كتب : إسلام محمود
إطاران مهترئان لسيارة يشكلان مرمى يستعد لدخول قطعة بلاستيكية غير متناسقة الحواف لا تحمل من الكرة إلا اسمها قبل الإعلان عن هدف، شمس حارقة تتوسط سماء العاصمة كوناكري وتضرب آشعتها أعين طفل لا يتعدى العاشرة لم يعرف أصدقاؤه أنه سيصبح أغلى لاعب في تاريخ القارة السمراء يوما ما.
"الشارع هو أفضل مدرسة يمكنك أن تتعلم فيها كرة القدم" – نابي كيتا.
كطفل من عائلة فقيرة لم يعرف نابي لاي كيتا رفاهية اقتناء ملابس مناسبة للعب الكرة، لم يملك الأدوات اللازمة أو الكرة نفسها لكن ذلك لم يصرفه عما يحب، يذهب مع والدته للتسوق ليس لكونه صبيا مطيعا –رغم أن طريقته المفضلة لقضاء عطلاته هي العشاء في المنزل مع والدته- لكن لأن "السوبرماركت" حسب وصفه يحوي العديد من البضائع كروية الشكل التي تساعده على التلاعب بها كالكرة قبل أن يتطور الأمر لمصابيح زجاجية كروية الشكل أيضا سرعان ما تنكسر مهما بلغت درجة تحكمه بالكرة.
"التسوق معه كان دائما تكلفة باهظة الثمن" – والدة نابي كيتا.
أب يعمل في صيانة الدراجات النارية لم يكن دخله اليومي يكفي ولده الصغير صاحب الـ9 سنوات لتغطية مصاريف يومه، وما بين الذهاب للتدريب وتناول وجبة العشاء كان الأول هو الخيار المفضل للصغير نابي الذي اعتاد إدخار أمواله من أجل كرة القدم.
تجربته مع فريق هورويا إيه سي المحلي استمرت لسبع سنوات قبل قطع رحلة طولها 6000 كيلو متر من غينيا وحتى فرنسا لاختبار المهارات وبدأ رحلة احترافية ومشوار كروي حقيقي، آمال سرعان ما تبخرت بعد فشله في فترة المعايشة مع فريقي لومان ولوريان والعودة لكوناكري بخُفي حُنين.
لم يفقد كيتا الأمل وعاد بعد سنتين لفرنسا مجددا، على سواحل مارسيليا قام أشهر لاعبي غينيا وقتها بوبو بالدي بعمل تجارب أداء للهواة، نجح فيها كيتا هذه المرة في إقناع فريق إستريس القابع في الدرجة الثانية بضمه.
"قدوتي هو يايا توريه، أريد أن أصبح مثله لأصبح الأفضل في قارة إفريقيا، قوي وشق طريقه من القاع للقمة ودائما يعمل بجد" – نابي كيتا.
3 شهور فقط احتاجها كيتا مع الفريق الثاني لإستريس قبل أن يتم تصعيده للفريق الأول في نوفمبر 2013 ليخوض مع الفريق 23 مباراة ويتألق بشكل ملفت مسجلا 4 أهداف وصانعا 7. أداء لفت أنظار كشافين فريق رد بول سالزبورج النمساوي لإتمام التعاقد مع لاعب الارتكاز الشاب بقيمة 1.5 مليون يورو.
كيتا ليس ارتكازا تقليديا، لا يملك طول باتريك فييرا حيث يبلغ طوله 172 سم فقط. لا يملك نجاعة روي كين الدفاعية، أو جسد كلود ماكيليلي. كنسخة أكثر مهارة وأقل شراسة من نجولو كانتي، يجيد التسديد من خارج منطقة الجزاء ويلعب في كل مراكز خط الوسط، لكنه يفضل التواجد على الدائرة ليكشف الملعب بشكل أفضل ويستغل براعته في التمريرات القصيرة والطولية التي منحته لقب ديكو، الساحر البرتغالي وأفضل لاعب وسط في أوروبا مرتين مع بورتو وبرشلونة، وأحب كيتا اللقب لدرجة استبدال اسمه الأوسط "لاي" بـ"ديكو" على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
عامان مع سالزبورج بزغ فيهم نجم نابي كيتا كواحد من أبرز المواهب الشابة في أوروبا، 59 مباراة كانت حصيلتهم تسجيل 17 هدف وصناعة 10، التتويج بالثنائية المحلية لعامين متتاليين، الوصول لدور الـ32 في الدوري الأوروبي، والتسجيل أيضا في شباك سيلتيك في مباراته الأوروبية الأولى.
"لا تنسَ أبدا من أين أتيت، لولا كرة القدم لكنت اعمل مع والدي في صيانة الدراجات البخارية. الحياة كالسلم ويجب علي أن أصعده درجة درجة، خطوة خطوة، هذا ما يساعدني على النمو والنضوج كلاعب وإنسان" – نابي كيتا
2014 كان العام الأفضل في مسيرة كيتا، ليس رقميا لكنه انضم لسالزبورج وتألق واستُدعي للمرة الأولى لتمثيل منتخب غينيا وكان في الموعد ليسجل في شباك مالي، اللقاء الأول من 24 كانت حصيلتهم 3 أهداف وتألق لغينيا في كأس الأمم الإفريقية والصعود لدور الـ8.
موهبة كيتا المتفجرة لم تحتمل أكثر من عامين في النمسا قبل أن ينتقل لرد بول لايبزيج الشقيق الأصغر لرد بول سالزبورج بمقابل 15 مليون يورو. 10 أضعاف ثمنه قبل عامين، دليل على التطور الملحوظ في مستوى لاعب الوسط الغيني الخامس من دولته في تاريخ الدوري الألماني.
"الدوري الألماني أقوى وأسرع من النمساوي، هناك ضغط أكبر داخل وخارج الملعب، أنا لاعب كرة أؤدي دوري في الملعب وأطيع أوامر المدرب. انضممت للايبزيج لأنه نادِ مثير للاهتمام ومستقبله مشرق، كما رأيت أنه من المبكر الانضمام لفريق قوي ينافس في دوري أبطال أوروبا باستمرار" – نابي كيتا.
ديكو الغيني كان ركيزة أساسية في تشكيل لايبزيج الذي نافس على الدوري الألماني حتى النهاية واحتل الوصافة خلف بايرن ميونيخ ليتأهل لدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه القصير الذي بدأ منذ 2009 عام تأسيس النادي. 8 أهداف و7 تمريرات حاسمة في 31 مباراة جعلت كيتا نجما في وسط ملعب لايبزيج ومسيرة بدأت بهدف قاتل = 3 نقاط في شباك بروسيا دورتموند في سبتمبر.
"نحن سعداء للغاية أن كيتا فضل عرضنا على الكثير من العروض الأوروبية المقدمة له لنساعده للوصول للمرحلة القادمة في مسيرته، يناسبنا تماما بديناميكيته ومهاراته الفنية والتكتيكية، وشخصيته ايضا" – رالف رانجنيك المدير الرياضي للايبزيج.
ليفربول وجد في نابي كيتا ضالته للحد الذي دفعه لتقديم أكثر من عرض وصل أحدهم لـ70 مليون جنيه استرليني ولاقى الرفض من إدارة لايبزيج التي تريد الحفاظ على قوام الفريق في مشاركته الأولى الأوروبية قبل أن يتوصل الفريق الإنجليزي لاتفاق يرضي جميع الأطراف بتفعيل الشرط الجزائي في عقد كيتا والبالغ 48 مليون جنيه استرليني بداية من 1 يوليو 2018 ليصبح لاعبا أحمر الموسم القادم، ويصبح أغلى لاعب في إفريقيا متخطيا محمد صلاح. وبهذا المبلغ تكون قيمة كيتا تضاعفت أكثر من 30 مرة في الفترة من 2013 وحتى 2017!
"أريد أن أصبح أفضل لاعب في العالم، أريد أن أحظى بمسيرة مشابهة لمسيرة ميسي" – نابي كيتا / أبريل 2017
طُموح كيتا لا حدود له، وبعمر 22 سنة فهو لم يصل بعد لقمة مستواه، فهو هجين من كلود ماكيليلي ونجولو كانتي بحسب وصف جايسون مكاتير أسطورة ليفربول السابق، طَموح لكنه متواضع كما وصفه مارفين كومبر زميله في لايبزيج، وصاحب أسلوب راقي في لعب كرة القدم مثلما يرى رالف هاشينهوتل مدرب لايبزيج.
ربما توقع أحدهم أن يصبح كيتا لاعبا ذو شأن كبير لكنه لم يتوقع أن يصبح أغلى لاعب في قارة إفريقيا في 4 سنوات فقط أمضاها في أوروبا، عرش القارة السمراء الآن لك نابي، فلتثبت لهم أن يورجن كلوب أصاب في الاستثمار في موهبتك.