كتب : محمد الفولي
ما هي الصورة التقليدية المأخوذة عن خورخي مينديش، أفضل وكيل لاعبين في العالم؟ إنه ذلك الرجل الذي دائما ما يظهر مرتديا حُلة أنيقة ورابطة عنق مختارة بعناية وحذاء لامع براق. دائما ما تفوح منه رائحة عطر طيبة ويحمل ثلاثة هواتف محمولة في يده بينما تلتصق سماعة للرد على المكالمات أغلب الوقت بأذنه.
قبل أن يصل مينديش، رجل الساعة، الذي يُمثل نجوم مثل كريستيانو رونالدو - الذي يبدو على وشك الرحيل عن ريال مدريد بسبب مينديش نفسه - وفالكاو وجوزيه مورينيو ودييجو كوستا وخاميس رودريجز، لهذه الصورة مر بالكثير من الصعوبات، فالبرتغالي لم يحقق في غمضة عين هيئة "الرجل وراء الحُلة الأنيقة" الذي لا يتوقف هاتفه عن الرنين وتعتبر كلمته بمثابة عهد لا يمكن التخلي عنه.
هناك في السابع من يناير 1966 بلشبونة ولد مينديش الذي يُعرف نفسه بقوله "أنا مثل ملايين الأشخاص الذين يجتهدون كل يوم في عملهم بإصرار، ولكن أنا أتعامل مع عملي بشغف".
لم يولد مينديش في كنف عائلة ثرية وفرت له كل ما يحتاجه بل أن والده مانويل كان يعمل كموظف أمن في شركة (بتروجال) فيما أن والدته ماريا كانت ربة منزل حيث كان أصغر أشقاءه؛ مولع بكرة القدم ولكنه لم يوفق أبدا كلاعب.
- مهارة فطرية
إذا كان مينديش افتقد لدى ولادته للجينات اللازمة ليصبح لاعب كرة قدم، فإنه كان يمتلك مهارة فطرية للبيع والشراء في سن مبكرة للغاية، خاصة أنه في ظل أوضاع عائلته المادية اضطر للعمل مبكرا لمساعدة عائلته.
اعتاد خورخي وهو لا يزال في عمر الثانية عشر على الذهاب لشاطىء فونتي دي تيليا على بعد عدة كيلومترات من لشبونة، إذا ما كان المناخ يسمح، وذلك ليبيع قبعات وعوامات وحقائب مصنوعة يدوية من قبل والدته.
كان مينديش، الذي عشق بنفيكا منذ الصغر، ينهي اليوم وقميصه معبقا برائحة العرق بعد أن يتمم بيع كل ما لديه من بضاعة. لم تكن مسألة الرجوع ببضاعة موجودة في قاموسه لأنه كُلف بمهمة وعليه إتمامها.
بخلاف هذا، كان مينديش اجتماعيا بدرجة لا توصف كما يقول أصدقاء طفولته وشبابه حيث كان لديه القدرة على الاتفاق على مقابلة أكثر من مجموعة لا تعرف بعضها في نفس المكان وإعطاء كل منهم نفس القدر من الاهتمام بل وتعريفهم على بعض، وهو الأمر الذي يظهر جليا في عمله وشخصيته كرجل بالغ في الوقت الحالي.
يلخص جواو كاماتشو صديق مينديش هذه المهارة في عبارة طريفة للغاية حيث يقول "يمكنه اجلاس باراك أوباما ولاعبي كرة قدم ورجال أعمال وأناس بسطاء معا وجعل الجميع يتبادل الحديث ويستمتع دون مشكلات".
لم يكن مينديش يعمل في البيع والشراء فقط بأيام عطلات الأسبوع، بل أيضا كل سبت وثلاثاء في سوق (فيريا دي لادرا) للأغراض المستعملة، فإذا كان العمل الأول من أجل المساعدة في مصاريف المنزل فإن ذلك الثاني كان من أجل مصاريفه الشخصية.
كان لدى مينديش ورفاقه كشك لبيع الملابس والأدوات المستعملة في ذلك السوق حيث يقول صديق طفولته إنيو حول تلك الفترة "كانت لديه موهبة خاصة وطبيعية في عالم التجارة، كان يبيع أكثر وأسرع من أي شخص آخر".
حينها لم تكن أهداف مينديش كبيرة حيث يقول ضاحكا "كان يجب أن أحقق أكثر قدر من المبيعات من أجل شراء الشطيرة التي أحبها أو الكوكاكولا، على أي حال كنت أتعامل مع الأمر بجدية شديدة، لأنه لو لم أفعل هذا لاضطررت للبقاء في المنزل وأنا لا أحب فعل هذا".
- فلسفة العمل
على أي حال فإن أول عمل بمرتب ثابت لمينديش كان مع صديقه كارلوس لايا وهو في عمر الثامنة عشر بمصنع (أولا) للمثلجات والآيس كريم، والذي كان يتوجه إليه يوميا بحافلة تابعة للشركة ليتحصل في نهاية الشهر على راتب يوازي 200 يورو.
يقول لايا الذي أصبح في الوقت الحالي مديرا لمخازن نفس الشركة "كان هذا هو العمل الوحيد الذي كان فيه موظفا لصالح شخص آخر، لم يكن يحب العمل تحت إمرة أحد. ما كان يرغب فيه هو صناعة شيء لنفسه".
بفضل هذا العمل تمكن مينديش من شراء أول سيارة له وكانت (فيات 127) مستعملة، يكن لها البرتغالي معزة خاصة حتى الآن حيث يقول "في كل مرة كان يظهر خدش فيها كنت أشعر بقلبي ينفطر، إنها أعز سيارة بالنسبة لي، بعدها أيضا كان لدي سيارة (رينو) اعتدت ركنها عند بداية أي مكان منحدر، في بعض الأحيان كانت لا تعمل إلا بالدفع، وتركها تنزلق كان الأسهل، حيث لم أكن أملك حينها المال الكافي لإصلاحها".
يقول مينديش عن فلسفته في الحياة "في عملية البيع، عليك دائما الارتجال وإقناع المشتري من أجل تحقيق الربح، إذا ما كنت تعمل في مكان ما فعليك أن تقدم أفضل ما لديك لتقنع من حولك بما لديك والتطور. كلمة السر هي التأقلم على المكان الذي تتواجد فيه وتوقيت تواجدك فيه".
- الكرة والجيش ومورينيو
يمكن تطبيق هذا على الفترة التي قضاها مينديش مجبرا في أداء الخدمة العسكرية، إنها تلك الحقبة الزمنية التي يعد فيها الفتية الأيام والليالي للعودة للمنزل والتخلص من هذا الثقل، لم يكن مينديش يختلف عنهم ولكنه في نفس الوقت اختلف عنهم.. كيف هذا؟
بكل تأكيد لم يكن مينديش سعيدا بالحياة العسكرية التي فرضت عليه ولكنه كان متأكدا أنه إذا ما ترك الأمر يؤثر فيه فإن الأمور ستسوء أكثر حيث يقول "اضطررت للتواجد هناك. كان علي قبول الأمر والتطور ومحاولة التميز".
لهذا السبب فإن خورخي أنهى خدمته العسكرية التي كانت في قاعدة عسكرية بجبال سينترا بالقرب من لشبونة بالحصول على ثلاثة ميداليات: الاستحقاق الشخصي والرماية واللياقة، حيث كانت هذه أول مرة ينجح فيها عريف بتحقيق الأمر.
يقول مينديش عن مدى صعوبة تلك الفترة "كنا نذهب للسير والركض كيلومترات كثيرة وأتذكر أحد المشاريع العسكرية القاسية التي كانت وسط الجبال. كانت أيام صعبة وممطرة، الكل ابتل فيها وكان ملطخا بالطمي من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، في الليل كنا ننام في الخيام على الأرض المبتلة، كنا جميعا لا نرغب في التواجد هناك، ولكن هذا كان أمرا إجباريا وكنت هناك لذا كان يجب علي إنهاء المهمة بأفضل شكل ممكن".
لم تكن كل الأمور ظلامية وسوداء أثناء الخدمة العسكرية وكان هناك مكان للكرة حيث يضيف مينديش "كنت مدربا للكرة مرة واحدة في حياتي والجيش منحني هذه الفرصة". تعود تلك القصة لبطولة كرة قدم الصالات التي كانت تقام بين الوحدات المختلفة وتمكن فريق خورخي من الفوز بها.
يرى مينديش أن أسلوبه حينها كان قريبا بعض الشيء من ذلك الذي يخص مواطنه جوزيه مورينيو في الوقت الحالي حيث يكمل "كانت لدي قناعة بالتكتلات الدفاعية ومن ثم استعادة الكرة والهجوم والاحتفال ‘ذا ما سجلنا أو العودة سريعا إذا ما قطع الخصم الكرة".
- التغيير الجذري
في صيف 1988 حدث تغيير جذري في حياة خورخي حيث قرر ترك دراسته في السنة الأخيرة قبل دخول الجامعة وتخلى عن رغبته في أن يدرس القانون والمحاماة ليسافر لمدينة فيانو دو كاستيلو بشمال البرتغال ليعيش مع شقيقه ويلعب لفريق فيانينسي المحلي، حيث تعرف هناك على صديقه أنطونيو البرتو.
لم يركز مينديش في مسألة كرة القدم بشكل كبير ولكنه أقنع ألبرتو بافتتاح أول مشروع مشترك بينهما وهو نادي لتأجير شرائط أفلام الفيديو حيث حصل على التمويل اللازم من شقيقه على الرغم من معارضته للأمر.
كانت هذه هي البداية الأولى لأهم رجل أعمال في عالم كرة القدم للمحترفين حيث تظهر قصتها تمتعه بنظرة مستقبلية ومهارة فائقة في عملية البيع والشراء ولم لا، فإنه في البداية اختار مكانا لا تنتشر فيه أندية الفيديو يقع بأحد المراكز التجارية في ضواحي المدينة، ولكنه تفوق على منافسيه بإلغاء الاشتراكات السنوية وتوفير أماكن مجانية لركن السيارات، فيما أن تعامله مع الزبائن كان مثاليا حيث دائما ما كانوا يطلبونه بالاسم ومن يذهب من أجل فيلم كان يخرج من المتجر بخمسة.
تزايدت الأرباح المادية من نادي الفيديو الأمر الذي دفع مينديش للدخول في شراكة بمشروع آخر وهو مجمع سياحي صغير بشاطىء كابيديلوس بالقرب من مدينة فيانا دي كاستيلو، حيث كان يتضمن مطعما وحانة ومسبحا وملهى ليلى.
لم يمر وقت طويل حتى نجح المشروع ولكن الأهم من ذلك أن الملهى الليلي تحول لاحقا لقاعدة عمليات أول صفقة حقيقية يتممها خورخي مينديش في عالم تمثيل اللاعبين، من ضمن مئات الصفقات الأخرى التي لا تخلو من تفاصيل مدهشة وحكايات لا تُصدق.