كتب : علي أبو طبل
قبل 7 أعوام من الآن، كان فينورد العريق في متاهة عميقة بعيدا تماما عن المنافسة على القمة في هولندا، تاركا المجال لغريمه أياكس والمنافس الآخر إيندهوفن.
ديون كبيرة وصلت قيمتها إلى 40 مليون يورو، والعديد من الأزمات الأخرى فنيا وعدم القدرة على التدعيم الجيد، كان كل ذلك مقدمة لهزيمة هي الأكبر في تاريخ نادي مدينة روتردام، حينما تلقت شباكه 10 أهداف كاملة من إيندهوفن دون أي رد في المقابل، وكان ذلك في أكتوبر من عام 2010.
تلك الهزيمة الكبيرة التي وقعت كالصاعقة على بطل أوروبا في عام 1970 كانت بمثابة نقطة تحول في مسار الفريق.
رد فعل
"فلننس الهراء ونلعب كرة القدم" عبارة تتواجد في "دي كويب" ملعب الفريق، مستلهمة من أسطورة الفريق التدريبية إيرنست هابل، وتعد بوصلة لمسار الفريق وطموحاته، وبناء عليها جاء رد الفعل. أول رد فعل إداري كان استبدال المدير الرياضي للنادي ليو بينهاكر بمدير جديد وهو مارتن فان جيل، والذي قام بدوره بإقالة المدير الفني ماريو بين مع نهاية الموسم.
هل ترى أين وصل رونالد كومان الآن في مساره التدريبي في الدوري الإنجليزي الممتاز؟ البداية الحقيقية لسلسلة من السنوات المميزة تدريبيا كانت من خلال بوابة فينورد.
تولى كومان الإدارة الفنية للفريق بداية من الموسم التالي، محدثا العديد من التغيرات، حيث زرع عقلية عدم تقبل الهزيمة في نفوس لاعبيه.
ستيفن دي فري، جورجينيو فينالدوم، ليروي فير، برونو مارتينس إيندي، جميعها أسماء متواجدة في أندية أوروبية، وكانت بدايتها في فينورد خلال فترته العصيبة تلك، قبل أن يحدث كومان تغييرا حقيقيا لكل ذلك ويستغلهم أفضل استغلال.
في الطاقم المساعد، تواجد اسم هام في كرة القدم الهولندية خلال العقدين الأخيرين. جيوفاني فان برونكهورست لاعب أرسنال ورينجرز وبرشلونة سابقا وأسطورة الفريق الهولندي خلال فترتين من اللعب قبل أن يصبح مساعدا لكومان في 2011.
لم يحقق المدير الفني الحالي لإيفرتون الإنجليزي الألقاب، ولكنه أعاد الفريق لوضع جيد في المنافسة المحلية. هزيمة بـ10 أهداف نظيفة أصبحت من الماضي، ولكن لن يتم محوها بشكل قاطع إلا من خلال تحقيق نجاح حقيقي.
رحل كومان إلى ساوثامبتون في 2014، وجذب معه دوسان تاديتش أهم نجوم الفريق، ليتوجب على المدير الرياضي فان جيل جذب اسم جديد لقيادة الفريق فنيا.
فريد روتين، المدير الفني السابق لإيندهوفن في انتصاره المؤلم لجماهير فينورد والسابق ذكره، أصبح مديرا فنيا جديدا لفينورد، ولكن لم يستمر الأمر لأكثر من موسم لم يكن ناجحا بدرجة كبيرة.
مع نهاية موسم 2014/2015، تقرر رحيل روتين ولم يكن هناك مرشح آخر لقيادة الفريق فنيا.
فان برونكهورست استمر مساعدا في طاقم روتين. اسم يمثل الكثير لجماهير فينورد ويمتلك الشعبية الكافية والرؤية ليسانده الجميع في ملعب "دي كويب"، كلها كانت مبررات لتقوم إدارة النادي بالمخاطرة وتعينه مديرا فنيا جديدا، ليبدأ فصلا جديدا من حكاية فينورد.
صانع السعادة في روتردام
هل يمكنك أن تتخيل أن صاحب ذلك الهدف الرائع لهولندا في شباك أوروجواي في نصف نهائي كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا أصبح مديرا فنيا يسلك طريق النجاح بثبات بعد أقل من 6 سنوات من تاريخ هذا الهدف؟
قبل 18 عاما من الآن، لم يعش جيوفاني أفراح تتويج فينورد بلقبه الرابع عشر والأخير -حتى إشعار آخر- من الدوري في هولندا، حيث انتقل إلى رينجرز في أسكتلندا قبل بداية ذلك الموسم الحافل، لذا فقد قرر أن يعيش تلك الأجواء من جديد كمدير فني. منذ اليوم الأول في القيادة الفنية، أثبت جيوفاني قدراته التدريبية، وقرر الاعتماد على خطة 4-2-3-1 مستغلا الأطراف وصانع لعب سريع من عمق الملعب.
قرر أسطورة فينورد التنويع في قائمة الفريق والدمج بين الشباب الصغار وأصحاب الخبرات، ليتكون بالتدريج فريق قوي للغاية. الموسم الأول كان يسير بشكل جيد للفريق، ولكن تلقي 7 هزائم متتالية في منتصف عمر الدوري كان كفيلا بإبعاد الفريق عن المنافسة على اللقب على الرغم من الفوز في 8 والتعادل في 3 من آخر 11 مباراة دون تلقي هزيمة. أنهى فينورد الموسم الماضي في المركز الثالث، ولم يخرج خالي الوفاض حيث ظفر بلقب كأس هولندا.
المجد
عندما تكون في بداياتك ويحدث أمر مؤلم كتلقي 7 هزائم متتالية، فذلك أمر صحي عليك أن تتعلم منه. هذا ما أدركته إدارة فينورد واستمرت في إعطاء الثقة لفان برونكهورست لموسم ثان.
الثقة كانت في محلها، ونجح جيوفاني في إعادة البسمة إلى جماهير فريق مدينة روتردام التي خرجت لتملأ شوارع المدينة محتفلة بلقب لم يتحقق منذ موسم 1998/1999.
الأمر كان مستحقا تماما. استمر جيوفاني في الاعتماد على توليفته الدامجة بين الشباب وأصحاب الخبرات.
أن تكون صاحب أقوى خط هجوم برصيد 86 هدفا، وثاني أقوى دفاع بتلقي 25 هدفا فقط في شباكك، فذلك يعني أنك قمت بعمل جيد وتستحق التتويج باللقب.
المخضرم ديرك كاوت كان عنصرا هاما خلال الموسمين الأخيرين، وبتسجيله لـ"هاتريك" في المباراة الأخيرة ضد هيراكليس ألميلو كان حاسما للقب، حقق كاوت أخيرا أمله الذي عاد من أجله قبل موسمين من الآن.
كاوت خلال الموسم الحالي سجل 12 هدفا وصنع 9 كمساهمة منه في هذا اللقب المنتظر.
كريم الأحمدي لاعب الوسط المغربي للفريق يعد كذلك واحدا من عناصر الخبرة للفريق بجانب الجناح ماركو إليا المعار سابقا لساوثامبتون.
من ضمن عناصر الشباب، يعد توني فيلينيا هو الأبرز في الفريق.
الدور الذي قام به جيوفاني مع فيلينيا يعد هاما جدا، فالجناح الشباب الذي أتمم بالكاد عامه الـ22 رفض في بداية الموسم تجديد تعاقده مع الفريق، الأمر الذي جعله خارج الحسابات لفترات طويلة.
إصابة والدة اللاعب بمرض السرطان كان نقطة تحول في تفكيره. اللاعب رأي أنه إذا سافر لبلد أوروبي آخر فذلك يعني وجود وقت أقل لرؤية والدته، لذا استمر مع الفريق وكان مؤثرا في المحطات الأخيرة من عمر الدوري، كما قام بتجديد تعاقده لعام 2020.
التدعيمات ما بين الموسم الماضي والموسم الحالي كانت قليلة ولكن ذكية. التدعيم الأبرز على الإطلاق كان في مركز رأس الحربة، حيث تم استقطاب الدنماركي نيكولاي يورجنسن من صفوف كوبنهاجن.
تم تتويج اللاعب الدنماركي مع نهاية الموسم بجائزة هداف الدوري عن استحقاق برصيد 21 هدفا في موسمه الأول في بلاد الكرة الشاملة.
حسم اللقب كان صعبا. أياكس كان منافسا عنيدا حتى الجولة الأخيرة بقائمة من اللاعبين يبلغ متوسط أعمارها 23 سنة تقريبا، وبجانب منافسته محليا فإنه يحقق نجاحا أوروبيا جيدا خلال الموسم الحالي ويصل إلى نهائي الدوري الأوروبي والذي يعد أول نهائي أوروبي للفريق منذ عام 1996.
ولكن في النهاية خسر فريق العاصمة اللقب بفارق نقطة واحدة، وعمت الأفراح مدينة روتردام.
بنسبة فوز تبلغ 65.91% خلال 88 مباراة قاد فيها الفريق في موسمين، ينجح جيوفاني فان برونكهورست في النهاية في إعادة فريق مدينة روتردام إلى واجهة كرة القدم في هولندا من خلال التتويج بلقبين في موسمين، ومشاركة الفريق في دوري أبطال أوروبا الموسم القادم.
الأمر يبدو مجرد بداية لمدير فني شاب -42 عاما- ما زال ينتظره الكثير ليصبح مدربا أسطوريا بعدما حفر إسمه من قبل كلاعب أسطوري في تاريخ النادي من قبل.