فورزا كالشيو (18) - "الكاتيناتشو".. البداية من رابان وصناعة المجد مع هيريرا
السبت، 16 ديسمبر 2017 - 12:16
كتب : عمر ناصف
اشتهرت إيطاليا في كرة القدم بالدفاع دائما فمنتخبها يفوز بكأس العالم لأنه يدافع وأنديتها تحقق الانتصارات الأوروبية والمحلية حال كونها الأقوى دفاعيا والأكثر قدرة على الحفاظ على شباكها نظيفة ولا عزاء للهجوم والضغط العالي والكرة الشاملة.
"نحن فقط ندافع أفضل من الجميع" هكذا يعتبر الإيطاليون أنفسهم وسط العالم في محاولات لإبعاد شبهات أنهم يتعمدون الرجوع والوقوف أمام مرماهم فقط في المباريات.
إيلينو هيريرا المدرب الأسطوري لإنتر ميلانو تحدث عن تلك النقطة أيضا فقال "البعض نسى الأداء الهجومي الذي كان يقدمه إنتر معي مكتفيين بوصف أفكاري بأنها دفاعية فقط".
الجميع ركز على أن دفاع إنتر كان صلبا حديديا لا يخترق بطريقة "كاتيناتشو" الدفاعية الأشهر في التاريخ وتناسوا العمل الهجومي الذي قدمه إنتر خلال تلك الفترة مع هيريرا وكل ما تم تحقيقه بعد ذلك باستخدام تلك الطريقة مع تطورها بمرور الزمن.
"كاتيناتشو" أحد أهم الطرق الخططية في العالم من الناحية الدفاعية البعض يشببها بـ"قفل الباب المتحرك" والسبب أن تنفيذ الطريقة على أرضية الملعب يشبه طريقة عمله فهناك قطعة صلبة ثابتة لا يتحرك وعليها قطعة أخرى متحركة تذهب وتجيء وهذا هو الجديد في تلك الطريقة "لاعب مهمته الأساسية فقط هي تغطية زملاءه خلف خط الدفاع".
بدايتها لم تكن في إيطاليا أبدا ولكنها خرجت من سويسرا عن طريق المدرب كارل رابان الذي بكل بساطة فكر في طريقة لتعزيز دفاعاته بإضافة لاعب جديد إلى خط الدفاع على حساب أحد مهاجمي فريقه سيرفيت خلال العام 1932 الظهور الأول للطريقة التي أطلق عليها اسمه "فيرو" بالفرنسية ترجمتها هي "قفل الباب المتحرك".
الفكرة أنه في ذاك العصر كانت المراقبة الفردية هي المنتشرة ودور هذا المدافع الزيادة هو دعم زملاءه في الدفاع في حال نجح أحد المهاجمين في التفوق على رقيبه والمرور منه ليجد نفسه في مواجهة مدافع جديد بدلا من أن يواجه المرمى مباشرة.
لم تخرج تلك الطريقة من سويسرا ولا أحد يعرف ماذا حدث بعد ذلك سوى أن الحرب العالمية الثانية قد قامت وبنهايتها وجد الإيطاليون مدربا يدعى جيبو فياني - يقود فريق سالرنتينا - يخبرهم بأنه اخترع مركز جديد في كرة القدم وهو "القشاش".
يحكي فياني أنه أثناء جلوسه على البحر في أحد الأيام وجد أن الصيادون يستخدمون شبكة أساسية للإمساك بالأسماك وخلفها شبكة أصغر دورها أن تقوم بجمع الأسماك الصغيرة التي تهرب من الشبكة الكبرى أو مساندتها في حال تعرضت لقطع داخلي.
ألهمه ذلك أن يقوم بتوظيف لاعب جديد خلف خط الدفاع بنفس الأدوار التي طلبها رابان من مدافعه الإضافي وتم تسمية تلك الطريقة في بدايتها بـ"فيانيما" نسبة إلى المدرب الذي أدعى اختراعها والذي لم يوفق في تحقيق النجاح بها.
خليفته في تدريب ساليرنتينا كان "نيرو روكو" والذي اعتمد على تلك الطريقة ليبدأ تحقيق النجاح بها وينتقل إلى تدريب تريستينا حيث قادهم بتلك الطريقة إلى المركز الثاني في موسم 1947-1948 وبعدها بعشرة أعوام قاد بادوفا للمركز الثالث بنفس طريقة اللعب.
يعتبر إنتر ميلانو أول فريق إيطالي كبير قرر الاعتماد على تلك الطريقة في لعبه وذلك عندما نفذها المدرب ألفريدو فوني ونجح في قيادة الأفاعي لتحقيق اللقب موسم 195-1951 رغم أنهم سجلوا 30 هدفا أقل من الوصيف يوفنتوس ولكنه استقبلوا أهدافا أقل.
الغضب العارم اجتاح إيطاليا ذاك الموسم من تلك الطريقة فبعد أن كان فريق تورينو في نهاية الأربعينيات يتجاوز الـ100 هدف كل موسم جاء إنتر وفوني لقتل متعة الأهداف ولكن لا شيء تغير وواصلت الأندية الإيطالية الواحدة تلو الأخرى استخدام تلك الطريقة.
الصحفي الإيطالي الأشهر جياني بيريرا كان هو من أطلق اسم "ليبرو" أي اللاعب الحر على المدافع الجديد الذي تم إضافته إلى الخط الخلفي ليكون هذا هو الاسم الرسمي للمدافع القشاش في قاموس كرة القدم المستخدم حول العالم.
فوني في إنتر استخدم مدافعا يدعى إيفانو بلاسون للقيام بدور الليبرو، بلاسون كان بطيئا وعنيفا ولكنه كان يتمتع بميزة أضافت إلى مركز الليبرو وطورته وهي "الكرات الطويلة" فقد كان الإيطالي الضخم مميزا في إرسال كرات أمامية طولية دقيقة خلال مرتدات فريقه ساهمت كثيرا في انتصاراتهم.
جاءت الستينيات وعين إنتر مدربا أرجنتينيا يدعى "إيلينو هيريرا" لقيادة الفريق ولكنه في أول موسمين له فشل في تحقيق النجاحات مع الأفاعي ليجد نفسه في جلسة مع رئيس النادي أنجيلو موراتي يقنعه فيها إما بتنفيذ طريقة أكثر دفاعيا أو مواجهة الإقالة فورا من الفريق.
اختار هيريرا الطريقة الدفاعية الأشهر في إيطاليا خلال تلك الفترة "كاتيناتشو" لينطلق حاصدا لقب الدوري في ثلاث مناسبات وبطولة أوروبا في مناسبتين في أول نجاح خارجي لها منذ ظهورها.
حاول هيريرا كما حاول فياني سابقا أن ينسب فضل الكاتيناتشو لنفسه مدعيا أنه من اخترع تلك الطريقة وأطلق عليها اسم "الحائط الأسمنتي".
ولكن محاولاته فشلت في النهاية وإن كان الأرجنتيني الأسطوري حاول جاهدا أن يلفت نظر الجميع إلى الشق الهجومي لفريقه والذي جعل ظهيرا أيسرا كجياكينو فاكيتي يسجل 32 هدفا خلال ثمانية مواسم.
فاكيتي كان من أوائل اللاعبين في تاريخ كرة القدم يحمل لقب "اللاعب المتكامل" فقد كان يدافع مع زملائه وينطلق إلى الأمام مسجلا الأهداف ومهديا زملاءه أخرى وذلك بفضل أفكار هيريرا في تطوير كاتيناتشو لجعلها أكثر هجومية.
مرت الأعوام ولم تشهد كاتيناتشو تطورات كثيرة وقل استخدامها بنهاية الستينات حتى جاء النصف الثاني من الثمانينات وبداية التسعينات عندما انتقل عمل "الليبرو" من العمل خلف الدفاعات إلى اللعب أمامهم.
كان ذلك بفضل كرة السلة الأمريكية واللاعب الـ"بوكس تو بوكس" المكلف بالرجوع والدفاع مع زملائه والانطلاق للهجوم ومفاجئة دفاعات المنافس بتواجد لاعب زيادة أمامهم.
أسطورة ميلان وإيطاليا فرانكو باريتزي كان من أوائل اللاعبين الذين شغلوا هذا المركز الجديد وأندريا بيرلو في يوفنتوس يعتبر أبرز مثال في العصر الحديث.
بمرور الزمن قل الاعتماد على تلك الطريقة بشكلها الأساسي وإن حققت اليونان بقيادة أوتو ريهاجل لقب يورو 2004 باستخدامها و"روح إيلينو هيريرا قد سيطرت على أفكار مارشيلو ليبي" كما كتبت صحيفة جارديان بعد فوز إيطاليا بمونديال 2006 بفضل الاعتماد على تلك الطريقة.
أصبح من النادر حاليا أن ترى "كاتيناتشو" كثيرا في ظل انتشار الكرة الهجومية الشاملة فأصبح من يستخدمها يتعرض لموجة من الهجوم المتواصل من الصحفيين والإعلاميين والجماهير بوصفه بالمدرب الرجعي - الجبان - إلى آخره في حال قرر الاعتماد عليها.
حاول بعض المدربين استخدامها وتطويع تلك الطريقة للتأقلم مع تطورات كرة القدم أبرزهم أنطونيو كونتي والذي نجح في الجمع بين تلك الطريقة الدفاعية بالضغط العالي مع تشيلسي الموسم الماضي وحقق الدوري الإنجليزي.
الـ"كاتيناتشو" لا تنتهي فدائما ما تختفي لفترات طويلة قبل أن تعود وتضرب ضربتها القوية لتساعد مستخدمها لحصد ألقاب تاريخية في النهاية.
لمشاهدة باقي حلقات "فورزا كالشيو" اضغطهنـــــــــــا