كتب : لؤي هشام
مانشستر سيتي يسجل الهدف الثاني وعقارب الساعة تشير إلى دقيقة 54، بعدها بخمس دقائق فقط كنا على موعد للتبديل الثاني للسماوي.. ولكن ما هذا؟! المهاجم جابرييل خيسوس يخرج والمدافع إليكايم مانجالا يدخل، ماذا يدور في ذهنك يا جوارديولا؟!
مانشستر سيتي حقق انتصاره الـ14 على التوالي يوم السبت وعلى حساب الجار اللدود يونايتد، 2-1 تعني أن الفارق بينهما أصبح 11 نقطة وأن آمال تحقيق لقب الدوري الإنجليزي اقتربت مع مرور 16 جولة.
المدرب الإسباني الذي عُرف دائما بأسلوب لعب الهجوم، الهجوم ثم الهجوم أجرى تبديلا دفاعيا واضحا، تبديل وإن صدر من أي مدرب آخر لما كان مستغربا ولكن علامات الذهول أتت من كونه صدر من مدرب بعقلية بيب جوارديولا.
الأمر هنا لا يدور حول تراجعه عن فلسفته فقد أظهر في أكثر من مناسبة مدى تمسكه بأفكاره بل وأكد أن أسلوبه يمكن أن يكون ناجحا في أي مكان وليس إسبانيا أو ألمانيا فقط.
ولكن خلف ذلك التبديل كان هناك ما يبدو أنه رؤية أكثر واقعية تتناسب مع احتدام الصراعات في الكرة الإنجليزية، وإدراك ونضج أكبر أتى مع مرور السنوات والتعرض للتجارب المختلفة.
مع برشلونة كانت تجربة جوارديولا الأكثر رومانسية – كما يقولون – فالشاب الحالم بأفكار لا تعرف إلا السيطرة على الكرة والهجوم فقط لا غيره تحققت أمانيه مع "الفريق الفاضل" – أو في مدينته الفاضلة – آكلا الأخضر واليابس لأعوام دون أن يتمكن أحد من إيقافه.
وبعد الرحيل إلى بايرن ميونيخ كانت تلك أولى التجارب خارج البيت الذي قضى فيه عقودا كلاعب ومن ثم كمدرب برفقة الفرق السنية المختلفة، تجربة اصطدم فيها بميراث ألماني من الأفكار الكروية والسيطرة الإدارية المختلفة عما عايشه رفقة بارسا.
لم يثن ذلك بيب عن محاولة إحداث ثورة، وعلى الصعيد الفني فقد تحقق له مراده بعدما انتشرت أفكاره في ربوع ألمانيا بل واعتمد مدرب المنتخب الألماني يواكيم لوف على بعض من أفكاره التي قادت الماكينات للتتويج بكأس العالم.
رغم ذلك إلا أن التجربة لم تكن ناجحة بشكل كامل، أفكاره وإن كانت مؤثرة إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة، والسبب الذي أتى به مديرا فنيا خلفا ليوب هاينكس بعد الثلاثية كانت الرغبة في السيطرة الأوروبية والحفاظ على بطولة دوري أبطال أوروبا.
لم ينجح بيب في ثلاثة مواسم متتالية في تخطي نصف نهائي المسابقة، بل والأدهى والأمر أن خروجه في الثلاث مناسبات أتى بطريقة مشابهة. مساحات كبيرة في الخلف استفاد منها الخصوم أفضل استفادة بالأوقات الحاسمة.
انتهت التجربة بسلبياتها وإيجابياتها وحان وقت الترحال إلى مكان آخر، ولكنه أكثر قسوةً على الصعيد التنافسي والموعد كان مع مانشستر سيتي في إنجلترا.
اختيار يحمل الكثير من الذكاء، فالنادي الذي يمتلكه إماراتيون يسعى لبناء مشروعه الخاص بحثا عن المجد الأوروبي وبعد سنوات من السير بخطى ثابتة نحو المقدمة حان الوقت لمدرب مثل جوارديولا ينهض بالنادي أكثر وأكثر ويرسخ اسمه بين كبار القارة العجوز.
كما أن المكان هو البيئة المناسبة لبيب من أجل التحكم في زمام كل شيء دون عراقيل إدارية مثلما كان الحال في بافاريا .
أتى المدرب الكتالوني إلى إنجلترا وسط تهكم مسبق من الصحافة الإنجليزية بإدعاء أن أفكاره تلك لا تتناسب مع الكرة الإنجليزية إطلاقا، اتهام بدا في أول موسم له إنه يقارب الصواب.
فالأخطاء التي كان يعاني منها بايرن ميونيخ ظهرت مجددا مع مانشستر سيتي. أداء سريع وممتع هجوميا ولكن كالعادة كان الفريق يعاني من إهدار الفرص بغزارة ومن الهجمات المرتدة للمنافسين.
لم يكن جوارديولا قد تأقلم بعد على الكرة الإنجليزية واعترف بحاجته للوقت للتأقلم.
وأوضح في موسمه الأول "لا زلت أتعلم طبيعة كرة القدم في هذا البلد، لا يمكنك الفوز بأي مباراة هنا دون بذل مجهود كبير، لا زلت أتعلم بشأن رد فعل الفريق بعد الفوز والتعادل أو الخسارة.. واللعب في البطولات المحلية بعد مباراة في دوري الأبطال.. وأنا متأكد من حاجتي للوقت لذلك".
وأضاف "الفرق في إنجلترا بارعة جدا في تنفيذ الهجمات المرتدة والاعتماد على الكرة الثانية المرتدة من الدفاع، إنهم يدافعون ثم يشنون الهجمات المرتدة بشكل جيد جداً. المسألة لا تتعلق بنظام لعب فريقي بل بالكرات الثانية من الفرق الأخرى".
إلى جانب ذلك لم تكن خياراته من اللاعبين هي الخيارات الأمثل فعقود البعض ممن كان يفكر في الاستغناء عنهم أجبرته على الاحتفاظ بهم وبالطبع فإن كل اللاعبين بحاجة للوقت من أجل التأقلم على أفكار مدربهم.
الموسم الأول في إنجلترا خرج منه خالي الوفاض بدون أي لقب لأول مرة في مسيرته التدريبية، ومثلما اعتبر البعض – وهم ليسوا قليلين – عدم تحقيقه دوري الأبطال مع بايرن فشلا فإن أولى مواسمه مع السماوي اُعتبرت فشلا أيضا.
ولكن عندما تتعرض لتجربة ولا تتعلم منها فإن ذلك يعد فشلا حينها، والأهم دوما هو الاستفادة من أخطائك لمحاولة تداركها في المستقبل.
ذلك التبديل بدخول مدافع وخروج مهاجم أوضح الكثير من التغيرات التي طرأت على بيب بمرور التجارب، فالمدرب الإسباني بات أقل راديكالية أو حدة في تمسكه بأفكاره، وبات يدرك أكثر أن مزيدا من العناد قد يُهدر مجهود فريقه.
تسجيل الهدف الثاني كان يعني أنه يجب أن يستغل وضع المقدمة الذي لم ينجح في الحفاظ عليه بعد الهدف الأول، وإن كان قد أجرى تبديلا جريئا بدخول إلكاي جوندوجان بدلا من المصاب فينسنت كومباني لمحاولة فرض مزيدا من السيطرة فإنه لم يعد هناك داع للعب بمدافع واحد بعد التقدم.
في النهاية فقد خدم هدفه الأساسي، وهو التأكيد للجميع أن أفكاره صالحة لأي مكان وأنه يستطيع لعب كرته الهجومية في أي بلد وأي دوري.
"لقد أظهرنا أن هذه النوعية من كرة القدم يمكن أن تلعب في إنجلترا، قالوا إنها تصلح فقط في إسبانيا ولكننا أظهرنا أن هذا ممكن عندما تملك الشجاعة للعب" بيب جوارديولا