كتب : فادي أشرف
في 30 أكتوبر 1984، كان محمود الخطيب يحتفل بعيد ميلاده الـ30 وكان مركز حوش عيسى في دمنهور يستقبل مولودا جديدا ربما هو الأشهر من ضمن أبناء المركز.
ومنذ ذلك التاريخ، كان دائما الرهان ضد محمد ناجي إسماعيل، الشهير بـ"جدو"، خاسرا.
اقرأ - في عيد ميلاده - بيبو 10.. شعاع أزاح ظلام النكسة
احتاج الأمر 26 عاما ليتأكد الجمهور المصري من أن الرهان ضد جدو دائما سيكون خاسرا، وأن الرهان الآمن دائما سيكون في صف جدو.
حتى عمر الـ17، لم يكن جدو يلعب في أي ناد. رهانك دائما في تلك المرحلة سيكون أن الشاب الذي يلعب في حواري حوش عيسى بمدينة دمنهور لن يلعب الكرة بشكل احترافي. رهانك الأول خاسر.
مدرب مركز الشباب المحلي، محمد بديوي، رأى في جدو ما يكفي لقيادة الفريق الخاص بمركز الشباب. رفض والد جدو ذلك الأمر تماما لأنه رأى أن الأمر سيلهيه عن دراسته، قبل أن يستعمل بديوي سلاحا جديدا وهو إقناع أشقاء والده بضرورة انضمام جدو إلى فريق مركز الشباب.
4 آلاف جنيه و5 كرات
القصة الرومانسية دائما ما تنتهي إلى أن اللاعب الذي انتقل بمبلغ زهيد سيصبح نجما تتهافت عليه الصحافة والجماهير. لكن هذه هي القصص التي نعرفها، هل تعلم كم لاعبا انتقل بمثل تلك الأرقام القليلة والعدد من الكرات ولم تسمع عنه في حياتك؟
خلال 6 أشهر، صار جدو نجما للفريق الأول لمركز الشباب ليخطف أعين أحد كبار محافظة البحيرة، ألعاب دمنهور، الذي كان ينشط حينها في الدرجة الثانية. بـ4 آلاف جنيه و5 كرات اشترى ألعاب دمنهور هدافه المقبل في الدرجة الثانية.
في كل مرة، راهن الجميع ضد جدو وخسروا. يحتاج جدو في كل مرة لشخص واحد يراهن عليه، ومثلما فعل بديوي فعل طلعت يوسف الذي شاهد جدو في مباراة في الدرجة الثانية بين الكروم وألعاب دمنهور. طلعت يوسف اقتنع وأقنع إدارة زعيم الثغر بدفع 300 ألف جنيه لألعاب دمنهور لضم جدو.
4 أعوام كانت كافية لجدو لينتقل من مركز شباب حوش عيسى إلى أكبر أندية الإسكندرية.
آلاف اللاعبين ربما مروا على تدريبات زعيم الثغر، مئات منهم قدموا من مراكز شباب وربما تكون قصتهم أكثر كثافة من قصة جدو. لكن جدو كان مختلفا.
يسجل موقع تاريخ الكرة المصرية 13 هدفا لجدو مع الاتحاد السكندري في الدوري، مستوى اللاعب في تلك الفترة كان كافيا لحسن شحاتة المدير الفني لمنتخب مصر أن يضمه للقائمة الأولية لأمم إفريقيا 2008. بالطبع في وجود أسماء مثل عمرو زكي وعماد متعب ومحمد زيدان كانت فكرة انضمام جدو إلى الفريق الذاهب إلى غانا للحفاظ على لقبه دربا من الخيال.
استمر جدو لاعبا في الاتحاد السكندري ضمن تلك القائمة من اللاعبين المتألقين الذين يقودون فرقهم في الدوري ولكن دائما ما يبقى المنتخب حلما بعيد المنال بالنسبة لهم. فكر في أحمد رؤوف، أحمد عبد الظاهر، فؤاد سلامة وأسماء مثل تلك.
احتاج جدو رهانا واحدا من حسن شحاتة، وربما لم تشهد الكرة المصرية رهانا ناجحا مثل ذلك الرهان.
ليس أفضل من ميدو
اسم جدو جاء ضمن 30 اسما في القائمة الأولية لمنتخب مصر، حتى جدو نفسه راهن على أنه سيكون خارج القائمة ولأنه راهن ضد نفسه، خسر.
"غادرت المعسكر وتوجهت إلى الإسكندرية بعدما أخبرنا حسن شحاتة بإعلان أسماء القائمة في الساعة الثامنة مساء عبر وسائل الإعلام، كنت متأكدا أنني لن أنضم لقائمة المنتخب النهائية، لأن المعسكر كان يضم أكثر من 30 لاعبا يجب اختصارهم إلى 23 لاعبا، عرفت القائمة النهائية من وسائل الإعلام والتليفزيون وتفاجئت بوجود اسمي في القائمة".
انضمام جدو للقائمة كان مفاجأة كبرى لوسائل الإعلام والجماهير، نظرا لأنه جاء على حساب أحمد حسام "ميدو". لكن حسن شحاتة كان لديه تبريرا.
"استبعادي لميدو من قائمة المنتخب وقتها لم يكن سبب خلاف شخصي أو على خلفية المشادة بيننا في مباراة السنغال ببطولة 2006، خلافي مع ميدو انتهى تماما ثاني أيام مباراة السنغال، لكن وقتها رأينا أن ميدو لن يكون مفيدا لمنتخب مصر، كنت أريد ضم لاعب جائع كرويا، وجدو كان يؤدي بشكل جيد مع الاتحاد السكندري ورأيت فيه الصفات التي أبحث عنها. جلست مع جدو حينها وقلت له أنت لست أفضل من ميدو، لكنك بالفعل تريد إثبات نفسك وصنع التاريخ، لذلك أنا أثق فيك وفي إمكانياتك".
المنطقي في تلك اللحظة هو وجود جدو بديلا لا يستخدم كثيرا للأساسيين عمرو زكي وعماد متعب ومحمد زيدان، الشراكة التي أثبتت قدرتها على الفتك بالخصوم في غانا. ولكن في أنجولا كتب جدو التاريخ. البديل الأكثر فاعلية كان صاحب دور البطولة في الفوز باللقب الثالث على التوالي رغم رهان الجميع على صعوبة تألق اللاعب القادم من الاتحاد السكندري على حساب "الأكابر" الذين يلعبون في الأهلي والزمالك وأوروبا.
"وفي مباراة نيجيريا كانت النتيجة 2-1. المباراة مشتعلة، ووجدت كابتن شوقي غريب المدرب العام يقول لي، استعد. قد تشارك، وجدت المعلم يناديني. اسمع، ستلعب في وسط الملعب، وتزيد مع المهاجمين حين تكون معنا الكرة. ستنطلق من الخلف لتسجل الهدف الذي يقتل المباراة، كانت لحظة أشبه بالحلم. وحين شاركت وسجلت شعرت أن هناك أمرا إلهيا يفتح أمامي أبوابا لم أتخيلها. ثقتي في نفسي زادت، وحين سجلت في مرمى غانا في النهائي كل ما جال في خاطري، منذ أسابيع لم أحلم بارتداء هذا القميص اليوم أنا أسجل في النهائي. أنا أحلم، الحمد لله على هذا الحلم الذي أتمنى ألا أستيقظ منه أبدا".
6 أشهر أخرى مرت ووجد جدو نفسه بالقميص الأحمر بعد صفقة ماراثونية. اعترف جدو بالتوقيع للزمالك قبل أن يتمم انتقاله إلى الأهلي. رهان الجميع كان عدم استمرار التألق مثله مثل كل الصفقات التي شهدت صراعا عنيفا بين الأبيض والأحمر.
توقف النشاط وقيام ثورة 2011 كان سببا في تأخر انطلاقة جدو الحقيقية مع الأهلي، مثله مثل صفقات جاءت بعده كعبد الله السعيد ووليد سليمان، ولكن أهم لحظة لجدو مع الأهلي تظل في رادس.
بباطن القدم في أقصى الزاوية البعيدة، جدو يدمر أحلام أبناء باب سويقة في تتويج إفريقي ويرصع أحد أغلى بطولات الأهلي الإفريقية. احتفاله: "كالما كالما"، راهنتم ضدي جميعا لكن ها أنا هنا أصنع تاريخا.
استمرت الرهانات الخاسرة ضد جدو.. لاعب محلي؟ ذهب إلى إنجلترا وسجل وساهم في تأهل هال سيتي إلى الدوري الممتاز. سيعتزل بعد الإصابة؟ جدو مازال ينشط في الدوري المصري وسجل 14 هدفا مع الإنتاج الحربي والمقاولون العرب ومازال عنصرا يظهر أحيانا في تشكيلته وله هدف هذا الموسم.
احتاج الأمر رهانا واحدا، وتلتها الرهانات التي اختار فيها الجميع أن يكونوا في الصف المواجه لجدو. في كل مرة آمن به شخص واحد فقط وكان رهانه صحيحا، بدليل لقب كأس أمم إفريقيا ولقب دوري أبطال إفريقيا ومشاركته في كأس العالم للأندية والدوري الإنجليزي الممتاز. البداية لم تشي أبدا بذلك.
كل عام وأنت تجعلنا نخسر رهاناتنا ضدك يا جدو.