نواة الماكينة - متى وكيف خططت ألمانيا للسيطرة على المستقبل

"هل تعلم ما أحبه في هذه الشقة؟ لا يوجد من يسكن فوقي. ليس لدي القدرة على تحمل وجود جار في الطابق الأعلى وينظم الحفلات ليلا باستمرار فوق رأسي. بهذه الطريقة أستطيع أن أنعم بالسلام"

كتب : خالد وهبة

الجمعة، 30 يونيو 2017 - 11:52
شباب ألمانيا

"هل تعلم ما أحبه في هذه الشقة؟ لا يوجد من يسكن فوقي. ليس لدي القدرة على تحمل وجود جار في الطابق الأعلى وينظم الحفلات ليلا باستمرار فوق رأسي. بهذه الطريقة أستطيع أن أنعم بالسلام"

ألمانيا بطل كأس العالم 2014 للمرة الرابعة. ألمانيا في نصف نهائي يورو 2016 ومازال النجاح مستمر. الألمان في نهائي يورو 2017 للشباب تحت 23 عاما، وفي نفس تلك الأيام أيضا هم في نهائي كأس القارات بفريق من الصف الثاني.

كيف تبني فريقا للمستقبل ويستمر نجاحك في الحاضر؟ أسلوب لا يجيده في العالم أفضل من الألمان، لكن هل تظن أن تلك التجربة وليدة السنوات الأخيرة فقط؟

_ _ _

نجح الألمان في كأس العالم 1990 وأمم أوروبا 1996 لكن هذا لم يعن بالضرورة أن كرة القدم التي قدموها كانت ستضمن لهم الاستمرارية على القمة خاصة مع تحسن أداء منتخبات أخرى استطاعت أن تطور من طريقة لعبها واكتشاف أساليب جديدة لاستخدامها في الحصص التدريبية. كان على المنظومة الرياضية في ألمانيا فعل شيء ما وإلا تاهت في غياهب الآتي.

بطولة الأمم الأوروبية 1996. نجح منتخب ألمانيا في الفوز بكأس أمم أوروبا للمرة الثالثة والفضل كل الفضل لهذا الجيل الذي أحكم قبضته على تسعينات القرن الماضي وعلى رأسه يورجن كلينسمان الذي كان قائد “دي مانشافت” في تلك البطولة، لكن معدل الأعمار كان مرتفعا بعض الشيء، لم يكن بالشيء الذي يذكر خاصة بعد التتويج لكنه كان مقدمة لما سيحدث في أول بطولة كبرى قادمة.

ليس هناك مجالا للصدفة في أي نجاح تحققه ألمانيا في أي من مجالات الحياة الحديثة التي نعيشها نحن البشر اليوم، هناك الكثير من الخطط والمشاريع والإشراف والمتابعة وانتظار النتائج والتحقق من النجاح والتحقيق حال كانت النتائج أقل من المتوقع. في المانيا، لا تختلف الأمور بالنسبة لكرة القدم.

محاولة تتبع الخط الزمني لما قدمه منتخب المانيا لكرة القدم منذ 2002 حتى 2016 في البطولات الكبرى ستكون مثيرة جدا للاهتمام خاصة مع غروب جيل التسعينات ومعاصرتنا لأجيال أخرى ظهرت لاحقا. ما بين هذا وذاك كان هناك خططا للتأكد من وجود ألمانيا على القمة سنتتبع بداياتها لمعرفة كيف تحوّلت الكرة الألمانية من الرغبة في الفوز فقط إلى الفوز والإنتاج الغزير للمواهب الشابة من أجل المستقبل.

"يزداد المحرك ضعفا بمرور الوقت"

في أغسطس 1996، تحدث كل من بيرتي فوجتس (المدير الفني لمنتخب ألمانيا) مع رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، ايجيديوس براون. طالب فوجتس بالمزيد من الاهتمام من قبل الاتحاد لتطوير الناشئين. كان الاتحاد مشغولا في ذلك الوقت بالفئات العمرية المختلفة للمنتخب فقط، بينما كان تعليم كرة القدم الحقيقي في قبضة الاتحادات الإقليمية والأندية.

كانت فكرة فوجتس تقتضي بأن يضع الاتحاد الألماني مدربا وطنيا حاصلا على الرخصة بداخل كل اتحاد إقليمي من أجل مزيد من الحصص التدريبية للمواهب التي لا تلعب في أندية. تم رفض الفكرة واعتبارها غير واقعية، سيستفز القرار الاتحادات الإقليمية التي ستعتبره تدخلا غير مقبولا في سياساتها.

يتلقى ديتريش فايسه (المدير الفني لمنتخب ليختنشتاين وقتها) مكالمة هاتفية من رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، ايجيديوس براون. يرفع السماعة وتبدأ المكالمة…

براون: كيف هي الأحوال عندك في ليختنشتاين؟

فايسه: هادئة تماما، كل شيء على ما يرام.

براون: حسنا. أنصت لي جيدا. قد نتقدم بطلب لاستضافة كأس العالم في 2006، يجب علينا تجهيز فريق قادر على المنافسة بقوة إذا ما تمكننا من الفوز في التصويت. أحضر لنا مخططا قابلا للتنفيذ من فضلك.

فايسه: سأعمل على ذلك بالطبع.

*صوت إغلاق الهاتف*

وفقا لمنسق قطاعات الشباب بالاتحاد الألماني، مايكل سكيبه، الارتقاء في السلم الاجتماعي الألماني يكون أصعب بكثير إذا كانت كرة القدم هي وظيفتك أو أي رياضة أخرى، ولذلك كان هناك ندرة في المواهب الشابة. كان هناك أيضا نظريات تفسر ندرة المواهب على أنها ظاهرة اجتماعية: لدى المراهقين في هذا الوقت أشياء أخرى تلفت انتباههم كألعاب الفيديو وصالات الجيم والنشاطات الفردية الأخرى.

أما فايسه فكان يعارض سكيبه وتلك النظريات بشدة وأصر على أن هناك الكثير من المواهب التي لم تكتشف بعد. يحكي فايسه أنه أخبر براون بذلك في جلسة سابقة: “كل هذا الكلام غير منطقي، قلت ذلك لبراون. هناك مواهب عديدة في ألمانيا لم نصل إليها فقط، أما أولئك الذين توصلنا إليهم لم يقطعوا الكثير من وقتهم من أجل التدرب بالكرة"

اتصل فايسه بالسيد أولف شوت الذي حصل لتوه على شهادة في العلوم الرياضية وباشرا سويا العمل، قاما بزيارة جميع الاتحادات الإقليمية ومؤسسات رياضية أخرى، تحدثوا مع مدربين من رياضات مختلفة غير كرة القدم. بعد تسعة أشهر من الأحاديث المتواصلة تأكدا أن هناك الكثير من الشباب الذين لم يلعبوا لنادٍ قط قد غابوا عن أنظارهم بسبب النظام الحالي لقطاعات الناشئين، عليهم مخاطبة الجمعيات الاتحادية في كل مدينة ومقاطعة ألمانية من أجل التطوير. على كل طفل في ألمانيا أن يحظى بفرصة.

السبب في ذلك –كما يقول أولف شوت- يرجع لقدرة الاتحادات الإقليمية على الاهتمام بهؤلاء الأطفال والتي كانت موضع قلق بالنسبة له. لا يتوفر لجميع الاتحادات نفس الميزانية، بعضها كان ينقصه العنصر البشري، كما أن معظم الأندية لا تتبع سياسة واحدة متفق عليها ومعممة على جميع الأنحاء.

خطوة شوت وفايسه الأولى المقترحة كانت وضع خطة شاملة لرصد الصغار وتطويرهم بمساعدة شبكة تتكون من 115 مركزا إقليميا في مناطق مختلفة بألمانيا، اختصاص تلك المراكز كان العمل مع الشباب بداية من 13 إلى 17 عاما، لكنهم أرادوا إشراك مراكز “لاندسفيربينده” ضمن خطتهم ليتمكنوا من الوصول إلى شريحة 11-12 عاما.

ربيع 1998 – مكتب رئيس الاتحاد الألماني

فايسه: سيد براون، هذه خطتي الأولية وأعتقد أنها ستكلف خزانتكم 2.5 مليون فرانك ألماني.

براون بعصبية: لا. هذا مكلف للغاية. من أين لنا أن نحصل على هذه الكمية من الأموال يا ديتريش؟

فايسه: أنتم طلبتم مساعدتي، هؤلاء الصغار يحتاجون للكثير من المدربين الجيدين سيد براون.

يتابع محاولا إقناع براون بهدوء: المدربون في الاتحادات الإقليمية ليسوا كفاية، والآباء الذين يدربون الصغار في أوقات فراغهم ليسوا مؤهلين على الإطلاق.

براون: حسنا، لنرى ما سيجلب لنا كأس العالم.

كأس العالم 1998. شارك الألمان بقائمة بلغ متوسط أعمارها 30.2 عاما وغادروا البطولة من ربع النهائي على يد الكروات، هزيمة تاريخية لبطل أوروبا بثلاثة أهداف دون مقابل. ثم الظهور الأسوأ على الإطلاق في اخر عقدين، يورو 2000، عندما فشل المنتخب في تحقيق أي فوز وأنهى البطولة بالخسارة 3-0 من جديد ولكن أمام البرتغال.

كان لوثر ماتيوس لا يزال عنصرا فعالا في تشكيل ذلك المنتخب رغم وصوله للتاسعة والثلاثين من عمره وكانت المانيا تعتمد في ذلك الوقت على خط الدفاع المكوّن من ثلاثة لاعبين. أدرك الألمان أنهم أصبحوا “موضة قديمة”.

وافق براون على مقترح فايسه السابق وموّل مشروعه بقيمة تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين فرانك ألماني. بدأ العمل فورا على إنشاء 121 مركزا إقليميا بإمكانهم توفير ساعتين في الأسبوع من التدريبات الفردية على التكنيك لأربعة آلاف ناشئ تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والسابعة عشر. كما تم ضخ 2.5 مليون فرانك اخرين سنويا لمراكز “لاندسفيربينده” للتركيز مع الصغار دون الثانية عشر، شريحة تصل إلى عشر آلاف طفل.

"لدينا 80 مليون مواطنا في ألمانيا وأعتقد أن أحدا لم يلاحظ عدد المواهب في تلك الفترة. الآن نحن نلاحظ الجميع"

وصل جيرارد ماير-فورفيلدر إلى منصب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم خلفا لايجيدوس براون عام 2000، وتقاعد فايسه في 2001 بعد تخطيه حاجز الستة وسبعين من العمر. بات على شخص آخر العمل الآن على شيء جديد بعد وضع حجر الأساس. شارك الألمان في كأس العالم 2002 بقائمة متوسط أعمارها 28.2 أي أقل بعامين من القائمة التي ذهبت لفرنسا في 1998، وكانت هذه مجرد بداية.

بعد الخروج من الدور الأول في يورو 2000 شعر الشعب الألماني بالعار، الشعور بالفشل الذريع لا يتماشى مع الروح الألمانية. كانت محطة جديدة في تطور التطور للكرة الألمانية.

وضع الاتحاد برنامجا جديدا لتطوير المواهب من أجل رؤية منهجية وأكثر تنظيما لللاعبين في المراكز الإقليمية التي وصل عددها في ذلك الوقت إلى 350 ثم 366 مركزافي وقت لاحق، مزيد من التدريبات الأسبوعية تحت أنظار ألف مدربا خبيرا يحملون جميعا الرخصة B من الاتحاد الأوروبي.

أما الخطوة الثانية فكانت تستلزم إصلاحا داخليا وشاملا. طلب الاتحاد من كل أندية الدرجة الأولى والثانية إنشاء مراكز داخلية لتطوير المواهب الشابة بداية من موسم 2002-2003، كان هذا شرطا مسبقا من أجل منح الرخص المطلوبة للأندية للمشاركة في مسابقات المحترفين المحلية.

لم يكن ذلك أمرا عاما، وضع الاتحاد للأندية حدا أدنى من المتطلبات التي يجب أن تتوافر في هذه المراكز:

-أن يمتلك كل نادٍ فريقا واحدا على الأقل لكل المراحل بداية من فرق تحت 13 عاما وحتى فرق تحت 19 عاما.

-أن يمتلك كل نادٍ 3 ملاعب من العشب الطبيعي (2 منهم على الأقل بالأضواء الكاشفة).

-فرصة للتدريب خلال الشتاء في ملعب مغلق.

-مدرب واحد لكل فئة عمرية، مع ضمان وجود -على الأقل- 3 مدربين يحملون الرخصة التدريبية بعقود دائمة وليسوا متطوعين.

-وجود مساحة للعلاج الطبيعي تحتوي على غرفتين للتدليك، ساونا، وحمام للاسترخاء.

-وجود أخصائي علاج طبيعي ومدرب لياقة كلاهما بعقود دائمة وليسوا متطوعين من أجل البرامج التأهيلية للصغار.

وضع الاتحاد قاعدة أخرى من أجل اللاعبين: على كل فريق أن يضمن لنفسه وجود 8 لاعبين على الأقل من الذين تدرجوا بين الفئات العمرية المختلفة، 4 على الأقل من ناشئين النادي نفسه أما البقية فيمكن للأندية استقطابهم من الأندية الألمانية الأخرى.

أما بالنسبة لقطاعات تحت 17 و19 عاما فهناك قاعدة مختلفة، يلزم الاتحاد الألماني الأندية بوجود 12 على الأقل من أصل 22 لاعبا يصلحون للعب لمنتخب المانيا، أي عليهم أن يكونوا مواطنين ألمان.

في 2004 انطلق البوندسليجا للاعبين دون التاسعة عشر في ثلاث مناطق جغرافية مختلفة، وفي 2007 أصبح للاعبين دون السابعة عشر مسابقة محلية بنظام الدوري. كان الهدف من هذه الإجراءات إنعاش دوريات المحترفين بجرعة إجبارية من صغار السن الموهوبين حقا، وتقليل الاعتماد على شراء عناصر من خارج القطر الألماني.

أصبح لدى ألمانيا مراكز عديدة منتشرة في جميع أنحاء البلاد لغربلة كل هذا الكم الهائل من اللاعبين الصغار وللتركيز أكثر على تعليمهم وتطويرهم بفضل الاتحاد الألماني، بالإضافة إلى الأندية التي بات عليها تركيز مجهوداتها من أجل افراز اللاعبين الأكثر موهبة للظهور في مسابقات المحترفين.

منذ إطلاق هذا البرنامج بالتحديد، صرفت الدولة أكثر من 750 ملايين يورو لكن هذا عاد على ألمانيا بالنفع الكبير. في موسم 2013-2014 على سبيل المثال تمكن 18 ناديا في الدرجة الأولى من صرف حوالي 90 مليون يورو على برامجهم الخاصة للشباب، في حين تمكنت أندية الدرجة الثانية من صرف 30 مليون. مبالغ كبيرة لكنها تضمن لك الفوز بكأس العالم، تماما كما حدث في 2014.

عندما تواجه قطبا ألمانيا، بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند، في نهائي دوري الأبطال كان لدى الفريقين مجتمعين 26 لاعبا تدرجوا في الفئات العمرية المختلفة ويمكنهم اللعب لمنتخب ألمانيا كذلك، أكثر من نصف هذا العدد بقليل كان نتاج برنامج الاتحاد الذي بدأ في 2003.

"نحن الآن على القمة ومن الصعب أن نصل إلى ما هو بعد ذلك حسبما أعتقد"

في البداية، كان الألمان يبحثون عن نماذج نجاح تطوير الناشئين في دول أوروبا المختلفة، كالنموذج الفرنسي الذي جلب لهم كأس العالم في 1998. والآن، يذهب الجميع إلى ألمانيا للاستفادة من التجربة كالسيد دان آشوورث الذي عينه الاتحاد الإنجليزي في منصب مدير تطوير النخبة. ذهب آشوورث لمقابلة روبن دات الذي خلف ماتياس سامر في منصب المدير الرياضي للاتحاد الألماني، استمرت المقابلة لثلاث ساعات نقل منها الصحفي الإنجليزي، ستيوارت جايمس، والذي يعمل في جارديان خلاصة ذلك الاجتماع.

الفارق الجوهري بين التجربة الألمانية والإنجليزية في تطوير المواهب الشابة هو اعتماد الأخير على الأندية، بينما العكس هو ما يحدث في ألمانيا حيث يعمل الاتحاد جنبا إلى جنب مع الأندية من أجل تجربة أفضل. يشرح روبن دات الأسلوب المتبع في المانيا قائلا: “عندما نساعد الأندية فنحن نساعد أنفسنا لأن لاعبي فرقنا المحلية، فرق الشباب، ومنتخب يواكيم لوف يأتون في الأساس من تلك الأندية التي نساعدها”

وفقا للاتحاد الأوروبي، يمتلك الاتحاد الألماني 28 ألفا و400 مدربا يمتلكون الرخصة B مقابل 1759 في إنجلترا، 5 آلاف و500 يمتلكون الرخصة A مقابل 895 في إنجلترا، و1070 يمتلكون رخصة المحترفين وهي أعلى رخصة تمنح من UEFA مقابل 115 في إنجلترا.

"البلد الذي اخترع كرة القدم نسي أننا في حاجة لأشخاص ليقوموا بتعليمها" تعليق ستيوارت جايمس على الأمر كان دقيقا للغاية.

هناك تجربتان مثيرتان للاهتمام في ألمانيا:

تجربة فرايبورج

أعلن المركز الوطني للدراسات الرياضية (نوشاتل – سويسرا) في 2015 عن إحصائية هامة للغاية – أداء أكاديميات الناشئين في الأندية المحترفة وما هي نسبة وصول اللاعبين منها إلى الفريق الأول. كان المعيار هو اللاعبين بين 15:21 عاما على أن يكونوا جميعا قد قضوا على الأقل 3 سنوات في أي نادٍ.

قائمة العشر الأوائل شهدت وجود أندية بقيمة برشلونة وليون وغيرهما، لكن فرايبورج ظهر في المركز التاسع في القائمة متقدما على ارسنال الإنجليزي. ليست مفاجأة إذا تتبعنا كيف وصل نادي الغابة السوداء إلى هذه المكانة، لقد بدأ الأمر في التسعينات عندما قرر النادي أن يكون أول نادٍ محترف يطوّر المواهب في ألمانيا.

بلغ عدد اللاعبين (ما بين 9:19 عاما) لدى النادي 240 لاعبا في عام 2015 وتتفاوت عدد ساعات تدريبهم حسب الفئة العمرية التي ينتمون لها، فتصل إلى 4.5 إلى 6 ساعات كحد أقصى. حققت تجربة فرايبورج نجاحا كبيرا إلى حد ما خاصة في مرحلة من هم دون التاسعة عشر، فاز ذلك الفريق بكأس الاتحاد الألماني 4 مرات خلال 6 سنوات فقط.

تجربة بايرن ميونيخ

يعمل النادي مع أندية مثل انجولشتاد وأندية أخرى من أجل تقوية نظام تطوير الناشئين داخله لكن هناك شيئا مميزا يحدث، ينظم النادي حدثا سنويا يجمع فيه 500 طفلا تتراوح أعمارهم بين الثامنة والعاشرة من مقاطعة بافاريا ومن ألمانيا، ومن دول أخرى في أوروبا. متوسط الأطفال الذين يتم اختيارهم يبلغ 7 أطفال، ذلك يعني 1% تقريبا من إجمالي المشتركين سنويا.

يكلف برنامج تطوير الناشئين خزانة بايرن حوالي 3 ملايين يورو سنويا وفقا لتقرير صادر عن جمعية الأندية الأوروبية، نجد مثلا أن لا ماسيا برشلونة تكلفه سنويا 10 ملايين يورو ومثلهم لفريق تحت 19 عاما وبرشلونة ب. الأموال ليست ما يقلق النادي فهو يستطيع تعويضها كما حدث مع توني كرووس الذي ضمه النادي في السادسة عشر من عمره ثم باعه لريال مدريد مقابل 25 مليون يورو في 2014.

لنلقي نظرة على أعمار نجوم بايرن في السنوات الأخيرة عندما انضموا لبرنامج بايرن الخاص للتطوير

توماس مولر – 11 عاما

فيليب لام – 11 عاما

هولجر بادشتوبر – 13 عاما

باستيان شفاينشتايجر – 14 عاما

دافيد ألابا – 14 عاما

بلغ إجمالي القيمة التسويقية لهؤلاء اللاعبين فقط في 2015 134 ملايين يورو.

لدى النادي 165 شابا موزعين على 10 فرق تتراوح أعمارهم بين 17 إلى 22 عاما. سيبدأ النادي في إنشاء مساحة جديدة للتدريب بعد اكتظاظ الأولى بالناشئين وسيكتمل المركز الجديد شمالي مدينة ميونخ في 2017.

"ماذا نفعل الليلة يا براين؟
ما نفعله كل ليلة.. سنحاول السيطرة على العالم"

لكن أوليفر بيرهوف لا يرى الأمر من هذا المنظور.

اللاعب الذي توّج بأمم أوروبا 1996 يرى أن ألمانيا لا تحتاج بناء إمبراطورية، عليها فقط أن تصبح خبيرة في كرة القدم. ويبدو أن التوسع في خطط التطور والسيطرة على المستقبل تزداد فقط حتى بعد ما وصلت إليه ألمانيا في المرحلة الحالية.

في 2014 اتضحت نوايا الاتحاد الألماني: يريدون تنظيم كأس الأمم الأوروبية 2024، والفوز بها بالطبع لذلك كان هناك خطة جديدة. الشيء الجيد أن ألمانيا لن تحتاج للكثير من المنشآت نظرا للبنية التحتية العظيمة التي تمتلكها الأندية، سيتوفر لهم بذلك مبالغ ليستثمروها في أشياء أخرى، مثل أكاديمية جديدة للشباب!

يرى المدير السابق للاتحاد، فولفجانج نايرسباخ، أن هذه الأكاديمية التي ستشيد بمدينة فرانكفورت ستكون الاستثمار الأكبر في تاريخ الكرة الألمانية وأن تكلفتها قد تتخطى حاجز التسعين مليون يورو على أن تكون جاهزة تماما بحلول 2018.

إن الجيل الذي شارك في يورو 2008، 2012، وكأس العالم 2010، 2014 أصبح أكبر في السن بطبيعة الحال وهناك لاعبين بقيمة فيليب لام وباستيان شفاينشتايجر قد أعلنوا اعتزالهم اللعب الدولي بالفعل، لكن مواهب ألمانيا أصبحت أكثر عددا وأصغر سنا وأعلى قيمة من ذي قبل بفضل السياسات المتبعة. سيطر الكبار على كأس العالم في 2014 وبعد شهر واحد فقط نجح الصغار تحت 19 عاما في الفوز بأمم أوروبا للشباب.

بالنظر إلى القائمة التي تم استدعاؤها للمشاركة في يورو 2016 نجد أسماء مثل ايمري تشان (22)، جوليان دراكسلر (22)، جوليان فايجل (20)، جوناثان تاه (20)، ليروي ساني (20)، وجوشوا كيميش (21). التطوّر الكبير والنظام الذي انتهجه الجميع في ألمانيا بداية من 2003 أسفر عن وجود أسماء شابة مثل هؤلاء في قائمة “دي مانشافت” ليعد الألمان ذخيرة الجيل القادم الذي نراه حاليا وسنراه أكثر خلال السنوات المقبلة.

سنحاول الآن تتبع أبرز الأسماء الشابة التي ظهرت مؤخرا في ألمانيا ولم تغادر للاحتراف الخارجي لنعرف كيف تم تطبيق برنامج تطوير الشباب عليهم حتى وصل بعضهم إلى المنتخب أو حتى ظهورهم مع فرقهم على المستوى الأول من المنافسة المحلية والقارية.

دافيد سيلكه – آر بي لايبزج

يراه المهاجم السابق، كلاوس فيشر، على أنه ميروسلاف كلوزه الجديد وربما هو على حق. يتمتع سيلكه ببنية جسدية قوية فيصل طوله إلى 1.92 مترا ويجيد ضربات الرأس لكن تحكمه بالكرة بين أقدامه ملفت للانتباه كذلك حيث يجيد استعمال كلتا القدمين.

يحق لسيلكه تمثيل اثيوبيا أو التشيك حيث تنحدر اصوله لكنه اختار البقاء في المعسكر الألماني فكان الاختيار المثالي، حيث كان دافي الذي ولد في 1995 أحد العناصر الفعالة في أمم أوروبا للشباب بالمجر التي فاز بها منتخب ألمانيا. سجل سيلكه 6 أهداف ليفوز بجائزة هداف البطولة، بالإضافة لجائزة أفضل لاعب في البطولة كذلك.

بدأ سيلكه لعب الكرة بالأكاديميات والأندية المحلية داخل مدينة شتوتجارت التي ولد على مقربة منها في شورندورف، لكن الفترة التي ظهر فيها اسمه للمرة الأولى كانت عندما لعب لفريق هوفنهايم للشباب. سجل لفريق تحت 17 عاما 12 هدفا في 20 مباراة، ثم سجل 13 هدفا في 19 مباراة لفريق تحت 19 عاما.

انتقل بعد ذلك إلى فيردر بريمن عام 2013 ليلعب في الدرجة الأولى مع كبار اللعبة لكنه رحل في 2015 إلى الدرجة الثانية في قرار صدم الكثير من متتبعيه. ترك سيلكه الأضواء من أجل آر بي لايبزج ونجح في الصعود إلى الدرجة الأولى من جديد. يشارك هذا الموسم كبديل وظهر في 6 مباريات فقط لكنه اشترك في 3 أهداف (سجل 2 وصنع 1).

مسيرته الدولية ملفتة للانتباه كذلك. يلعب سيلكه للمنتخب الألماني منذ كان في السادسة عشر من عمره لكنه سريعا ما انضم للفئة العمرية الأعلى. لم يتوقف سيلكه عن التسجيل منذ ذلك الوقت، سجل بقميص ألمانيا في كل فئة لعب لها بداية من فريق تحت 17 عاما حتى المنتخب الأولمبي الذي شارك في دورة ريو 2016، سجل سيلكه هدفين هناك.

بنجامين هينريكس – باير ليفركوزن

لا نستطيع أن نسمي تحديدا اسم الشخص الذي قرر أن يراقب ذلك الفتى الذي كان في السابعة من عمره وقتها ويلعب لنادي بورز، لكن الفضل يعود إليه الآن في بزوغ نجم جديد في سماء البوندسليجا. جلب هذا الشخص بنجامين الصغير الذي ينحدر من أصول غانية كجيروم بواتنج لنادي باير ليفركوزن في 2004 ويلعب لفريق باي آرينا منذ ذلك الحين.

هينريكس يمثل الجيل الجديد للكرة الألمانية، ذلك الجيل الذي يتمتع بمرونة تكتيكية عالية تمكنه من الظهور في العديد من المراكز داخل الملعب تماما كالقائد السابق فيليب لام أو الصغير جوشوا كيميش. يستطيع هينريكس اللعب في مركز الظهير الأيمن ووسط الملعب كلاعب دفاعي أو هجومي، لاعب ذكي يتمتع بالمهارة والسرعة في آن واحد، يلعب بقدمه اليمنى أما اليسرى بالنسبة له ليست مشكلة على الإطلاق فهو يمرر، يراوغ، ويسدد بها بكفاءة عالية للغاية.

فرصة هينريكس الذي ولد في 1997 للتطور كبيرة للغاية نظرا لتدربه تحت قيادة روجر شميدت في ليفركوزن الذي يقدم مع هذا المدرب كرة هجومية عالية فيها الكثير من أساليب كرة القدم الحديثة.

مثل بنجامين المنتخب الأول مؤخرا في 11 نوفمبر الجاري عندما استدعاه يواكيم لوف لمواجهة سان مارينو التي انتهت بنتيجة قياسية 8-0. لكنه لعب لمنتخبات الشباب المختلفة، جاء الاستدعاء الأول له عندما كان في الرابعة عشر من عمره بفضل المدرب فرانك إنجل الذي استدعاه لمنتخب تحت 15 عاماـ لعب 5 مباريات فقط كانت كفيلة بأن ترقيه للفئات العمرية الأعلى لقدراته الفنية والبدنية العالية مقارنة بأقرانه على الرغم من قصر قامته، لكنه يعوضها بأشياء أخرى.

يلعب بنجامين في العديد من المراكز بالفعل لكن عليه أن يستقر في مركز معين في النهاية ليستطيع أن يبلغ أقصى قدراته المحتملة أثناء تطوره، وربما يعوض مركز فيليب لام في الظهير الأيمن في المستقبل.

جوليان فايجل – بوروسيا دورتموند

مدافع بوروسيا دورتموند الحالي ولد أساسا في مقاطعة بافاريا عام 1995 وبدأ فيها مسيرته مع كرة القدم. كانت البداية مع اس في اوسترمينشن ثم روزنهايم 1860 وكلاهما أندية محلية داخل المقاطعة، لكن انتقاله في 2010 إلى فريق ميونخ 1860 للناشئين سيبدل حكايته إلى الأبد.

عندما سئل مدربه السابق في ميونخ 1860، ريكاردو مونيز، عن اختياره العجيب بأن يرتدي جوليان الذي كان في الثامنة عشر فقط من عمره شارة قيادة واحدا من أعرق أندية ألمانيا كان جوابه ينم عن الكثير من الأشياء: “لقد أصبح جوليان رجلا الآن”. فايجل هو أصغر لاعب يرتدي شارة القيادة في تاريخ النادي حتى يومنا هذا.

بعد التدرج بين الفئات العمرية المختلفة للنادي، واللعب لفريق الرديف، ظهر أخيرا مع الفريق الأول لميونخ 1860 في الدرجة الثانية خلال موسم 2014-2015 الذي شارك خلاله في 38 مباراة كانت كفيلة بأن توجه أنظار الخبراء إليه لينتقل إلى بوروسيا دورتموند في 2015.

أن تشتري لاعبا شابا من الدرجة الثانية سيكون مقامرة كبيرة، توقع الجميع أن هذا الصغير ربما يحتاج لعامين على الأقل ليثبت أنه جديرا بالقميص الأصفر والأسود. لكن فايجل اثبت منذ اليوم الأول أنه ناضجا كفاية ليلعب مهما كان صغيرا.

ظهر جوليان للمرة الأولى مع ألمانيا خلال تصفيات أمم أوروبا للشباب التي توج بها المنتخب لاحقا، ويشارك بصفة منتظمة منذ ذلك الحين مع الفئات المختلفة. كما ارتدى قميص المنتخب الأول في 4 مناسبات مختلفة تحت قيادة يواكيم لوف.

يلعب فايجل في المركز رقم 6 داخل الملعب، لاعب محور في الوسط يمتاز بدقة تمريراته وقدرته على التمركز السليم، كذلك يؤدي بكفاءة خلال العمليات الدفاعية على الأرض أو في الهواء حيث يمكنه طوله على التعامل.

وجود مدرب بقيمة توماس توخيل وفلسفته التدريبية هو ربما تحول جديد في مسيرة جوليان، حيث يشارك معه باستمرار ليتطور تكتيكيا دخل الطريقة التي يلعب بها دورتموند منذ قدوم توخيل. سنجد فايجل يمثل دائما ضلعا في أي مثلثات تراها أمامك على الشاشة فيقوم بدور الرابط بين الدفاع والهجوم.

جوشوا كيميش – بايرن ميونخ

يرى كيميش باستيان شفاينشتايجر كقدوة له، لا عجب في ذلك فعندما نراه يلعب مع بايرن نلاحظ على الفور قدراته العالية دفاعا وهجوما كقائد المنتخب السابق الذي توّج بكأس العالم 2014.

يلعب كيميش أساسا كلاعب وسط دفاعي لكنه على الرغم من ذلك قد سجل 7 أهداف هذا الموسم خلال 16 مباراة فقط. ينم هذا على مرونة تكتيكية عالية وقدرات هجومية ملفتة للانتباه حولته من مجرد شاب صغير يشق طريقه إلى لاعب يمكنه تغيير مسار مباريات كبرى في منافسات المحترفين.

تدرب جوشوا مع اثنين من الأساتذة في اللعبة: بيب جوارديولا ومن بعده كارلو أنشيلوتي. من شأن هذا الأمر فقط أن يحوّل أي لاعب إلى محور أداء الفريق نظرا للأدوار المختلفة التي سيقدمها مع كلاهما. شاهدنا كيميش يلعب كظهير أيمن في أكثر من مباراة خلال الموسم الماضي تحت قيادة جوارديولا.

يعطينا كيميش الذي ولد في 1995 مثالا عمليا على نتاج برامج تطوير الناشئين خلال السنوات الأخيرة حيث بدأ كرة القدم في 2007، أي قبل 10 سنوات تقريبا، لكنه الآن يلعب لمنتخب ألمانيا الأول بل وكان ضمن اختيارات الاتحاد الأوروبي لفريق يورو 2016 الأخيرة. كان كيميش أصغر من في القائمة التي ضمت مواطنه جيروم بواتنج وكريستيانو رونالدو وانطوان جريزمان مع لاعبين كبار اخرين.

أصقلت هذه الجوهرة في نادي شتوتجارت بين 2007 و2013 قبل أن يضمه آر بي لايبزج المثير للإزعاج. هناك قدم كيميش نفسه للكرة الألمانية على أنه النجم القادم في وسط منتخب ألمانيا، لذلك تقدم بايرن ميونخ بعرض لضمه مقابل 7 ملايين يورو في يناير 2015. ورأيناه للمرة الأولى بقميص منتخب المانيا عندما استدعاه ستيفان بوجر في 2011 لمنتخب تحت 17 عاما، كان عمره وقتها 16 عاما و9 أشهر.

لم يكمل جوشوا عامه ال22 بعد، لكن في جعبته 3 بطولات مع بايرن، الدوري والكأس والسوبر.. وربما نشاهده يرفع كأس دوري الأبطال للمرة الأولى هذا العام إذا نجح أنشيلوتي في الظفر بها.

جوليان براندت – باير ليفركوزن

أنتجت ألمانيا في السنوات الأخيرة العديد من لاعبي الجناح أصحاب السرعة والمهارة. ماريو جوتزه، ماركو رويس، وجوليان دراكسلر هم أبرز الأسماء الذين ظهروا بفضل برامج تطوير المواهب في مختلف أنحاء ألمانيا، والآن جاء الدور على جوليان براندت الذي يواصل التألق منذ موسم 2014-2015.

ربما يكون براندت هو اللاعب الأكثر خبرة من حيث المشاركة مقارنة بكل الأسماء المذكورة في قائمتنا. لعب براندت أكثر من 55 مباراة مع منتخبات ألمانيا المختلفة بداية من فئة تحت 15 عاما حتى المنتخب الذي شارك في الأولمبياد. أما على مستوى مشاركاته مع ليفركوزن فقد ظهر في 110 مباراة في مختلف المسابقات داخل ألمانيا وحتى دوري الأبطال. رصيد كبير جدا للاعب لم يبلغ من العمر عامه الحادي والعشرين بعد يعجل من نضوجه وتطوره.

براندت من مواليد 1996 ولعب لناديين مختلفين وهو صغير قبل أن ينتقل إلى نادٍ كبير وهو فولفسبورج، حدث هذا الانتقال عندما كان في الخامسة عشر فقط من عمره وقضى مع الفريق 3 سنوات قدمته على طبق من ذهب لرديف ليفركوزن في 2014 حيث سجل 14 هدفا في 25 مباراة مع فولفسبورج تحت 17 عاما، وعندما ترقى لفريق تحت 19 عاما أثبت نجاحه أيضا بتسجيل 21 هدفا وصناعة 25 اخرين خلال 42 مباراة.

فرانك إنجل الذي تبنى موهبة بنجامين هينريكس في منتخب ألمانيا تحت 15 عاما كان هو أول من استدعى براندت كذلك في نفس الفريق في يونيو 2011 ثم بدأت رحلته مع كل المراحل المختلفة التي برز في كل واحد منها على حدة حتى فاز بأمم أوروبا للشباب في 2014 مع ذلك الجيل الرائع.

كل الأرقام السابق ذكرها تؤكد على شيء واحد فقط: جوليان براندت هو مستقبل الكرة الألمانية للاعب الجناح المتطور.

ألقوا نظرة على هؤلاء أيضا:

نديم أميري (20): لاعب وسط مهاجم /جناح – هوفنهايم

جوناثان تاه (20): قلب دفاع – باير ليفركوزن

تيمو هورن (23): حارس مرمى – كولن

نيكلاس سولي (21): قلب دفاع – هوفنهايم

بهذه "النواة" إذا جاز لنا التعبير، بدأت ألمانيا بالفعل في السيطرة على أوروبا والعالم بلاعبيها الصغار الذين سنراهم يغزارة في قائمة المنتخب الذي سيشارك في كأس العالم 2018 في روسيا، وربما يكون هذا الجيل هو القائد بحلول 2020 في بطولة الأمم الأوروبية.