كيف تحولت أيسلندا من دولة بلا ملعب إلى "جنة كرة القدم"
الخميس، 12 أكتوبر 2017 - 12:53
كتب : إسلام مجدي
"قد نصبح أصغر دولة على الإطلاق تذهب إلى نهائيات كأس العالم". كانت تلك كلمات هيمير هالجريمسون أحد مدربي منتخب أيسلندا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014 قبل مواجهة كرواتيا في المباراة الإقصائية.
في تلك التصفيات احتلت أيسلندا المركز الثاني في المجموعة الخامسة خلف سويسرا ومتفوقة على سلوفينيا والنرويج وألبانيا وقبرص.
قاتل أولاد أيسلندا من أجل التفوق ضد منتخب كرواتيا وتعادلا في مباراة الذهاب سلبيا، لكن في لقاء الإياب خسر بنتيجة 2-0 لينتهي الحلم سريعا.
ما حدث للكرة الأيسلندية كانت ثورة سريعة منذ 5 أو 6 أعوام. كان تصنيف المنتخب الـ133 حول العالم، أما في شهر سبتمبر الماضي فأصبح في المركز الـ22.
لم تحظ أيسلندا بأي ملعب عشبي حتى أواخر عام 1957 عبر أول نادي كرة قدم هناك هو فايكينجور ريكيفيك والذي تم إنشاؤه عام 1908. فما الذي حدث وجعل منها منتخبا يتأهل لليورو ويفاجئ إنجلترا والعالم، ثم المونديال في العام التالي؟
قال دادي رافنسون مدير إحدى الأكاديميات الكروية بأيسلندا :"حينما يقرر الشخص الأيسلندي أن يفعل شيئا ما فإنه يستمر حتى يصل إلى مراده وربما أبعد من ذلك، قد يسمى البعض هذا هوسا، لكنه ليس كذلك، في بعض الأحيان لا نعرف متى نتوقف".
في بطولة يورو 2016 فاجأ المنتخب الأيسلندي العالم أجمع بعدما كان أصغر أمة تصل إلى بطولة كبيرة في التاريخ، بعد تأهله إلى دور الـ16 ثم إقصائه لإنجلترا ولكن مغامرته انتهت أمام البلد المضيف في ربع النهائي والخسارة بنتيجة 5-2.
منذ 16 عاما بدأ الهوس بكرة القدم في أيسلندا يزداد خاصة مع مشاريع أجراها كل من الحكومة واتحاد الكرة وحتى المدارس والمستثمرين هناك، استمر الإنتاج ومحاولة بناء جيل ينافس بقوة وسط أوروبا من أمة صغيرة للغاية في تعداد يصل إلى 300 ألف نسمة.
ففي عام 2009 سافرت مجموعة من مدربي كرة القدم الأيسلنديين الشباب إلى إنجلترا من أجل الدراسة للحصول على رخصهم التدريبية، وتضمنت تلك الرحلة مشاهدة لفتى صغير أيسلندي يدعى جيلفي سيجوردسون في الـ18 من عمره يدعونه بـ"جوهرة وسط الملعب" ينضم إلى ريدينج. ويعد سيجوردسون هو أفضل مثال على مدى تطور التجربة الأيسلندية بعد أن بدأها إيدور جوديونسون، حاليا هو أغلى لاعب في تاريخ إيفرتون.
قال لارس لاجرباك مدرب أيسلندا في وقت سابق :"جزء من نجاحنا الذي نحققه هنا هو مجموعة المدربين الذين سافروا وتعلموا جيدا لمدة 6 أو 7 أعوام لينقلوا ثقافة كبيرة إلى دولتنا ساهمت فيما حققناه على المدى البعيد".
بداية القصة تأتي مع ذلك الفتى الأشقر ذو الـ17 عاما الذي شارك لأول مرة في مباراة ودية ضد إستونيا عام 1996 جوديونسن الشاب الذي لعب لأندية تشيلسي وبرشلونة.
كانت تلك لمحة للكرة الأيسلندية أن مشروعها يسير في الطريق الصحيح، قال ماجنوس ماجنوسون وكيل اللاعبين الأيسلندي :"الأطفال حاليا لديهم مثل أعلى جوديونسن وسيجوردسون".
كان لدى جوديونسن ما لم يكن لدى الأطفال في تلك الفترة في أيسلندا، أب ومعلم ومدرب هو آرنور الذي لعب لأندرلخت وبوردو وكان أسطورة بدوره، احتاجت الدولة أن تغير ذلك لم تمتلك الموارد حتى بداية الألفية الحديثة.
قامت الحكومة بالتعاون مع اتحاد الكرة ومدارس الكرة بتقديم تسهيلات لكي يكون هناك العديد من المدربين ليطوروا جيلا جديدا من الأطفال يصبح فيما بعد لاعبين يقودون المنتخب لعدد من النجاحات.
لدى الاتحاد الأوروبي قاعدة محددة وهي أن يكون لديك رخص A وB لكي تصبح قادرا على التدريب في نادي محترف والشباب على الترتيب، وكلما كان لدى الدولة عدد من المدربين المؤهلين كلما كانت أفضل.
قال هيمير مدرب أيسلندا :"لا أعتقد أن هناك مكان أخر في العالم لديه عدد من المدربين المؤهلين مثلما نمتلك نحن ولديهم رخص A وB".
وصرح عضو بالاتحاد الأيسلندي إن لديهم 563 مدربا يمتلك الرخصة B و165 مدربا يمتلكون الرخصة A من الاتحاد الأوروبي وكان ذلك في نهاية عام 2013 وبالطبع زادت تلك النسبة كثيرا.
إضافة إلى ذلك تتم معاملة جميع المدربين بطريقة متساوية ويتم تقديم الدعم لهم بصورة عادلة دون التفرقة بين أحدهم، بجانب الطموح لدى كل قرية أيسلندية أن يكون لديها مدرب جيد يذكر اسمه دائما في وسائل الإعلام.
قال هيمير :"هنا في أيسلندا لا يهم إن كانت قريتك صغيرة أو كبيرة هناك مدربون مؤهلون وتتم معاملتهم بطريقة متساوية مع أنديتهم في الدوري الممتاز".
وأضاف "جميعهم يحصل على نفس الدعم والتعليم أيا كان المكان الذي يعيشون فيه، وأعتقد أن ذلك يعود بمنفعة كبيرة على الكرة الأيسلندية، بجانب تواجد طموح لدى كل قرية بأن تمتلك مدربا جيدا وأن يكون لديها أماكن للتدرب وأطفال قادرين على لعب الكرة، لذا كل قرية هنا فخورة بإنتاج لاعبين جيدين".
وأردف "حتى منتصف التسعينات عانت أيسلندا في مجال كرة القدم، لم تمتلك الدولة أماكن للتدرب ولعب كرة القدم هناك كان أمرا صعبا للغاية".
وتحدث هيمير في هذا الصدد قائلا :"اليوم أماكن التدريبات أفضل بكثير عما كانت عليه في الماضي، كنت أعاني في فترتي كلاعب".
حصدت أيسلندا الثمار سريعا وأصبح لديها عدد من اللاعبين الموهوبين على مدار العقد الأخير أكثر مما أنتجت على الإطلاق في أي وقت، قديما كان هناك موهبة أو اثنين حاليا يتم إنتاج أكثر من 100 موهوب، ونظام تعليم المدربين لم يتوقف حتى انه يطبق على الشباب ولاعبي المنتخب.
جاء التحدي الأكبر وهو النجاح، في أيسلندا يمكنك أن تنتج مواهب كثيرة طيلة الوقت لكن لا يمكنك أن تنجح داخلها يجب أن تسافر إلى الخارج ومن هنا يكون الاختبار الحقيقي أم ظروف جديدة.
ولمن لا يدرك طبيعة أيسلندا فهي جزيرة معزولة وقبل الحرب العالمية الثانية كانت أحد أفقر الدول في أوروبا، واليوم هي أحد أكثر الدول المتطورة لكن تعاني من عدة عناصر مثل الانعزال الجغرافي الذي يبعدها عن الكثير من الأشياء.
الآن تمتلك الدولة يوهان بيرج جودموندسون لاعب بيرنلي وإيميل هالفردسون في أودينيزي ورونيك جيسلاسون في نورمبرج وألفريد فينبوجاسون في أوجسبورج وغيرهم من المحترفين حول أوروبا.
ماجنوس وكيل اللاعبين وصف الأمر قائلا :"بطبيعة الحال تخرج المواهب الأيسلندية سريعا إلى أوروبا، وهناك سمعة جيدة للاعبينا هي أنهم يقاتلون ولا يستسلمون أبدا".
وأضاف "عرف عنهم أنهم صبورين ويعلمون بكد ولا يملون أبدا".
ما يجعل أيسلندا قوية للغاية وتمتلك شبابا لا يستسلمون هو النظام التدريبي القوي الذي عملوا من أجله منذ بداية الألفية، وأصبح هناك مدربا مؤهلا للتدريب مقابل 825 نسمة في الدولة، في إنجلترا يوجد مدرب مؤهل مقابل 11 ألف نسمة على سبيل المثال لا الحصر.
قال داجو سفين عضو الاتحاد الأيسلندي لكرة القدم "حتى وإن بدأت التدرب في عمر الرابعة فإنك ستجد مدربا جيدا ومؤهلا لتعليمك كرة القدم، كل مدرب لدينا يتم الدفع له ليس لدينا أي هواة جميعهم محترفين، كل طفل يلعب يحصل على راتب سنوي وبإمكانه التدرب مع فريق محترف، ابني بدأ التدرب في عمر الثالثة".
وإذا كان التدريب هو العمود الأول الذي قامت عليه ثورة أيسلندا فإن البنية التحتية لكرة القدم مثل ملاعب التدريب وصالات الجيم وغيرها من المباني المطلوبة قد أصبحت عمود الدولة الثاني.
قررت أيسلندا بمساعدة الحكومة أن تستعمل الأموال التي تحصل عليها من عوائد كرة القدم لفعل شيء مختلف، ودخلت الأندية في شراكة مع السلطات المحلية وبنوا ملاعب كرة قدم جديدة في كل أنحاء الدولة.
علاوة على ذلك قرر الاتحاد الأيسلندي لكرة القدم بمساعدة مدارس الكرة وشراء الأراضي المحيطة بها وتحويلها إلى ملاعب كرة قدم لتسهيل عملية التعليم.
ولم يعتمد الاتحاد الأيسلندي على التصميمات الخرافية في البناء أو صرف الكثير من الأموال بل استرشد وبنى ملاعب تصلح للعب كرة القدم وليس الاستعراض.
لا يوجد شيء وليد الصدفة ونجاح أيسلندا لم يكن كذلك، بل كانت خطوات مدروسة بمساعدة الجميع ليتحقق النجاح في النهايةِ.
قال دادي رافنسون :"أتى مدرب إنجليزي إلى هنا في 2015 وصدم مما شاهده لدينا، كان ينظر إلى كل ما بنيناه ثم قال إنها جنة كرة القدم".
وتابع "وجهة نظري حول سبب تحقيقنا لهذا النجاح هو أنه لا يوجد مكان في العالم قد يكون لديه هذا العدد من الأطفال الذين يتدربون بهذا القدر كل أسبوع مع مدربين مؤهلين ومحترفين وليسوا هواة".
وأردف "بالنسبة لطفل صغير فأنت تذهب إلى المدرسة ثم تعيدك الحافلة إلينا ثم تلعب وتحظة المرح لكن بطريقة منظمة، بعد ذلك يأتي أشخاص أكبر من مدرستك وفي السادسة مساء يأتي الفريق الأول، لذا يوجد الكثير من التواصل مع كافة أعمار مجتمع كرة القدم، المدربون يحاولون أن يكونوا أصدقاء ومعلمين بدلا من أي شيء أخر لهؤلاء الأطفال، يوجد انضباط لكننا لا نريد منهم أن يكونوا مثل بعضهم البعض لا نريدهم أن يكونوا بلا شخصيات".
مسابقة الدوري الأيسلندي قوية للغاية، لكن قوام المنتخب الحالي من المحترفين فقط، لديهم 5 محترفين في إنجلترا و4 في الدنمارك وغيرها ومتوسط الأعمار يقدر بـ29 عاما.
قال هيمير هالجريمسون :"نحن ننوي أن نقطع شوطا أخر من خلال العمل الشاق، وأعتقد أن ذلك ما نبرع فيه هنا، اعتدنا الذهاب إلى المدارس في أسوأ حالات الطقس البارد والرياح، لذا أعتقد أننا أقويا كذلك في طريقنا بالحياة، ننوي أن نقطع شوطا أخر وأعتقد أن تلك هي فرصتنا".
كانت تلك الكلمات في عام 2014، بعد ذلك تأهل المنتخب الأيسلندي إلى يورو 2016 ثم كأس العالم 2018، فهل تستمر المغامرة والثورة في النجاح؟