كتب : إسلام مجدي
"لم يرغب أي أحد أخر غيري أن يتولى رئاسة هذا النادي، كنا على حافة الانهيار تماما". كانت تلك كلمات فيكرت عمران رئيس نادي بشكتاش بعدما تم انتخابه في عام 2012 وكانت تلك أدق الكلمات لوصف حال النادي التركي.
منذ خمسة أعوام ضربت نادي بشكتاش أزمة خطيرة للغاية مع الديون، والنادي كان يعاني ويمر يوميا بأسوأ الظروف ووصل دينه إلى 286 مليون يورو بجانب 142 قضية مرفوعة ضد النادي وإيقاف من المنافسة في بطولات الاتحاد الأوروبي.
وأضاف عمران "نحن ندير تلك الأندية لكننا لسنا الملاك".
تولى عمران مهمة رئاسة نادي تركه يلديريم ديميرورين في القاع مثقلا بالديون ليتولى بدوره رئاسة الاتحاد التركي لكرة القدم.
ديميرورين كان رئيسا لبشكتاش في الفترة من 2004 وحتى 2012 وضم عددا من اللاعبين الكبار للفريق مثل ريكاردو كواريسما وجوتي وسيماو سابروسا وهوجو ألميدا وروبيرتو هيلبرت وماتيو فيراري وأخرين.
قد يبدو حاليا الفريق للبعض كما لو أنه يمر بفترة ذهبية نظرا لأنه توج بالدوري لعامين على التوالي ووصل ربع نهائي الدوري الأوروبي خلال الموسم الماضي لثاني مرة في تاريخه منذ موسم 2002-2003 لكن الأمور ليست كذلك.
اعتادت الأندية التركية أن تتصدر المشهد لعدد من الأعوام على فترات متباينة، حدث الأمر ذاته مع جالاتاسراي واختفى.
لكن بيشكتاش قصته مختلفة قليلا مع إدارته المتميزة التي نجحت في انتشاله مما عاناه.
في 2006 أصدر النادي بيانا رسميا عبر موقعه الرسمي تحدث فيه ديميرورين قائلا :"لدينا رؤية ومهمة تضمن مستقبل بشكتاش، نهدف لأن نجعل شعار النادي يصل لأعلى المستويات وأن يحقق الألقاب في كافة المجالات".
وأضاف "قمنا بضم عدد من النجوم الكبار وجلبنا مدربين كبار للنادي وسنستمر في فعل ذلك، لازال ذلك يؤثر علينا سلبا، لكننا نهدف لتطوير الفريق مع الشباب واللاعبين الذين لديهم روح النادي، قمنا بضم بعض اللاعبين للتخلص من نبرة التشاؤم السائدة، سواء نجحت أم لا إلا أننا فعلنا ذلك من أجل بشكتاش".
وأتبع "لا يمكننا النمو من دون أن يكون لدينا ديون، كل نادي لديه ديون".
وواصل "ما يحزنني كرئيس للنادي هو محاولة جعل النادي لا يبدو بصورة جيدة مع تلك الديون".
لم تكن تلك كلمات منطقية ففي موسم 2004-2005 ضم النادي لاعبين بمبلغ 13.7 مليون يورو ولم يبع أي لاعب بمقابل مادي، وفي 2005-2006 واصل النادي ضم لاعبين بمبلغ 9.07 مليون يورو، وفي 2006-2007 بـ15.95 مليون يورو، قد تبدو الأرقام قليلة لكن لا ننسى أن بشكتاش ليس بالقوة المادية مثل ريال مدريد مثلا أو حتى ستوك سيتي، لم تكن هناك حقوق بث كبيرة في تلك الفترة أو أي شيء. الدوري التركي لطالما كان يعاني من ضعف توزيعه عالميا، الدوري الإنجليزي يتم بثه في 212 منطقة حول العالم.
علاوة على ذلك أصبح بشكتاش مدينا لشركة تابعة لـ ديميرورين بمبلغ 8.8 مليون يورو وبالتالي لم يكن الأمر حول بناء النادي فقط بل بمعاملات جانبية أجراها الرئيس السابق لصالح شركاته.
والإدارة في الأندية التركية لطالما كانت قصيرة النظر وتعتمد على الصرف وضم لاعبين من الدوريات الكبرى في أوروبا بجانب أن الانتخابات الرئاسية للأندية تجرى كل عامين أو 3 أعوام وبالتالي ليس هناك فرصة لتطبيق خطة طويلة الأمد.
بناء اسم وعلامة تجارية عالمية يتطلب وقتا طويلا خاصة لرؤساء الأندية، ديميرورين لم تكن وعوده واقعية وأغرق النادي في الديون، وغاب عن منصات التتويج بالدوري منذ موسم 2008-2009 وفي الكأس منذ 2010-2011 وفي كأس السوبر منذ 2006 ناهيك عن ضعفه وابتعاده عن المشاركة الأوروبية.
مع مواصلة الإنفاق الذي تزايد مع الأعوام حتى مع شراء لاعبين ليسوا بالقوة أو الموهبة الكافية لمساعدة الفريق في 2009-2010 صرف النادي 23.5 مليون يورو لضم 7 لاعبين و13.1 مليون يورو أخرى لضم 7 أخرين دون الالتفات أو إشراك الشباب.
تواصل الإنفاق بهذا المعدل حتى أتى عمران لقيادة النادي الذي لم يرغب أحد في تولي مهمة رئاسته.
في موسم 2012-2013 ضم النادي لاعبين بقيمة 4 ملايين يورو 4 منهم صفقات انتقال نهائية و4 صفقات مجانية منهم ألان ماكجريجور وجوليين إسكوديه من رينجرز وإشبيلية على الترتيب.
تعامل النادي بذكاء وحرص شديدين مع سوق الانتقالات لأنه كان يعلم أن الديون ستثقل كاهله وربما تكتب نهايته للأبد.
بنى عمران خطة واضحة من الحطام الذي تسلمه في بشكتاش أولا عليه أن يبني فريقا قويا وألا يصرف الكثير إلا حينما يتخلص من عبء الديون والقضايا، ووضع خطط طويلة الأمد لتطوير منظومة الشباب في النادي تلك التي كان ديميردرون يتحدث عنها ولم يقترب منها يوما، إضافة لتطوير نظام خاصة بكشافي الفريق وتنظيم المنشآت والتخلص من النفقات غير المطلوب لم يكن النادي في وضع جيد لكن تم ترشيد الإنفاق فيه بصورة رائعة.
ما إن زرعت إلا وستحصد، لثلاثة مواسم على التوالي تواجد بشكتاش في المركز الثالث في جدول الترتيب. حتى حانت اللحظة الحاسمة التي حددها عمران في خطته.. متى يحصد الدوري؟
أي خطة لن تنجح دون الحصول على النتائج لمعرفة إذا ما كانت خطته للنمو نجحت أم لا، وبالفعل قد كان وتوج بطلا للدوري بعد غياب بفارق 5 نقاط عن فينيربهاتشة.
كان عام 2015 من المفترض أن يبدو سعيدا لكن ذلك لم يحدث إذ أن مكتب إدارة التحكم المالي بالاتحاد الدولي لكرة القدم قد أعلنت أن 10 أندية من ضمنها بشكتاش ليست متوافقة مع قانون اللعب المالي النظيف.
تدخل بشكتاش عبر إدارته سريعا وقرر الاتفاق على تسوية تلك العقوبة والتي تغطي المواسم من 2015-2016 وحتى 2018-2019، ومن خلالها سيصل النادي لنقطة موازنة من خلالها تساوي الدخل السنوي مع المصروفات وبالتالي النادي لا يمكنه أن يكون لديه خسائر أقل من الصفر.
واتفق النادي كذلك على دفع مبلغ يصل إلى 5.5 مليون يورو ليتم حجبه من أي ربح له من المشاركة في منافسات الاتحاد الأوروبي لموسم 2014-2015.
بعدما قام النادي بحل أزمته مع الاتحاد الأوروبي والتي كادت أن تطيح بكل الأحلام والخطط، اتفق على عقد رعاية جديد مع "بيكو" يبدأ من صيف 2015 ليستمر لمدة 3 أعوام مع إمكانية التجديد لعامين ثم تم تمديده ليصبح 4 أعوام مع عامين إضافيين.
بجانب ذلك أصبح للفريق ملعبا جديدا "فودافون أرينا" بعدما استعمل النادي ملاعب أخرى لـ3 أعوام وبالتالي عاشها بدون دخل التذاكر، وفور انتقاله لذلك الملعب وخوضه أخر 3 مباريات على ملعبه من موسم 2015-2016 حصد مجموع 21 مليون ليرة تركية.
عمران كان يسير على خطوات محددة لفريقه لكي يجعله علامة تجارية ولكي يصبح قادرا على الصعيد الاقتصادي لتغطية ديونه.
توسعت خطة النادي ومن كبوة كادت تنهيه تماما يتطرق حاليا ليصبح علامة كبرى بين الأندية الأوروبية الكبيرة. وأصبح أول نادي تركي يلعب مباراة كرة قدم في الصين.
سار بشكتاش في هذه الخطوة التسويقية على نهج عدد من كبار أوروبا مثل مانشستر يونايتد وبرشلونة وتشيلسي وبايرن ميونيخ بلعب الجولات التحضيرية في آسيا.
وصرح عمران عن خطته لتحويل بشكتاش قائلا :"تشيلسي في منطقة مشابهة للتي يقع فيها نادينا، لكنه يمتلك 300 مليون مشجع حول العالم، إن تمكن تشيلسي من النمو على هذا النحو عالميا فلماذا لا نتمكن نحن كذلك؟".
وأردف "هدفنا حاليا هو جعل بشكتاش علامة تجارية عالمية، لدينا 30 مليون مشجع حاليا لكن هدفنا هو الوصول إلى 100 مليون حول العالم".
وتابع "جولتنا في الصين كانت خطوة أولى رائعة لهدفنا، سنحاول أن نزيد من جهودنا في الموسم القليلة المقبلة".
وما ساند انتفاضة بشكتاش هي قيام "بي إن سبورتس" بشراء حقوق بث الدوري التركي وشركة "ديجيترك" المالكة للحقوق، وأصبح الدوري هو السادس من ناحية النمو الاقتصادي أوروبيا بعد الدوري الإنجليزي الممتاز والفرنسي والألماني والإسباني والإيطالي.
يتبقى فقط العائق الدائم وهو بث تلك المباريات عالميا، لكن عملية شراء الشركة قد تكون خطوة أكبر لنمو الدوري.
وصرح عمران لصحيفة "جارديان" قائلا :"جودة الدوري التركي تنمو بسرعة كبيرة، إنه يجذب أسماء كبيرة ومواهب شابة لقد حان الوقت لإخراج بشكتاش من الدوري التركي ويصبح علامة عالمية".
حاليا وفي الموسم لجاري يحتل بشكتاش المركز الثاني برصيد 13 نقطة بفارق 3 نقاط عن جالاتاسراي المتصدر، وضم خلال السوق الصيفية المنصرمة وسط حالة التضخم أسماء مثل ألفارو نيجريدو وجاري ميديل وجيرمين لينس وكانير إركين بمبلغ يقدر بـ7.1 مليون يورو بجانب ضم بيبي مجانا.
يمتلك الفريق حاليا ضمن تشكيلته لاعبين من طراز عالمي ولعبوا لأندية كبرى للاهتمام بجانب التسويق مثل بيبي وأدريانو لاعب برشلونة السابق وريان بابل لاعب ليفربول السابق.
وتسير الخطط بشكل جيد أكثر حاليا ففي دوري أبطال أوروبا فاز بشكتاش في أول جولتين بالمسابقة ضد بورتو ولايبزج، فهل يتمكن النادي التركي من مواصل خطة النمو للخروج من نفق الديون وأن يصبح علامة تجارية مثل كبار أندية أوروبا؟