سأستخدم النصف الثاني من العنوان لأبدأ به الحديث ولنعتبره درسا من أهم دروس الكرة المصرية.
"لو" من عمل الشيطان.
بحكم متابعتي لصفحة تاريخ الكرة في مصر على فيس بوك، انتشرت في الآونة الأخيرة منشورات لاختيار "أفضل مدافع في تاريخ مصر"، "أفضل لاعب وسط في تاريخ مصر" وهكذا على أغلب المراكز.
الحمى يبدو وكأنها انتشرت، فخالط هذا السؤال تقريبا كل الأوساط، وأغلب الإجابات لا تخلو من الرومانسية والعاطفية والتي تبدأ بـ لو.
في أفضل لاعب "ليبرو" في تاريخ مصر، يبدأ المتلقي بكلمة "لو"، ويبرز محاسن إبراهيم سعيد والتي ظهرت في لحظات قصيرة من عمره بالكرة المصرية، ويختم بتمني أن يسير اللاعب على النهج القويم والإلتزام الذي يطيل عمر اللاعب بالملاعب.
وكذلك الأمر في لاعب الوسط المهاجم بتاريخ الكرة المصرية، لو يتبعها مرثية خاصة بـ حسام غالي بذكر محاسنه ثم مناقبه والتي دفعته دفعا بعيدا عن هذا المركز رغم مهاراته التي لا خلاف عليها.
وكأن الكرة المصرية لم تشهد مدافعين باستمرارية عالية على طراز فريد مثل إبراهيم يوسف وهاني رمزي، أو لاعبين وسط أفذاذ باستمرار مستوى متوهج أمثال مجدي عبد الغني وحسني عبد ربه وإسماعيل يوسف، كل هؤلاء في مجاهل النسيان والسبب "لو".
حقيقة الأمر، لا أرى في إبراهيم سعيد لاعبا كبيرا، أراه طفرة فحسب أخذت وقتها منذ عام 2000 وحتى 2006 في تذبذب واضح، الكل يتغنى بقدرته على شغل مراكز عدة في الملعب بكفاءة عالية، ولكن الكل ينسى انتحاره عمدا في التهور بمسيرته، كرويا أذكر منها ركلة جزاء تونس التي لا فائدة لها بأمم افريقيا 2000، أو الطرد من معسكر أمم افريقيا مالي 2002، الخطأ القاتل أمام السنغال بنصف نهائي أمم افريقيا 2006 وكان الحكم رحيما بعدم احتساب ركلة جزاء علينا بملعب القاهرة تعيد أسود التيرانجا في الحسابات بالتعادل، وأخيرا التظاهر بالشد العضلي في النهائي أمام كوت ديفوار للهروب من ركلات الجزاء.
ما المشكلة؟
بشكل عام أرى مسيرة لاعب كرة القدم عبارة عن دائرة، نصف قطرها الأصغر يبدأ بمستواه على أرضية الميدان، مستواه مجردا من أي إضافات ولمحات مهارية تجعله يتفوق بمركزه، في حكم اللاعب العادي فحسب.. ويبدأ برسم دوائر بأنصاف أقطار أكبر، دائرة الأداء الرجولي، دائرة المهارات العليا، دائرة الظهور في المحافل الكبيرة بشخصية عالية، دائرة النجومية، دائرة الاختيار، دائرة الثبات على المستوى وأخيرا أهم دائرة "دائرة الكاريزما".
حسام غالي يعتبره البعض متبعا تفنيده بـ "لو"، هو أفضل لاعب وسط مهاجم في تاريخ الكرة المصرية، والسبب الأبسط في رأيي يرجع للدوائر المبكرة التي رسمها اللاعب قافزا بخطوات بعيدة، ففي خلال سنتين فقط وفي عامه الـ 21، حسام غالي يتلاعب بسيزار حارس ريال مدريد ويعطي كرة من فضة لصنداي ليحرز هدف الفوز على نادي القرن بأوروبا.
وصل غالي في هذه الفترة لدائرة "النجومية"، غالي نجما أمام الكاميرات وبطل الإعلانات، لا أخفي إنه بطل إعلاني صغيرا لشركة شيبسي، أو أنني أحضر في مكاني المفضل تحت الساعة بإستاد القاهرة في فترة إحماء الأهلي قبل المباراة لأشاهد إحماء غالي ومهاراته بالكرة فقط!
ثم؟!.. ظل غالي يعاني فقط من أجل رسم الدائرة الانتقالية الأهم، دائرة "الثبات على المستوى".
غالي ليس على اختلاف المباريات، بل على اختلاف الدقائق، يصنع الخطأ في الملعب بفداحة، ويقوم بإصلاحه سريعا ببراعة، فن أتقنه غالي بشدة.
لا يخفى عليكم خافية بأن كرة حسام غالي الفدائية برأسه أمام الترجي عام 2014، في البداية كانت مقطوعة منه بمنتصف الملعب، ولكنه أصلحها بطريقة لا تخفيها الأذهان، هكذا هو غالي "قمة التذبذب في المستوى"، عشية دقائق، مباريات وضحاها يعش دور المذنب والبطل.
عاني كثيرا غالي بسبب تلك الدائرة من العصبية في الملعب، تلك الدائرة جعلته يعند وبلغة الكرة "يزرجن" من أجل استرجاعها ولأجل أن يصل للأفضل، ناسيا أهم مبدأ يتعلمه اللاعب عندما لا يكن في يومه.. "ببساطة العب السهلة"، أعرف نجوما تاريخهم كله يتمثل في "العب السهلة".
سقط غالي في فخ "لو"، بشكل شخصي وكمعاصر وباحث في أداء غالي منذ بداية الألفية وحتى اليوم، سأسقط في فخ لو وأؤكد لكم، غالي ببساطة أراه يوما ما كان يستحق أن يلعب بدلا من سيدو كيتا أو يايا توريه في برشلونة، بالتأكيد يفوقهم وأثق بذلك، وكذلك أثق أن رجلا مثل فرناندو جاجو بريال مدريد مع مامادو ديارا هم بالأحق بدلاء له، ولكن متبوعة مني بـ "لو".
أمام هذا الدرس سقط غالي في رمي قميص توتنهام، لينهي في رأيي حسام غالي الذي أعرفه، بعدها رأيت حسام غالي أخر، يفوت فرصة انضمام لمنتخب مصر عام 2008 من أجل الاحتراف بديربي كاونتي، فتسقط فرضية "لو" في مقارعته لحسني عبد ربه، بالتأكيد أرى حسني عبد ربه أفضل منه كمسيرة عامة حتى ولو لم يحصد بطولات بحكم لعبه بالإسماعيلي عكس غالي، ولكنه قفز مبكرا لدائرة "الثبات على المستوى" وفي رأيي هو على بعد سنتيمترات فقط من مجدي عبد الغني أعظم لاعب وسط في تاريخ مصر.
"قطعية" حسام غالي ككرة قدم، تفوق مجدي عبد الغني حسني وأي لاعب قد مرت عليه عينك بهذا المركز، ولكن الخبو هذه المرة بسبب دائرة الاختيار، حسام غالي في 2009 يذهب للنصر السعودي، ليلعب الكرة فقط ليس فإلا، ثم يكمل مسيرته نحو الأهلي ويعود نحو ليرس البلجيكي ثم الأهلي مجددا وأخيرا قد نرى اعتزاله بقميص النصر.
غياب الجماهر عن الملاعب، خلق لنا تجمهر جديد لم يكن في الحسبان، قوة قادمة تحرك أي رأي، قوة السوشيال ميديا، انتقدت اللاعب بشدة بدءا من 2012، فتغلب عليها بأدائه أمام الترجي 2012 بالنهائي، ثم منحته سلطانها، فتغافل غالي عن دائرة "الثبات على المستوى" ورسم دائرة "الكاريزما"، وظل اللاعب يلعب مع الجمهور لعبة القط والفأر، تارة يأكل منها بمشاكله مع اللاعبين والعصبية وانخفاض المستوى، وتارة يزيدها بأداء ملحمي في أوقات صعبة مع الفريق، أو مؤخرا مع عاطفة "جدعنة ولاد النادي".
حسام غالي لن نحاسبه كلاعب كرة قدم مجددا بالمستقبل، فهو قادم على دائرة جديدة بعد الكاريزما كشخص إداري مع النادي الأهلي بكل تأكيد بعد إعتزاله، ولكنني أثق بأنه سيتجاوز دائرة لو، فالجمهور عندما يضع حساباته وأماله على شخص ويرسم عليه هلاما بأنه وعلى سبيل المثال "خليفة صالح سليم إداريا"، فمهما وقع غالي بأخطائه الشهيرة "التهور"، فسيجد جمهورا يدافع عنه ويسوق الدلائل تاريخيا ولو بفهم مغلوط من أجل إثبات أن "وجهة النظر صحيحة"، أنا صح وغالي صح.
صالح سليم، الجمهور ساق العديد من أجل أن يغفر له خطأه بانسحاب الأهلي من بطولات افريقيا لخمس سنوات، والتي دون شك حرمت جيلا ذهبيا من ألقاب عدة، بل على سبيل المثال عام 98، بينما هو يحسم بطولة عربية، ففريقه الثاني يخرج أمام البن الإثيوبي بالقاهرة، ولك الجمهور يرى "أن صالح لا يخطئ"، وإداريا "غالي لن يخطئ".
ناقشني عبر تويتر.
<a href="https://twitter.com/Esamovichh" class="twitter-follow-button" data-show-count="false">Follow @Esamovichh</a><script async src="//platform.twitter.com/widgets.js" charset="utf-8"></script>