كتب : عمر ناصف
قد تكون حياته كلها، وليس فقط مسيرته، تصلح لأن تكون سيناريو لأحد الأفلام السينيمائية الخاصة بلاعبي كرة القدم فهي تجمع كل الجوانب التي قد يرغب كاتب في وضعها داخل فيلمه.
أنطونيو كاسانو ولد وسط احتفالات الجماهير الإيطالية بفوز منتخبها بمونديال 1982 حيث كان وصوله إلى هذا العالم في اليوم التالي لحمل دينو زوف للكأس عاليا في ملعب سانتياجو بيرنابيو.
الفقر كان يحيطه به في ضواحي سان نيكولا بمدينة باري حيث ولد ولم تمضي أسابيع قليلة على مولده حتى هجره والده تاركا الطفل الصغير في رعاية أمه التي اضطرت إلى العمل ليلا نهارا من أجل توفير القليل الذي يكفيهم للإستمرار في العيش.
فقط كرة القدم كانت الملاذ الوحيد للطفل الصغير للهروب من حياة الجريمة في الشوارع الفقيرة. كشافو باري نجحوا في الحصول على موهبته التي تفجرت في أزقة وشوارع المدينة.
سريعا وجد كاسانو نفسه في الفريق الأول ولم يكن قد أكمل عامه الـ17، ظهوره الأول أمام ليتشي لم يكن مميزا ولكن بعد أسبوع واحد فقط جاء هدفه الأول في الدوري الإيطالي وقد كان مميزا بحق، شاب في الـ17 من العمر يشارك للمرة الثانية مع فريقه وأمام العملاق إنتر ميلان.
الدقيقة 88 والتعادل 1-1 هو سيد الموقف وكرة أمامية طويلة يتسلمها على الطائر على كعبه ليوقفها ويمر من الثنائي الخبير لوران بلان وكريتسان بانوتشي قبل أن يمر بالكرة من بين قدمي الحارس فابريزيو فيروني ليعلن عن هدف فوز فريقه بالمباراة، وعن مولد موهبة جديدة في الملاعب الإيطالية.
لن نتحدث عن تاريخه في الملاعب ولا تنقلاته الكثيرة من باري إلى روما ثم ريال مدريد والعودة إلى الأراضي الإيطالية مرة أخرى حيث تنقل ما بين سامبدوريا وميلان والجار إنتر ثم بارما وأخيرا سامبدوريا بمجموع مشاركات هو 514 مباراة و141 هدفا وصناعة 109 هدفا.
"جوهرة باري" هكذا أطلق على الشاب الصغير كاسانو بسبب السحر الذي كان ينثره على أرض الملعب ليجعله روما في 2001، أغلى مراهق في العالم حينها بسعر وصل لـ30 مليون يورو.
في ملعب أولمبيكو وجد الأسطورة فرانشيسكو توتي نصفه الكروي الأخر أخيرا فشكل لأربعة مواسم متتالية ثنائية خالدة في تاريخ متابعي الدوري الإيطالي بل بدأ توتي وروما في تجهيز كاسانو ليكون خليفته في كل شيء فبدأ في حمل شارة قيادة الذئاب في حال غياب القيصر.
عندما تم سؤال توتي في 2016 عن أفضل لاعب شارك بجانبه طوال مسيرته الكروية الحافلة، اختياره كان كاسانو.
الإستماع لنصائح الكبار ذوي الخبرة من علامات النضج وهو ما لم يظهر على الفتى المدلل الذي روى في كتابه "جاء توتي إلي في أحد الأيام وقال لي "أنطونيو، تذكر أن تحصل على مال أقل وتكون سعيدا أفضل لك من أن تذهب بعيدا ولا تكون في كامل تركيزك".
"لو استمتع إلى نصيحة توتي تلك لكنت مازلت هناك في العاصمة لاعبا لفريقها روما"، اعترف كاسانو بالخطأ الذي وقع فيه ولكن عرض ريال مدريد له في 2006 كان مغريا بشدة فتناسى بشكل تام نصيحة ملك روما.
الإنتقال لإسبانيا بداية الفساد دائما في أفلام كرة القدم. حدث ذلك مع مالك الخليلي في فيلم "العالمي" عندما انتقل إلى فالنسيا وقبله مع "سانتيجو مينوز" في سلسلة أفلام "جول".
كاسانو لم يكتفي بشهوة النساء فقط، بل أضاف إليها شهوة الطعام.
خلال إقامته في اسبانيا كان كاسانو يعرف عاملة في إحدى الفنادق كان دورها يقتصر على تسليمه فتيات في بداية الليل واستبدالهم في نهايتها بـ4 قطع من المخبوزات والحلويات.
اعترف كاسانو في كتابه بأنه تعرف على أكثر من 600 سيدة خلال تلك الفترة ومع كل سيدة كان يتناول 4 قطع من المخبوزات، يمكنك حساب عدد السعرات الحرارية التي دخلت إلى جسد اللاعب لتعرف مشكلته الجديدة التي واجهته في ريال مدريد، زيادة الوزن.
الفريق الملكي بدأ في تطبيق عقوبات صارمة على كاسانو ومعاقبته على كل جرام زائد عن وزنه المثالي، ولكن سبب رحيله من ريال مدريد لم تكن مشاكل زيادة الوزن فقط، بل عدم الإنضباط الذي صدم مدربه السابق في روما وريال مدريد حينها فابيو كابيللو الذي وجد كاسانو يتشاجر معه كثيرا حتى تم إبعاده عن تدريبات الفريق الأول وتركه يرحل بعد ذلك إلى سامبدوريا.
تحسر راؤول جونزاليس قائد ريال مدريد السابق على ذهاب اللاعب الإيطالي فقال "لم أر في حياتي موهبة كالتي كان يمتلكها كاسانو، ربما لو وصل إلينا في ظروف أخرى لتغيرت مسيرته".
بعيدا عن أضواء الشهرة في سامبدوريا حاول كاسانو العودة ولمدة أربعة مواسم عادت جوهرة باري لتتلألأ مرة أخرى لتعود الأضواء عليها مرة أخرى ويختاره ميلان لخلافة البرازيلي رونالدينيو في هجومه.
قد يكون الإرتباط بزوجته الحالية كارولينا ميراكليس في 2008 السبب في عودة اللاعب للسيطرة على تصرفاته خارج الملعب وتركيزه التام على كرة القدم وقد يكون حسن تعامل من اللاعب مع صدمة فشله الذريع في ريال مدريد، لا أحد يعرف.
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فوسط تألقه وعودة الأضواء لتسلط على مسيرته مرة أخرى سقط اللاعب بأزمة قلبية بعد إحدى لقاءات ميلان مع فريقه السابق روما ليتم التدخل جراحيا لإنقاذ اللاعب ويظل ستة أشهر بعيدا عن الملاعب.
عاد ليجد ميلان قد باع كل نجومه فيقرر هو الأخر الرحيل ولكن الحياة في ميلان كانت مستقرة واللاعب تذكر نصيحة توتي السابقة فقرر البقاء في المدينة وتغيير النادي إلى الجار إنتر.
لم تدم سعادته طويلا، ففقد اللاعب السيطرة على نفسه فجأة واعتدى بالضرب على مدربه أندريا ستراماتشيوني ليكتب نهاية مسيرته مع الأفاعي منذ موسمه الأول قبلها كان اللاعب محط هجوم من جميع الحقوقيين حول العالم بسبب تصريحاته الرافضة لإنضمام أي لاعب "مثلي" ليزامله في صفوف المنتخب الإيطالي خلال يورو 2012.
انتقل بعد ذلك إلى بارما وخسر 10 كيلوجرامات من وزنه ليحسن من أداءه في الملعب مع بلوغه الـ30 من العمر والسبب في ذلك كان تقليل حصته من الفطائر المفضلة له من فطيرة يوما إلى واحدة اسبوعيا ولكن كل ذلك ذهب أدراج الريح مع إفلاس بارما التام وهبوطه للدرجة الثانية لينتقل عائدا إلى سامبدوريا بسبب حبه للعيش في مدينة جنوى.
رئيس النادي ماسيمو فيريرو أعلن أن كاسانو خارج حسابات الفريق بعد عام واحد من وصوله والفتى المدلل وجد نفسه غير مرغوبا فيه ولأول مرة لا يقرر الرحيل بل أصر على البقاء رافضا كل العروض مفضلا التدرب مع شباب سامبدوريا على ترك المدينة التي وجد فيها سعادته وإستقراره النفسي أخيرا.
وصفه فيريرو حينها بـ"شخص يفتقد إلى الذكاء" بالتأكيد يقصد خارج الملعب والأكيد أن المالك الأمريكي لديه بعض الحق في ذلك.
ظل موسما كاملا بعيدا عن كرة القدم وأعلن هذا الصيف عن نيته وهو في الـ35 من العودة مرة أخرى للعب ووقع عقودا مع هيلاس فيرونا الصاعد حديثا إلى الدرجة الأولى، بدأ بكل قوة وشارك في مباراتين مع الفريق خلال المعسكر الإعدادي ولكن الحنين إلى العودة إلى مدينة جنوى مرة أخرى غلبه سريعا.
أعلن الإعتزال وعدم قدرته على إستكمال العقد بعد شهر فقط من توقيعه قبل أن تعلن زوجته بعدها بيومين تراجعه عن هذا القرار ولكنه رد ببيان رسمي يعلن فيه تركه لكرة القدم نهائيا للتفرغ للعيش مع زوجته وأبناءه كريستوفر وليونيل.
"هناك شيء خاطئ في عقل هذا الرجل، إنه جاهز بدنيا وذهنيا ولكنه قرر فجأة ترك كل شيء" هكذا تعجب ماوريسيو سيتي رئيس نادي فيرونا من القرار المفاجئ للاعبه الجديد.
"الجنس والطعام " كان ذلك وصف كاسانو لليلة رائعة من وجهة نظره ولكن الليالي الرائعة شكلت ضلعين من أضلاع المثلث المتسبب في خروج مسيرة اللاعب عن المسار المنتظر لموهبته منذ ظهورها الأول هناك في باري مضاف إليهما الضلع الثالث "العنف".