كتب : فادي أشرف
قبل أن يظهر اسم أحمد فتحي في عام 2000، كان لدى منتخب مصر 4 ألقاب لكأس أمم إفريقيا ولقبين فقط في كأس أمم إفريقيا للشباب، ولا يملك الإسماعيلي سوى لقبي دوري وبطولات الأهلي أقل بـ15 بطولة.
عندما تفكر في أي إنجاز للكرة المصرية في أخر 17 عاما، أو لحظة خالدة في تاريخ الكرة المحلي، نسبة 95% ستجد أحمد فتحي مشاركا إن لم يكن ذو دور مؤثر فيه.
إتمام أحمد فتحي لعامه الـ33 فرصة جيدة لاسترجاع مسيرته المظفرة بـ20 ميدالية ذهبية مع الإسماعيلي والأهلي ومنتخب مصر التي يمكن وضعها تحت عنوان "كيف تصبح بـ100 لعيب؟".
التاريخ المدون على وجه أحمد فتحي
أول تعارف بين فتحي - ابن مدينة بنها - والتاريخ جاء في لقب لا يحدث كثيرا للإسماعيلي. موسم تاريخي للدراويش يرصعه اسم محمد بركات في 2001/2002، ولكن أهمية فتحي إن لم تكن واضحة للجماهير بشكل لافت فكانت واضحة لمدرب الإسماعيلي محسن صالح وبعده ثيو بوكير، ومدرب منتخب مصر للشباب، حسن شحاتة.
أزمة هزت مصر كلها وقتها، يرويها فتحي المتوج رفقة جيل ذهبي للكرة المصرية في 2003 بكأس أمم إفريقيا للشباب، الأولى منذ 1991 قائلا: "كنا في معسكر استعدادا لكأس العالم للشباب وتحدث معنا – أنا وحسني عبد ربه - إبراهيم عثمان رئيس الإسماعيلي لأنه سيأتي ليحيينا في المعسكر، خرجنا للسلام عليه دون أشيائنا وبـ(الشباشب) وفجأة وجدنا السيارة تتحرك وعدنا للإسماعيلية".
الإسماعيلي حينها كان على وشك مواجهة إنييمبا النيجيري في نهائي دوري أبطال إفريقيا، واللعب دون عنصري الشباب المؤثرين لم يكن شيئا مطروحا بالنسبة للدراويش. الأمر سيصل لخطف لاعبين من معسكر المنتخب.
الأمور تم حلها بعد ذلك وسافر فتحي وعبد ربه مع المنتخب إلى الإمارات وليس مع الإسماعيلي إلى نيجيريا. خسر الإسماعيلي 2-0 قبل أن يخوض فتحي وعبد ربه لقاء الإياب الذي فاز فيه الدراويش 1-0 فقط، بعد أن تألقا في وصول منتخب مصر لدور الـ16 في مونديال الشباب والخروج بسبب هدف ذهبي أرجنتيني.
من هنا، صار اسم أحمد فتحي اسما شهيرا. ما الذي يجعل رئيس ناد يخطف لاعبا من معسكر المنتخب، ويستدعي الأمر تدخل نجل رئيس الجمهورية آنذاك علاء مبارك لحل الأزمة حسبما روى حرب الدهشوري حرب رئيس اتحاد الكرة بعد ذلك.
ولأن الجمهور لا يتذكر التفاصيل الصغيرة، أو تدخلا منع هجمة واحدة أو تمريرة أمامية سليمة بدأت هجمة أسفرت عن هدف، أبى القدر ألا يمنح فتحي لحظات بطولية مع التاريخ. أولى تلك اللحظات البطولية كانت قيامه بدور المدافع في نهائي كأس أمم إفريقيا 2006 بعد إصابة وائل جمعة أمام ديدييه دروجبا في نهائي ملحمي.
أو هدفه القدري في شباك كوت ديفوار في 2008 الذي فتح الباب لرباعية مصرية وضعت الفراعنة في نهائيهم الثاني على التوالي، وبطولتهم الثانية في ثلاثية تاريخية كان فتحي عنصرا أساسيا فيها.
ولأن للقدر ألعاب لا نفهمها، جاءت إحدى اللحظات التي منحها التاريخ لفتحي لأبناء الفريق الذي شهد انطلاقته للشهرة والاحتراف في إنجلترا ومنتخب مصر.
الأهلي على وشك لحظة نادرة لا تحدث في التاريخ كثيرا. خسارة الدوري المصري لصالح الإسماعيلي بعد موسم رائع للكرة المصرية. تمريرة من حسام عاشور إلى أحمد فتحي على الجهة اليمنى. مراوغة وتسديدة صاروخية باليسار. هدف قاتل للدراويش رغم أنه كان ضد طلائع الجيش.
ربما لو كان حالف فتحي التوفيق في تجربة شيفيلد، أو في معايشته في أرسنال، لكانت اختلفت قصته كثيرا. ولكن عندما تنظر لمسيرة فتحي تجد أنه تقريبا فعل كل شيء ممكن للاعب كرة القدم في مصر.
عوض أحمد فتحي فشله مع الدراويش في الحصول على دوري أبطال إفريقيا بمرتين مع الأهلي، شارك في كأس العالم للأندية، أعطاه القدر لحظة تاريخية أخرى بوقوفه كظهير أيسر في نهائي كأس أمم إفريقيا 2017. ربما هو اللاعب الوحيد في التاريخ الذي لعب 4 نهائيات لنفس البطولة في 4 مراكز مختلفة. شارك في الأولمبياد وأقرب للمشاركة في كأس العالم.
نهائي كأس مصر تاريخي يحسمه فتحي بطريقة لا تتوقعها من لاعب بنى رأس ماله في الملاعب من الركض كثيرا وقطع الكرات والأداء الرجولي غير الجمالي في معظم الأحيان.
ضف إلى ذلك، احتمالية لعب فتحي لكأس العالم ليضع إنجازات ربما لم يكملها غيره في تاريخ الكرة المصرية.
فتحي الوحيد من أبناء جيله المحافظ على مكانه الأساسي في النادي والمنتخب منذ البداية وحتى الآن. ربما لم يفقد مكانه في المنتخب إلا لفترة قليلة تحت قيادة هيكتور كوبر قبل أن يعود ويصبح ترسا لا يستغنى عنه في ماكينة الأرجنتيني.
وهناك سببا يقف خلف عدم استغناء أي المدربين عنه..
صلي على الحبيب.. فتحي بـ100 لعيب
بالتأكيد أي مدرب يتمنى لاعبا يجيد في كل المراكز.
بعد انضمام أحمد فتحي للأهلي في 2007، صار أحد الأيقونات المفضلة لدى الجمهور الأحمر سريعا.
ففي الفترة بين 2007 و2010 والكثافة الجماهيرية الكبيرة في المدرجات حصد فتحي مع الأهلي 5 ألقاب محلية وإفريقية.
الهتاف "صلي على الحبيب.. فتحي بـ100 لعيب" كان أحد أصدق الهتافات التي صدحت بها المدرجات المصرية. لا أحد يعرف إن كان مقصودا لكونه "جوكر" يجيد في أي مركز يلعب به، أم أن قواعد السجع هي السبب وراء الهتاف.
يروي الصحفي والمؤرخ الشاب مصطفى عصام أنه شاهد فتحي يلعب في 9 مراكز في الملعب، بينها صانع الألعاب في مباراة بين الإسماعيلي والفيصلي في دوري أبطال العرب حينما سجل هدفا رائعا عام 2004، ومهاجما هدافا للدراويش في فوز الإسماعيلي على أسمنت أسيوط 4-3 في موسم 2005/2006، حين سجل فتحي هدفين.
كان ذلك المحور الثاني الذي بنى عليه أحمد فتحي أسطورته، ليس لأنه العنصر الموجود فقط في كل الإنجازات ولكن لأنه الرجل الجاهز دائما للعب أدوار ليست له، ولكنه يؤديها كأنه ولد ليؤديها.
بين لعبه كمدافع في نهائي كأس أمم إفريقيا 2006، وظهير أيسر في نهائي كأس أمم إفريقيا 2017، لعب فتحي معظم أوقات مسيرته كظهير أيمن – ليس مركزه الأساسي حتى.
فتحي بزغ وظهر وتألق ويفضل اللعب كلاعب خط وسط، ولكن في وجود فطاحل مثل أحمد حسن وحسني عبد ربه ومحمد شوقي ومحمد حمص وحسام عاشور في الأهلي والمنتخب، وفي ظل ضرورة وجود فتحي في التشكيل أصبح الجانب الأيمن مركزه الأساسي.
يقترب فتحي من نهاية مشواره رويدا رويدا، فعل كل شيء في كرة القدم المحلية والإفريقية وهو قريب من المشاركة في كأس العالم. فتحي مع إتمامه لعام جديد يثبت أن العمل الجاد والمثابرة سيمنحان اللاعب مكانا في التاريخ، ومشوارا يجب أن يكون درسا لأي لاعب كرة محترف.