كتب : إسلام مجدي
"إخوتي من إيطاليا، إيطاليا نهضت بخوذة سيبيو، ربطت رأسها. أين النصر؟ أرجوكم نادوا النصر". تلك الكلمات الأولى من النشيد الوطني لإيطاليا. ذاك الذي كان ينشده لاعبو المنتخب بكل حماسة في الأوقات الفاصلة.
دائما ما كان منتخب إيطاليا يعشق كسر التحديات، واحدا تلو الأخر، لطالما كان لاعبو المنتخب مستعدون في أي وقت لإثبات أن المستحيل لا معنى له باللغة الإيطالية وأن العزيمة والإصرار والروح تلك الأحرف الأولى من إيطاليا.
"تلاصقوا جيدا، نحن مستعدون للموت، إذا ما نادتنا إيطاليا". للأسف نادت إيطاليا لكن دون مجيب، خسر الأزوري من السويد في ملحق التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم وأصبح على شفا عدم التأهل إلى المونديال للمرة الأولى منذ عام 1958 كانت تلك هي المرة الوحيدة التي فشلت خلالها إيطاليا في التأهل، لأن بطولة 1930 لم تشهد مباريات للتأهل.
هذه المرة في 2017 إيطاليا تعاني، لا توجد مواهب قوية، لا أسماء دفاعية قادرة على أن تصبح مخيفة للخصوم، من باولو مالديني وفابيو كانافارو وأليساندرو نيستا إلى فقط جورجيو كيلليني الذي يعتمد عليه كقائد للدفاع وليوناردو بونوتشي الذي ابتعد كثيرا عن مستواه.
ما الذي يحدث لأبناء سيبيو بطل معركة زامة وقاهر حنبعل؟
اتجه FilGoal.com لسؤال ماركو فريزولي صحفي ومذيع "سكاي سبورتس" الإيطالية عن الأسباب التي أدت لتراجع الأزوري فقال :"أعتقد أن ذلك جزء من أزمة عامة تعيشها الأندية الإيطالية في المحافل الدولية، في أول 10 أعوام من القرن الحالي كانت أندية مثل ميلان ويوفنتوس هما الأكبر في تلك الحلقة، ثم انفجر إنتر مع مورينيو لكنها كانت فترة قصيرة".
وتابع "أما روما ونابولي لم يكونا قادرين على بدء أي شيء مماثل في أوروبا، لذا الكرة الإيطالية خسرت أسلوب الفوز وسلوكه، كانت هناك لحظات جيدة مثل يورو 2012".
وأردف "لكن في المجمل العقلية كانت في طريقها للرحيل لنصبح خاسرين أكثر من فائزين، هذا في رأيي مثل موجة، المنتخب الإيطالي حاليا يعاني من نفس مشاكل الأندية التي عانت منها على مدار الأعوام الماضية".
لكن هل الأمر يقع على عاتق اللاعبين فقط؟ هل اختيار جيامبييرو فينتورا مدرب المنتخب الذي أتى بديلا لأنطونتي كونتي كان مناسبا؟ أداء المنتخب أصبح باهتا طيلة الوقت فما السبب؟
أجاب أندريا دي كارلو مذيع "ميدياست" الإيطالية قائلا :"ما رأيناه ضد السويد لم يكن مفاجئا لنا مطلقا، لأننا علمنا هذا منذ بداية عهد فينتورا، أن هناك شيء خاطئ، اللاعبون لا يحبون اللعب بطريقة 3-5-2 بعد الآن، ولا يشعرون بالراحة أو الثقة فيها".
وأردف "هناك لاعبون مثل إنسيني شارك ولعب في دور مختلف عن الذي يلعب فيه مع نابولي ولهذا بدا الأمر محيرا، والأكثر حيرة أن نرى تشكيل ضعيف للغاية، ولم نتفاجأ مطلقا من الخسارة ضد السويد".
واسترسل "سيكون من الصعب للغاية أن نرى إيطاليا تفوز ضد السويد وتتأهل إلى كأس العالم، الإيطاليون هنا يتحدثون فقط عن الفوز بالألقاب، لكن ما يحدث هنا فترة مختلفة تماما من تاريخنا، لا يوجد لدينا توتي وديل بييرو وفييري وإنزاجي، لدينا لاعبين قد يكونوا جيدين لكنهم ليسوا أبطالا، وسيكون من الصعب تواجد فينتورا حتى وإن تأهل إلى روسيا ستتم إقالته، وأؤكد أن فينتورا راحل لا محالة".
لكن لماذا لم تعد إيطاليا قادرة على إنتاج أساطير هل هي العقلية أم سوء الإدارة أم أن كل شيء ساء فجأة وانعدم التخطيط؟
يجيب عن هذا السؤال كيفن كوات مدرب بفئات الشباب بنادي إنتر ميلان لـFilGoal.com قائلا: "يجب أن ننظر لنوعية اللاعبين لم يعودوا كما كانوا في الماضي من 20 عاما مثلا، كان هناك بادجيو وتوتي وغيرهم، اليوم هناك جيل جديد من اللاعبين الشباب غير جاهز، كرة القدم لازالت تتطور وإيطاليا الآن عليها أن تنظر إلى نفسها وتراجع جيدا ما تفعله".
وتابع "البطولات أيضا ضعيفة في إيطاليا، لم تعد بنفس القوة من 20 عاما أيضا، هناك دول خطت خطوة للأمام مثل إسبانيا وألمانيا وحتى إنجلترا مع اللاعبين الشباب".
وأتبع "ضد السويد المنتخب لم يلعب جيدا بسبب العقلية لم نكن منظمين ولم نكن محددين ما نريده من المباراة واللاعبون بدوا شاحبين للغاية".
واسترسل "لم يلعبوا كفريق للغاية وليس بهوية إيطاليا".
وأكمل "قبل أي شيء يجب أن نقول إن إيطاليا لازالت تعمل جيدا لكنها لا تلعب وحدها، إيطاليا تقدمت منذ مدة طويلة لأن بقية الدول لم تكن تعمل".
هذا سيأخذنا إلى نقطة جديدة، هل أندية إيطاليا أثرت بشكل مباشر في سوء مستوى منتخباتها؟ العديد من الجماهير والمحللين انتقدوا اختيارات فينتورا وكذلك لاعبي المنتخب لكنهم وجهوا أسهم الانتقادات أكثر نوح خلو الأندية من اللاعبين الطليان مثلما كانت في الماضي.
يقول أندريا دي كارلو في هذا الصدد: "لا أعلم، لكنني دوما أرى إنتر ميلان وروما وغيرها من الأندية القوية في إيطاليا دائما ما تشتري لاعبين غير إيطاليين".
ويضيف ماركو فريزولي :"إيطاليا تفتقر فعليا للمواهب منذ جيل 2006 الذي توج بطلا لكأس العالم، لكن الأندية الإيطالية نادرا ما تعمل في هذا الصدد، اللاعبين في سن 18 أو 20 عاما لا يكون لديهم احتمالية جيدة للمشاركة بانتظام في الأندية الكبيرة، وتلك هي مشكلة قوية وكبيرة للغاية لعدة أعوام منذ الفوز بكأس العالم".
وأتبع "الآن هناك شيء يتغير، يوفنتوس يستثمر في اللاعبين الشباب، لكن إن لم يكن لديك فريقا جيدا بنتائج قوية لا يمكنك أن تتبع تلك السياسة".
وأردف "على الرغم من ذلك يبدو أنه في الأعوام الأخيرة هناك أندية أكثر بدأت هذه السياسة، أنا أثق أننا في المستقبل قد نرى عددا من اللاعبين الجيدين لكن ذلك يحتاج للوقت حتى تحقق نتائجا جديدة وجيدة".
هذا يقودنا إلى نقطة هامة، أين هي مواهب إيطاليا؟ في خط الدفاع لا نرى سوى اسم دانيلي روجاني، لماذا أيضا تفتقر تلك المواهب إلى الثبات على المستوى لماذا لا ينجحون في تطوير مستواهم أكثر مما يصلون إليه؟ والعديد من الأسئلة.
ولا يوجد أفضل من مدرب إنتر ميلان في فئات الشباب ليجيب عن هذا السؤال كيفن كوات فقال: "الدول أصبحت تتطور وتحاول الوصول للقمة، إيطاليا لا تعمل بطريقة سيئة لكنها بحاجة لتغيير الفلسفة ليس من جهة اللاعبين فقط لكن من المدربين ومدربين قطاع الشباب خصيصا لأن كل شيء يبدأ من هنا".
وأتبع "الاتحاد الإيطالي يجب أن يفهم أنه حان الوقت للتغير والتطور كذلك للبحث عن فلسفة جديدة للتطوير لأنه لو لم يفعل، الكثير من المدربين
واستطرد :"كان هناك مالديني وكانافارو ونيستا هؤلاء كانوا رائعين منذ 20 أو 10 أعوام لكن الآن معايير أن تكون مدافعا أسطوريا تغيرت لم تعد كما كانت، كيلليني منذ 20 عاما لم يكن ليراه أحد بنفس الطريقة أبدا، لكن حاليا هو جيد، كرة القدم تتغير وطريقة التغيير سريعة للغاية، والعمق التكتيكي وكل شيء يتغير، لذا طريقة تطوير الشباب يجب أن تتغير في إيطاليا".
وأضاف ""عدم تواجد لاعبين إيطاليين في الأندية الإيطالية الكبيرة أمر مؤثر للغاية، يجب أن يتواجد لاعبون قوميون وتلك نقطة خاصة بالعقلية، إنه أمر صعب للغاية أن تدفع بلاعبين شباب، إيطاليا كما قلت لم تعد كما كانت في الماضي، إنجلترا مثلا لديها مساحة حاليا ربما ليست كافية لكنه تكبر مع الضغط من الجميع، لكن في إيطاليا الكرة مسألة حياة أو موت فالضغط يكون كبيرا للغاية ويكون هناك مخاطرة إن دفعت بلاعب شاب".
وأتم "آمل أن ما يحدث في إيطاليا مؤخرا هي بداية شيء ما جيد خاصة ما تفعله أندية إنتر ويوفنتوس وميلان وروما ولاتسيو، يتواجد جيل من اللاعبين الشباب بحاجة للوقت ويعلمون جيدا أين يجب أن ينموا وينضجوا، ومن هنا يأتي من التنظيم الجيد الذي نحتاجه".
أما أندريا دي كارلو قال إن هناك أمرين مهمين يحددان هذا الأمر :"الأول هو أن المواهب حاليا يمكن شراؤها في سوق الانتقالات، والثاني هناك مواهب مثل إنسيني وزازا والشعراوي وفيراتي، لم يكونوا لاعبين سيئين، لكن من يرى مباريات التصفيات سيرى أننا لا نمتلك كانافارو أو فييري أو بيرلو أو ديل بييرو، هذا يعني أننا بحاجة للعمل بقوة مع أكاديميات الشباب لكي نصبح أبطالا".
وأضاف "هذا ليس أمرا سهلا، ألمانيا عملت بقوة مع الشباب وفازت على مدار السنوات الماضية بألقاب فئات الشباب لتصبح ما هي علي، وإنجلترا حاليا تفعل الأمر ذاته وفازت حاليا بمعظم جوائز منتخبات الشباب، كل أكاديمية شباب في إنجلترا تنتج لاعبين ممتازين وتعمل لخدمة الدولة، في إيطاليا نعتقد أن بعض اللاعبين رائعين ومشروع أساطير لكنهم ليسوا كذلك نحن ضخمناهم".
أخيرا يظل السؤال متى وكيف تفوز إيطاليا بكأس العالم مرة أخرى أو بعبارة أخرى متى يعود أبناء سيبيو؟
أجاب فريزولي :"نحتاج العديد من اللاعبين الكبار، حاليا منتخب إيطاليا لديه 11 لاعبا قويا من دون أي احتمالية لتغيير العقلية والتفكير في الوصول لمستوى معين، كيف نفعل ذلك؟ علينا أن ننتظر نمو عام للاعبين الشباب الحاليين، وهناك شيء أخر مدرب لديه عقلية الفوز، شخص كان له خبرة قوية مثل كارلو أنشيلوتي في رأيي".
أما دي كارلو فقال :"لا أعلم حقا، أعتقد سيكون من الصعب علي إيطاليا أن تفوز بكأس العالم فيما هو قادم، هناك منتخب تحت 21 عاما ينضج بشكل جيد، ربما بعد 8 أعوام قد يكون لدينا منتخب قوي للغاية ينافس؟ لا أعلم".
يقول النشيد الوطني لإيطاليا :"كنا لقرون مظلومين وكان الناس يسخرون منا لأننا لم نكن شخصا واحدا، لأننا كنا منقسمون، دعنا نتحد تحت علم واحد وأمل واحد".
هل تعود إيطاليا من جديد للقمة؟ ربما تنتظر كرة القدم نهضة أخرى وينادي الأزوري النصر.