كتب : عمر ناصف
ما "نحن نكره عندما ينجح أصدقائنا".. هكذا غنى ستيفن موريسي يوما ما ويورجن كلوب المدير الفني لليفربول سيضطر غدا للعمل بتلك المقولة لمدة 90 دقيقة عندما يواجه دافيد فاجنر صديق عمره والمدير الفني لهادرسفيلد.
ربما تعود صداقتهم لأبعد من تلك الصورة التي يرجع تاريخها لعام 1991 ويظهر فيها كلوب بنضارته وضحكته الشهيرة وشكله الذي يبدو أنه لم يتغير مع مر السنين سوى بشكل طفيف والجدية بادية عليه وعلى يمينه يقف شاب صغير مازال في الـ19 من عمره يحاول شق طريقه مع الفريق الأول لنادي ماينز تغيرت هيئته بشكل كبير عن فاجنر الذي نعرفه هذه الأيام بشعره الرمادي.
التقطت الصورة في احتفالات أكتوبر في ألمانيا وذلك بعد تعادل مستحق لماينز بهدف لهدف أمام فريق ميونخ 1860 وهي من الصور الأوائل التي تجمعهم في بداية حكاية صداقة وأخوه استمرت منذ تلك الأيام وحتى الآن.
العلاقة القوية بين الثنائي وصفها ماتياس هوملس مدافع بروسيا دورتموند الذي تدرب مع الثنائي في دورتموند فقال "يتشابهان في طريقة كلامهما وطريقة لبسهما، تشعر بأنهم أخوة تم تفريقهم فور ولادتهما فتجدهما دائما في التمرين يمرحون ويركضون ويضربون بعضهما البعض".
تحدثت صحيفة إيندبيندينت الإنجليزية عن علاقتهم في تقرير مطول مأخوذ من فيلم تسجيلي ألماني يدعى "قلوب وماينز".
خارج الملعب علاقتهم قوية وكلوب يعتبر الأب الروحي لابنة فاجنر وفاجنر كان إشبين كلوب في حفل زفافه وقبلها كان المسئول عن إخفاء هوية كلوب أثناء تجواله في مدينة ماينز حتى لا يتعرف عليه أحد وتبدأ الجماهير في التكتل حوله.
فاجنر يلقب ب "كلوب الصغير" أو "استنساخ كلوب" فالثنائي يتمتع بالذكاء والحماس لأفكاره وحديثهم دائما معسول سواء كان للاعبين أو للصحافة التي تحبهم وتدريباتهم قوية بدنيا ويمارسون كرة قدم تعتمد على الضغط العالي والتحول السريع واللعب دائما إلى الأمام.
لا يريدون ولاء ولكن الحب هو أهم شيء لديهم داخل الفريق، فاجنر يأمر لاعبيه بالعيش بالقرب من مدينة هادرسيفيلد بما لا يبعد عن 15 ميلا حتى يستطيع الاجتماع معهم خارج حدود التدريبات والخروج سويا في تجمعات هدفها تقريب اللاعبين أو الذهاب في رحلة إلى الطبيعة السويدية من أجل زيادة ارتباط اللاعبين ببعضهم البعض كما حدث قبل بداية الموسم الماضي.
كلوب يقوم بجمع لاعبيه كثيرا ودعوتهم إلى العشاء ويحتضنهم حتى تنكسر نظارته.
كلوب كان يعرف إمكانيات صديقه المميزة في التدريب ولكنه كان خائفا عليه من صعوبات وضغوطات المهنة فأخبره "لا لن أساعدك أنا لا أريدك أن تدخل مجال التدريب"، استمع فاجنر إلى النصيحة وظل خمس سنوات يدرس للحصول على شهادة الماجيستير في العلوم الرياضية
جاء العام 2011 وفاجنر مستمر في دراسته ليصبح أستاذا في الجامعة وفي ألمانيا عندما تحصل على وظيفة كهذه فأنت تضمن الحصول على المال حتى أخر يوم في عمرك ولكن اتصال هاتفي قلب كل الموازين، مايكل زورك المدير الرياضي لدورتموند يريده أن يكون مسئولا عن الفريق الثاني بالنادي.
تحدث كلوب عن تلك الأيام في الفيلم الوثائقي فقال "لقد أتصل بي زورك ليخبرني هل فاجنر الشخص المناسب لتلك المهمة؟ لقد شعرت باليائس والحزن ولم أستطع الكذب فكانت إجابتي نعم إنه الشخص المناسب".
بدأ فاجنر تحقيق نجاحاته مع الفريق الثاني لدورتموند في نفس الفترة التي نجح فيها كلوب مع الفريق الأول وأنتظر الجميع صعود فاجنر إلى الفريق الأول خصوصا مع رحيل كلوب بعد موسم سيء في ألمانيا ولكن ما حدث أن الثنائي رحل سويا.
في نوفمبر 2015 رحل فاجنر عن الفريق الثاني لدورتموند لتبدأ التكهنات والتأكيدات بأنه ذاهب إلى انجلترا لمساعدة كلوب في تدريب ليفربول بعد شهر واحد من ذهابه إلى هناك ولكن هادرسفيلد يونايتد في الدرجة الثانية أعلن عن فاجنر مديرا فنيا له في المهمة الرسمية الأولى له كمدير فني.
لماذا خاف كلوب على صديقه؟ الإجابة في الاختلافات البسيطة بينهم في الشخصية ففاجنر أقل عصبية وأكثر هدوءا ورغبة في الاستمتاع والمرح، تحدث فاجنر عن تلك النقطة موضحا بأنه حصل عليها من الفترة القصيرة التي عاشها في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لعب هناك لمنتخبها الوطني بسبب جنسيته المزدوجة بجانب الألمانية.
"لقد تعلمت من أمريكا أن أخذ الأمور ببساطة أكثر بعكس ما يحدث في ألمانيا فلا أحتاج إلى الوقوف في الممر قبل انطلاق المباراة ب24 ساعة معرضا نفسي للقلق وإنما يكفي أن أتمتع بحياتي حتى دخول غرفة خلع الملابس قبل المباراة بساعة أو اثنين".
رغم أن الفاصل السني بين الثنائي هو 4 أعوام فقط إلا أن فارق الخبرة التدريبية بين الثنائي كبير فكلوب يعمل كمدير فني منذ 16 عاما مقارنة بعامين فقط لفاجنر الذي لم يواجه أي فشل بعد فمسيرته التدريبية شهدت قيادته لفريقه الأول هارسيفيلد للصعود للدرجة الأولى.
أما كلوب فشهد في مسيرته على هبوط فريقه على يديه إلى الدرجة الثانية ووقف مكتوف الأيدي بينما لاعبي بايرن ميونيخ يأخذون منه كل طموحاته وأحلامه في البطولات الواحدة تلو الأخرى، فاجنر لم يدرب في نهائي دوري أبطال أوروبا ولم يجد نفسه مسئولا عن فريق تاريخي كبير عصف به الزمن وداس عليه الدهر ومطالب بإعادته كما كان منذ 25 عاما ملكا متوجا.
الفارق بين الضغوطات على الثنائي يمكن تلخيصه في رد فعل الصحف لخسارة برباعية لفاجنر أمام توتنام وصفت ب"يوم سيء لفريقه" ورباعية أخرى خسر بها كلوب وصفت ب"كارثة حقيقية".
كل خسارة تحفر جرحا في الجسد لا يلتئم أبدا بمساعدة الضغوطات والمسئوليات الموضوعة على كاهل المدير الفني كانت تلك الأشياء هي التي جعلت كلوب يخاف على صديق عمره وأخيه الصغير فاجنر منها في عالم التدريب.
سيقف كلوب بجانب صديقه غدا مسترجعا كل ذكرياتهم السابقة سويا ومشفقا عليه وهو يراه مازال في بداية طريق صعود الجبل مفعما بالحماس والرغبة دون معرفة العقبات والمشاكل التي ستحاول إسقاطه طوال الطريق، كلوب يعرف أن روح فاجنر مازالت نقية لم تتعرض للجروح والانكسارت.
الثنائي يعلم أن صداقتهم يجب أن توضع جانبا لمدة 90 دقيقة غدا وأنه سيكون على أحدهم أن يحفر جرحا مؤلما في جسد الأخر من أجل الاستمرار في التقدم على الطريق.