أكثر من نصف قرن مر على آخر بطولة كبيرة توج بها المنتخب الإنجليزي منذ أن فعلها رجال المدرب ألف رامسي على أرضهم ورفعوا كأس العالم.
طوال تلك السنوات لم ينجح الأسود الثلاثة في تقديم منتخب قادر على الوصول لما هو أبعد من ربع النهائي سوى في مناسبة وحيدة ببطولة 1990 عندما وصلوا إلى المربع الذهبي قبل الخروج من ألمانيا الغربية بركلات الترجيح.
عقلية المسؤولين في الكرة الإنجليزية عُرفت دائما بالتقليدية وتمسكها بالإرث الكروي الذي يعتمد على الكرات الطولية والقوة البدنية، كان هناك رغبة دائمة في التمسك بثقافتهم في أسلوب اللعب وشجعهم على ذلك رغبة الجماهير كذلك.
امتلكت إنجلترا العديد من الأجيال الموهوبة والأسماء الرنانة في عالم الكرة بعد نسخة 1990 ولكن ظل منتخبهم دوما يفتقد للجماعية والكيمياء بين لاعبيه لتحقيق إنجاز كبير.
جيل 2006 مثلا امتلك أسماء بقيمة دافيد بيكام وستيفن جيرارد وفرانك لامبارد وجون تيري وريو فيرديناند وأشلي كول وجاري نيفيل وواين روني ولكنهم خرجوا ربع النهائي على يد البرتغال.
اللافت للنظر أنه منذ بداية الألفينيات وتولي زفين جوران إريكسون للمهمة وحتى العام الماضي لم يتول مدرب قيادة المنتخب وكان أقل في العمر من 50 عاما سوى ستيف مكلارين الذي كان يبلغ 46 عاما وقتها، قبل أن يأتي جاريث ساوثجيت المدرب الحالي بنفس العمر تقريبا.
كل ذلك كان مؤشرا على تمسك الاتحاد الإنجليزي بكبار السن إذ سبق ساوثجيت مدربين – سام ألاردايس وروي هودسون – عُرفا بأسلوبهما التقليدي للغاية والممل أحيانا في لعب كرة القدم بل إن ألاردايس تم اتهامه بأنه يبالغ في الاعتماد على الكرات الطولية ورغم ذلك كان قرار تعيينه محل ترحيب من جانب البعض.
الصدفة وحدها لعبت دورا في قيادة ساوثجيت للمنتخب بعد فضيحة رشوة البيج سام، ليأتي مدرب بعقلية شابة حصل عليها من عمله في منتخب تحت 21 عاما.
الملفت أن أكبر إنجازين للأسود الثلاثة بالمونديال أتيا مع مدربين لم يتخطا الـ50 عاما هما ألف رامسي 43 عاما وقت مونديال 66، وبوبي روبسون الذي كان 49 عاما وقت مونديال 90.
عقلية "العواجيز" لم تساعد إنجلترا على التقدم يوما خطوة للأمام سواء على صعيد أسلوب اللعب أو على صعيد بناء جيل شاب، ويبدو أن ساوثجيت يحاول السير في طريق لم يمتلك سابقوه الشجاعة على أخذه أو حتى السير عدة خطوات به.
منذ بداية عهد جوران إريكسون 2001 لم تخرج خطة إنجلترا عن طريقتي 4-4-2 و4-2-3-1، ولكن ساوثجيت بدأ الاعتماد على خطة 3-4-3 مدعما قائمته بالعديد من المواهب الشابة.
عقلية منفتحة على ثقافات كروية أخرى جعلت ساوثجيت يحاول إدخال التغيير على فكر الأسود الثلاثة شيئا فشيئا وإيمانه بالشباب قد يكون عاملا مساعدا في الارتقاء ببلاده عدة خطوات للأمام.
معدل أعمار لاعبي إنجلترا بلغ 25.4 كثاني أصغر معدل أعمار بين الدول المتأهلة للمونديال بعد نيجيريا، يكفي القول أن أشلي يونج المستدعى حديثا للعودة مجددا هو الوحيد الذي تخطى 30 عاما بين لاعبي الفريق في القائمة التي تم استدعاءها لوديتي ألمانيا والبرازيل.
هاري كين وإيريك داير حملوا شارة قيادة الفريق في الآونة الماضية وهم لم يتخطوا 24 عاما بعد. الحارس أنجوس جن وجو جوميز ولويس كوك ولوفتوس شيك وماركوس راشفورد وتامي أبراهام ودومينيك سولانكي كلها أسماء عملت مع ساوثجيت في منتخب تحت 21 عاما.
يفترض ثور هوجستاد الكاتب بمجلة "فور فور تو" أن ساوثجيت يحاول الاقتباس من أفكار مدربي الدوري الممتاز أمثال بيب جوارديولا وماوريسيو بوكيتينو وأنطونيو كونتي، وهو ما يراه الكاتب أمرا طبيعيا إذ حققت إسبانيا المونديال مع المدرب فيثنتي ديل بوسكي معتمدا على أفكار بيب جوارديولا، وهو ما كرره يواخيم لوف في مونديال 2014.
ويتابع الكاتب الاستشهاد بأمثلة أخرى كهولندا في 1974 معتمدة على أسلوب أياكس والكرة الشاملة، والاتحاد السوفييتي الذي اعتمد على 8 لاعبين من دينامو كييف في نهائي يورو 88.
يحاول ساوثجيت أن يقتبس من عمل الأندية الإنجليزية للاستفادة من لاعبيه في أقصر فترة ممكنة هو ما جعله يتحول للثلاثي الخلفي مثلما فعلت أندية توتنام ومانشستر سيتي وتشيلسي وأرسنال.
تأقلم لاعبيه على أسلوب تلك الأندية سوف يسهل من الأمور في المنتخب ويختصر الكثير من الوقت.
وهو ما أكده ساوثجيت عندما قال: "لدينا وقتل قليل للعمل مع اللاعبين"، وأيضا كان ما دفعه لاستبعاد كريس سمولينج من قائمته بسبب ضعفه في التعامل مع الكرة وأوضح وقتها "نملك أسلوبا محددا للعب".
إذا جاريث يحاول إدخال أفكار معاصرة على منتخب بلاده كالبناء من الخلف والضغط من الأمام والاستحواذ على الكرة.
الانفتاح على أفكار الغير ظهرت أثاره على المنتخب سريعا، ورغم أن الأسود الثلاثة لم يتعرضوا لاختبار قوي حتى الآن ولكن أداء الفريق وجماعيته أعطت الكثير من الثقة لمشجعيه بعد النتائج الجيدة.
تألق المواهب الشابة أيضا في ودية ألمانيا أعطى الكثير من الدعم لساوثجيت في اعتماده على الصغار كما أعطاه ثقة أكبر في مواصلة اتخاذ نفس النهج. ذاك النهج الذي أخرج إنجلترا من قوقعتها المنغلقة لتلعب كرة حديثة قد تؤتي ثمارها مستقبلا.