كتب : محمد البنا | الإثنين، 13 نوفمبر 2017 - 10:57
شيكابالا.. رسائل ياماجوتشي في صراع البقاء أو الاختفاء
لم تنجح قنبلتان نوويتان أو أخطر عدو للإنسان على وجه الأرض -السرطان- في إبعاده عن الحياة لكنه اختار الصراع مع ما لا يمكن مجابهته.. نجح وقاتل حتى استسلم مرفوع الرأس.
شيكابالا
النادي : الزمالك
تسوتومو ياماجوتشي المولود بأوائل 1916 الذي توجه في صيف 1945 لمدينة هيروشيما اليابانية بمهمة عمل ليتزامن وجوده مع حدث لم ينساه طوال 94 عاما هو عمره الذي أفناه في صراع غير متكافيء القوى.
"بينما أسير في الشارع سمعت طائرة تعبر الأجواء ووجدتها تُلقي مظلتين وبعد ثوان وجدت وميضا غطى المشهد كله أمامي، شعرت بحرارة شديدة في جسدي وكأن طبلتي أذني تتمزقان" ياماجوتشي يتحدث عن القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وقتلت 80 ألفا.
الطائرة الأولى لم تقتل ياماجوتشي الذي عاد مذعورا في اليوم التالي إلى ناجازاكي حيث تمكث أسرته، هدأ من روعه لمدة يومين بعد نجاته من موت محقق، ليروي لزوجته تجربة كادت تقضي عليه.
لم يهنأ كثيرا ياماجوتشي ليسمع دوي انفجار هائل في ناجازاكي.. نعم ما توقعته صحيحا، فلسوء حظه كان شاهدا على الكابوس الثاني، إنها النووية الثانية التي قتلت 73 ألفا من سكان المدينة التي تقطنها أسرته.
أكدت اليابان في 2009 أن ياماجوتشي هو الناجي الوحيد من القنبلتين النوويتين هيروشيما وناجازاكي، العام ذاته الذي تحسس محمود عبد الرازق فضل الله الشهير بـ "شيكابالا" حمل قوس وسهم الزمالك بعد اعتزال الأمبراطور حازم إمام في 2008.
بدأ شيكابالا مسيرته الاحترافية في الزمالك عام 2002 كلاعب صاعد يبلغ من العمر 16 عاما.. وحتى 2005 لم يكن قد شارك إلا في مباراتين فقط.
تلقى عرض الاحتراف في الدوري اليوناني لينتقل إلى باوك، يلفت الأنظار ويسجل أربعة أهداف رائعة ويصنع ثمانية لزملائه خلال 27 مباراة فقط لينافس على أفضل موهبة في البطولة.
الأمور تسير جيدا مع الفتى الأعسر الصغير، لكن فجأة.. نووية أولى تضرب مسيرة اللاعب الجديد. التجنيد!
وذلك في 2007.
عاد شيكابالا إلى مصر ولم يستطع مغادرة البلاد بسبب ظروف التجنيد، فحصل باوك على حكم من الفيفا بإيقاف اللاعب ستة أشهر وتغريمه 990 ألف يورو دفعها الزمالك.
قنبلة نووية أولى ألقيت على ابن أسوان، لكن الأشهر الستة مرت.. وعاد شيكابالا.
عاد شيكابالا إلى الزمالك وفي موسمه الأول وضح أن النادي الأبيض بات يملك موهبة جديدة فضمه حسن شحاتة لمنتخب مصر وشارك للمرة الأولى أمام موريتانيا في تصفيات أمم إفريقيا في يونيو 2007، مباراة انتهت بالتعادل 1-1 ولعب 45 دقيقة فقط بداية من الشوط الثاني.
وخلال موسم 2006-2007 لعب 11 مباراة وسجل خمسة أهداف في الدوري والكأس.. لكن لم يكن ضمن خطط المعلم في أمم إفريقيا أو حتى المباريات الودية.
وفي الموسم التالي 2007-2008 حصد مع الزمالك لقب كأس مصر، لعب 24 مباراة في الموسم سجل خلالها خمسة أهداف لكنه كان بديلا في أغلب المباريات، إذ شارك 10 مباريات فقط كاملة.
لكنه أجبر حسن شحاتة على الاستعانة به في تصفيات كأس العالم المؤهلة لمونديال 2010 في أربع مباريات متتالية ضد الكونجو الديمقراطية وجيبوتي ومالاوي ذهابا وإيابا صنع خلالها هدفين وجميعها في يونيو 2008.
وفي الموسم الثالث له منذ عودته 2008-2009، ما بين غيابه عن بعض التدريبات وأزمات إدارية في النادي الأبيض وإدارة فنية من دي كاستال وراينر هولمان لم يقدم المردود القوي، فسجل ثلاثة أهداف فقط خلال 17 مباراة بالدوري والكأس.
وبالتبعية خرج من حسابات حسن شحاتة.
وفي موسم 2009-2010 الولاية الأولى لحسام حسن بعد 11 جولة من الدوري المصري عقب رحيل هنري ميشيل، وصل الزمالك للمركز 13 لكن قاده العميد مع مستوى مبهر من شيكابالا للوصول للوصافة في نهاية المسابقة.
وفي الموسم التالي 2010-2011، انفجر شيكابالا.. فحصد لقب هداف الدوري برصيد 13 هدفا وصنع تسعة أهداف وهو الأكثر طوال البطولة، وذلك خلال 27 مباراة فقط.
الموسم الذي تخلله سيطرة الزمالك التامة على صدارة المسابقة حتى خسرها في الأسابيع الخمسة الأخيرة لصالح الأهلي، موسم لو كان تُوج به الأبيض لكان شيكابالا هو من يستحق حمل الدرع بمفرده.
مجملا سجل 15 هدفا وصنع 12 في 34 مباراة بكل البطولات في موسمه الذي وصل فيه للقمة.
فكان منطقيا أن يستدعيه حسن شحاتة لمعسكر منتخب مصر في أمم إفريقيا 2010 وأشركه في مباراة واحدة ضد موزمبيق بمرحلة المجموعات لمدة 68 دقيقة، ليُكتب اسمه بجوار من حصدوا لقب كأس الأمم للمرة الثالثة على التوالي.
تمر المواسم.. والمباريات.. يبتعد الزمالك عن البطولات، أزمات مالية في مجلس الإدارة المعين الذي يرأسه جلال إبراهيم، وفجأة يتلقى شيكابالا عرضا من نادي سبورتنج لشبونة البرتغالي.
ففي 2013 قرر شيكابالا خوض تجربة الاحتراف قبل غلق باب الانتقالات بثوان قليلة.. فعليا تمت الصفقة في الدقيقة الأخيرة من آخر يوم في الميركاتو.
مغامرة جديدة يخوضها النجم الأعسر في فريق أخرج كريستيانو رونالدو ولويس فيجو.. ويدربه ليوناردو يارديم الذي طلب ضم شيكابالا لثقته في قدراته.
شبكة BBC وضعت انتقال شيكابالا لسبورتنج لشبونة هو الأبرز للمصريين بعد ضم محمد صلاح لتشيلسي في صفقة بلغت 17 مليون دولار، لكنه لم يعلم أنها القنبلة النووية الثانية.
تلقى ليوناردو يارديم عرضا مغريا لتدريب موناكو الفرنسي فترك سبورتنج لشبونة إلى البرتغالي الآخر ماركو سيلفا.
لم يقتنع ماركو سيلفا بقدرات شيكابالا وكان يشركه فقط في المباريات الودية ويستبعده من القوائم النهائية ليعلن اللاعب العصيان.
عاد شيكابالا إلى مصر وقرر فسخ عقده من طرفه هو بمفرده.. فلم يلعب شيكابالا الكرة لمدة عام كامل موسم تم حذفه من مسيرته 2014-2015 في الوقت الذي كان يتوج فيه الزمالك بلقب الدوري الأول منذ 10 سنوات.
إنها قنبلة ناجازاكي الثانية، فهل تقتل مسيرته؟
نجا شيكابالا منها عندما اتفق الزمالك مع سبورتنج لشبونة على شراء عقده. وعاد للمشاركة مع الفريق الأبيض بداية من موسم 2015-2016.
ما بين الإسماعيلي والزمالك في الموسمين الأخيرين كان شيكابالا أحد أبرز لاعبي الفريقين في إحصائياته التهديفية وصناعة الأهداف مقارنة بعدد المباريات.
لم يتأثر شيكابالا بتعطل مسيرته مرتين، مثلما لم يمت تسوتومو ياماجوتشي من نوويتين كان شاهدا عليهما.
فعندما عاد ياماجوتشي ليروي لأسرته حجم المعاناة التي شاهدها في هيروشيما لم يصدقونه حتى شاهدوا بأعينهم قنبلة ناجازاكي. ربما معاناة شيكابالا وقراره بالعودة كان خاطئا من وجهة نظر الكثيرين فلم نصدقه!
لكن القنبلتين تسببتا في متاعب جسدية ونفسية لتسوتومو ما بين جروح لم تلتئم وفقدانه السمع بأذنه اليسرى وتهالك جهاز المناعة الخاص به، ما جعله يصاب بسرطان الدم.
رجل نجح في مجابهة قنبلتين نوويتين، فكان بإمكانه الصمود أمام المرض الأكثر عداء للبشرية الذي أصاب نجله المرض نفسه ونال منه في 2005.
لكن تسوتومو ياماجوتشي حصل على فرصة أخرى للحياة..
الفرصة ذاتها التي حصل عليها شيكابالا في الرائد السعودي بعد خلافاته مع رئيس الزمالك مرتضى منصور.
لعب شيكابالا دون أزمات، ليتألق مع فريقه في سبع مباريات سجل أربعة وصنع هدفين رغم احتلال فريقه مراكز متأخرة في جدول الترتيب.
فمنحه هيكتور كوبر المدرب الأرجنتيني، فرصة أخرى لكتابة اسمه في تاريخ الكرة المصرية.
ولأن القدر رحيما، فكتب شيكابالا اسمه بجوار اسمين فقط سجلا في مشوار مجموعات تصفيات كأس العالم ثمانية أهداف.. محمد صلاح (5 أهداف)، عبد الله السعيد (هدفان)، شيكابالا.
وإن كان هدف شيكابالا غير مؤثر على التأهل، لكنه سيظل مكتوبا في القائمة التي صعدت مع مصر للمونديال بعد غياب 28 عاما.
الفرصة التي حصل عليها ياماجوتشي للحياة بعد إصابته بالسرطان وتغلبه عليها استغلها في نشاط ليروى لنا هول القنبلتين النوويتين وسعيه لحياة دون أسلحة نووية.
وفي روايته قال: "لقد زحفت من خلال الجزء السفلي من الجحيم، كان يجب أن أكون ميتا لكن مصيري كان أن أعيش".
شيكابالا قالها بطريقته عبر حسابه على تويتر: "رفاعي الدسوقي لم يمت".
رفاعي الدسوقي ماماتش
— Shikabala (@Shikabala) November 12, 2017
هل يكون مصيره أن يعيش؟
بقى أن نشير إلى أن تسوتومو ياماجوتشي توفى في 2010 بعد مرضه للمرة الثانية بالسرطان لكن هذه المرة في المعدة فلم يقو عليه ليترك دنيانا بعد أن بذل مجهودا لتحقيق عالم خال من أخطر سلاح.
حياة الياباني دامت إلى 94 عاما.. عرفه العالم في سنواته الأخيرة فقط ليخلد اسمه في التاريخ.
شيكابالا يسجل أول هدف دولي رسمي له مع منتخب مصر في عامه الـ31. لا مجال لإهدار فرص أخرى.
مقالات أخرى للكاتب
-
السطور الأخيرة في أزمة صلاح الإثنين، 27 أغسطس 2018 - 20:07
-
مقال رأي - الحوت الأبيض الجمعة، 13 أبريل 2018 - 20:35
-
مقال رأي - لماذا لا يفوز الزمالك الجمعة، 15 ديسمبر 2017 - 02:07
-
شيكابالا.. رسائل ياماجوتشي في صراع البقاء أو الاختفاء الإثنين، 13 نوفمبر 2017 - 10:57