محمد صلاح.. أو كيف تحول سهام النقد إلى ورود
الأربعاء، 13 ديسمبر 2017 - 14:34
كتب : أحمد عبد اللطيف يوسف
يمر على أسماعك وصف محمد صلاح ببعض الكلمات مثل سريع، مراوغ، ذكي. الجميع يعرف كيف كانت تلك الصفات، كل منها على حدة، عاملا للتمهيد لظهور نجم الكرة المصرية.
مسيرة صلاح لم تكن سهلة على الإطلاق، إنه لاعب نجح في تحويل الانتقادات إلى عمل حقيقي داخل الملعب وتطور في كل فرصة ممكنة، كيف فعل ذلك؟
"لست متفاجئا بمستوى صلاح هذا الموسم. أنا أعلم جيدا حجم ما يستطيع فعله منذ وقته معي في تشيلسي، تطور خلال فترته في إيطاليا وأصبح أكثر نضجا وتطور بدنيا" هكذا تحدث جوزيه مورينيو مدرب مانشستر يونايتد، والسابق لصلاح في تشيلسي، بعد قيادة اللاعب لمنتخب بلاده لكأس العالم بروسيا 2018.
مستقبل على المحك
"تأكد من أن تكون جاهزا قبل بداية الموسم المقبل". هكذا انتقد مورينيو - بين شوطي المباراة - مشاركة محمد صلاح مباراة تشيلسي ونورويتش سيتي.
صلاح لم يستمر مع الفريق وخرج معارا لفيورنتينا الإيطالي، فهل تجربة اللاعب كانت سيئة في ستامفورد بريدج؟ هل اللوم يقع كاملا على محمد صلاح؟
هناك متطلبات عديدة لكي تكون موجودا في تشكيل البرتغالي الاستثنائي، يمكن أن نصل إليها عبر تصريح مورينيو عن تفضيله للاعبه مروان فيلايني، "إنه لاعب ذو قدرات خاصة ويمنحني العديد من الخيارات والمراكز وحتى فلسفة في الملعب، إنه أحد أهم لاعبي حتى ولو لم يبدأ". مرورا بالصفقات التي يبرمها البرتغالي نجد أنه يحبذ اللاعب ذو المجهود البدني العالي لتقديم أدوار دفاعية بجانب دوره الهجومي كذلك منح اللاعب مدربه الخيارات التكتيكية بالقدرة على التواجد في أكثر من مركز بالملعب.
ظاهريا، كان السبب الرئيسي لتعاقد مورينيو مع صلاح ليكون بديلا للإسباني خوان ماتا الذي استغنى عنه تشيلسي لأنه كان يبطئ الاداء الهجومي للفريق أثناء تحول دفاعات الخصوم للحالة الهجومية وهو ما تحدث عنه البرتغالي قائلا: "صلاح سيفيد الفريق حين نواجه خصوما يلعبون بدفاعات متقدمة، لأنه سريع ويجيد ضرب مصيدة التسلل".
لكن ما الذي حدث؟
بالرغم من إحراز اللاعب لهدف في فوز الفريق على أرسنال بسداسية، انتقد مورينيو صلاح لكنه لم ينجح في إثبات ذاته وكان خجولا بعض الشئ كما أشار فرانك لامبارد قائد تشيلسي آنذاك كذلك.
لم يحصل صلاح على الوقت الكافي للمشاركة تحت قيادة مورينيو في ظل وجود تخمة مميزة من اللاعبين فى نفس مركز اللاعب المصرى مثل إدين آزار وويليان وأوسكار وأندريه شورله.
صحيفة "ديلي ميل" قالت في ذلك التوقيت إن وجود صلاح وشورله مع كثرة اللاعبين الجاهزين يحدث الضوضاء في دكة بدلاء الإستثنائي
حمدي نوح مدرب اللاعب في قطاع الناشئين بنادي المقاولون العرب قال إن اللاعب كان يشارك في مركز الظهير اﻷيسر، مشيرا إلى أن تحول اللاعب لشغل مركز الجناح مع عدم إلزامه باﻷدوار الدفاعية بعد ذلك وتحديدا في فريق تحت 19 عاما مع المقاولون وشغله مركز المهاجم المتأخر ﻻستغلال سرعته في المناطق اﻷمامية من الملعب، قلل من الحس الدفاعي للاعب في النهاية.
الحقيقة أن البرتغالي لم يسعفه الوقت، نظرا لمنافسة الفريق على لقب الدوري الإنجليزي وكذلك كثرة اللاعبين لتطوير الجناح التقليدي سوى بعض الأدوار الدفاعية ولكنه لم يجد ضالته في اللاعب لأنه لا ينفذ تعليماته بالشكل الذي يريده.
ورحل صلاح إلى فيورنتينا لوقوع اختيار مورينيو على الكولومبي خوان كوادرادو، صلاح شارك في 19 مباراة سجل هدفين وصنع أربعة أهداف.
صلاح قرر أن لن يسمح أن تكن تلك اللحظات بمثابة يأس بالنسبة له ونفض غبارها سريعا.
الوقت كالسيف
"يحتاج اللاعبون إلى وقت للتكيف مع فرقهم الجديدة، والبعض منهم يبقى والبعض الآخر يفضل الانتقال إلى ناد آخر، وهو أمر طبيعي في كرة القدم" هكذا تحدث البرتغالي مورينيو عن رحيل صلاح.
لا يختلف أحد على امتلاك اللاعب لمقومات الوجود ضمن الكبار، لكن عقلية صلاح ألهمته أن مجرد التواجد الشكلي ضمن صفوف فريق كبير ليس مجديا كما يفعل البعض مرورا ببعض الانتقادات والتوبيخ.
صلاح اتجه للدوري الإيطالي للبحث عن ذاته بعيدا عن ضباب لندن من أجل عودة الثقة بعد ما كادت دكة ستامفورد بريدج تتمكن من نهشها، اللاعب تمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى في نادي بعيدا عن منصة الألقاب وكان لصلاح ما أراد مع فيورنتينا. اندفع للهجوم وأحرز 9 أهداف وصنع 4 في 26 مشاركة مع البنفسجي، والجميع يتذكر دوره في حسم مباريات كبرى لفريقه أمام إنتر ويوفنتوس وتوتنام.
فترة وجود اللاعب مع روما كانت الأهم في تطوير مستواه البدني بشكل يتناسب مع مدافعي الدوري الإيطالي ، نضج اللاعب واستجابته للأدوار الجديدة كذلك انتقادات المدير الفني لوتشيانو سباليتي ساهم بدوره في تغيير أفكار الأندية والمدربين السلبية عنه كما تحدث أحمد حسام "ميدو" مهاجم روما الأسبق مع ذلك، ويقول: " الشخصية التي اكتسبها في إيطاليا هي التي ساعدته على تحمل الضغوط والتألق في ليفربول" .
صلاح في عامه الأول مع روما تمكن من تسجيل 15 هدفا وصناعة 11، شتان الفارق بين رقمه في العام السابق مع تشيلسي هو يجيد دائما إثبات ذاته كلما وجهت له سهام النقد.
صلاح لم ينج من انتقادات سباليتي بسبب عدم قدرته على أداء اﻷدوار الدفاعية بالشكل الجيد بالإضافة إلى رعونته في إنهاء الهجمات بالشكل الجيد وهو ما يتحدث المدرب بعد تألق اللاعب" كان يعتقد أنه يسجل الأهداف بطريقة واحدة ولا يستطيع اللعب في مكان آخر، الآن اقتنع أنه يستطيع اللعب بين الخطوط، واعتقد أن هذا الدور جعله مدمرا"
صلاح أقنع مدربه سباليتي وتحول من اللاعب الوديع إلى "أفضل لاعب دربته طوال مسيرتي" الممتدة منذ عام 1995 ، بحسب سباليتي.
الدور الجديد الذي أعطاه سباليتي لصلاح بالتحرك بين الخطوط لهروب من الرقابة جعله أكثر فاعلية وجماعية حتى حصد في عامه الثاني على أفضل لاعب في نادي روما في موسم 2015/2016 وجائزة أفضل لاعب عربي بواسطة جلوب سوكر في نفس العام ، صلاح شارك مع روما في خمسة مراكز مقابل مركزين مع تشيلسي فقط في الجناح.
3 مراكز جديدة صنعها سباليتي في صلاح كلاعب وسط هجومي ومهاجم ثاني كذلك المهاجم الصريح لعل ما أبرز الأدوار الجديدة لسباليتي بتواجد اللاعب في العمق هو موسم صلاح الثاني حيث ارتفع معدل اللاعب في التسديدات من 2.1 تسديدة في المباراة خلال الموسم الأول له مع الفريق إلى 2.5 ،11 تسديدة من داخل منطقة الجزاء للاعب مقابل تسديدتين فقط في موسمه الأول وهو ما يؤكده تصريحات إدين دجيكو مهاجم روما أن الفريق تأثر برحيل صلاح العودة من جديد.
"صلاح لم يشعر بخيبة أمل في تشيلسي، كان عمره أصغر، ووسط مجموعة عملاقة من اللاعبين،الوضع لم يكن الأفضل بالنسبة له ثم حاول فعلها بطريقة أخرى وأخيرا نجح". الألماني يورجن كلوب متحدثا عن محمد صلاح ، كلوب كرر أدوار سباليتي مع صلاح مع بعض التطورات التي طرأت على اللاعب ولكن استجابة صلاح أدهشت المدرب، السرعة في اتخاذ القرارات ورؤية الملعب تطورا كثيرا فأصبح إهدار الفرص التي كانت محل نقد للاعب مع روما أمر غير موجود الآن.
بعد 16 جولة من الدوري الإنجليزي بات صلاح هداف الدوري الإنجليزي متفوقا على مهاجمين من الطراز العالمي أمثال هاري كين وسيرخيو أجويرو وروميلو لوكاكو، 19 هدفا أحزها اللاعب وصنع 6 في 24 مباراة متفوقا على أرقامه الشخصية في فترات لعبه ضمن صفوف بازل وفيورنتينا.
المعدل التهديفي للاعب أجبر أساطير ليفربول جيمي كاراجر وستيفن جيرارد وستيف نيكول وفيل تومبسون على الإعتراف بخطأهم بالتقليل من انتقال صلاح لأنفيلد.
ليالي قارصة البرودة، أو دربيات، هو لا يأبه لكل ذلك لا يكل ولا يمل عن تسجيل الأهداف وابهار منتقديه صلاح كان يحرز كل 102 دقيقة مع روما الآن يسجل كل 91.7 دقيقة مع ليفربول متفوقا على السجل التهديفي حتى الآن لليونيل ميسي مع برشلونة.
صلاح يمتلك 50 هدف في الدوريات الخمس الكبرى وهو أكثر اللاعبين المصريين مشاركة وإحرازا في البطولات الأوروبية.
"سأذهب غدا لشراء سجادة، أوجهها صوب الشرق، وأصلي كل يوم ليبقى محمد صلاح معنا للأبد" هكذا تحدث أحد جماهير ليفربول، آخر تحدث عن طلب الجنسية المصرية ، صلاح لم يغير فقط المفهوم السلبي عن اللاعب المصري في نظر أوروبا. مرر لصلاح لم تعد خطة تكتيكية بل فكرة. يحمل اللاعب على عاتقه أي فريق يتواجد به كما تحدث محمد أبو تريكة "صلاح هو ليفربول" .