كتب : لؤي هشام
(إعادة نشر) - "نحن واحد، ومعا يجب أن ننجح في كتابة فصل جديد لتاريخنا من المجد في تلك البلاد" هكذا وقف أسطورة الكرة الأفريقية جورج ويا أمام عدسات الكاميرا مطالبا أبناء جلدته في ليبريا بالسعي نحو تغيير أفضل وانتخابه كرئيس للبلاد.
من لا يعرف ويا؟ المهاجم الإفريقي الوحيد الذي نال جائزة أفضل لاعب في العالم عام 1995، والأسمر الذي صال وجال مع أندية موناكو وباريس سان جيرمان وميلان ليصنع تاريخا للقارة السمراء، ولكن صولات وجولات جورج لم تتوقف عند الميدان الأخضر وانتقلت إلى ميدان السياسة.
صاحب الـ51 عاما فاز رسميا برئاسة البلد الصغير الذي يقع في غرب إفريقيا، بعد محاولتين فاشلة في 2005 انتهت لصالح إيلين جونسون سيرليف، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام وعام 2011 كنائب للرئيس.
ولكن كيف بدأت تلك القصة؟ حسنا قد تعود قصة ويا مع السياسة حينما كان في عمر الـ13، في تلك الفترة كانت البلاد تشهد انقلابا عسكريا على الرئيس ويليام تولبيرت عام 1980 الذي تم قتله على أيدي صامويل دوي قائد الانقلاب.
وبعدها بتسعة أيام وبينما كان الفتى الصغير، الذي انضم لأول نادي في مسيرته يانج سيرفايفرز - أو الناجون الصغار - بعدها بعام يتمشى على الشاطئ، شاهد حينها العشرات من مؤيدي تولبيرت وهم يُقتلون في الشوارع برصاص الجيش، وهو ما ترك أثرا عميقا بداخله قد يكون ساهم في هذا التحول إلى السياسة.
في عام 1988 كان ويا في طريقه نحو الإمارة الفرنسية موناكو مع المدرب أرسين فينجر، الذي يقول الليبيري إنه كان مستعدا للموت من أجله.
مسيرة مذهلة انتهت بانتقاله إلى العاصمة رفقة باريس سان جيرمان عام 1992 ليقودهم إلى لقب الكأس بعدها بعام ثم درع الدوري في 1993، شهرة ويا تتوسع أكثر فأكثر ومن فرنسا يطير نحو جنة كرة القدم إيطاليا مع ميلان، الذي قاده أيضا للسيري آ ليرفع لقب الأفضل بالعالم.
حسنا، تلك المسيرة الرائعة لم تكن لتفترض اهتمامه بالسياسة بعد اعتزاله الكرة، لم يكن هناك مؤشرا على ذلك مثلما يقول كيفن ميتشل الكاتب في صحيفة "جارديان". ولكن ميتشل يؤكد في تقرير له عام 2005 - تزامنا مع ترشح ويا الأول للرئاسة – أن الفكرة بدأت عند نيلسون مانديلا.
ويتابع ميتشل في تقريره "هدف عظيم": "عدد قليل من الناس من خارج دائرته المقربة أدركوا اهتمامه بالسياسة وذلك عندما قابل مانديلا في رحلة بجنوب أفريقيا منتصف التسعينات، مانديلا أطلق عليه لقب فخر إفريقيا، وويا وافق على ذلك".
"بعد تلك الرحلة، قال ويا للصحفيين إنه قد حان الوقت للأمم المتحدة من أجل المساعدة في إنقاذ بلاده من الحرب الأهلية، وبعد أسابيع قرر متمردون إحراق منزله، واغتصبوا اثنين من أبناء عمومته".
رحلة ويا لم تتوقف عند محاولة إنهاء الحرب الأهلية والدعوة للتعايش بين أبناء جلدته ولكنها استمرت كذلك على الصعيد الخدمي ومطالبته بتوفير بنية تحتية أفضل لبلاده، في انتخابات 2005، إذ وعد الليبريين بتوفير الماء والكهرباء.
وقال مهاجم تشيلسي الأسبق في حملته الانتخابية آنذاك: "يمكنكم أن تثقوا بي لأنني أعرفكم وأنتم تعرفونني، علينا أن نشيد من جديد بنيتنا التحتية، وعلينا إعادة أطفالنا للمدارس، شعبنا يحتاج للخروج من الظلام الدائم" كلمات بسيطة ولكنها كانت قريبة من قلوب البسطاء.
بعدها بأحد عشر عاما، وتحديدا في شهر أبريل من العام الماضي، أعلن ويا قراره بالترشح مجددا على منصب الرئيس في خطاب عاطفي موجه لشعبه.
"مثلكم جميعا عانيت من الفقر في صغري، كان هناك أوقات لم أمتلك بها ثمن الذهاب إلى مدرسة، وقوفنا اليوم معا هو قرار بشأن مستقبلنا. بالسنوات الماضية استمرت معاناة شعبنا من نظام طبي كارثي وغياب للكهرباء ونقص في المياه، نحن مستمرين في الفقر المدقع".
ولكن ما الذي تغير خلال الـ12 عاما الماضية؟ بالتأكيد اكتسب الرجل الذي ولد لأسرة تتكون من 12 طفلا، خبرات مختلفة تكونت من الممارسة في الأعوام الماضية، إذ كان سيناتور عن حزب التغيير الديمقراطي ليضيف العمل الحزبي المزيد إلى مهاراته في المعترك السياسي.
يقول أحد أعضاء حملته الانتخابية لصحيفة "جيرستيل" النيجيرية: "لقد وقف في 2005 وقالوا عنه إنه يفتقد للخبرة الكافية، ولكن الحقيقة الآن أن كونه سيناتور سيلعب دورا كبيرا في مساعدته، بالتأكيد مسيرته الكروية الجيدة تساعده أيضا، فحينما يُذكر اسمه يتذكر الليبريون العديد من الأشياء الجيدة".
قد يكون ويا أول لاعب كرة يصبح رئيسا لبلاده ولكنه ليس أول من دخل معترك السياسة، فقد سبقه كاي ليو جونيسين، حارس مرمى جزر الفارو الذي لعب في تصفيات كأس العالم 1994 وتصفيات أوروبا 2002، حينما أصبح رئيس وزراء بلاده خلال الفترة من 2008 وحتى 2015.
بالتأكيد سوف ينضم لاعب الروسونيري السابق إلى قائمة اللاعبين الذين اعتبروا كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، وإنما قضية تحرر.. ويا سيكون إلى جوار سقراط ومارادونا ورشيد مخلوفي.