لعب كثيرا على كل الأصعدة، لكنه لم يفز إلا بالقليل. المقاتل الذي لن يعترض على مركزه في الملعب، سيخدمك أينما وضعت ووقتما طلبت منه أن يشترك.
"الفوز ببطولة مع فيينورد كان أكبر أحلامي.. ربما أنها أهم جائزة فزت بها في مسيرتي". ديرك كاوت للتليفزيون الهولندي عقب التتويج بكأس هولندا في 2016.
----
كعادة كل موسم يقام نهائي الكأس في ملعب "دي كيب". هناك في أقاصي ضواحي روتيردام بين قضبان القطار ونهر ماس.
عام 2003 كانت المباراة النهائية بين فيينورد وأوتريخت. الفريق الصغير الذي أنهى الموسم في المركز العاشر بفارق 32 نقطة عن فيينورد في المركز الثالث.
هزمهم فيينورد ذهابا وإيابا في الدوري، لكنهم يملكون ديرك كاوت الصاعد كالصاروخ في الهجوم، ومن هنا قد يحدث أي شئ.
فاز أوتريخت بأربعة أهداف مقابل هدف في مفاجأة مدوية. سجل كاوت الهدف الرابع وتوج رجلا للمباراة.
أيام قليلة أعقبت النهائي وتوج كاوت بجائزة لاعب العام في الدوري الهولندي، ولينتقل إلى فيينورد مقابل مليون يورو بعد أن حرمهم من تحقيق اللقب على أرضهم.
تمر الأيام وكاوت الآن هو من يعيد لقب الدوري لفيينورد بعد 18 عاما من الغياب عن خزائن النادي..
ما حدث أن كاوت هذا الموسم مع جيوفاني فان بروكهورست أعادا لقب الدوري لفيينورد بعد 18 عاما من الغياب.
والثنائي ليسا حديثا التعارف، فقد كانا شريكان في عديد من النجاحات للمنتخب الهولندي على مدار 6 سنوات بين 2004 وحتى 2010.
لم يكتف بذلك، صاحب الـ 36 عاما سجل "هاتريك" في مباراة التتويج أمام هيراكلس، ليعيد اللقب إلى خزائن ناديه رسميا.
----
ديرك كاوت هو الثالث بين أربعة صبيان لصياد هولندي. والصيد هي مهنة أغلب سكان مدينة " كاتفيك العان زي" البعيدة عن روتيردام بقرابة الـ 43 كيلومتر حيث ولد ونشأ كاوت.
بدأ حياته في نادي مدينته المحلي "Quick Boys" حتى سن الـ 18 عاما حين اكتشفه كشافي نادي أوتريخت وضموه للفريق.
موهبة الفريق الجديدة لم تحتج سوى مباراتين وديتين قبل الموسم ليضمن لنفسه مكانا أساسيا بالتشكيل في أولى مواسمه.
مع أوتريخت استمر لخمسة مواسم سجل فيهم 51 هدفا في 151 مباراة.
وفي نهاية مشواره مع الفريق، توج مجهوداته ببطولة الكأس على حساب فيينورد الذي كان بطلا لكأس الاتحاد الأوروبي في ذلك التوقيت.
هكذا كتب كاوت اسمه في قلوب جماهير أوتريخت إلى الأبد، وهذا ما سيفعله بكل محطاته التالية..
----
الخطوة الثانية كانت في فيينورد. استمر معهم ثلاثة مواسم، لم يحقق أي لقب، لكنه كان دائما مصدر متعة الجماهير.
كاوت مع سالمون كالو شكلا هجوما ناريا لفيينورد، ولم ينقصهما سوى التتويج بلقب مع الفريق الهولندي.
من خلال فيينورد انضم إلى المنتخب الهولندي لأول مرة عام 2004 تحت قيادة ماركو فان باستن.. ولمعلوماتك كاوت سجل في 104 مباراة مع هولندا 24 هدفا، هم أيضا نفس عدد أهداف فان باستن الأسطورة مع هولندا.
---
قد لا يكون الأمر معتادا للمشاهير. لكن كاوت نحى غروره جانبا رغم شهرته، وسمح لزوجته بممارسة عملها كجليسة أطفال في المنازل إلى أن أنجبت ابنته.
تلك هي شخصية كاوت، لا يهتم بالمظاهر مثلما لا يهتم بمركزه داخل الملعب، بل الأهم هو أن يعيش حياته كما يحب أن يكون فخورا بها، وأن يؤدي دوره في الملعب مثلما يود المدرب أن يراه.
في كأس العالم 2014 لعب كاوت في 4 مراكز مختلقة مع لويس فان جال. لعب كمهاجم وهو مركزه الأساسي، لعب أيضا كجناح أيسر وكصانع لعب، وشارك لبعض الأوقات كظهير دفاعي.
----
بعد فترة فيينورد كان على صاحب الـ 26 عاما أن يخوض تحديا جديدا.
الجماهير طالبته بالبقاء، فصرح قائلا "لن أرحل عن فيينورد إلا إلى فريقا كبيرا للغاية في أوروبا" قاطعا الطريق على أياكس وبي أس في أيندهوفين في محاولة استقطابه.
وحين انضم إلى ليفربول، كان حريصا على أن يحصل فريقه الأول "Quick Boys" على حصته من الصفقة قبل أي شئ.
انضم كاوت إلى ليفربول في 2006 برغبة رافا بينيتيز المدرب الإسباني للفريق وقتها.
مهاجم يلعب في كل مراكز الهجوم, ولديه أيضا خواص دفاعية. ربما أن لاعب بتلك المواصفات وبعمر الـ 26 سيكون مثاليا لقائمة يورجن كلوب الآن مع ليفربول أيضا.
كاوت لم يفز بالكثير مع ليفربول. لم يفز أصلا إلا ببطولة واحدة لكأس الرابطة عام 2012 سجل بنفسه في الوقت الإضافي لنهائيها أمام كارديف سيتي، قبل أن يحسمها فريقه بركلات الترجيح.
6 مارس 2011 لم يكن يوما عاديا لكاوت في مسيرته مع ليفربول، سجل "هاتريك" ضد مانشستر يونايتد. فعل ما لم يفعله إلا أربعة فقط من ليفربول منذ 1990.
كان هو البطل حين سجل ركلة الترجيح الأخيرة في مرمى تشيلسي بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2007.
كان هو المحارب حين قاتل في نهائي دوري الأبطال أمام ميلان وسجل الهدف، حتى وإن كان هدفه غير كافيا لإدراك عودة تاريخية أخرى على غرار اسطنبول.
كان هو الأمل حين رحل فيرناندو توريس إلى تشيلسي ولم يبق سواه رفقة لويس سواريز شريكه الجديد في خط الهجوم.
وكان هو صاحب الفضل حين سجل في المباراة النهائية أمام كارديف سيتي في كأس الرابطة ، فأعاد الألقاب الغائبة منذ 2007.
ومع قدوم برندان رودجرز في 2012 كان كاوت يجمع حقائبه للرحيل عن أنفيلد بعد 6 سنوات مع العمل المخلص.
----
انتقل إلى فنرباهتشة حيث المحطة الرابعة بعدما دفع الأتراك مليون يورو هي قيمة الشرط الجزائي في عقده، ولعب صاحب الـ 32 عاما معهم.
هدف كاوت من تلك الخطوة كان ضمان المشاركة الأساسية حتى يكون متواجدا مع منتخب هولندا في كأس العالم 2014.
مع فنرباهتشة لعب كاوت موسمين رائعين، فاز فيهما بأول لقب دوري في مسيرته، وتوج أيضا بكأس تركيا وكأس السوبر التركي بعد الفوز على جالاتا سراي بركلات الترجيح التي أحرز ركلته فيها.
تحقق لكاوت ما أراد، شارك مع بلاده في كأس العالم 2014 وسجل ركلة الترجيح الحاسمة أمام كوستاريكا في ربع النهائي.
بشكل عام سجل كاوت 40 هدفا من أصل 295 سجلهم في مسيرته من ركلات جزاء. لم يُضع إلا 8 ركلات جزاء فقط في حياته، وحين يتعلق الأمر بركلات الترجيح الحاسمة للمباريات، فلم يسبق لكاوت أن أهدر أبدا حتى لو خسر فريقه.
----
في 2015 كان على كاوت أن يعود للديار. حين يبلغ اللاعب سن الـ 34 فعليه أحيانا أن يعود لناديه الصغير الذي نشأ فيه، ليقضي به سنوات أخيرة بمسيرته.
كاوت عاد لهولندا، وتحديدا من بوابة فيينورد الذي قدمه سابقا إلى ليفربول.
وحين عاد كاوت هذه المرة لم يكن فيينورد هو بطل كأس الاتحاد الأوروبي ووصيف كأس هولندا مثلما كان الحال حين انضم لهم أول مرة، إنما هو ذلك النادي الغائب عن منصات التتويج منذ 7 سنوات.
الصفقة كانت ثنائية. كاوت لقيادة الفريق داخل الملعب، وجيوفاني فان بروكهورست لقيادته فنيا من الخارج.
في الموسم الأول حققا بطولة كأس هولندا. بطولة هي الأولى للفريق منذ 2008، فكانت الفرحة عارمة حتى وإن لم يتحقق الهدف الأكبر بالظفر بالدوري الغائب منذ 1999.
لم تكن البطولة عادية كعادة كل خطوات كاوت، فتلك المباراة النهائية للكأس والمحافظة على تقاليدها بإقامتها على ملعب "دي كيب" إلى الآن جمعت بين فيينورد وأوتريخت.
نعم! تماما مثلما كان الحال قبل 13 عاما يتكرر النهائي من جديد، لكن كاوت هذه المرة مع فيينورد وليس أوتريخت، بل ويحمل على كتفه شارة القيادة.
من عرضية كاوت سجل كرامر الهدف الأول، لكن أوتريخت تعادل مطلع الشوط الثاني.
وقبل النهاية بدقائق أضاف إليا الهدف الثاني لفيينورد، لينفجر الملعب بصيحات مشجعي فيينورد معلنين عودة فريقهم لسابق عهدهم.
"طعم الفوز بالبطولات رائع للغاية، مع تلك المجموعة قدمنا موسما رائعا وجميلا، وحين تحصد البطولات تتمنى مباشرة أن تفوز بالمزيد منها. وبهذا الشعور علينا أن نبدأ الموسم المقبل.. أنا واثق ومتفائل".
هكذا رد كاوت على تساءلات الصحفيين بعد الفوز بكأس هولندا عن الخطوة التالية.
تصريحات كاوت لم تكن للاستهلاك، وفي الموسم الحالي توج فيينورد بطلا للدوري الهولندي. بطولة يستعيدها الكبير الهولندي بعد 18 عاما من الغياب.
كاوت قال عقب التتويج بالدوري: "حين قلت أنني عدت لفيينورد من أجل تحقيق البطولات سخر مني الكثير، وحن قلت أن بمقدورنا الفوز بالدوري بعد الموسم الماضي لم يؤمن بحديثي الجمهور".
"عندما بدأنا الصعود في الترتيب احتفل الجميع، عندما تعادلنا 1-1 مع أياكس رقص المشجعون، كلها أشياء ما كان يجب أن تحدث، لا يرضينا سوى الفوز بالألقاب".
كاوت لا يلعب مع فيينورد بشكل دائم هذا الموسم مع تقدم سنه، لكنه شارك أمام هيراكلس في ظل غياب فيلينا للإصابة، فكان له أن يستثمر تواجده خير استثمار بإحراز الثلاثية التي وصل بها للهدف رقم "102" بقميص فريقه.
وإن أردت معايشة أجواء تلك المباراة، فلا عليك سوى مشاهدة هذه الفيديو.
طموح كاوت لا متناهي، ولم يتوقف حتى حين حقق حلمه الأكبر كما وصفه بالتتويج بالدوري مع فيينورد.
كاوت لم يقرر الاعتزال بعد، وربما نره في الموسم المقبل يواصل المسيرة بهدف أكبر بعد الكأس والدوري. الهدف هذه المرة سيكون هو الوصول لأبعد مدى في البطولة الأوروبية الأكبر، والتي سبق لفيينورد نفسها تحقيقها لكن منذ زمن بعيد.