كتب : علي أبو طبل
"كان أمرا لا يمكن وصفه. لقد اعتدنا التدريب بجوار أصوات القصف الجوي المحيطة بنا"..
هوار ملا محمد، أحد نجوم العراق في العقد الأول من الألفية الجديدة، وواحد من أهم رموز كتيبة أسود الرافدين المتوجة بلقب كأس أمم آسيا التاريخي في 2007، يتحدث عن كواليس هذا التتويج الدرامي.
منذ 2003، تعاني العراق من ويلات الحرب، بداية من الغزو الأمريكي، وصولا إلى تفتت طبقات الشعب العراقي إلى فئات طائفية، ومن ثم أعمال عنف متوالية ومستمرة حتى يومنا هذا.
في 2007، كان العنف في قمته، وفي الوقت نفسه كان المنتخب العراقي يستعد للمشاركة في كأس آسيا، بطموحات قليلة وبعدم قدرة على خوض المباريات الدولية داخل العراق، وبدون مدير فني.
صالح سدير، أحد أعضاء المنتخب المتوج باللقب، يصرح في تقرير أعدته CNN قبل أيام بمناسبة مرور 10 سنوات على التتويج التاريخي لأسود الرافدين"كنا نعتقد في البداية أنها ستكون مشاركة عادية وسنغادر البطولة سريعا"، هكذا كان يرى لاعب الزمالك السابق.
الأمر سار في البداية مطابقا لاعتقاد لاعب نفط الوسط الحالي. اكتفت العراق بالتعادل مع تايلاند بنتيجة 1-1 في الافتتاحية.
لكن الأمور تبدلت مع المباراة الثانية. تفوق كبير ومفاجئ للعراق على حساب أستراليا، الوافد الجديد على القارة الصفراء في ذلك الحين، بنتيجة 3-1، وضعت الفريق تحت المنظار بقوة.
تعادل سلبي في المباراة الثالثة أمام عمان كان كافيا لكتيبة جورفان فييرا من أجل تصدر المجموعة، ومن ثم الحصول على مهمة سهلة في ربع النهائي أمام فيتنام والتفوق بهدفين نظيفين منحا العراق بطاقة نصف النهائي التي لم يكن مخطط لها.
يعود صالح سدير لوصف إحساس اللاعبين خلال تلك البطولة، والسطور التالية على لسانه في تصريحاته لـ CNN.
"بعد كل فوز، كنا نعود للكواليس لمتابعة ردود الأفعال في العراق ومدى سعادة أهالينا هناك".
"مدى دعم الجماهير لنا بدأ في الازدياد بشكل تدريجي. لاحظنا أننا قادرين على توحيد الناس في العراق".
"مع الوصول للأمتار الأخيرة ومع ردود الأفعال الإيجابية. زاد إصرارنا على العودة بالكأس إلى بغداد".
حوافز كثيرة يمكن وضعها في الاعتبار ساعدت بشدة في هذا الإنجاز وفي مشاهدة أداء استثنائي لأسود الرافدين.
جيمس مونتاج، صحفى وكاتب رياضي عاصر رحلة الفريق العراقي قبل المشاركة في أمم أسيا 2007 وعايش اللاعبين، تحدث عن شهادته لتلك الفترة لـ CNN.
"الكثير من هؤلاء اللاعبين فقدوا بعض من أحباءهم في أحداث عنف متفرقة بالبلاد. البعض الآخر تلقى تهديدات صريحة بالأذى من عصابات إجرامية".
"رغم ذلك، كان هناك إصرار كبير من المجموعة على تخطي ذلك وتنحية الاختلافات الثقافية والدينية. كانت الروح عالية للغاية".
"كانت تلك التفاصيل الصغيرة بمثابة عوامل مساعدة لإنجاح معجزة كروية تقع في نفس التصنيف مع معجزة مثل تتويج ليستر سيتي بالدوري الإنجليزي الممتاز".
عبرت العراق من تجربة كوريا الجنوبية في نصف النهائي من علامة الترجيح، وأصبح الأمر أكثر جدية.
"منح السعادة للناس" كان ذلك هو المبرر الرئيسي الذي استعان به المدير الفني البرازيلي لتحفيز لاعبيه.
"لقد كانت النار تشتعل بداخلنا في كل مرة تصلنا فيها أخبار تفجيرات أو موت بعض الأصدقاء. لقد صممنا على إسعاد الشعب العراقي وسط كل ذلك".
الكلمات السابقة كانت على لسان هوار ملا محمد الذي يستعيد ذكرياته مع البطولة.
لم يساهم فييرا في تأهل العراق للبطولة، ولم يحصل الفريق على فترة إعداد مناسبة لفريق يمكنه التتويج بطلا لآسيا.
كان اسما مجهولا عند حضوره قبل أسابيع قليلة من انطلاق البطولة، ولكنه في النهاية صار الاسم الأعظم تدريبيا في تاريخ كرة القدم العراقية وصاحب إنجازها الأبرز على الإطلاق.
فنيا، قدم فييرا لمحات جيدة وساهم في إظهار اللاعبين لأفضل ما لديهم. ولكن العامل النفسي كان هاما للغاية في تلك المرحلة.
تمكن فييرا من خلق مجموعة محبة لبعضها البعض. استغل الألم الذي عانوا منه في وطنهم، وحوله إلى رغبة في إسعاد الناس في بلاد الرافدين.
"كان من الصعب إدارة الجانب النفسي لهذه المجموعة" فييرا بهذه الكلمات يفتتح حديثه مع CNN في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
تحدث فييرا عن توليه المهمة أثناء استعدادات الفريق الأخيرة في الأردن قبل انطلاق البطولة، حين اضطر طبيب الفريق للسفر إلى العراق لمجاورة زوجته التي كانت على وشك الولادة، وقبل ساعات من عودته إلى معسكر الفريق، لاقى حتفه في تفجير سيارة.
"لا تعلم ما إذا كان يجب أن تبكي معهم، أم أن تكون متماسكا كفاية لتخبرهم بأنهم عليهم أن يبقوا أقوياء" يضيف فييرا.
يعود صالح سدير للحديث عن مديره الفني السابق: "لقد كان قريبا للغاية من اللاعبين. كان الأمر الأكثير أهمية بالنسبة له. ليس الفنيات أو الحالة البدنية. لقد كان ناجحا في جعل اللاعبين قريبين منه وداعمين له بشكل كامل".
الأمور سارت بشكل رائع. العراق إلى النهائي بعدما عبرت كوريا الجنوبية، والعالم أجمعه يتحدث عن المعجزة التي تولدت وسط المعاناة. لا شئ يمكن أن يوقف ذلك الحماس باستثناء صدمة من الواقع.
الدماء سقطت في بغداد وسط الاحتفالات. عشرات الضحايا والمصابين سقطوا في انفجارات متفرقة في العاصمة العراقية وسط تجمعات الجماهير التي خرجت للاحتفال بالانتصار في نصف النهائي.
حينها، خرجت الشائعات بأن اللاعبين لا يرغبون استكمال البطولة خوفا من سقوط المزيد من الدماء، ولكن أمرا ما أزاد من حماس اللاعبين.
صالح سدير يتحدث عن أم فقدت إبنها في أحد تلك التفجيرات، وأقسمت أنها لن تسمح لجثته بأن تواري الثرى قبل أن يعود الفريق العراقي بالكأس إلى البلاد.
"لقد كانت بمثابة نقطة تحول" يوضح سدير.
يزرف فييرا بعض الدموع عندما يتذكر ذلك الموقف ومدى تأثر اللاعبين وعزيمتهم بعد رؤيتهم لموقف تلك الأم، ويؤكد: "صممنا اكمال الطريق وتحقيق اللقب".
حققت العراق لقبها التاريخ في النهائي الذي أقيم في إندونيسيا. رأسية يونس محمود التاريخية في الدقائق العشرة الأخيرة من عمر المباراة كانت كفيلة بانتزاع اللقب من المملكة العربية السعودية صاحبة الألقاب الثلاث.
"لا زلت أبتسم كلما تذكرت تفاصيل ذلك اليوم. كان يوما مختلفا ومميزا. لم يكن يمكن تخيل أن تخرج الناس بهذه السعادة إلى الشوارع بعد أيام قليلة من انفجارات هائلة وحزن لسقوط الضحايا"
أروا دامون، مراسلة CNN في العراق في ذلك الوقت، تسترجع ذكريات التتويج العراقي التاريخي والفرحة في شوارع بغداد.
"لم يكن أحد يكترث. الكل في الشوارع والكل سعداء ويحتفلون والألعاب النارية في كل مكان. لقد كانت احتفالية رائعة" تضيف دامون.
تمر السنوات، ولم تتغير الأمور كثيرا. العراق لا زالت مكانا تحفل الكثير من مناطقه بالصراعات. الكثير من أعمال العنف والإرهاب لا زالت مستمرة. ولعب مباراة كرة قدم رسمية للمنتخب العراقي في بغداد لا يزال حدثا نادرا.
رغم ذلك، فإن فييرا وهوار ملا محمد وصالح سدير ويونس محمود وباقي الكتيبة التاريخية للعراق في 2007 لا زالت تملك ذكريات رائعة لقصة ملهمة للغاية عند كل مرة يتم سرد تفاصيلها.