ضد أوغندا، استحوذ المنتخب المصري على الكرة بنسبة 59% وسدد 12 تسديدة 7 منهم بين القائمين والعارضة. أوغندا سددت 4 دون أن تجعل عصام الحضري يقلق من أي منهم.
ولكن، هل هاجم منتخب مصر ضد أوغندا؟ الأرقام تقول "نعم"، لكن الحقيقة التي شاهدناها على استاد برج العرب تقول "لا".
إذا منحت أي شخص لديه معرفة بكرة القدم إحصائيات مباراة مصر وأوغندا – دون مشاهدتها - سيؤكد أن المباراة كانت سائرة دائما في اتجاه المرمى الأوغندي.
ولكن ما السبب خلف ما شاهدناه من الفراعنة في برج العرب؟
خيانة روح كرة القدم؟
عندما تولى هربرت تشابمان تدريب نورثامبتون تاون في 1907، تيقن أن السيطرة على الكرة وحدها ليست كافية للفوز بالمباريات، الأهم هو الأماكن التي يسيطر فيها الفريق على الكرة وماذا سيفعل بها. لذا، قرر أن يجلس فريقه في الخلف وأن يهاجم المساحات خلف الخصم التي ستتسع بطبيعة الحال لأنه سيتجه للهجوم.
طريقة لعب تشابمان لم تحظ بالحب من الجماهير، بل وصفت بأنها خيانة لروح كرة القدم.
الرواية السابقة رواها جوناثان ويلسون كاتب كتاب Inverting the Pyramid أو الهرم المقلوب الشهير في أحد مقالاته بجريدة "جارديان". تشابمان مضى ليحقق نجاحات كبرى في هادرسفيلد قبل أن يصبح أسطورة لأرسنال.
أما أريجو ساكي المدرب الأسطوري لميلان فيقول: "الفرق الكبرى لها خاصية، وهي الرغبة في السيطرة على الملعب وعلى الكرة. حينها، على اللاعبين أن يعرفوا متى عليهم الهروب من الرقابة والتحرك في المساحة. التحرك هنا لا يجب أن يكون بناء على مكان الخصم بل على مكان الزميل. كرة القدم معقدة، عندما تهاجم عليك أن تبقى على المسافة الصحيحة بينك وبين زميلك، وأن يكون لديك التوقيت الصحيح والطريقة الصحيحة لتهرب من رقيبك. إذا لم تملك ذلك لن تكون كرة القدم التي تقدمها متناغمة. كرة القدم رياضة للفرق المتناغمة ولكن معظم الفرق ليست كذلك، مجرد مجموعات تعاني للتحرك معا".
أضاف ساكي "الرغبة قد تكون موجودة، لكنها ليست كافية. هناك سحرا يحول المجموعة إلى فريق. نظام لعب يشمل الجميع دفاعا وهجوما. لذا الفريق الذي يقترب عناصره من بعضها البعض أكثر سيكون حلوله أكثر. في المراحل الدفاعية، لن تحرق مجهودا عندما تركض 10 أمتار مثلما تركض لـ20 أو 30 أو 40 مترا".
هل هذا يشبه ما قدمه هيكتور كوبر أمام أوغندا؟ هل ركن الأرجنتيني للتكتل أمام منطقة جزاءه من أجل فتح مساحات في ظهر الدفاع الأوغندي لضربهم بالسرعات الموجودة على الأطراف، أم أن تلك قدرات منتخب مصر سواء الجهاز الفني أم اللاعبين؟
هل هذه خيانة لروح كرة القدم؟ ما هي روح كرة القدم؟
الفريق الذي يسجل أكبر عدد من الأهداف يفوز بالمباراة. مايكل أوين في تصريح نال سخرية كبيرة على مواقع التواصل، لكنه أصاب كبد الحقيقة.
في أكثر من كرة، استغل محمد صلاح بالذات المساحات خلف دفاع أوغندا وفي يوم أخر كانت ستسكن كرتي رمضان صبحي ومحمود حسن "تريزيجيه" المرمى، وتنتهي المباراة 3-0.
لكن هل هاجمنا ضد أوغندا؟
أحد القضاة الأمريكيين المشهورين في الستينيات، بوتر ستيوارت، كان له مقولة شهيرة أثناء مناقشة منع فيلم من ولاية أوهايو لأنه كان "إباحيا للغاية"، ليقول: "لا أجد تفسيرا واضحا للإباحية، ولكنني أعرفها حين أراها". يمكن استعمال كلمات ستيوارت في تفسير الكرة الهجومية.
لا، لم نهاجم ضد أوغندا. لكن هل هذه إمكانيات المنتخب أم هناك سببا أخر وراء هذا التراجع؟
الفعل ضد رد الفعل
"التعليمات في مباراة برج العرب كانت مختلفة عن مباراة كمبالا، ففي المباراة الأولى تم التنبيه على ضرورة الوقوف خلف الكرة وإغلاق المساحات، واستغلال سرعة الثنائي محمد صلاح وتريزيجيه في الهجمات المرتدة، كوبر كان حزينا للغاية عقب المباراة الأولى في أوغندا، وشاهد اللقاء أكثر من مرة، وعقد جلسة معنا، وأكد أننا لم نؤدي بالحماس اللازم، وأن أكثر ما يغضبه، أن أوغندا ليس الفريق القوي الذي يفوز على مصر، وكان بالإمكان تحقيق نتيجة أفضل سواء بالتعادل أو الفوز. التعليمات كانت مختلفة في المباراة الثانية ببرج العرب، حيث نبه كوبر على ضرورة الضغط المبكر على دفاع أوغندا، إلا أن تسجيل هدف مبكر، جعلنا نتحفظ للغاية ونتراجع للخلف، ومع ذلك، خلقنا أكثر من فرصة، وحارس مرمى أوغندا كان نجم اللقاء. بين الشوطين، تحدث معنا هيكتور كوبر، واستفسر عن سبب تراجعنا الشديد، بعد تنفيذ تعليماته بشكل رائع خلال أول 15 دقيقة". عمرو جمال عقب الفوز ضد أوغندا، عبر برنامج "الحريف" على قناة DMC Sports.
حسب لاعب المنتخب، تعليمات كوبر كانت بالسيطرة وأن يكون الفريق هو الفعل، ولكن على أرض الواقع كان منتخب مصر هو رد الفعل، لكن رد الفعل لأي فعل؟
منتخب أوغندا - في الشوط الثاني تحديدا - استلم زمام الأمور لكنه لم يهدد مرمى الحضري.
الكثير من الضغط أحاط بالمنتخب قبل المباراة بالتأكيد، حملات إعلانية تتحدث عن النحس وضرورة فكه، عن الشيوخ الذين لن يسعفهم سنهم عن مشاهدة منتخبهم في كأس العالم، عن ضرورة عدم الحديث عن كرة القدم. عشرات التقارير والأساطير حول فرص مجدي طلبة ومحمد عمارة وطارق السعيد، هل تظنون أن هذا الأمر لم يصل إلى اللاعبين؟
في ظل تلك الضغوط – على اللاعبين والجماهير – كان من الصعب ألا يعتمد اللاعبون على الدفاع كحل أولي للتصدي لأي فرصة قد تمنعهم من كسر اللعنة.
في أول 15 دقيقة بالذات، كان منتخب مصر مجموعة متناغمة، تتحرك معا دفاعا وهجوما وأنتج ذلك هدفا من جملة طبقها المنتخب أكثر من مرة. ما حدث بعد ذلك من تراجع أمام شبح فريق في برج العرب لم يكن ردة فعل لمنتخب أوغندا، بل ردة فعل لضغوط كثيرة وعدم خبرة.
من كان أفضل لاعبي المنتخب ضد أوغندا؟ محمد صلاح صاحب الخبرات العريضة، مدعوما بلاعبين لديهم الخبرات مثل أحمد حجازي وطارق حامد ومحمد النني. الخبرة كانت عنصرا حاسما.
ربما تلك وجهة نظر جديدة تطرح على الطاولة. قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك. سبب التراجع أمام أوغندا كان نفسيا أكثر مما كان فنيا.
ينطلق تريزيجيه من ناحية اليسار وينفرد تماما، فيقرر فجأة التمرير بطريقة خاطئة بالعرض. ربما تخوف من أي يقترن اسمه بطارق السعيد في أي جملة مستقبلا. نفس الأمر يمكن تطبيقه على رمضان صبحي وعبد الله السعيد في الفرص السهلة المهدرة أمام مرمى أوغندا.
ضغط "الحلم" و"النحس" و"اللعنة" كان هو الفعل، وصار المنتخب له ردا في مباراة كان يجب أن نفرض فيها شخصيتنا من بدايتها إلى نهايتها.
لا نعفي هنا الجهاز الفني من المسؤولية عن شوط قد يعتبر "مهينا" لتاريخ الكرة المصرية وللمنتخب الحالي، الإعداد النفسي ربما كان الأهم قبل مباراة أوغندا التي نستطيع التفوق عليها فنيا بمنتخب أقل من الفريق الحالي.
في النهاية
ما حدث أمام أوغندا فنيا سيذهب إلى النسيان، سنتذكر في النهاية الفوز والـ3 نقاط، لكن ما حدث يجب أن يجعلنا متنبهين لأهمية ألا يتكرر ضد الكونغو بعد شهر من أجل تحقيق حلم كأس العالم.