علي أبو طبل

مقال رأي - دع العلم مرفوعا.. للأبد

يسجل عنتر يحيى "أجمل هدف في العالم" حسب وصف المعلق الجزائري حفيظ دراجي، لتتأهل الجزائر لكأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا على حساب مصر في مباراة فاصلة بأم درمان بعد غياب دام 24 عاما. <p dir="RTL" style="text-align: right; background: white;...
الإثنين، 09 أكتوبر 2017 - 18:07
جماهير مصر أمام الكونغو

يسجل عنتر يحيى "أجمل هدف في العالم" حسب وصف المعلق الجزائري حفيظ دراجي، لتتأهل الجزائر لكأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا على حساب مصر في مباراة فاصلة بأم درمان بعد غياب دام 24 عاما.

هدف جاء بمثابة الصاعقة لكل حالم مصري بإنهاء صيام دام 20 عاما عن الغياب المونديالي، وبعد أيام معدودة من تحقيق انتصار مستحق في ملعب القاهرة كان سببا في خوض هذه المباراة بعدما كانت الجزائر في مقدمة المجموعة منذ البداية.

تأهلت الجزائر.. غابت مصر من جديد .. وبدأت نوبة الحزن المعتادة.

"دع العلم مرفوعا"

كان ذلك هو المانشيت الرئيسي لجريدة "روز اليوسف" المصرية في صباح اليوم التالي للمباراة، والموافق 19 نوفمبر 2009.

الحزن عميق، وتكرار الحزن ذاته في موعد ثابت كل 4 سنوات يجعله أكثر إيلاما، ولكن لا بد أن تتجاوزه في كل الأحوال.

أفضل جيل كروي مصري في العشرية الأخيرة، كما يصفون في البرامج التلفزيونية وفي المقاهي وفي نقاشات الشوارع العابرة، فشل في الانضمام لكوكبة تضم 32 منتخبا في حدث كروي عظيم يتم انتظاره كل 4 سنوات.

ولكن كما يقولون، أحيانا كرة القدم تعطيك الفرصة للانتقام.

رد الدين كان قويا من المنتخب المصري بعد أشهر قليلة في أنجولا. انتصرت مصر برباعية نظيفة على الجزائر في نصف نهائي كأس الأمم الأفريقية، وربحت في النهائي على حساب غانا.

انتصارات ردت الاعتبار وقللت كثيرا من الألم، ولكن لا تزال هناك حقيقة. الجزائر في كأس العالم وأنت ستشاهد من التلفاز.

"إهانة .. في غانا"

تفشل مصر لمرتين متتاليتين في التأهل لكأس أمم أفريقيا.

المرة الأولى تحت قيادة التاريخي حسن شحاتة، والذي حان وقت رحيله بعدها. أما الثانية فكانت تحت قيادة الأمريكي بوب برادلي.

لا يهم، فالمنتخب يسير بثبات في تصفيات كأس العالم. والحلم يبدو قريبا في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد كرويا وسياسيا واقتصاديا.

علامة كاملة ذهابا وإيابا في دور المجموعات كان كفيلا برفع الثقة إلى أقصى درجاتها في برادلي. صدارة المجموعة على حساب غينيا وزيمبابوي وموزمبيق كانت كافية بتأهيل المنتخب لمباراة حاسمة في مرحلة أخيرة بالتصفيات الأفريقية، الفائز بمجموع مبارتي الذهاب والإياب يتأهل لكأس العالم.

من بين كل المنتخبات الـ9 الأخرى في تلك المرحلة، اختارت القرعة مواجهة لمصر ضد غانا. مواجهة صعبة خفف من وطأتها أن الإياب سيكون في القاهرة.

"كعبنا عالي على غانا"

كليشيه محفوظ نقوله دوما للتخفيف من حدة توتر المواجهات الصعبة.

فعليا، آخر مواجهة رسمية مع غانا قبل تلك المواجهة انتصر لنا فيها محمد ناجي جدو، مانحا المنتخب لقبا جديدا من كأس الأمم الأفريقية.

معنويات عالية. لا يوجد خطوات أقرب من تلك لإنهاء صيام 24 عاما.

ولكن هنا جاءت فضيحة كوماسي.

عكس كل ما حدث طوال التصفيات، سقط المنتخب بشكل عجيب ضد النجوم السوداء بنتيجة 6-1.

تتبقى مباراة إياب، ولكنها لن تجدي. الفوز بخماسية "كان كتير" عكس ما كانوا يروجون حينها.

"خذلتكم وأتحمل المسؤولية .. وحلم الوصول للمونديال مستحيل"

كان برادلي واقعيا في تصريحه مع "المصري اليوم" بعد مباراة الذهاب. لم يمنح الكثير من الآمال الواهمة.

انطفأ الأمل في صباح أول يوم عيد أضحى. مصر تغيب من جديد عن المونديال بـ "فضيحة"، وعلينا الانتظار لـ 4 أعوام أخرى.

"الله يا بلادنا .. الله"

في بلاد تلعب الكرة بدون جمهور، وتغيب البطولات الأفريقية عن أنديتها، طبيعي أن تجد منتخبا مهلهلا بقيادة شوقي غريب يخوض تصفيات مأساوية لكأس أمم أفريقيا 2015، ويتعرض لخسارة "رايح جاي" ضد السنغال وتونس، ويحل ثالثا خلفهما.

مصر تغيب عن كأس أمم أفريقيا التي تقع في صدارة سجلها الذهبي، للمرة الثالثة على التوالي.

ولكن من كان يدري أن الحل قد يأتي من رجل باحث عن استعادة بريقه، قادما من بلاد الذهب؟

في الأرجنتين، يعشقون مارادونا، هتفوا لكريسبو وباتيتستوتا وأورتيجا ويحترمون خافيير زانيتي على مر السنوات، ويصفقون لما يقدمه دييجو سيميوني في إسبانيا لاعبا ومدربا.

ولكن هيكتور كوبر دخل في طي النسيان، كونه منحوسا.

بعد تجارب فاشلة في الدوري الإسباني، وتجربة منحوسة أخرى مع منتخب جورجيا، حط كوبر رحاله في مصر في عام 2015.

بطريقة ما، طالبوه عند التعاقد بأن الهدف هو التأهل للمونديال، ولسبب ما، قبل التحدي وكان واثقا في تحقيقه من اليوم الأول.

"كوبر المحظوظ"

انتشر ذلك الرأي وسط شريحة غير قليلة من المصريين، ربما أكثريتهم على غير علم بما واجهه من حظ عاثر طوال مسيرته.

انتصرت مصر بقيادة كوبر على نيجيريا، لتتأهل لكأس أمم أفريقيا 2017 بعد غياب في 3 نسخ أخيرة.

امتد الأمر خلال النهائيات للوصول لمباراة نهائية، استعاد فيها كوبر نحسه بالخسارة أمام الكاميرون.

انتشر الحزن نوعا ما بعد نهاية المباراة، ولكن بطريقة ما تجاوز المصريون الحزن سريعا لأن هناك هدفا أهم.

إنهاء لعنة مستمرة منذ 1990.

قبل بداية نهائيات أمم أفريقيا في الجابون، كانت مصر تسير بثبات في التصفيات المونديالية.

فوز خارج القواعد على حساب الكونغو، ثم انتصار في الأسكندرية على حساب غانا، المنافس الأقوى لحظوظنا. هكذا اعتقدنا قبل بداية القرعة.

يبدو لنا هنا مرة أخرى أن كرة القدم تعطي فرصة جديدة للانتقام. غانا تغيب عن كأس العالم للمرة الأولى بعد مشاركة في آخر 3 نسخ.

فلنعبر أحزان نهائي الجابون سريعا.. في نهايات أغسطس وبدايات سبتمبر هناك ما هو أهم.

"أوغندا مش الدبة الباندا"

عبر المشجع المصري أحزان الهزيمة أمام تونس في افتتاحية تصفيات أمم أفريقيا 2019 سريعا كما عبر خسارة النهائي الأفريقي. فكل الأنظار تتجه لمواجهة ذهابا وإيابا ضد أوغندا.

الذهاب في أوغندا يصعد بنا للنقطة رقم 9 ويقربنا أكثر فأكثر من إنهاء لعنة يجب أن تنتهي.

بشكل ما، تعرضت مصر لهزيمتها الأولى في المجموعة، وتراجعت إلى المركز الثاني خلف أوغندا المتصدرة.

هنا بدأ كابوس جديد في الظهور. استعدنا ذكريات كوت ديفوار 2006 والسنغال 2002 وليبيريا 1998. هل تحقق أوغندا التاريخ على حسابنا ونشاهدها تلعب

المونديال من التلفاز؟

وسط انتقادات الهزيمة غير المبررة والهجوم على الأداء غير الممتع، دخلت مصر مباراة الإياب في برج العرب.

كالعادة، لم يقتنع الكثيرون بالأداء. ولكن هدف محمد صلاح كان كافيا للعودة إلى صدارة المجموعة وانتظار مواجهة قد تكون حاسمة في شهر أكتوبر.

"شكرا غانا"

بعدما كانت غانا سببا في تعاستنا الكروية منذ 4 سنوات، ها هي تهدينا في أمسية 7 أكتوبر 2017 هدية لا يمكن رفضها.

النجوم السوداء تعطل أوغندا في ملعبها. الفوز على الكونغو في "برج العرب" صار كافيا لإنهاء الانتظار.

صلاح يفك الاشتباك في الدقيقة 60. نصل للدقيقة 86 ويتبقى القليل من أجل الاحتفال.

ولكن كيف بهذه البساطة؟ لا بد من بعض التوتر.

هدف صادم لـ "أرنولد بوكا موتو" في شباك عصام الحضري، جعلت الكل يقف واهما.

هل ننام اليوم بحسرتنا وننتظر 4 سنوات أخرى؟ ما هذه اللعنة التي لا تنتهي؟

محمد صلاح رفض ذلك. انهار وسقط ارضا وبكى وقام ثم مسح دموعه وشجع زملائه، وأشار للجماهير بالتشجيع. لا يمكن أن تنتهي الليلة هكذا.

محاولات مستمرة من تريزيجيه للسقوط داخل منطقة الجزاء، كللت بالنجاح قبل صافرة إنهاء المباراة. مصر تحصل على ضربة جزاء ستنهي انتظارا طال 27 عاما.

الرجل الذي حارب شجنه الداخلي بعد هدف التعادل، كان الأجدر بأن ينهي الأمر.

يمكن أن تراهن بكل ثقة على أنه كان واثقا في إسكانها الشباك، عكس عشرات الملايين الذين شككوا وتخوفوا من أن تضيع، لتلحق بفرصة مجدي طلبة وطارق السعيد ومحمد بركات في سجل المآسي.

"حين احتاجوا بطلا .. وجدوه"

محمد صلاح يقود مصر بهدفيه إلى المونديال، ليجعلك تدع العلم مرفوعا، ولكن بكل فخر وسعادة. مصر في كأس العالم.

جعل حلم عصام الحضري حقيقة. الكثير من البكاء بعد تصفيات 2010 تحديدا كان أمرا أراد ابن دمياط أن ينساه يوما، وأن يشارك في هذا المحفل حتى ولو بلغ منتصف العقد الرابع من عمره.

فشلنا في التأهل في 6 مرات سابقة. فلماذا اخترنا 2010 و2014 تحديدا للحديث عنها هنا؟

لأننا كنا في كامل النضج حينها. بكينا وتحسرنا وانقطعنا عن التواصل مع الناس لأيام. وآن الآوان أن نفرح.

لأن الحضري، فتحي، عبد الشافي، المحمدي، تواجدوا في كلتا المرتين.

لأن صلاح برفقة النني وحجازي وآخرون من الجيل الحالي كانوا حاضرين في فضيحة كوماسي، وشاهدين على حسرة أبو تريكة ووائل جمعة في فقدان فرصة لعب مونديال وحيد قبل مغادرة عالم كرة القدم.

إنها حقيقة وليست وهما .. مصر في كأس العالم.. دع العلم مرفوعا بكل فخر، وللأبد.