كتب : أحمد عز الدين
في أغسطس 2015 وصل نابولي إلى الحضيض. بات أقل ناد في الحضور الجماهيري لمباريات الكالتشيو بعد كابري ولزم على النادي التحرك لإعادة السعادة إلى مدرجات ارتجت يوما مع دييجو مارادونا. هنا ظهر بطل تلك القصة، ماوريتسو ساري.
ليس الرجل المثالي لإشعال حماس جمهور نابولي من جديد. ليس شابا براقا ولا يملك سجلا يحوله إلى خبير. تجاربه معظمها في الدرجتين الثانية والثالثة، ومرة واحدة كان مدربا في الدوري الممتاز واحتل المركز الـ15 مع إيمبولي.
"من أصلا هذا الرجل؟ هل أقلنا رافا بينيتث حتى نأتي بمدرب لا يعرفه أحد ثم ننتظر منه قيادة الفريق للبطولات؟".. دييجو مارادونا محجتا على تعيين ساري مديرا فنيا لنابولي.
ربما تأخر اكتشاف ساري والتعامل معه كنجم لكن ربما أيضا هذا بالضبط ما يمنحه التميز المناسب لإشعال حماس جماهير نابولي من جديد.
"سأحتفظ بعاداتي وأرتدي الملابس الرياضية أثناء المباريات. لن أرتدي الأزياء الرسمية إلا إذا فرضتها علي الإدارة أثناء المقابلات التلفزيونية".. ماوريتسو ساري يوم تقديمه مدربا لنابولي.
ساري كان الطفل الوحيد الذي يشجع نابولي في المدينة الصقلية التي انتقل إليها والداه ويدين أغلب قاطنيها بالولاء لفيورنتينا.
لا يجيد لعب الكرة كثيرا، لكن هوسه بكرة القدم وسماته القيادية دفعاه للعب دور غير اعتيادي في كرة الشوارع، صار مدربا لأصدقائه البالغين حديثا.
حين كبر بدأ الخروج عن الروتين المعتاد وقرر اختيار كل سنة فريقا جديدا يعمل معه، محافظا على عمله الصباحي كمحاسب بنكي.
لم يتوقف عن الابتكار في التدريب رغم صغر مهمته وعدم اهتمام لاعبيه، حتى حصل على لقب "مستر 33" لأنه أخذ اسبوعا يعلم لاعبيه 33 حيلة في الركلات الثابتة لم ينفذ منها فريقه في النهاية إلا 3.
ثم جاءت اللحظة وانتبه المهتمون بالدرجات الدنيا في الكرة الإيطالية بشاب مدخن شره يلعب 4-3-3 جميلة، يهتم ببناء اللعب من الخلف للأمام، يضغط على خصومه مبكرا، وحيله في الركلات الثابتة لا تتوقف.
تزامنت اللحظة مع قيادته لفريق أريتزو، وبالمناسبة جاء تعيين ساري ليخلف مدربا شابا أخر آنذاك يدعى أنطونيو كونتي.
نجح ساري مع أريتزو بالتعادل مع يوفنتوس 2-2 ونال إشادة نجمي الفريق آنذاك جيجي بوفون وأليساندرو ديل بييرو ثم فاز على ميلان في الكأس 1-0 ذهابا قبل الخسارة إيابا 2-0.
هنا اتصل أريجو ساكي أحد أساطير التدريب في تاريخ كرة القدم بسيلفيو برلسكوني مالك نادي ميلان آنذاك.
ساكي: إذا أردت تكرار تجربتي في ميلان فلدي الرجل المناسب. لا أحد يعرفه لكني أثق تماما في أنه سيكون مدربا ممتازا، يدعى ساري المناسبة.
كان رد برلسكوني إيجابيا لكن أدريانو جالياني الرجل الثاني في ميلان وقتها رفض الفكرة ورأى أن الروسونيري تجاوز مرحلة صناعة ساكي جديد.
تجدر الإشارة إلى أن ساكي كان رجلا غير مشهور في عالم التدريب لم يمارس كرة القدم كمحترف نجح مع بارما في الثمانينات فخطف أنظار برلسكوني لينتدبه مدربا لميلان.
بعدها تغير كل شيء. فاز ميلان بثماني بطولات مع ساكي. لكن ترى ما الذي لفت نظر أريجو في ساري؟
يحكي ساكي "كنت آنذاك رئيسا لتطوير قواعد الناشئين في إيطاليا. أجوب المدن المختلفة وأتابع اللاعبين الصغار علي أجد موهبة مميزة".
وأضاف "أثناء جولتي وجدت لاعبين يعرفون كيف يتمركزون ويتحركون سويا. متى يرسلون الكرات العرضية ومتى يحافظون على نسق اللعب. هؤلاء جميعهم جاءوا من فريق يدربه رجل يدعى ساري".
لكن رغم إلحاح ساكي على برلسكوني لم يتحمس ميلان للتعاقد مع ساري الذي لم يجد من يقدمه للدوري الإيطالي الممتاز سوى نادي إيمبولي.
- الصحفي: هل يضايقك أنك الأقل أجرا بين كل مدربي الدوري الإيطالي الممتاز؟
- ساري: هل تمزح. كنت سأقبل بتدريب إيمبولي حتى لو دون مقابل.
احتل إيمبولي المركز الـ15 في جدول الدوري الإيطالي، وهي نتيجة غير سيئة لناد من الطبيعي أن يهبط للدرجة الثانية، لكنها ليست النتيجة المبهرة بكل تأكيد.
فقط ما كان مبهرا مرة أخرى بصمة ساري على أداء إيمبولي.
وربما لو كان قد وجد الثقة من برلسكوني لتعرف العالم على موهبته مبكرا ولصار مدربا شابا يلعب كرة هجومية ممتعة في تجربة تشبه بيب جوارديولا ويورجن كلوب.
لكنه كان "جوارديولا خارج الأضواء" حتى وجد الثقة من رجل أخر غير برلسكوني هو ديلاورنتس رئيس نابولي.
يقيم ساكي تجربة ساري مع نابولي في بدايتها قائلا: "انظر إلى إيجوايين. سجل 36 هدفا في موسم واحد، هذا لا يحدث إلا مع مدرب يعرف كيف يوفر كل شيء إلى نجمه".
وبجوار الـ4-3-3 الشهيرة لساري بمهاجمين 3 يلعبون في العمق حتى يفسحون الطريق إلى الظهيرين للزيادة الهجومية، وبخلاف الضغط العالي والاستحواذ كان إنسيني ودينيس ميرتنز أهم إنجازات المدرب.
ساكي يرى ان إنسيني أهم موهبة حاليا في الدوري الإيطالي. لكنه لم يجد نفسه إلا مع وجود ساري.
في تدريبات ساري يعنف كثيرا فوزي غلام حين لا يتقدم، لأن الظهير الأيسر مفتاح منح إنسيني الحرية. وحين يحصل الأخير على الحرية يحصل نابولي على الأهداف وهكذا.
كانت المشكلة كيف يتقدم فوزي غلام إذا كان خائفا من المرتدات؟
يجيب ساري "ليس عليك التقدم بسرعة، سنتناقل الكرة حتى يعود الخصم للخلف فيصبح بإمكانك الهجوم. السرعة تأتي حين نكون في أماكن متقدمة عند الخصم".
السرعة في الارتداد من الحالة الدفاعية للهجوم والعكس من أهم مميزات فريق ساري بحسب هذا التحليل المفصل لخطة المدرب صاحب الـ58 عاما. ( شاهد هنا )
حتى حين رحل إيجوايين وخسر ساري رجلا سجل أكثر من ثلث أهداف نابولي وجد المدرب المخضرم حلا في ميرتينز. المهاجم الوهمي السريع القوي الذي بات من أبرع مهاجمي الكالتشيو، وشكرا لمستر 33.
ونتيجة عمل ساري تظهر الآن. 8 مباريات لنابولي = 24 نقطة. 8 انتصارات مع 26 هدفا.
أرقام كأنها لبيب جوارديولا الذي عليه الآن مواجهة خصم أعاد الجمهور لمدرجات نابولي، والحماس لقلوب عشاق الملك الأعسر رقم 10.
"أنا أسف. أعتذر لساري عما قلته يوم تعيينه. أظن بعدما شاهدت الفريق يلعب بتلك الحلاوة أننا وجدنا الرجل المناسب لقيادة نابولي نحو أيام العظمة والألقاب".. دييجو مارادونا.