كتب : إسلام مجدي
في عالم كرة القدم حينما يتوقع الكثير والكثير من لاعب ما ثم لا يرتقي لتلك الرؤية، فعليه أن يعيش مع أصابع الاتهام والكلمات الساخرة حتى نهاية حياته.
دائما هناك شاب جديد من المتوقع له أن يكون نجما كبيرا في المستقبل، الجماهير والمدربين والمحللين يتفقون سويا على أنه سيصبح ذا شأن، لكن بعد ذلك قد يصدم الجميع بتحوله إلى لا شيء.
فيليبي كوتينيو نجم ليفربول حاليا كان على وشك الدخول لذلك الجحيم، ذلك اللاعب الذي نشأ منذ نعومة أظافره في ملعب كرة قدم بريو دي جانيرو، كان على وشك أن يبتعد كليا عن دائرة الضوء وأن يصبح لا شيء تقريبا مجرد شخص حطم آمال الجميع فيه.
كطفل كوتينيو كان يحب لعب كرة الصالات، كان يمتلك الكثير من المهارة وأصبح شيئا فشيء أفضل من أشقائه الكبار كلاهما يسمى كريستيانو ولياندرو.
بدأت الأندية البرازيلية تلحظ موهبة الفتى الصغير، بعد ذلك طلب نادي فاسكو دي جاما منه أن يحضر فترة معايشة، لم يكن كوتينيو الذي نعرفه حاليا، كان طفلا صغيرا لم يرغب في يومه الأول أن يترك يد والده حسب تصريحاته، وبكى كثيرا من الخجل والخوف.
صرح كوتينيو في وقت سابق :"كنت ألعب كرة الصالات في عمر السادسة، بعد ذلك بعام اتجهت إلى فاسكو دي جاما، كنت ألعب كرة الصالات حتى وصلت لعمر 11 قبل أن ألعب في الملعب الكبير".
وأضاف "في ذلك الملعب الكبير تعلمت مهاراتي، حينما تلعب كرة الصالات فالأمر تقني أكثر وسريع، والمكان صغير لذا أن بحاجة للاعب تقني للنجاح، الأمر يساعدك على التكيف سريعا".
كان يطلق عليه في ذلك الوقت "فيليبينيو"، شعره كان طويلا لكنه لازال يستعمل نفس الحيل والتسديدات، بعد ذلك تدرج في فئات الشباب لدى فريق فاسكو دي جاما، ووقتها قابل فتى آخر يدعى نيمار، في ذلك الوقت خلال أعوام 2007 و2009 كان هناك الكثير من الأحاديث عن موهبة هذا الثنائي وأنهما سيصبحان من ضمن الأفضل.
الكثير من المقارنات عقدت في تلك الفترة، خاصة مع الثنائي دييجو وروبينيو، كلاهما كان في ذلك الوقت يعول عليهم البرازيليين الكثير، وفي عام 2008 تواجه فاسكو مع سانتوس في كأس البرازيل وفاز كوتينيو على فريق نيمار تحت 17 عاما.
بعد تألق اللاعب في أمريكا الجنوبية، اتجهت أنظار أندية أوروبا إلى موهبته، لكن الاهتمام الأفضل والأكبر كان إنتر ميلان الذي قرر المخاطرة ودفع مبلغ 4 ملايين يورو لضم البرازيلي الذي سيصبح يوما ما أحد أفضل اللاعبين في العالم.
بعد عدد من التدريبات مع إنتر ميلان قال رافا بينيتث مدرب إنتر ميلان في ذلك الوقت :"كوتينيو سيكون مستقبل إنتر ميلان".
بعد ذلك جاء اختبارا له حينما واجه إنتر ميلان نظيره توتنام، تلك الليلة التي فضل جاريث بيل أن يتألق خلالها وحده، في المباراة التي انتهت بنتيجة 4-3، وفي المقابل كان هناك شابا برازيليا يسمى كوتينيو ويرتدي رقم 29 قد لمع أيضا وساهم في هدفين من 4 أهداف لإنتر، كان يلعب كجناح أيسر، لكن بعد ذلك اختفى ولم يعد يقدم ما هو منتصر منه، عدد كبير من الإصابات، ثم إقالة بينيتث صعبت الأمور عليه.
فشل اللاعب أن يقدم أي شيء خلال النصف الأول من موسم 2011-2012، سمح إنتر خلاله أن يعار كوتينيو إلى إسبانيول، كان ماوريسيو بوكتينيو مدرب الفريق في ذلك الوقت يرى أنه لاعبا واعدا.
وصرح بوكتينيو عنه بعد ذلك :"فيليبي لاعب برازيلي ومثله مثل أبناء جنسيته، يمتلك سحرا خاصا في قدميه".
وأضاف "بجانب سحره لديه معدل عمل رائع ويجعلنا نشك إذا ما كان لاعبا برازيليا خالصا أم أوروبيا، لأن طريقته في العمل ممتازة".
وتابع :"ما يهمنا أنه لاعب جيد وشخص مرح، أفكر أنه لديه نفس الجودة التي لدى رونالدينيو وليونيل ميسي، لكنه لازال أمامه الكثير ليثبته الآن".
وأتم "ما هو واضح لي أن كوتينيو لاعب يعرف معنى كلمة المسؤولية".
سجل 5 أهداف في 16 مباراة، أراد إسبانيول أن يجدد فترة الإعارة، لكن إنتر ميلان كان يرغب في استعادة اللاعب الذي عاد لمستواه مرة أخرى.
وصرح دييجو ميليتو مهاجم إنتر ميلان عنه في ذلك الوقت "كوتينيو تغير كثيرا للأفضل في إسبانيا لقد تعلم الكثير في فترة قصيرة".
وفي لفتة غريبة للغاية وعلى الرغم من تطوره وتألقه، تم بيعه في شتاء 2013 إلى ليفربول بمبلغ 8 ملايين جنيه إسترليني، الكل تفاجئ حتى هو، وجماهير إنتر سألت عن مدى حكمة ذلك القرار ببيع نجم شاب بسعر زهيد للغاية.
فيما بعد حينما عرف إنتر حجم خطأه تحدث بييرو أوزيليو قائلا :"لقد كان كوتينيو في الـ18 من عمره حينما وصل للنادي، وأتى في فترة رافا بينيتث، وكان يلعب على الجناح، لكنه لم يكن يشارك كثيرا فقررنا بيعه".
وأضاف "أحب للاعبين الشباب أن ينضجوا وينجحوا في إنتر، حينما أراهم يلعبون مع أندية أخرى يحزنني ذلك كثيرا".
كان ليفربول يمر بموسم متميز، كان هناك الثنائي المتميز في ذلك الموسم لويس سواريز ودانييل ستوريدج، والفريق يلعب بخطة مشابهة للتي كانت في إنتر ميلان، ولعب بطريقة جيدة.
بدأ بداية قوية وقدم مستوى متميزا للغاية، كان شبه جاهزا ولا يحتاج لأي إرشاد، لقد كانت هدية من إنتر ميلان لليفربول، نتذكر جيدا ماذا فعل في مدافعي الأندية الأخرى ولازال يكرر ذلك.
بعد نصف موسم من انضمامه لليفربول كان عليه أن يتكيف على الأجواء وعلى مركزه، أصبح يلعب كصانع ألعاب وجناح أيسر، كان يحاول إيجاد مكانا له في الملعب يجعله يخرج أفضل ما لديه مع الحمر.
بعد ذلك عانى كثيرا، الكل كان يتوقع أنه خليفة لويس سواريز المنتظر، كوتينيو لم يكن كذلك، والعبء بدا كبيرا عليه للغاية، وظهرت أشباحا له من فترته مع إنتر، والآن ليس لديه سواريز أو ستورديج عليه أن يكون النجم الأول.
ليفربول كان قد لاحظ ذلك فعليا وضم لاعبا أخر هو روبيرتو فيرمينو ليحمل العبء مع مواطنه، وبالتالي لم يعد كوتينيو بطلا أو رجلا يحمل عبء سواريز، أصبح لديه حرية أكبر ليعبر عن نفسه مع مدربه الجديد يورجن كلوب.
في فترته كمدرب لمنتخب البرازيل كان دونجا لا يفضل كوتينيو كثيرا، وكان يحب كاكا لاعب أورلاندو سيتي في ذلك الوقت صاحب الـ34 عاما.
وصرح دونجا قائلا :"إن أتى إلي لاعبا ولعب بطريقة جيدة، سيظل في التشكيل، عليهم أن يقاتلوا من أجل فرصهم، كاكا يفعل ذلك".
لم يتم استدعائه لمنتخب البرازيل في كأس العالم 2014 التي أقيمت في بلاده، لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أنها مسألة وقت حتى يصبح لاعبا هاما لمنتخب البرازيل رفقة زميله نيمار.
بعد رحيل رحيم سترلينج وإعادة تشكيل هجوم ليفربول، بتواجد ساديو ماني أصبح كوتينيو بطلا حقيقيا للحمر رفقة السنغالي ومواطنه فيرمينو.
أنظار برشلونة التفتت لتجد أمامها خليفة أندريس إنيستا، نيمار دا سيلفا تحدث عن ذلك الأمر وقال إنه اللاعب المثالي للكتيبة الكتالونية.
قال نيمار :"أعتقد أن العديد من اللاعبين أصحاب الجودة الكبيرة بإمكانهم اللعب لبرشلونة، كوتينيو واحد منهم، إنه لاعب كبير وأسلوبه يلائم برشلونة كثيرا".
أما مثله الأعلى رونالدينيو فقال عنه :"بإمكاني الحديث عن كوتينيو وليس برشلونة، لكنني أعلم أن الفريق يبحث عن لاعب وهو لديه تلك الجودة المطلوبة".
لازال كوتينيو شابا يافعا ربما يمتلك الخبرة لكنه صغير السن، يلعب بطريقته ذاتها أثناء ممارسته لكرة الصالات، خفيف الظل وسريع، لطالما تحدث عن عمله ورغبته في التطور.
من السهل نسيان فترته السيئة في إنتر ودخوله الصعب إلى أوروبا، لكنه لازال في الـ24 من عمره يتعلم ويترك بصمته، في المواسم القليلة المقبلة سنعرف جيدا كيف سيكون تطوره، سنعلم نوعية اللاعب الذي سيصبح عليه، بطلا أم لا شيء، هل يمكنه أن يعيد ليفربول على طريق الألقاب؟ هل سيترك بصمة كبيرة في أوروبا؟ لقد عاد من الجانب المظلم لينقذ مسيرته، فهل يسطع في سماء نجوم أوروبا؟