كتب : إسلام مجدي
"مشروع مانشستر سيتي مستلهم من الاستثمار الذي حدث في تشيلسي". كانت تلك كلمات روبينيو لاعب سيتي الجديد في عام 2008 حينما انضم للفريق مطالبا الجميع بالصبر لرؤية فريقه ينجح مثلما نجح النادي اللندني بعدما رفضه وانضم للمشروع الذي آمن به.
ما مقياس نجاح المشاريع دوما؟ النتائج، باريس سان جيرمان يرغب في الفوز بدوري أبطال أوروبا لكي يضمن نجاح مشروعه، مانشستر سيتي يعلم تمام العلم أنه لن يكون في مصاف الأبطال سوى من خلال الفوز بدوري الأبطال وبالطبع تشيلسي يعلم أنه وضع قدميه على هذا الطريق بعد الفوز بالبطولة وبالدوري الأوروبي كذلك وأصبح ضمن الكبار.
عصر ما قبل أبراموفيتش مباشرة كان لـ كين باتس الرئيس السابق المشتت للغاية والذي كان دائم الصراع مع الروابط التشجيعية "الهوليجانز" يسبهم في الصحافة ويقدم الاقتراحات للقضاء عليهم، منها وضع سياج كهربائي قوي حول ستامفورد بريدج لإبعاد الجماهير عن الفريق ومرة أخرى اقترح القبض عليهم، لولا وقوف بلدية لندن في وجهه لارتكب مذابح في حق الجماهير.
باتس كان رجلا مشغولا للغاية مع الصحافة ولطالما كان يتحدث عن فضله في "انتشال تشيلسي من دوري الدرجة الثانية إلى الأولى".
تشيلسي في أولى أعوام باتس كان في الدرجة الثانية لكنه سرعان ما تأهل إلى الدوري الممتاز، وأخذ باتس يلمح إلى دوره المتميز في انتشال الزرق من أعماق الدرجة الثانية إلى قمة الدرجة الأولى.
في 1988 هبط تشيلسي مرة أخرى إلى دوري الدرجة الثانية وظل يعاني حتى ماديا، والنادي في فترته حقق بعض النجاحات لا شك في ذلك، وضم لاعبين متميزين مع رود خوليت في 1996، لكن مهما كانت تلك النجاحات كبيرة الإخفاقات كانت أكبر ولم يعرف لتشيلسي اسما كبيرا وشخصية حتى قام رومان أبراموفيتش بشراء النادي في يونيو 2003.
تحرك أبراموفيتش سريعا وضم لاعبين بمبلغ 151 مليون جنيه إسترليني إلى فريقه الجديد داميان داف وهرينان كريسبو وخوان سيباستيان فيرون وكلود ماكيليلي وأدريان موتو وسكوت باركر وواين بريدج ونجتاب جيرمي وجو كول وجلين جونسون وأليكسي سيمرتين وأليكسيس نيكولاس ونيل سوليفان وغيرهم.
أراد بناء فريق قوي يمتلك المواهب الشاب والأسماء القوية الخبيرة معا، لكن عدم الفوز بدوري أبطال أوروبا ذلك العام وخسارته أمام جوزيه مورينيو مدرب بورتو جعلته يعجب بذلك المدرب ويأتي به لفريقه لبناء أهم شيء حدث له في عصره الحديث، هوية جديدة.
الفريق أصبح مشهورا في أوروبا بقوته الدفاعية مع صفقات جديدة انضمت للفريق مثل ديديه دروجبا وريكاردو كارفاليو وباولو فيريرا وأريين روبن وبتر تشك وتياجو وأليكس وماتيا كيزمان بمبلغ 148 مليون جنيه إسترليني.
نجح مورينيو سريعا مع تشيلسي وجعله في مصاف الكبار، الأموال جعلت النادي اللندني خامس فريق إنجليزي يفوز بلقب الدوري مرتين متتاليتين منذ الحرب العالمية الثانية في 2004-2005 و2005-2006 بجانب الفوز بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي وكأسي رابطة إنجليزية.
تطور مشروع الفريق اللندني وبات مطالبا بإثبات نفسه في مصاف الكبار إلى أن وصل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى مع أفرام جرانت لكنه خسر أمام مانشستر يونايتد، واصل النادي نجاحاته المحلية وسط عدة محاولات للفوز بدوري أبطال أوروبا حتى جاء روبيرتو دي ماتيو وتوج مع الفري بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى على حساب بايرن ميونيخ في 2012.
وقتها كتبت دايلي ميل عنوانا يقول :"نعم الأموال تشتري السعادة سواء في الدوري الإنجليزي الممتاز أو في أوروبا".
مشروع تشيلسي شكل نقطة ضوء لعدد من المستثمرين لتكرار الأمر، لما لا؟ طالما نجح النادي اللندني في بناء فريق قوي وهوية أقوى وسط الكبار فلما لا نبحث عن نادي يمثل أرض خصبة لذلك التطور؟
"الكثير من الناس يقللون مشروع مانشستر سيتي، قد لا نكون أكبر فريق حاليا، لكن دعنا لا ننسى ما كان عليه تشيلسي منذ 4 أعوام". كانت تلك كلمات روبينيو لاعب مانشستر سيتي عام 2009.
وأضاف "بإمكاننا فعل الأمر ذاته بعد عدة أعوام".
وتابع "مانشستر سيتي يرغب في تحقيق أشياء كبيرة مع ملاكه الأثرياء، كل شيء ممكن، نريد أن نصل إلى ما حققوه والفوز بدوري أبطال أوروبا يوما ما".
مانشستر سيتي في بداية الألفية كان يعاني من الهبوط إلى الدرجة الثانية لم يتمكن من الاستمرار في الدرجة الأولى لفترة طويلة، في موسم 2002-2003 فاز ضد مانشستر يونايتد بنتيجة 3-1 ليكون الفوز الأول له في الدربي منذ 13 عاما.
وكان الفريق ينهي الموسم في منتصف جدول الترتيب وفي صيف 2007 قام تاكسين شيناواترا رجل الأعمال والسياسي التايلاندي بشراء مانشستر سيتي لكن ذلك لم يدم طويلا النادي دخل في وضع مالي خطير للغاية وأنشطة الرجل السياسية تسببت في تجمد أرصدته حينها وفي أغسطس 2008 قامت مجموعة أبو ظبي المتحدة بشراء النادي.
سرعان ما تحركت مجموعة أبو ظبي لتجدد كل ما يخص مانشستر سيتي لتبدأ الإعداد لجعله فريقا كبيرا.
وقتها قال سليمان الفهيم الذي قدم المالك الجديد "نحن نرى سيتي كأحد الأندية الأربعة الكبار في إنجلترا، مميزات اللاعبين الذين سنضمهم للفريق خلال الأشهر المقبلة ستغير الفريق وصورة النادي سنطور كل شيء".
وصرح الشيخ منصور في سبتمبر عام 2008 قائلا :"نحن نبني شيئا للمستقبل وليس فقط فريقا يضم كل النجوم".
في 2008 حاول مانشستر سيتي إثبات قوته، وبعد منافسة قوية للغاية ضد تشيلسي تمكن من إقناع روبينيو بالانضمام إلى صفوفه، ثم ضم جو ونيجل دي يونج وكريج بيلامي وواين بريدج وشون رايت فيليبس وشاي جيفن وبابلو زاباليتا وفينسنت كومباني محاولا وضع أسس فريقه الجديد مقابل 142 مليون جنيه إسترليني.
وخلال موسم 2009-2010 ضم إيمانويل أديبايور وكارلوس تيفيز وجوليون ليسكوت وروكي سانتا كروز وكولو توريه وجاريث باري وأدم جونسون وسيلفينيو.
واصل سيتي بناء الفريق محاولا مع ذلك بناء هوية قوية وسط أندية أوروبا محاولا إثبات نفسه في إنجلترا كخطوة أولى ثم الاتجاه للخطوة الأهم في مشروعه.
أول الغيث جاء مع الفوز بلقب كأس الاتحاد في موسم 2010-2011 ثم توالت النجاحات كأس الرابطة مرتين والدرع الخيرية مرة والدوري الإنجليزي الممتاز مرتين. ليتجه الفريق بعد ذلك لخطة أكبر هوية خاصة في لعب الكرة وفلسفة هجومية يضعها أسسها جوسيب جوارديولا مع الفوز بدوري أبطال أوروبا إن نجح في ذلك.
تتهم بعض الجماهير الإنجليزي تشيلسي ومانشستر سيتي بإفساد متعة كرة القدم بكثرة إنفاقهما للمال والذي وصل ذروته في الفترة من 2009 وحتى 2014 إذ أن سيتي أنفق 640.65 مليون جنيه إسترليني وباع لاعبين بمبلغ 160.7 مليون جنيه إسترليني، أما تشيلسي فجاء بعده في المركز الثاني بضم لاعبين بمبلغ 436.459 مليون جنيه إسترليني وبيع أخرين بمبلغ 154.2 مليون جنيه إسترليني.
منذ تحول الدوري الإنجليزي إلى مسماه الجديد في 1992 تحولت كرة القدم في إنجلترا ثم العالم، أصبح هناك مجالات كبرى للأعمال وحقوق بث واستثمارات في شتى الأنحاء، واتجه المستثمرون من كل حدب وصوب لشراء الأندية، وإحدى تلك النتائج كان شراء أبراموفيتش لتشيلسي، تبعه شراء مجموعة أبو ظبي لمانشستر سيتي والذي بدا كتربة خصبة لبناء فريق للمستقبل.
هيمن مانشستر يونايتد وأرسنال على المنافسة في إنجلترا لعقد من الزمان بدء من 1993، وفازا بـ11 من أصل 12 لقبا للدوري فيما بينهما وفقط بلاكبيرن كان الوحيد الذي تخلل تلك المنافسة لموسم.
ظهر تشيلسي وكسر تلك الهيمنة وبعد ذلك بفترة وجيزة ظهر فريق جديد هو مانشستر سيتي ليتحول كلاهما من منتصف الجدول ومعارك الهبوط لمعارك الألقاب في إنجلترا وأوروبا ويحسب لهما ألف حساب.
صحيفة "مانشستر إيفينينج نيوز" كانت قد أثنت على الناديين في وقت سابق وقتال :"من دون أن يزداد صراع اللقب في إنجلترا ويتوسع بين 4 و5 فرق لما ذاع سيط المسابقة حول العالم وما زادت حقوق البث لتصبح خرافية بهذا الحجم".
وأضافت "وهذا يعني أننا لم نكن نصل لليوم من فريقين إلى أربعة وحاليا ستة هناك توتنام وليفربول لديهم الأموال للمنافسة مع الأندية التي تمتلك مستثمرين قادرين على الدفع، لذا لنفكر قليلا هل أفسد تشيلسي وسيتي الدوري الإنجليزي أم أضافا له؟".
مواجهة سيتي وتشيلسي ستظل دوما مباراة قوية للغاية وليدة الألفية الحديثة مع الاستثمارات وتطور كرة القدم والأموال التي جلبت السعادة للفريقين، المشروعان يسران على طريق النجاح وحاليا الفريقان يحسب لهما ألف حساب كأقوى الأندية في أوروبا.