كتب : عمر ناصف
"كالشيو...كالشيو..كالشيو" عندما تتحدث مع أحد محبي الكرة في إيطاليا تجده يكرر تلك الكلمة المرتبطة بالدوري الإيطالي والكرة هناك، قد تظن بأن ترجمتها في اللغة الإيطالي هي "كرة القدم" ولكن هذا خطأ شائع.
"كالشيو" مشتقة من كلمة لاتينية هي "كالكس" وتعني "ركلة" ولا علاقة لها بـ"كرة القدم" لغويا.
فلماذا يستخدمها محبي ومتابعي كرة القدم الإيطالية لوصف دوريهم؟ للحكاية جذور تاريخية حديثة.
خلال فترة حكم الفاشية بقيادة بينيتو موسوليني لإيطاليا وكعادة أي حكم ديكتاتوري حاول الحاكم ورجاله البحث عن وسائل لإلهاء الشعب هناك وماذا هناك سوى كرة القدم كوسيلة أفضل للإلهاء؟
لكن البحث في حقبة موسوليني لم يكن فقط عن زيادة الاهتمام بكرة القدم بل بجعلها "إيطالية" خالصة من أجل زيادة شعور المواطنين بالإنتماء والحب لتلك اللعبة الشهيرة، بالتأكيد الكل يعرف أن كرة القدم بشكلها الحالي بدأت في إنجلترا وتاريخ الكرة الإيطالية يؤكد أن الإنجليز هم من نقلوها إليهم .
إدواردو بوسيو مؤسس نادي تورينو كان إنجليزيا، وهيربرت كيلبن مؤسس ميلان كان من هناك أيضا، وأول ناد تأسس في إيطاليا لكرة القدم كان جنوى للكريكيت وكرة القدم ولم يكن مسموحا سوى للإنجليز باللعب المتواجدين في إيطاليا هناك في البداية.
بعد الحرب العالمية الأولى زادت الحساسية لدى الشعب الإيطالي من استخدام الكلمات والمصطلحات الإنجليزية ليبدأ البحث عن "الأصل الإيطالي".
على جدران الشوارع في مدينة فلورينس الأثرية ستجد نقوشا يرجع أصلها إلى قرون سابقة يمكنك أن تجد كلمة "كالشيو" بينها، فما حكايتها؟
في القرن الـ15 والـ16 مارس نبلاء مدينة فلورنسا لعبة عنيفة تجمع ما بين تسديد الكرة بالقدم والرأس وبين الإعتداء بالضرب على المنافس دون قواعد فكل شيء مسموح سواء كان ركلا أو ضربا.
"كالشيو إن ليفري" كان ذاك اسم اللعبة حينها وتعني ترجمتها الحرفية "الركل بالأزياء" حيث كان النبلاء يجهزون أزياء من الحرير مخصصة لتلك المناسبة من أجل التفوق على المنافس سواء في الأزياء أو في القوة خلال اللعبة.
الكرة كانت أقل شيء يركل في تلك المباريات والتاريخ يشير إلى أن حضارات المايا والحضارات اليونانية القديمة كانت تمارس لعبة مثلها.
مع انتشار اللعبة بين عامة الشعب زاد العنف واضطرت المدينة إلى التحرك لوقف المباريات الدامية فتم منع ممارسة اللعبة في الميادين وشهد عام 1580 أول قوانين مكتوبة للعبة حيث تم تحديد عدد اللاعبين بـ27 لاعب لكل فريق يتم تقسيمهم إلى ثلاث حراس مرمى وتسعة لاعبين في كل من الدفاع وخط الوسط والهجوم والهدف يحتسب عندما تتجاوز الكرة نقطة معينة.
ربما تلك اللعبة وهذه القوانين هي ما جعلت هيربرت كيلبن يتحدث في إحدى مذكراته السابقة عن تعجبه من عدد لاعبي الفريق المنافس والذي ظل يزداد خلال مواجه فريقه لأحد الأندية الإيطالية فالمتابعين من الخارج تعجبوا من عدد اللاعبين القليل فقرروا الدخول لإكمال الفريق المنقوص مقارنة بحواديت أجدادهم عن تلك اللعبة التي ركل فيها أجدادهم الكرة واكتفوا بمشاهدتها في الكرنفالات الموسمية في فلورنسا فقط.
الشعب الإيطالي يعتبر أن هذه هي القوانين التي وضعت لتنطلق منها كرة القدم الحديثة حيث تم نقل اللعبة وقوانينها على يد النبيلة كاترينا دي ميدشي إلى فرنسا بعد أن تزوجت الملك هنري الثاني والذي بدوره نقلها إلى المملكة المتحدة والتي أخذتها لتطور من لعبة كرة القدم.
أعاد موسوليني في بداية الثلاثينيات تلك اللعبة مرة أخرى للنور وعادت مباريات "كالشيو فيورنتينا" للظهور مرة أخرى في الأعياد والاحتفالات بالميادين العامة ولكن بقوانين مشددة وبتواجد لحكام للمباراة ومسؤولية على عاتق قائد كل فريق بتهدئة لاعبيه والحد من العنف.
كل يونيو يتم تنظيم مباراة إستعراضية في ساحة سانتا كروتشي في فلورنسا ولكن بقوانين أكثر صرامة والفائز يحصل على بقرة "شيانينا" الشهيرة في تلك المقاطعة.
موسوليني ورجاله نجحوا في زرع تلك الحقائق داخل وجدان الشعب الإيطالي وبسقوطهم مع نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء الفاشية لم تسقط "كالشيو" من ذاكرة الجميع لتصبح الكلمة الرسمية هناك المستخدمة لوصف كرة القدم وبطولاتها.