كتب : عمر ناصف
"الصورة الأخيرة لوالدي كانت له وهو يجلس بجانب بيتر بوش" كشف عن هذا جوردي ابن الأسطورة الهولندي الراحل يوهان كرويف.
جوردي أراد التعاقد مع بوش لتدريب الفريق الذي يعمل به كمدير رياضي "مكابي تل أبيب" ويوهان أخبره بصعوبة الحصول على موافقة المدرب الذي كان يقود فيتيس حينها إلى أمجاد محلية بعد قيادته للفريق إلى المركز السادس ثم الخامس والتأهل للدوري الأوروبي بنهاية موسم 2014-2015.
كسب جوردي الرهان في يناير 2016 قبل وفاة والده بشهرين فقط والحديث في تلك الصورة كان عن هولندا وأياكس حلم بوش التدريبي للسير على خطى أستاذه، كرويف الكبير كان يتنبأ للمدرب الحالي للفريق بمستقبل مبهر ولكنه رحل قبل أن يرى توقعاته تتحول إلى حقيقة.
انتهى الموسم الأوروبي في موسم 2015-2016 وطلب أياكس التعاقد مع بوش الذي لم يستطع رفض العرض فترك مكابي بعد 19 مباراة حقق خلالها 17 انتصارا وتعادلين.
نعود بالزمن إلى التسعينات حيث كان لا يزال بيتر لاعبا في فريق فينورد ولكنه كان يفكر في مستقبله بعد ذلك كمدرب، بوش كان عليه قطع مسافة كبيرة من المدينة التي يقطن بها روتردام إلى العاصمة أمستردام لمتابعة تدريبات لويس فان جال مع أياكس للتعلم منه.
ذاك الجيل في أياكس حقق أخر بطولة قارية للفريق عندما تفوق رجال فان جال على ميلان بفضل هدف باتريك كلويفرت وبوش كان حاضرا للتعلم ومتابعة الإنجاز الأخير للفريق الذي لم ينجح معه لاعبا.
اعتزل بوش اللعب عام 1999 وبدأ مسيرته كمدرب سريعا مع الهواة ثم في 2002 انتقل إلى تدريب المحترفين ليقود فريقك إيراكليس للهبوط إلى الدرجة الأولى في أولى مواسمه التدريبية مع الكبار.
"كنت أعلم منذ عامي الـ16 أني سأكون يوما ما مديرا فنيا لذلك كنت أكتب كل ما يقوله المدربين أمامي إضافة إلى ذلك كنت وأصدقائي نجمع ما يكتبه يوهان كرويف لندرسه سويا ونحتفظ به، لقد قمنا بجمع كتاب كامل من مقالاته"
لذلك كان يتحرك ويسافر لحضور تدريبات الفرق الأخرى والمدربين الكبار عندما كان لاعبا ولم يكن يتحرك بدون ما جمعه من كلمات كرويف للتعلم منها.
"فريق أياكس في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي هو ما يلهمني حاليا، لقد كان الفريق يمتلك رينوس ميتشيلز ويوهان كرويف لقد كان شيئا عظيما وممتعا حينها"
"غير هذا الفريق نظرتي لكرة القدم"
أياكس عند وصول بوش لم يكن محطما محليا ولكنه احتاج إلى من يعيد لم شمل فريق خسر لقب الدوري في الثواني الأخيرة في الموسم الأخير قبل وصول المدرب صاحب الـ53 عاما بجانب محاولة لوضع هولندا على خريطة الكرة الأوروبية مرة أخرى بعد اختفاء تام للأندية وتراجع للمنتخبات.
"أريد من فريقي أن يكون المبادر، أن يضغط ويحصل على الكرة بسرعة، أريد من لاعبي فريقي أن يتمركزوا بشكل جيد ويبدأوا الهجمات من الخلف ويصنعوا الكثير من الفرص ويحولوها إلى أهداف هكذا كانت أفكار كرويف وهكذا يجب أن تلعب كرة القدم" تلك هي فلسفة بوش التدريبية.
أعاد 4-3-3 الخاصة بكرويف وأضاف عليها بعض التعديلات لجعلها أكثر مرونة ومناسبة لكرة القدم الحديثة، خسر الدوري مرة أخرى بفارق نقطة عن البطل فينورد المكروه من جماهير أياكس وفريق المدرب السابق ولكن التأثير الإيجابي ظهر سريعا في الدوري الأوروبي.
يوروبا ليج
لأول مرة منذ 22 عاما سيظهر أياكس مرة أخرى في نهائي أوروبي ليس دوري أبطال أوروبا الذي حازه فريق فان خال في نهائي فينا 1995 ولكنها تبدو طموحات واقعية نظرا لحال الكرة الهولندية في الأوقات السابقة.
رغم ذلك بوش لا يبتسم للكاميرات فهو دائما ما يظهر إما عابسا أو بدون تعابير على وجهه لدرجة جعلت والدته تطلب منه أن يبتسم قليلا أمام الكاميرات لكنه لا يهتم بتلك الشكليات فهو مؤمن بأنه رجل إيجابي يقضي الكثير من الوقت يشاهد منافسه للبحث عن نقطة ضعف وإصلاح أخطاء فريقه كما كشف في تصريحات نقلتها صحيفة "ذا جارديان" الإنجليزية.
"لا يوجد شيء أسمه اللعبة الكاملة لم ولن تحدث في كرة القدم" بوش لا يبحث عن الكمال وإنما يبحث عن القرب منه كما هو حال أحد أبرز المدربين الذين يتعلم منهم حاليا بيب جوارديولا والذي يحتفظ المدرب الهولندي بنسخة من كتابه الذي تم نشره عندما كان مدربا لبايرن ميونيخ.
"هناك في برشلونة أدخل جوارديولا قانون الثواني الثلاث لاسترداد الكرة ولكني لا أمتلك ما يمتلكه هناك لذلك قررت إضافة ثانيتين إضافيتين ووضع قانون الخمس ثوان لدى فريقي أياكس لإعادة الكرة مرة أخرى" كان هذا ما طوره بوش من أفكار جوارديولا.
كرة القدم الهجومية والضغط العالي الذي يمارسه أياكس مع المدرب يبدو بعيدا كل البعد عما كان يقوم به بوش نفسه عندما كان لاعبا في خط وسط فاينورد دوره تحطيم هجمات الخصوم بدون رحمة.
"لن أكون مستمتعا إذا شاهدت فريقي يكتفي بالدفاع وتحطيم هجمات المنافسين كما كنت أفعل سابقا كلاعب، لقد كان تفكيري أن أصبح مدربا لأستمتع بمشاهدة مباراة ممتعة من على الدكة ومعها أمتع جماهير فريقي".
هكذا كانت أهداف كرويف أيضا وهكذا تأثر بها بوش ونفذها لتنجح في موسم أول له مع أياكس الفريق الشاب الذي يمتلك متوسط أعمار 21 عاما ونيف وتغلب على ليون في نصف النهائي وقاد الفريق إلى النهائي لمواجهة مانشستر يونايتد.
طلبات بوش من إدارة أياكس ليست كثيرة ولا صعبة، صاحب الـ53 عاما طلب من مارك أوفرمارس مدير الكرة في النادي طلب واحدا فقط "أجلب لي لاعبين أذكياء".
وهنا لا يقصد الذكاء خارج الملعب والمستوى الدراسي فهو يريد لاعب يتوقع فعل المنافس ولا ينتظره.
"عندما تفكر بسرعة تصبح أسرع على أرضية الملعب ولكن عندما تتفاعل مع الكرة حينها ستكون متأخرا مهما كانت سرعتك لأنك رد فعل لذلك أريد لاعبا ذكيا يستطيع توقع اللعب قبل حدوثه ليتفاعل مبكرا بشكل أسرع ويصبح هو الفعل"
هذه طريقة أياكس وهذا ما زرعه كرويف داخل الفريق في عصره الذهبي والذي أعاد إحياء أفكاره وطريقة لعبه تلميذ نجيب لمدرسته بيتر بوش يسعى للمواصلة لإحياء مسيرة إنتصاراته.
بوش سيفتخر بأن أخر صورة لكرويف كانت بجانبه وهو يتحدث معه باهتمام أستاذ وجد أخيرا التلميذ النجيب الذي سيخلفه ولكنه سيكون أكثر فخرا إن نجح في مساعيه إعادة "أياكس كرويف" مع بعض التعديلات.