفضل لمسة أولى ستراها.. المدافع لا يضغط عليه لأنه على عكس من لا يعرف متعب، يعلم جيدا أنه ليس خطيرا في تلك المنطقة من الملعب. يمرر لأجاي مرة أخرى بعد دورة تبدو غير مفيدة بالكرة. أجاي يشعر الآن بالوحدة ولن يجد حلا سوى تمرير عرضية يائسة مثل محاولاته مع زملائه في 74 دقيقة ماضية.

عرضية – متعب – هدف. مرحبا بكم في عالم تجري أحداثه بين تمريرة متعب لأجاي، ورأسيته التي سكنت الشباك.

مرحبا بكم في عالم يدور حول عماد متعب الذي ينهي اليوم فترته في الأهلي من أجل خوض تجربة جديدة في التعاون السعودي من أجل حلمه الأخير، المشاركة في كأس العالم 2018.

اقرأ - حوار في الجول – متعب يتحدث عن إجباره على الرحيل في الأهلي.. والحضري والمونديال

وكيله لـ في الجول: الثقة بين البدري ومتعب ضاعت.. ويراهن على خوض المونديال

ما الذي يجعل عماد متعب، عماد متعب؟

متعب سجل مع الأهلي أكثر من 100 هدف في كل البطولات. هدفه في مرمى المقاولون كان رقم 75 له مع الأهلي في مسابقة الدوري والذي جعله يتساوى في المركز الرابع مع السيد عطية، أو "توتو"، في ترتيب هدافي الأهلي في الدوري عبر العصور، على بعد 3 أهداف من صاحب المركز الثالث صالح سليم و4 أهداف عن الوصيف محمد أبو تريكة، و34 هدفا عن المتصدرين محمود الخطيب وحسام حسن.

هذا هو الرد عن سؤال (ما الذي يجعل عماد متعب عظيما لهذا الحد؟)، إذا كان مفهومك عن العظمة رقمي أو إحصائي.

ولكن بالنسبة لنا هنا، عظمة متعب ليست حول الـ75 هدفا بقميص الأهلي أو الـ33 هدفا دوليا الذين يضعوه في المركز السادس في ترتيب هدافي الفراعنة عبر العصور، بل عظمة عماد تتلخص في (كيف يحرز تلك الأهداف؟).

"متعب أثبت للجميع أنني صح .. ويؤكد كلامي الذي أقوله دائما، فهو يعرف جيدا طريق المرمى، وفك طلاسم الفوز للأهلي، متعب بدأ الهجمة التي جاء منها الهدف، ثم استكمل تحركه، أملا في التمركز بمكان، يساعده على تسجيل هدف، كلامي معروف عن عماد متعب بصرف النظر عن هدفه في مرمى المقاولون العرب".

حسن شحاتة هو أكثر من آمن بعماد متعب، لدرجة أن يضمه للقاء الجزائر في تصفيات كأس العالم 2010 وهو عائد من إصابة بقطع في الرباط الخارجي بالركبة، ومن المنطقي أن يقول ذلك عليه، لكن حسن شحاتة أعادنا للثواني الأهم، بين تمريرة متعب لأجاي ورأسيته التي سكنت الشباك.

عند سؤال كريس فوندولفسكي - مهاجم أمريكي سجل 121 هدفا في 260 مباراة في دوري المحترفين الأمريكي – عن وظيفة المهاجم وما يفعله في الملعب قال: "في جملتين، أنا مهاجم، ووظيفتي إحراز الأهداف، لكن الأمر فيه تفاصيل أكثر من ذلك بكثير".

ويضيف "في الحقيقة، الأمر معقد جدا، 75% من مهام وظيفتي تحدث قبل أن تصلني الكرة، قبل أن أركلها بقدمي أو برأسي وأحرز هدفا، علي أن أخلق نصف ثانية من المساحة لنفسي، هي لعبة شطرنج نفسي".

ويواصل الشرح "أحيانا عندما لا نملك الكرة في أماكن خطرة، سأضحي بمكاني داخل منطقة الجزاء. ولكن هنا علي أن أعلم في أي مكان بالظبط أريد أن أكون عندما تنتهي الهجمة، وعندما أرى زميل لي يركض على أحد الطرفين بالكرة، أفكر أن أمامه 8 ثواني قبل إرسال عرضية.. إذا أحتاج 7 ثواني ونصف قبل أن تصل التمريرة، علي أن أوهم المدافعين أني ذاهب إلى أي مكان أخر غير ذلك الذي ستصل فيه الكرة العرضية، ربما أوهمهم بالكسل بالوقوف على القائم البعيد، قبل أن أركض في نصف ثانية مع إرسال العرضية، وهدف".

لكن، كيف يعلم المكان السليم الذي يجب أن يكون فيه مع إرسال العرضية؟ "حسنا، هذا هو سؤال المليون دولار!".

"أولا، علي أن أعلم أين سيضع زميلي الكرة، وسرعتها، هذا أمر يعتمد على التوقيت ومعرفة زملائك، هي غريزة تنميها.. كل ما تقوم بهذه الوظيفة يصبح الأمر سهلا، وعندما تصل للكرة قبل المدافع أنت الآن مع الكرة وأمامك حارس المرمى والشباك، هنا يصبح الأمر ممتعا أكثر".

هنا يتوقف فوندولفسكي عن الشرح، لأن كيفية إنهاء الهجمة ووضع الكرة في الشباك فن في حد ذاته، هناك من يركلونها بقوة قرب حارس المرمى، ومن يركلونها في زاوية وكأنهم يمررون الكرة، أو يضعون رأسيتهم لترتطم بالأرض أولا وتخدع حارس المرمى، أو يضعون فيها جبهتهم كاملة لتأخذ قوة الكرة العرضية أو يضعها برأسه في زاوية مستحيلة.. فن في حد ذاته لا يمكن للكلمات وصفه أو تلخيصه.

بنفس الطريقة يتحدث سيرخيو أجويرو، الذي يقول "أن تجد مساحة داخل منطقة الجزاء هو أهم شيء، أول 10 دقائق من المباراة هي مرحلة البحث عن المساحات الضيقة، إن لم تسجل مبكرا لا مشكلة فقد علمت كيف يدافع المنافس".

ويضيف مهاجم مانشستر سيتي "عليك أن تكون في قمة تركيزك وتصل للكرة أولا، ستسأل نفسك متى سيمرر زميلك العرضية وهنا أقرر إن كنت سأذهب للزاوية القريبة أو البعيدة، الخدعة دائما أن تصل أولا".

لكن إلى أين تصل؟

"أريد أن أكون دائما في المكان الذي يجعل الحياة صعبة على أي مدافع، هذا أمر يتطلب الكثير من الذكاء، الأمر ليس حول التسديدة الأخيرة، بل حول ما تفعله قبلها".

حديث فوندولفسكي وأجويرو رائع، لكنه كان متمحورا حول اللعب لـ90 دقيقة، حظ أوفر لكما، لكن عماد متعب فعل كل ذلك في 32 ثانية.

في المؤتمر الصحفي للقاء السوبر في أكتوبر عام 2015، كان عبد العزيز عبد الشافي هو مدرب الأهلي ومتعب هو القائد، وفي هذا المؤتمر تحدث زيزو عن دور متعب الجديد، وهو "مهاجم الربع ساعة".

منذ ذلك الحين وحتى هدفه الأخير في بطولة الدوري، قلت مشاركات متعب بشكل دراماتيكي ليلعب فقط في 648 دقيقة منذ ذلك الحين، ولكن سجل متعب فيهم 10 أهداف.. نعم هدف واحد في كل 65 دقيقة لعب.

هذا الموسم لم يشارك متعب سوى في 46 دقيقة لم يسجل فيها ولا هدف.

في الموسم 2015/2016 إجمالا، سجل متعب 6 أهداف في 579 دقيقة، أو هدف في كل 96 دقيقة، في حين سجل هداف الفريق من المهاجمين ماليك إيفونا في ذلك التوقيت 12 هدفا في 1806 دقيقة، أو هدف كل 150 دقيقة.

هذا هو عالم عماد متعب، القدرة على استغلال الدقائق القليلة بأفضل صورة ممكنة، مستخدما تلك الغريزة التهديفية التي يبدو وأنها لا تنضب.

متعب لا يملك طول أحمد حسام "ميدو" الفارع وتسديداته القوية، أو بنيان عمرو زكي القوي أو مهارة محمد زيدان، لكنه امتلك غريزة تهديفية جعلته يسجل أكثر منهم جميعا، لتستمر صورته على جدران غرفة ذلك الشاب الأهلاوي ليذكره بجيل أبطال مراهقته وطفولته.