مصطفى عصام

الهروب إلى النصر

في العاشرة من عمري، كانت أول مرة ألعب لعبة FIFA 2005، كنت للتو قد انتهيت من مشاهدة فيلما تسجيليا حول الحرب العالمية الثانية وما دار بين الحلفاء والنازيين يُدعى (أبوكالبيس)، فيما بعد أدركت أن الفيلم مصنف من روائع ما أنتجت السينما التسجيلية في...
الأربعاء، 05 يوليه 2017 - 17:33
بيليه

في العاشرة من عمري، كانت أول مرة ألعب لعبة FIFA 2005، كنت للتو قد انتهيت من مشاهدة فيلما تسجيليا حول الحرب العالمية الثانية وما دار بين الحلفاء والنازيين يُدعى (أبوكالبيس)، فيما بعد أدركت أن الفيلم مصنف من روائع ما أنتجت السينما التسجيلية في القرن العشرين.

لذا ما جال في خاطري أولا، أن ألعب بفريقي المفضل (إنجلترا).. مفضل لأجل بيكهام وقصات الشعر ليس إلا.. واخترت المنافس (ألمانيا).. ومن أجل (الهروب من أول هزيمة) نحو أول نصر، اختار لي أخي مستوى ابتدائيا، فانتصرت بخماسية.

أظهرت اللعبة بعدها لي رسالة مفادها:

"You have earned 1000 points for beating a rival”

بدأت أولى خطواتي لاحتراف اللعبة بألف نقطة لمجرد هزيمتي للـ (الغريم الأزلي).

فون شتاينر المايجور الألماني: "حسنا أنت جون كولبي، لاعب عظيم لا يشق له غبار مع وستهام يونايتد والمنتخب الإنجليزي، إنه لأمر حزين أن الحرب قد أنهت مسيرتك كأسير حرب".

كولبي: "لم تنهها.. فقط أعاقتها".. كانت تلك الجملة هي الأكثر مشاهدة من فيلم Escape to victory

بعنوان مباراة العمالقة بدعاية لأبرز نجوم كرة القدم في القاهرة عام 1981.. طرح فيلم Escape To victory

وشارك "ستالون" في بطولة الفيلم مايكل كين ولاعبو كرة قدم محترفون، أمثال البرازيلي "بيليه"، الإنجليزي الراحل "بوبي مور" والأرجنتيني "أوزفالدو أرديليس"، بيد أن الممثل الذي اشتهر بشخصية "رامبو" في سلسلة أفلام "روكي" في الثمانينات، أكد خلال اللقاء أن "بيليه" فقط من ترك له ذكرى جميلة و"مؤلمة لن أنساها"، وقال ضاحكا "ما يزال لدي أصبع مكسور بسبب محاولتي التصدي لكرة من قدمه.. يالها من ركلة تلقيتها!".

وكشف "ستالون" أن "بيليه" كان يرتدي حذاء خاصا بالجنود، و"الأسوأ أن الكرة كانت مثل قذائف المدفعية، وثقلها وسُمكها ضعف كرات اليوم"، مضيفا "أخبرني بيليه أنه سيتقدم لتسديد ركلة جزاء وقلت في نفسي: وما المهم في ذلك؟ إنها كرة قدم.. الأمر سهل! وقبل أن يسدد أخبرني أين سيضع الكرة بالتحديد، لذلك وقفت في المكان نفسه، ومع ذلك تجاوزتني الكرة حتى قبل أن أتحرك".

وقال عنه أردليس ضاحكاً "ذلك الفريق كان سيئاً للغاية" مضيفاً "لديك ستالون الذي لم يكن باستطاعته التوقف، التمرير أو ركل الكرة، ومايكل كين لم يكن باستطاعته الركض حتى. بوبي مور وبيليه كانا متقدمين في العمر بعض الشيء عام 1981 - وبيليه أصيب بعد دقيقتين فقط من بدء التصوير".

أحداث الفيلم دارت حول معسكر اعتقال يقع به الإنجليزي نجم وستهام سابقا والمنتخب الإنجليزي جون كولبي (مايكل كين) تحت إمرة الألمان بفرنسا التي وقعت تحت أيدي هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية.

المعسكر تولى قيادته (فون شتاينر) المايجور الألماني الذي سبق له وأن مثل منتخب ألمانيا في كأس العالم لعام 1938، تعرف وقتها على الإنجليزي (جون كولبي) وقدم له عرضا لإقامة مباراة بين المنتخب القومي الألماني وفريق من الأسرى بالمعسكر تحت مسمى فريق الحلفاء.. من أجل دعاية ألمانية مزيفة إيذانا لإعلانها كقوة كروية عظمى أيضا تحت قيادة هتلر.

المباراة قوبلت بالرفض من قبل الجنرالات الإنجليز الأسرى في نفس المعسكر أيضا بدعوى أنها اعتراف إنجليزي بتسيد ألمانيا وقبول بهزيمة محتومة، ولكن تصميم كولبي على تجميع الفريق وتدريبه بالمعسكر، جعل الجنرالات يتفقون مع هاتش (سلفستر ستالون) من أجل تهريب فريق الحلفاء من الملعب الأولمبي بباريس عبر بالوعات الصرف نحو نهر السين.

بيليه يلعب من أجل الكرة

بيليه في هذه المباراة مثل دور جندي تريندادي وقع في الأسر أثناء الحرب، يحكي عن ذكرياته كطفل صغير "يهوي اللعب بالبرتقالة ويداعب بها كلتا قدميه" أثناء استعراضه بالكرة أمام جون كولبي.

قدم مشهدا طريفا حينما كان يشرح جون كولبي طريقة اللعب بالفريق من أجل (التمرير الكثير).

بيليه: "دع عنك هذا الطباشير وكتابات السبورة، الكرة تعني لي هذا الخط".

ورسم بيليه خطا متعرجا بطول السبورة، أي تعني له مراوغة جميع لاعبي الفريق ثم هدف!

<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/os8FxkBTYu0" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>

مباراة النصر

أعد الألمان الملعب الأوليمبي بباريس ليكون شاهدا على هزيمة الحلفاء أيضا بالكرة، كما كان شاهدا على انتكاستهم بالحرب، زين الملعب التاريخي بفرنسا بأعلام وشعارا النازية كما فعل هتلر من قبل مع برج إيفل، من أجل أن يسافر سلفستر ستالون السجين شديد الخطورة، تم كسر يد حارس مرمى فريق الحلفاء والاستعانة بسلفستر حارسا للفريق يقضي طول الطريق مع كولبي من أجل سؤاله عن موقعه في الوقوف بالمرمى أثناء الركلة الركنية.

احتشد الجمهور الفرنسي بالملعب لتشجيع الحلفاء، وكل المدرجات مشددة الحراسة بجنود ألمان لمواجهة أي احتمالات للشغب، معلق كروي أتي خصيصا للتعليق على الراديو من أجل التدليس وترويج نصر مزعوم للألمان ومزود كذلك بمذياع مسجل بفرحة الجماهير من أجل نقل صوت مزيف للعالم بفرحة الجمهور مع كل هدف يسجله الألمان.

وأما عن الحكم، بالرغم من أنه صنف بأفضل حكم في العالم، واختاره الألمان ليكون محايدا، إلا أنه (لن يخطئ ولن يترك فرصة للحلفاء)، تم تجنيده ليسير المباراة لصالح الفريق القومي الألماني.

قبل نهاية الشوط الأول بتقدم الألمان برباعية نظيفة، سجل فريق الحلفاء هدفا.. وهو ما عاود معه الجمهور زئيره وأمله مجددا في مواجهة الفريق والحكم المتمثلين في ملعب صغير كانعكاس لواقع مؤلم بانحدار ثقافتهم وبلدهم تحت أسر النازيين.

فرصة الهروب نهائيا أو نحو النصر

أتت فرصة الهروب بحوض ماء مكسور نحو الأنفاق، شد سلفستر أعضاء الفريق نحو النفق للهروب، إلا أن المخرج جون هيوستن أعطى حبكة درامية معتادة لفيلم تحت إنتاج أمريكي بريطاني مشترك.

لا فرصة للهزيمة، فيلم هيوليودي سينتهي بانتصار تاريخي للحلفاء، لا مجال للهرب، سيعود بريمونتادا (مصطلح معاصر) ويحقق النصر، فأفاق هيوستن عن الواقعية التي سردت لحظات دخول فريق الحلفاء للنفق، وأقنع بيليه بقية الفريق بالعودة للملعب، فإن ظلوا فارين سيقعوا لا محالة في الأسر وربما الموت، أما تلك على الجانب الأخر.. هي لحظة لإثبات النصر.

بيليه الذي خرج مصابا من الشوط الأول نتيجة خشونة الفريق الألماني الصلب المغرور برعاية الحكم، أقنع ستالون بالعودة تحت مسمى بأنه (حارس مرمى ليس سيئا).. أوزفالدو أرديليس النجم الأرجنتيني قلب المباراة بهدف راوغ فيه كل الفريق بمن فيهم الحارس كذلك، ثم تمريرة حاسمة لبوبي مور واضعا الهدف الثالث.

والمعلق لا يستطيع أن يعلو بصوت المذياع المزيف الناقل لغضب الجمهور من اقتراب النتيجة، صوت هتافات النصر والحرية علت من المدرجات، مزعجة للقيادات الألمانية الحاضرة لمشاهدة نصرا زائفا.

أحرز فريق الحلفاء هدف التعادل، ولكن ألغاه الحكم لسبب غير معلوم، لا يوجد تسلل بقانون الكرة وقتها ليبرر تلك الفعلة.

من ينتصر في صراع الكاميرا.. الكرة أم هوليوود

النصر النصر النصر النصر، هتاف لا خلاف عليه دوى بالملعب الأوليمبي، للوهلة مع تعافي بيليه المفاجئ (كالعادة) ونزوله المباراة، تخيلت بأنه سيسرق الكاميرات من سلفستر ويفوز هو بهدف التعادل قبل نهاية المباراة بدقيقتين، وقد فعلها بركلة مزدوجة انتزعت إعجاب المايجور الألماني فون شتاينر ذات نفسه..!!

<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/erQdTUdeABI" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>

ولكن في دقيقة قلب هيوستن الكادر نحو نجم هوليوود الأوحد بطريقة لطيفة، فتاة جميلة فقدت زوجها بالحرب وتمتلك ابنا لطيفا أعطاه قبل المباراة إكليلا من الزهور تنتظره، جمهور زائف يغني أغنية النصر التي عزفها الحلفاء بعد أن حرروا باريس من النازيين، وكذلك شوهت صورة نجم المباراة الأوحد أوزفلدو أرديليس حين ارتكب خطأ داخل منطقة الجزاء استوجب ركلة جزاء للمنتخب الألماني.. وأساء للكادر باعتراض فريق الحلفاء على ركلة جزاء في وجهة نظري صحيحة.

نجم منتخب ألمانيا مجهول الاسم، لأنه في نظر المخرج (نكرة)، دخل طوال اللقاء تحديا مع سلفستر حارس المرمى، فاز به بركلة جزاء بالشوط الأول في مرماه، ونجح سلفستر في أكتر من مواجهة طيلة الشوط الثاني، وفي أخر ثانية تصدى لركلة الجزاء الحاسمة ليتعادل فريق الحلفاء، ويصفق الجنرالات الإنجليز الحاضرين بالملعب والرافضين لفكرة المباراة.

وأما الجمهور، فيكسر كل الحواجز بالملعب ويدهس الجنود الألمان بكلابهم التي تحيط بالملعب فرحة بالنصر واحتضنوا فريقهم الذي أعطاهم لونا من الحرية من أجل تهريبهم معهم، صوت المعلق المزيف يخفو ويهبط مع أصوات الجمهور

(النصر.. النصر فحسب)