كتب : إسلام مجدي
البعض يعتقد دوما أن النهاية تكون حينما يغلق الستار، أنك لا تمتلك فصولا أخرى تكتبها لقصتك حينها يجب أن تستسلم، ألمانيا لم تفعل وآمنت بحقيقة أن النهاية ما هي إلا مجرد بداية لقصة أكبر وأطول.
حينما سقط المنتخب الألماني أمام كرواتيا بثلاثية في كأس العالم 1998 ونجومه تقدموا في السن لم تعد هناك مواهب شابة هؤلاء الذين سيكونون نواة المستقبل، كان الخوف من المستقبل الأسود حالة من الذعر أعقبها خطة طويلة الأمد والتزامات كبيرة نتج عنها بطولة كأس عالم بعد عدة محاولات وتخطيط استمر لـ16 عاما.
هل تعلمت يوما من شخص اعتدت أن تتغلب عليه؟ هل تعلم فريقك يوما شيئا من خصمه اللدود الذي لطالما أسقطه؟ في 2006 عبرت إيطاليا على أنقاض ألمانيا لتصل إلى لقب كأس العالم. واليوم في 2017 هي على وشك التعلم من تجربة سقوط الماكينات، كيف ذلك؟
قدمت ألمانيا الخطوات العريضة للعالم ولإيطاليا تحديدا لطريقة التعلم من السقوط، وتعلم الركض بعد التعثر على خطوات، فالتسرع لن يجلب لك إلا الفشل الذريع.
ليلة الاثنين كانت ليلة حزينة للغاية في ميلان، خلد الشعب الإيطالي إلى فراشه حزينا في تمام الـ11 مساء عوضا عن الاحتفالات التي جهز لها الجميع في ميلانو، الدموع كانت في أعين الجميع.
جيانلويجي بوفون أسطورة إيطاليا يصفق للجماهير التي تصفر ضد نشيد السويد والكاميرا لم تتركه طيلة اللقاء وهو يصرخ وينفعل بعد كل كرة، ثم عقب المباراة قال والدموع تغرق عيناه :"أنا حزين للغاية بإنهاء مسيرتي بهذا الشكل".
من كل هذا السقوط وتلك المعاناة التي تعيشها إيطاليا مع جيل لم يجد ضمن صفوفه أليساندرو ديل بييرو جديد أو فرانشيسكو توتي، كيف يكون الفشل أول خطوات نجاح إيطاليا؟ الإجابة لدى الماكينات الألمانية.
يقول ستيفان يورسفيلد محلل "إي إس بي إن" والمختص بالكرة الألمانية لـ FilGoal.com حول إمكانية استفادة إيطاليا من التجربة الألمانية :"في ألمانيا يجب أن تنتج الأكاديمية عددا معينا من اللاعبين الشباب، 12 لاعبا قادر على تمثيل المنتخب الوطني، لا أظن ذلك متوفر في إيطاليا حاليا".
وأضاف "يوفنتوس مثلا، كم لاعبا إيطاليا لديه يصلح لمنتخب إيطاليا غير جيانلويجي بوفون وجورجيو كيلليني وأندريا بارزالي؟ كم أعمارهم؟ هل دانيلي روجاني حصل على فرص كافية ليكتسب ثقة، أين فيدريكو بيرنارديسكي، هل شاهدت الجماهير الموهوب فابريزيو كاليارا؟".
منتخب ألمانيا كان قد فشل في كأس العالم 1998 خسر من كرواتيا التي شكلت مفاجأة البطولة في ذلك الوقت، والأمر تحول بمثابة فضيحة كبيرة في ألمانيا، ولأنها دولة عاملة دوما تحول الأمر لثورة كبيرة، وأعاد الجميع تفكيره فيما يخص تطوير المواهب الشابة هناك.
ديتريخ فايتسه مدرب الأهلي المصري ومنتخب ألمانيا السابق للشباب قال :"محركات منتخب ألمانيا الأول كانت تضعف مع الوقت وما حدث في 1998 كان ناقوس الخطر والاستجابة كانت سر التطور".
قبل الفشل علم الألمان جيدا في عام 1996 أنهم يعانون من مشكلة كبيرة جدا وطلب بيرتي فوجتس مدرب المنتخب من الاتحاد الألماني الاستثمار في الشباب وإلا سيحدث مالا يحمد عقباه.
وفي عام 2002 تم تقديم مشروع كامل لتطوير ألمانيا ومنتخباتها مستقبلا، ليصبح متوسط أعمار المنتخب مستقبلا الأصغر في تاريخ الدولة بمتوسط 24.7 عاما والنتيجة؟
قال فايتسه :"طلب مني الاتحاد الألماني تصور للعمل مع منتخب قوي ينافس في 2006 على البطولة لأننا سنستضيفها".
لكن الأمور لم تسر كما خطط لها، فايتسه رفض وقال إن ذلك تسرعا لأنه لا توجد مواهب كافية، الشباب لم يكونوا يفضلون الكرة هناك بسبب ألعاب الفيديو والنشاطات الفردية مثل الذهاب لصالة الجيم مثلا وغيرها من الأشياء، احتاج للتعامل مع عدد من المشاكل أولا.
وقال :"علمت أن هناك مواهب في ألمانيا وأخبرت الاتحاد بذلك، لكننا فقط لم نكن نستطيع الوصول إليها، والذين معنا فعليا لا نصرف عليهم ما يكفي من أموال لذا غيرنا كل شيء وخططنا لأن نبني جيلا قويا من أجل المستقبل.
في كأس العالم 2010 كان من المنتظر أن يحقق المنتخب نتيجة لا الفوز باللقب لكن لمعرفة أن المشروع يسير في الطريق الصحيح الفشل في تحقيق اللقب لم يكن هاما بقدر نجاح المشروع.
بالفعل في كأس العالم 2010 حطم منتخب ألمانيا إنجلترا بنتيجة 4-1 ثم الأرجنتين بنتيجة 4-0 في دوري الـ16 وربع النهائي على الترتيب ولم يخسر سوى بنتيجة 1-0 من إسبانيا البطل ثم يحصد المركز الثالث على حساب أوروجواي.
يضيف يورسفيلد "هنا كانت النقطة الحاسمة. كأس العالم 2010 أخبرتنا أننا على الطريق الصحيح، لذا بعد 4 أعوام عدنا لنفوز باللقب، وحاليا لدى يواكيم لوف صداع في رأسه لا يعلم من يختار".
الأندية في ألمانيا لديها علاقة قوية للغاية مع اتحاد الكرة فيما يتعلق مناقشة تطوير أنظمة الشباب ودائما هناك تطلعات لتطوير الأجيال الجديدة وتنفيذ كافة التوصيات بحذافيرها لضمان النتيجة المرغوبة.
يقول كريستيان سيفيرت نائب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم :"الأندية الألمانية تضم اللاعبين الصغار إلى الأكاديميات في سن الـ12 عاما، بشرط أن يكون هناك عددا كبيرا ومحددا كما قلنا سابقا 12 منهم في كل أكاديمية يصلح لتمثيل ألمانيا وهذه عملية تتم كل عام تقريبا في كل دورة".
فيديريكو فاركوميني محلل التلفزيون البريطاني قال لـFilGoal.com "بإمكانك أن تضع مخططا يسير ببطء لكن نتيجته ستكون إيجابية للغاية، هناك نماذج كثيرة حول العالم، إنجلترا مثلا بدأت في التعلم وتحاول تكرار ما فعلته إسبانيا، وكرة القدم تتطور من حولك، لا يمكنك أبدا أن تحيا في التاريخ معتقدا أنه سيكون سندا لك، في النهاية أنت سقطت وإن أردت أن تثبت أنك كبير عليك أن تنهض مرة أخرى، يأتي ذلك من خلال العمل والتخطيط وهو ما نفتقر إليه بعض الشيء في إيطاليا حاليا لكنني واثق من أنهم سيبصرون الحقيقة عما قريب".
إيطاليا حاليا في عام 2017 تعاني بشدة، لا توجد مواهب قوية، ثلاثي الدفاع الحالي تخطى حاجز الـ30، لا توجد مواهب بقوة باولو مالديني وفابيو كانافارو وأليساندرو نيستا وديل بييرو وفرانشيسكو توتي، جميعهم مواهب لا ترتقي حتى للمقارنة مع تلك الأسماء الكبيرة.
شيرو إيموبيللي مهاجم لاتسيو حاليا على سبيل المثال لا الحصر تألق مع تورينو في موسم 2013-2014 لينتقل إلى بوروسيا دورتموند ويعاني في الدوري الألماني ثم إلى إشبيلية ويفشل في تقديم أي شيء مما كان قد نجح في تقديمه منذ أعوام قليلة ليعود معارا إلى تورينو ثم لاتسيو حاليا، معظم المواهب الإيطالية حاليا تخطى عمرها الـ25 عاما ولم تعد شابة مثل الماضي بل هي في مرحلة من سبقوهم كانوا نجوما فيها، العديد منهم افتقر للثبات وقوة الشخصية.
صرح روبن دوت المدير الرياضي لنادي شتوتجارت في وقت سابق :"في الماضي كان لدينا الكثير من اللاعبين الكبار، وكنا نعتمد على تلك الأسماء لم نلتفت لتطوير ما لدينا من لاعبين، لكن حاليا نحن نعتني بهؤلاء الشباب لكي يصبحوا لاعبين كبار".
وأضاف "اهتممنا بتطوير الفنيات في شباب ألمانيا ومجاراة كرة القدم الحديثة، انظر إلى ماتس هوميلز إنه طويل لكنه جيد جدا مع الكرة كذلك، في عام 1982 كان ليلعب في مركز صانع الألعاب رقم 10، كرة القدم تطور ونحن تطورنا معها".
وتابع "من المهم للعقلية أن تقنع لاعبيك أن هناك مباريات مهمة خلال العام يجب أن تفوز بها، لكن الشيء الرئيسي هنا هو التدريب الجيد".
وأردف "بالنسبة للألمان النظام أمر مهم للغاية، أولا نحن نسأل عن كيف تفعلها ثم بعد الإجابة نتجه للسؤال حول المقومات وهكذا".
هل للمدربين أي دور في هذا؟ يجيب يورسفيلد لـFilGoal.com "حسنا في ألمانيا قمنا بإعداد جميع المدربين، لا نتحدث هنا عن الأسماء الكبيرة مثل هاينكس وكلوب، لكن مدربين الشباب مهمين للغاية أهم من مدربين الفئات الأولى، يجب أن يتعلم الشباب لكي يصبحوا نجوما، هل يمكنك أن تنتج عالما دون أن تعلمه في المدرسة؟ في إيطاليا يدفعون بالطالب إلى الامتحان ولا يعلمونه أي شيء جديد وبالتالي تكون إجابته هي ذاتها لفترة طويلة، نعم المنتخب فاز بكأس العالم لكن كان ذلك من 11 عاما".
ويضيف :"الأندية أصبحت ملزمة في ألمانيا أن تعين مدربين شباب بدوام كامل بشرط أن يكون لديهم ما يكفي من مؤهلات ليدربوا الشباب، ومن لديه درجات أكبر في شهاداته يحصل على أجر أكبر، وتم بناء ملاعب تدريب أكبر وأفضل، وكذلك أقسام طبية جديدة ومدارس كروية".
وبين عامي 2001 و2011 صرفت أندية ألمانيا مبلغ 584 مليون يورو لتطوير الشباب وذلك حسب تقرير نشرته رابطة الدوري الألماني، وحاليا يوجد أكثر من 366 مركز لتدريب الشباب تابع للاتحاد الألماني وبها ما يقرب من 30 ألف طفل.
وبحلول موسم 2011-2012 كان نصف لاعبي الدوري الألماني من إنتاج الأكاديميات الألمانية، و20% منهم كانوا شبابا لعبوا لأكاديميات الأندية التي مثلوها في ذلك الموسم ومتوسط عمر اللاعبين في الدوري تراوح بين 25 عاما إلى 27 عاما وكان هناك 5400 لاعبا تراوحت أعمارهم بين 11 إلى 22 عاما في أكاديميات كرة قدم محترفة للأندية الأولى بألمانيا.
إضافة إلى ذلك فإن 13 من أصل 23 لاعبا توجوا أبطالا لكأس العالم 2014 بالبرازيل كانوا في عمر الـ25 أو أصغر وذلك الأمر لا يمكن تسميته بـ"جيل ذهبي" لأن عملية التطوير مستمرة وذلك الجيل يمكن استبداله بالكامل بجيل جديد ورأينا الأمر في كأس القارات التي توجت به ألمانيا.
ميلان أحد أكبر الأندية في إيطاليا يمتلك عددا لا بأس به من اللاعبين الطليان، لكن كم منهم يصلح لتمثيل منتخب إيطاليا؟
يجيب أندريا دي كارلو مذيع "ميدياست" لـFilGoal.com "عدد ضئيل للغاية، لم نر بعد أي شيء من دافيدي كالابريا وجوزيه ماوري، وبالطبع لا نثق في موهبة فابيو بوريني لأننا لا نعلم إن كان سيسجل أم لا خاصة وأنه مهاجم، وأندريا كونتي أصيب، وأليسيو رومانيولي لا يحصل على فرصة في ظل تواجد كيلليني وبارزالي. بإمكاننا أن نحصدهم جميعا سويا لكنني أقصد أننا لا نجد أسماء قوية".
وتابع "هذا لا يكفي، دوما أرى إنتر ميلان وروما وغيرها من الأندية القوية في إيطاليا تشتري لاعبين غير إيطاليين دائما، هناك مواهب لم تكن سيئة، لكن من يشاهد مجمل مباريات تصفيات كأس العالم سيعلم أننا لا نتملك أساطير مثل الماضي، هذا يعني أننا بحاجة للعمل بقوة مع أكاديميات الشباب لكي نصبح أبطالا لا يكفي البكاء على أطلال الماضي".
ألمانيا انتظرت 16 عاما لتفوز بكأس العالم، حددت المشاكل وسألت كيف ستفوز ثم عملت وحققت اللقب. هذا ما ينقص إيطاليا أن تعترف بكافة مشاكلها ثم تنتفض من النكسة الحالية.
يوضح أندريا دي كارلو : "هذا ليس أمرا سهلا، ألمانيا عملت بقوة مع الشباب وفازت على مدار السنوات الماضية بألقاب فئات الشباب لتصبح ما هي علي، وإنجلترا حاليا تفعل الأمر ذاته وفازت حاليا بمعظم جوائز منتخبات الشباب، كل أكاديمية شباب في إنجلترا تنتج لاعبين ممتازين وتعمل لخدمة الدولة، في إيطاليا نعتقد أن بعض اللاعبين رائعين ومشروع أساطير لكنهم ليسوا كذلك نحن ضخمناهم".
أندية إيطاليا والاتحاد الإيطالي لكرة القدم عليهم أن يتكاتفوا مثلما حدث في ألمانيا ويعتمدوا على نظام الشباب إن أرادوا إنتاج جيل جديد يتوج بطلا بكأس العالم.
يتم يورسفيلد حديثه لـFilGoal.com قائلا :"الأمر بدأ معنا بكارثة مع مطلع عام 2000 لم نمتلك الشباب ولم نكن واثقين في قدراتنا، وحولناه إلى واحد من أفضل وأنجح المنتخبات في العالم حاليا، احتجنا إلى العمل والتخطيط فقط".
اعتزل دوليا كل من بوفون وكيليني ودانيلي دي روسي وأندريا بارزالي كل تلك الأنباء قد تبدو فاجعة، لكنها فرصة لاعتبار نهاية هذا الجيل هو بداية حقبة جديدة من البناء والصعود إلى القمة من جديد.