كتب : لؤي هشام | الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 - 17:51
مقال رأي - ما بين ميسي وكريستيانو.. أمور لا يدركها إلا العارفون
ما إن تكتب كلمة "التشابه" في محرك البحث "جوجل" سرعان ما ستجد إنه لا يعج إلا بكلمتي "الفرق" و"المقارنة" بين كلا من ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، فيما يبدو أنه استحضار دائم للصراع بين اللاعبين على لقب الأفضل والذي يمتد لما يقرب من عقد من الزمان.
كريستيانو حقق جائزة أفضل لاعب بالعالم للمرة الخامسة في مسيرته ليتساوى مع ميسي منذ بدء سيطرتهما على تلك الجائزة في عام 2008 في مشهد ظهر فيه الأرجنتيني وهو يحيي البرتغالي بابتسامة عريضة أثارت الكثير من الحديث في الإعلام.
ولكن لماذا يود الإعلام دائما أن يجعلهما وجها لوجه؟ ربما ما حققه الثنائي من أرقام وبطولات، وحفاظهما على نسق ثابت طيلة هذه السنوات أجبر الجميع على النظر إليهما من زاوية التنافسية لا غيرها.
وربما كان تواجد كلا منهما في برشلونة وريال مدريد سببا أدعى لإضافة المزيد من الإثارة على هذا الصراع الذي لن تكتمل صورته الدرامية إلا بفريقين يتبادلان العداوة منذ قديم الأزل.
"لا توجد أية مشاكل بيني وبين رونالدو، نحن محترفان كل يدافع عن فريقه، نحن نتنافس في المباراة فقط، لكن لا شيء أكثر من هذا" ميسي متحدثا عن الصراع مع رونالدو
يقول جلال الدين الرومي: "العشق مذاهب، ودين العشق لا مذهب له" لذا إن كنت مُحبا حقيقيا لكرة القدم فلربما ترى أن ميسي وكريستيانو يحملان الكثير من التشابهات أكثر مما يحملانه من الاختلافات، ربما كان بالأصل اختلافهما تشابها في حد ذاته.
إن كنت تنظر إلى الكرة بعينين متجردتين من الانتماءات فقد تكون الصورة أوضح بالنسبة لك، فأنت قادر على الرؤية بكلتا العينين، وحينها سترى كم أنهما يحملان الكثير من التشابه، فالبداية أتت تحمل الكثير والكثير من المعاناة على كلا الجانبين، والمعاناة دائما تصنع رجالا أقوياء.
""لا توجد عداوة شخصية بين وبين ميسي ما يوجد هو منافسة بين فريقينا، لكن لا يوجد شيء شخصي بيني وبينه" رونالدو متحدثا عن المنافسة مع ميسي
ليونيل أندريس ميسي، الذي ينحدر من أسرة متوسطة كان الأب فيها عامل بمصنع والأم عاملة نظافة، كادت أن تتوقف مسيرته مبكرا بسبب مشاكل في النمو وحاجته إلى علاج لم تكن أندية الأرجنتين جميعها قادرة على دفعه، حتى أتى كارليس ريكساش ومنحه فرصة العلاج ومعانقة المجد رفقة برشلونة.
ويحكي دييجو شوارزتين، الطبيب المعالج لميسي والذي عاصر تلك الفترة من عمر اللاعب عن قرب، كيف أن الأزمة الاقتصادية بالأرجنتين في التسعينات تسببت في الكثير من المتاعب لهذا الفتي الصغير.
ويقول طبيب الغدد الصماء إن ميسي كان يعاني من تأخر في الوصول إلى سن المراهقة وأنه بدأ علاجه عن طريق بعض الحقن والتي كانت تجلب تأثيرا إيجابيا، حتى تسبب الأزمة الاقتصادية في تقليص إنفاقات شركة التأمين وبالتالي تقليص ميزانيته في علاج الهرمونات.
ويوضح أنه بالتوازي في نفس الوقت كان خورخي، والد ميسي، يعاني هو الآخر كباقي الأرجنتيين وغير قادر على دفع ما يقرب من 1300 دولار شهريا، وهو ما تسبب في وقف العلاج لمدة عام تقريبا، كما حاول ريفير بليت في تلك الفترة التعاقد مع ليو بعد فترة اختبار ولكنه رفض فكرة التكفل بعلاجه قبل أن يظهر برشلونة في الصورة.
على الجانب الآخر وفي جزيرة بالمحيط الأطلنطي كانت والدة رونالدو تفكر في إجهاضه بسبب الفقر الذي تعاني منه الأسرة وربها الذي يدمن الكحول، قبل أن يأتي كريستيانو إلى الدنيا ويصبح من بين الأعظم في التاريخ.
على الساحل الغربي لإفريقيا ولد كريستيانو في جزيرة ماديرا، الطفل الأصغر بين أربعة أشقاء لأب يعمل كحارس وأم تعمل كطاهية وعاملة نظافة كذلك للمساعدة في الإنفاق على أسرتها.
وتحكي والدته كيف أن اللاعب، الذي عُرف بالطفل الباكي في صغره لبكائه المستمرعند فشله في تسجيل الأهداف، تعذب وهو يرى والده يموت بسبب إدمان الخمر في 2005.
وتقول: "مع مرور الوقت كان كريستيانو يعرض عليه أن يعالجه ولكنه كان عنيدا واستمر في الشرب حتى الموت".
هذا تحول كبير إلى النقيض من البدايات في تلك القصتين، ذاك التحول الذي سرعان ما يستحضر إلى الذهن قصة تحول جلال الدين الرومي من عالم فقيه متبحر في أصول الدين إلى النقيض – أو ما يعتبره البعض نقيضا - كواحد من أبرز أقطاب الصوفية وشعرائها.
وكما كان هذا التحول نابعا من عشق وتأثير شمس التبريزي عليه فقد كانت شمس كرة القدم الحارقة تحمل نفس التأثير على كلا من ميسي رونالدو.
ربما يبدو اختلاف طريقة لعبهما واضحا للجميع، وربما كانت موهبة ميسي أكثر فطرية وبساطة للعين، كما يُقال، ولكن رونالدو أثبت كيف أنه قادرا على تطويع الموهبة التي منحها الرب إياه.
عطايا الرب لا تتوقف ولكنها لا تتشابه. فإن كان قد منح ميسي قدما يسرى ليست للبشر، فقد أعطى رونالدو كل العوامل البشرية التي تمكنه من منافسة ما ليس بشريا.
يتسلم ميسي الكرة بيسراه، ينطلق يمينا ويسارا دون أن يتمكن أحد من إيقافه حتى تعانق الكرة الشباك دون حتى أن يبدو الأمر صعبا بل يبدو سهلا للغاية، فيما يطلق عليه السهل الممتنع.
أما رونالدو فيتسلم الكرة على الجانب الأيسر، ينطلق بسرعة كبيرة مراوغا أكثر من لاعب يضع الكرة أمامه وكأنه يجبرها على التواجد في هذا المكان ويطلق تسديدة صاروخية، لا يبدو الأمر سهلا بل يظهر كم أن هناك جهدا كبيرا مبذولا.
في الحقيقة هذا هو الأمر، كلا منهما نجح في تحقيق غايته، اختلف الأسلوب بالتأكيد وحمل ما يشبه التناقض ولكن في النهاية كانت النتيجة واحدة وهي أن كلا منهما لن يتوقف حتى تدخل الكرة المرمى.
كلا منهما كان قادرا على الإيمان بما هو قادر على فعله، وكلا منهما أحب الكرة بطريقته، لا عجب فـ"الإيمان والحب يجعلان الإنسان بطلا إذ يصرفان عن قلبه جميع المخاوف"، كما يقول الرومي.
مقالات أخرى للكاتب
-
مقال رأي - فينجر في مخيلتي.. صورة مبارك وفقدان القدرة على المجازفة الثلاثاء، 27 فبراير 2018 - 15:02
-
مقال رأي - ما بين ميسي وكريستيانو.. أمور لا يدركها إلا العارفون الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 - 17:51