فورزا كالشيو (17) - حكاية فيلاديلفيا.. "فليحيا قلب جراناتا القديم"

يتنافس الملاك في إيطاليا خلال الفترة الماضية على بناء ملاعب خاصة لأنديتها وذلك لتكرار تجربة يوفنتوس مع ملعبه الجديد والذي تحول اسمه إلى "أليانز تورينو" وأصبح أحد الأمكان الجاذبة للسياحة في المدينة بجانب كونه مصدر دخل للفريق.

كتب : عمر ناصف

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017 - 14:50
ملعب فيلادلفيا

يتنافس الملاك في إيطاليا خلال الفترة الماضية على بناء ملاعب خاصة لأنديتها وذلك لتكرار تجربة يوفنتوس مع ملعبه الجديد والذي تحول اسمه إلى "أليانز تورينو" وأصبح أحد الأمكان الجاذبة للسياحة في المدينة بجانب كونه مصدر دخل للفريق.

بلدية العاصمة روما حتى الآن ترفض إعطاء جايمس بالوتا مالك ذئاب العاصمة التصريح لبناء ملعب جديد للفريق للخروج من الملعب الأولمبي وإدارة ميلان والجار إنتر تخرج بوعود دائمة حول وجود مشروع لهم لترك ملعب سان سيرو للجار الاخر والاستقلال بملعبها دون تحرك رسمي واضح.

جماهيرالفريق الملقب ب"جراناتا" تعرف جيدا كل تلك الوعود والعراقيل الإدارية التي توضع أمام الأندية هناك لبناء ملعبها فقد عاشت طوال فترة امتدت من ستينات القرن الماضي وحتى هذا العام وذلك لإحياء ملعبها القديم "فيلاديلفيا".

بالتأكيد لم تسمع بهذا الاسم من قبل "ملعب فيلاديلفيا" ولكن هناك كتب عليه جزء من تاريخ الكرة الإيطالية، تم بناءه في 1926 وافتتح في نفس العام بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف متفرج وذلك ليحتضن مباريات فريق تورينو منذ ذاك التاريخ.

عليه انطلق تورينو حاصدا الأخضر واليابس وظل بداية من يناير 1943 وحتى 1949 بلا أي هزيمة عليه قاهرا كل الضيوف ومحققا الأرقام القياسية الواحدة تلو الأخرى.

100 انتصار متتالي وخمسة ألقاب متتالية للدوري ظلت رقما قياسيا حطمه يوفنتوس بفوزه باللقب السادس تواليا الموسم الماضي.

أضاف قبلها لقب دوري أخر ليصبح مجموع بطولات الدوري التي شهد عليها ملعب فيلاديلفيا هو 6 من أصل 7 حققهم تورينو في تاريخه.

"تورينو العظيم" ذاك الفريق الذي قهر إيطاليا كلها في أربعينيات القرن الماضي فكان ملعبه "فيلاديلفيا" مقبرة الغزاة وعلى أرضه تحققت البطولات وسجلت الأهداف فكان الفوز الأكبر في تاريخ الدوري الإيطالي حتى الآن مسجلا بأسم تورينو على هذا الملعب عندما تغلب على أليسندريا بعشرة أهداف نظيفة.

هناك كان يعلن المشجع "أوريستي بولميدا" بقرعة من طبلته عن بدء "ربع ساعة الحسم" عندما يحتاج فريقه إلى التهديف فيشمر القائد فالنتيمو مازولا قميصه صارخا في زملاءه للتقدم والتهديف وهو ما كان يحدث غالبا فسقط الخصوم الواحد تلو الأخر على هذا الملعب إلى أن حدثت الفاجعة.

الرابع من مايو 1949 سقطت الطائرة التي كانت تحمل فريق تورينو العائد من المجر في مكان بالقرب من ملعبهم وينتهي جيل تورينو العظيم بأكمله "سوبيرجا" كان اسم تلك الفاجعة.

ظل تورينو يلعب في فيلاديلفيا حتى العام 1959 عندما انتقل إلى ملعب كوميلو ليهبط إلى الدرجة الثانية ويقرر العودة سريعا إلى ملعب فيلاديلفا قبل أن يتوقف عن لعب مبارياته هناك في 1963 نهائيا ويكتفي بإجراء تدريباته هناك.

"الجمهور واللاعبين كانوا يتحولون إلى كتلة واحدة هنا، الملعب كان يتحول إلى منزل أو كنيسة للجميع" كان ذلك تعليق أحد مدربي تورينو التاريخيين إيميلو موندينيكو عندما تم سؤاله عن "فيلاديلفيا".

فهذا الملعب كان مصمما كالملاعب الإنجليزية فالمدرجات والجماهير أقرب للملعب من أي شيء أخر و"كوميلو" والملعب الأولمبي من بعده كانا يفتقدان لتلك الميزة فهناك تراك ألعاب القوى الغير مستخدم إطلاقا والذي يقف حائلا بين أرضية الملعب والمشجعين ليصنع فجوة كبيرة لم تلتئم مع مرور الأيام.

مع بداية الثمانينات توقف تورينو عن التدرب على هذا الملعب ليتم هجره تماما لفترات طويلة تحول خلالها الملعب التاريخي إلى ملجأ للمشردين ومتعاطي المخدرات.

نظرة الحزن كانت واضحة على الجميع من مشجعي تورينو فملعبهم التاريخي تحول بفعل الزمن إلى مجرد "خرابة" تهدم معظمها ولم يتبق منه سوى مدرج وحيد يقف كالآثار القديمة وذلك في 1998.

خطأ وقع فيه أحد رؤساء تورينو كلفهم الوصول إلى تلك المرحلة ففيروتشي نوفو قرر بعد حادثة "سوبيرجا" تحويل ملكية الملعب وإدارته إلى الاتحاد الإيطالي لكرة القدم وليس النادي فأصبح الملاك من بعده والجماهير مطالبة بالحصول على الموافقات الإدارية والمرور بإجراءات بيروقراطية من أجل إجراء أي تعديل على ملعبهم.

منذ توقف تورينو عن اللعب هناك ظهرت العديد من التحركات لإعادة إحياءه ففي 1990 أعلن النادي أن "العودة لفيلاديلفا فوق أي اختلاف" وتم الإعلان عن خطة لتطوير الملعب وتوسعته ليتسع لـ30 ألف متفرج ولكن 4 سنوات مرت وكان الفريق يعلن عن إغلاق الملعب نهائيا لأنه "أيل للسقوط".

في نفس العام خرج عمدة تورينو السابق "ديجو نوفيلي" برفقة جمعية "أصدقاء فيلاديلفيا" للإعلان عن مشروع جديد لترميم الملعب بسعة 15 ألف متفرج فقط وأكدوا حصولهم على الموافقات اللازمة ولكن ينقصهم المال، أدى ذلك إلى خروج حملة "اشتري حجر" لبناء الملعب من تبرعات الجماهير.

400 مشجع فقط قاموا بشراء "حجر" وفشل المشروع ليتم بعده الإعلان عن آخر وهو تحويله لملعب للتدريب يسع 12 ألف متفرج فقط.

"الكارثة ليست في الموت ولكن في النسيان أنقذوا فيلاديلفيا" لافتة رفعتها جماهير تورينو بعد أن مرت المهلة المعلنة لإعادة افتتاح الملعب لهم مرة أخرى.

انتظرت الجماهير حتى عام 1997 عندما خرج مالك الفريق الجديد ماسيمو فيدوليتش ليعلن عن نيته إحياء الملعب مرة أخرى كسابقيه وفي ذاك الوقت إنهاء ما تبقى من الملعب بسبب الإهمال وضعف بنيته.

عندما تهدم الملعب تجمع العديد من اللاعبين القدامى رفقة الجماهير بأعين باكية وأحد أبناء ضحايا كارثة سوبيرجا وهو فرانكو أوسلو قال "لقد كان هذا هو المكان الوحيد الذي أشعر به بوجود والدي لقد أخذوا كل شيء منا".

أعلنت صحيفة "لا ريبوبليكا" في 1998 أن مشروع فيلاديلفيا الجديد قد حصل على الدعم المادي اللازم ليرى النور في الذكرى الخمسين لفاجعة سوبيرجا ولكن العام 1999 مر بدون أن يحدث شيء.

وفي 2004 ظهر اقتراح أخر أغضب الجميع وهو بناء ملعب يتسع لألفين متفرج فقط لمباريات فرق الشباب والناشئين ولكنه لم يستمر أيضا.

بدأت مشاكل أخرى تظهر بعد ذلك فسابقا كان المال هو الحاجة ولكن بعد ذلك أصبح المكان نفسه مشكلة فلا يوجد أي مساحة للتوسع حول الملعب ولا يوجد إمكانية لبناء ضخم في تلك المنطقة لتسكن جماهير تورينو إلى الحقيقة المرة "لا يوجد عودة إلى فيلاديلفيا".

في 2011 ظهرت مجموعة جديدة تطالب بعودة الملعب وأعلن عن قيام مؤسسة "ملعب فيلاديلفيا" وذلك لإعادته إلى الحياة، وأخيرا نجحوا في ذلك بمساعدة مالك الفريق الحالي أوربان كيرو والذي وضع حجر الأساس الأول لبناء "فيلاديلفيا".

ملعب تدريبي يتسع ل4 آلاف متفرج فقط ليحتضن تدريبات الفريق ومباريات الناشئين بجانب كونه المقر الرئيسي للنادي بجانب متحف يحتفظ بذكريات الفريق التاريخية.

"شكرا لبلدية تورينو وشكرا للجماهير لقد أصبح الحلم حقيقة أخيرا فيلاديلفيا عاد ليكون هو منزلنا".

24 مايو 2017 بعد 54 عاما من أخر مباراة لعبها الفريق على هذا الملعب عاد فيلاديلفيا للحياة مرة أخرى.

الجماهير حضرت التدريب الأول بعد إعادة انشاء وافتتاح الملعب الذي شهد أمجادهم ولافتة واحدة تم رفعها بطول الملعب.

"فليحيا قلب جراناتا القديم".