إعادة نشر - يا حبيبتي يا مصر يا مصر.. يا حبيبتي يا مصر يا مصر.
ربما تكون هى أهم مقطع غنائي حفظه المصريون وألفوه مع أي انتصار تاريخي أو مهم حققته الكرة المصرية أندية ومنتخبات.
بمجرد اطلاق صافرة نهاية المباراة، ينطلق صوت التهنئة من محمد لطيف أو أحمد عفت أو محمود بكر أو الجويني أو حمادة إمام أو ميمي الشربيني، وصولا إلى أحمد شوبير ومدحت شلبي، قبل أن يقاطعه ذلك المقطع لشادية وما يتبعه من ذكر محاسن الرجال السُمر الشداد.
ولكن هل توقفت مزج الأغاني بالانتصارات أو بالتحفيز عند تلك الحدود فحسب؟ من هنا تبدأ القصة.
من بعد حرب أكتوبر، بدأ في مصر رجوع الحنين نحو كرة القدم مجددا، خرجت أساطير كرة القدم من ثلاجات التجميد مرة أخرى. والتف الجموع نحو أربعة نماذج بامتداد القطر المصري، الخطيب وحسن شحاتة وعلي أبوجريشة ومسعد نور.
الدوري عاد ومنافسات الكأس لم تتوقف، وسيبدأ ربيع كرة القدم في الظهور مجددا.
محمد نوح، مدد مدد مدد مدد..
الاسم السخي بالإنتاج الفني غناء وألحانا في فترة السبعينات والثمانينات، بدأت شهرته تنتشر بعد أن غنى في معرض غنائم حرب أكتوبر الذي أقيم في أرض المعارض بالجزيرة "مكان دار الأوبرا الحالية" في عام ١٩٧٤.
أصبح محمد نوح هوالنجم الأول لكل حفلات الشباب في الجامعات.
في تصفيات كأس العالم ١٩٧٨ بالأرجنتين، مُني المنتخب المصري بهزيمة ساحقة خارج أرضه أمام نيجيريا بالأربعة، توترت أجواء المجموعة التي تضم كذلك معنا تونس، ووجب الأمر استدعاء شحن جماهيري من أجل تخطى النسور الخضراء بالقاهرة.
لم يجد اتحاد الكرة وقتها بدا من الأستعانة بخدمات المطرب محمد نوح وفرقته الموسيقية بملعب ناصر الدولي أحدى القلاع السوفيتية ومقبرة الفرق الإفريقية بمصر المعروف حاليا باستاد القاهرة الدولي، وخصصت له مكانا بمدرجات الدرجة الأولى يمين بجوار دكة الاحتياطي.
قبل اللقاء من بعد صلاة الجمعة وطيلة احداثه، لا يوجد موضع قدم خال في الأستاد، يظهر المطرب الشاب صاحب الأربعين عاما، يلوح له الجمهور بالترحيب.
يبدأ نوح الكوبليه: "مدد مــدد مــــدد مدد" ويزأر ورأه الجمهور مرددا "شدي حيلك يا بلد"، فيعيد الكِرة مجددا والجمهور بحماس منقطع النظير يردد خلفه، مع نزول الفريق المصري لأداء النشيد الوطني كذلك.
يحكي وقتها الممثل المعروف حسن عابدين: "الفريق النيجيري في الجو ده، نازل هيخسر يعني هيخسر، نوح شحن الجمهور واللاعيبة، مكنتش أتخيل ان مزج الكورة بالغنا هيعمل طعم أحلى من السكلانس (مشروب مزج بين الشاي والقهوة)، كنت بأدي أحد عروضي المسرحية ولا داعي لذكر اسمها، بقول في مشهد إسقاط على بلن الخطيب في مدغشقر ١٩٧٩، الجمهور كله هيص وسقف بتاع خمس دقايق ورا بعض".
الجدير بالذكر أن منتخب مصر فاز وقتها بثلاثية منها ثنائية لمصطفى عبده وهدف لمختار مختار مقابل هدف لنيجيريا ليحيي أماله مجددا بالتأهل قبل موقعة تونس.
الشحن الجماهيري الذي أيقظه نوح، دفع مدرب تونس وقتها عبد المجيد شتالي إلى تقديم مذكرة احتجاج طالبا بنقل نوح للمدرجات، فلم تعزف فرقته على أرض الأستاد إلا قبل المباراة ثم انتقلت للمدرجات مجددا ليواصل الغناء مع الجماهير.
ربما لن تروق لك الكلمات أو الألحان، ولكن عند رؤية بضع ثوان من ذلك الفيديو، تدرك مدى الحماس لمتابعي الأغنية وقتها.
إن كنت من محبي النهايات الملحمية، كمشاهد وفاة فنان على خشبة المسرح وهو يؤدي دوره بإحكام في الرواية، فمحمد نوح اختاره الله عز وجل عام ٢٠١٢، بعد أن لزم الفراش نتيجة وعكة صحية، وروى الأقربون عنه أنه طيله علاجه كان يردد "مدد مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد".
أحمد إبراهيم.. شــايلك في قلبي يا مصر
شايلك في قلبي وفاكرك يا مصر.. صوتك بيعصر في قلبي عصر!
تلك الأيقونة الثمانينية، انطلقت للمطرب صاحب الـشاب وقتها مع العرض الأول لفيلم النمر الأسود لأحمد زكي الذي مرت ذكرى رحيله منذ أيام قليلة عام ١٩٨٤.
أصبحت تلك الأغنية ذات الكوبليه الواحد المتكرر ثلاث مرات، تسري كالنار في الهشيم، وبالطبع دخلت في مجال كرة القدم، وأصبحت مجالا للتحميس اللاعبين في الأوتوبيس الذاهب للملعب لأي مباراة تخص المنتخب، أوالفرق المصرية مزينة بطوق الورد الدال على المهمات الأفريقية التي تنتظرهم.
لن يغيب عن أنظارنا سوى مشهد شهير، لأسطورة مصر الأوحد وقتها (الخطيب)، يتصدر يمين الصورة ممسكا بالكرة وحول عنقه طوق الورد، لتبدأ الأغنية بالعزف المتصاعد المتسارع، الحمام المعتاد اطلاقه قبل المباراة من القفص.
يجري الخطيب سريعا نحو المرمى يتمتم بالأدعية وأوراده داخل الشباك، لتنتهي موسيقى الأغنية.
يبدأ إبراهيم كوبليه شايلك في قلبي وفاكرك يا مصر وتصحبه خلفية صاروخ الخطيب في المرسى التونسي مع صوت دوى اطلاق يخرج من قدمه، "صوتك بيعصر في قلبي عصر" وهنا يظهر اللاعبون مصطفين لأجل تحية العلم، ومع قطعة "نعدي نصر ونروح لنصر" يظهر كباتن الأهلي والزمالك وهم يرفعون الكؤوس الإفريقية.
ارتبطنا بالكرة أم الغناء؟
كلاهما داعب الأخر بصورة مباشرة، قلما ممكن ستجد تشبيها كرويا في الغناء، ولكن تداخل الغناء بصورة كبيرة، احتارت المطربة صباح في الأهلي والزمالك.
عدوية ملك الأغنية الشعبية، أول من أذاب الفوارق بين الطبقات، انتشر بطريقة ذائعة، فبعد أن كان يفصل بين حي الزمالك وحي بولاق "كوبري أبو العلا" وما دون ذلك اختلاف ١٨٠ درجة في المستوى المعيشي والذوق ثقافيا واجتماعيا.
إلا انه في أول مباراة سجل فيها جمال عبد الحميد مع الزمالك أمام فريقه السابق الأهلي، سرى هتافا وليد اللحظة خريج مدرسة عدوية تفاعل معه الجمهور من المقصورة حتى الدرجة الثالثة، مقطع شهير من أغنية كونت دي مونت كريستو لعدوية.
"نعلمك رمي النبلة.. أول ما تحدف ترمينا.. نعلمك دق الطبلة تلف وتدق علينا".
جمهور الإسماعيلية خلد أساطيره مثل محمد حازم بمقاطع كلثومية من سيدة الغناء العربي.
القمر من فرحنا .. هينور اصفر.
والنجوم حتبان لنا .. حتبان لنا .. أصفر وأزرق.
واللي فات ننساه .. ننساه بكل قساه
واحنا مش عاوزين يا حازم غير جونين.
وفي مدح ثنائية علي أبوجريشة وأسامة خليل.
"مدد يا ام هاشم مدد يا حسين .. علي وأسامة حيجيبوا اتنين".
جمهور مدن القناة الأصدق في التعبير عن مشاعرهم الدفينة إزاء كرة القدم، ربطوها مع معاناة التهجير على أنغام السمسمية.
كمثل ما حُفظ من تراث بورسعيدي أصيل، "هانت يا بلاطوة هانت"، عبروا فيه عن حنينهم لبورسعيد وللمصري، مستشهدين في أول كوبليه بالصلاة في مسجد صالح سليم أحد أكبر المساجد ببورسعيد.
زاد التمجيد أيضا في أساطير المصري بتلك المقطوعة لبوشكاش الأسطورة المجرية ومدرب المصري وقتها، ومسعد نور النجم التاريخي للفريق الأخضر.
بوشكاش يا بوشكاش، بوشكاش يا فنان.. خليت الكورة ترجع زي زماان.
مسعد يا مسعد مسعد يا لعيب.. فكرتنا بالضيظوي يا ساحر يا عجيب.
ربما لو توافر لنا معلومات، سنجد بكل صدق تداخل طقاطيق لمنيرة المهدية في تشجيع البكوات للأهلي والزمالك وأندية مصر كلها فترة الثلاثينات.
فاستحقت سنوات الشحن الجماهيري من أجل مصر، أن تعبر بأجمل المقطوعات.
بدأ الجمهور الهتاف بـ "صلوا ع النبي.. صلوا ع النبي" حتى انتهوا لأغاني الأولتراس التي وحدت الجمهور على قلب الفريق، بعد أن كان التشجيع فوضويا هادرا لم يجتمع سوى على كوبليه.