"بدأنا الموسم بطريقة لعب مختلقة لكني لاحظت أننا كنا نفتقد للتوازن. غيرت الخطة لـ3-4-3 وفيما أعتقد هي الأنسب لنا ولمهاجمينا".
ذلك كان تصريح أنطونيو كونتي مدرب تشيلسي في مارس الماضي حينما كان حسم الفريق اللندني للقب الدوري في أول موسم لمدرب ايطاليا السابق في العاصمة الانجليزية مسألة وقت.
لكن كيف لتغيير طريقة لعب فيها عدد مدافعين أكثر أن تنجح فيما عجزت عنه الأخرى ذات المهاجمين الأكثر؟ دعنا أولا نناقش كيف كان حال الفريق قبل هذا التحول الدراماتيكي.
4-3-3 ووسط ميدان متحفظ
بدأ كونتي - الذي جاء إلى ستامفورد بريدج عازما على اللعب بـ4-2-4 - أول مباراة بـ4-3-3، ووسط مكون من كانتي أمام قلبي الدفاع وعلى يمينه أوسكار وعلى يساره ماتيتش.
المنتظر في 4-3-3 كان أن يقدم أوسكار وماتيتش أدوارا ليست تقليدية مثل التقدم للأمام للمساندة الهجومية وعمل مثلثات تمرير Passing triangles مع ظهيري الجنب والجناحين.
الوضع لم يكن كذلك بالنسبة لكونتي.
شاهدنا لخمس مباريات ونصف مباراة (الهزيمة أمام أرسنال 3-0 التي كانت نقطة تحول لموسم تشيلسي) ثلاثي وسط ميدان محتفظ بمكانه أمام دفاع الفريق.
أوسكار أو ماتيتش لا يتقدمان بل بالكاد يتحركان للطرف قليلا للتغطية على ظهيري الجنب أيفانوفيتش وأزبيليكويتا آنذاك.
كونتي يهتم أولا بتأمين عمق الملعب المؤدي مباشرة لمرماه مع إعطاء حرية كاملة لتقدم مدافعي الجنب ليكون الفريق في الحالة الهجومية أقرب إلى 2-3-5.
خمسة لاعبين في الهجوم منتشرين بعرض الملعب، مع وجود مثلهم في الخلف بالعمق للدفاع – مستعدين للتحرك باتجاه الطرف سواء ماتيتش أو أوسكار في حالة المرتدات.
فاز تشيلسي في أول مباراتين له لكنه استقبل أهدافا. وباستثناء الفوز على بيرنلي بثلاثية نظيفة ظل تشيلسي يستقبل أهدافا إلى أن غير الى 3-4-3 بعد الهزيمة من أرسنال في ملعب الإمارات.
في تلك المباريات ظهر أيضا اهتمام كونتي بشدة بإغلاق المساحة بين الوسط والدفاع، ولأن كاهيل وتيري لا يمتلكان السرعة، فكان تشيلسي يدافع متأخرا جدا عند حدود منطقة الجزاء.
وبالتبعية كان ثلاثي وسط تشيلسي يقترب بشدة من قلبي الدفاع، فيصبح وسط الميدان ملكا للمنافس. ولعل تسديدة هندرسون الرائعة في فوز ليفربول 2-1 على أرض لندن نتيجة لذلك.
وجاء الشوط الأول لمباراة أرسنال ليفضح هذا الأمر أكثر وأكثر، فكان كازورلا يفعل كل شيء بالكرة دون أية مضايقة من وسط كونتي. وكشف اللقاء مشاكل كاهيل حينما يتعرض للضغط بشكل أكبر.
حينها قرر كونتي بين شوطي مباراة أرسنال والنتيجة 3-0 لأصحاب الدار أن يغير كل شيء فكان نزول ماركوس ألونسو والتحول إلى 3-4-3 إيذانا ببداية أهم أحداث البريمير ليج، الذي لم يتوج بلقبها منذ بداية التسعينات فريق يلعب بثلاثي قلب دفاع.
ماذا غير كونتي؟
خرج إيفانوفيتش وتيري من حسابات كونتي ودخل ألونسو وموسيس على طرفي خماسي خط الدفاع. يبدو أن مدرب يوفنتوس السابق لا يريد لاعبين يفتقرون للسرعة.
أصبح أزبيليكويتا السريع على يمين ثلاثي الوسط، ديفيد لويز صانع ألعاب الفريق من الخلف في القلب وعلى يساره كاهيل من تحت لاعبي ارتكاز دفاعيين كانتي وماتيتش.
النتيجة مذهلة. من قبل أهدافا مرارا في بداية الموسم، فاز في ست مباريات متتالية بنتيجة إجمالية 17-0 قبل استقبال أول هدف بالـ3-4-3 أمام بوكيتينو في فوز فريقه على توتنام 2-1.
وجد الخصوم مشكلة كبيرة في كيفية احتواء جناحي دفاع تشيلسي الطائرين موسيس وألونسو.
الأمر ليس موضوع مهارة أو تفوق في مواجهات فردية واحد على واحد، وإن ظل موسيس أمهر من زميله على الجهة المقابلة بطبيعة الحال، بقدر ما هو أن تشيلسي في غضون ثوان يتحول فجأة إلى خمسة لاعبين في الخط الأمامي!
ليس هذا فحسب، بل لا يقل أهمية دخول آزار وبيدرو عمق الملعب، فالبلجيكي الخطير يميل من تلقاء نفسه إلى صناعة اللعب من قلب الملعب ليفعل ما يفعل بالخصوم.
خمسة بالأمام، ثلاثي هجومي مكون من آزار، كوستا وبيدرو قريبين من بعضهما البعض، جميعهم يتميزون بالسرعة الفائقة في المرتدات مع وجود موهبة فذة كآزار بينهما. الأمر صعب على الخصوم احتماله فيما يبدو.
أما في الدفاع، فوجود كانتي وماتيتش فجأة أصبح يوفر الحماية اللازمة للخط الخلفي، وحتى أخطاء كاهيل كان يداريها وجود لويز بجواره، فكان البرازيلي رائعا في التغطية على زملائه في الدفاع.
هل وجد كومان الحل في اللعب بنفس الطريقة؟
كانت مباراة تشيلسي على أرضه ضد إيفرتون هي الخامسة له بالطريقة الجديدة، ولأن رونالد كومان الهولندي من المهتمين بالتكتيك فقرر أن يواجه هذا الأمر بطريقة مختلفة.
بدأ كومان مباراة فريقه مع تشيلسي بنفس طريقة الـ3-4-3، وهنا أصبح لموسيس وألونسو خصمين مباشرين على أرض الملعب، يظهر أن كومان قد وجد الحل.. أوهكذا ظن.
لكن قراره لم يجد حلا على الإطلاق ولا نصف حل حتى، بل بالعكس كانت المشاكل أسوأ! أصبح لكل لاعب من إيفرتون خصم مباشر من تشيلسي.
إن كان شيموس كولمان وبريان أوفييدو سيصعدان لمقابلة ألونسو وموسيس، فثلاثي دفاعهم ويليامز وجاكييلكا وفيونس موري سيصبحون في موقف واحد على واحد ضد آزار وكوستا وبيدرو.
كانت النتيجة أن أحرز تشيلسي هدفين في أول عشرين دقيقة بالمباراة، وظهرت مدى خطورة غياب التغطية في إيفرتون. عدل كومان بعدها الطريقة، لكن يبدو أن الوقت قد فات فقد انهزم في النهاية بخماسية نظيفة!
قبل تلك المباراة فاز تشيلسي على ساوثامبتون (الذي يلعب بوسط ملعب دياموند) 2-0 وبعدها فاز على ميدلسبره (الذي كان يلعب ب 4-1-4-1) 1-0. الجميع فشل في مواجهة تشيلسي.
هل أفلحت حيلة العبقري جوارديولا؟
جوارديولا سيجد الحل بالتأكيد. فبمجرد قراءة تشكيل الفريق قبل لقاء سيتي مع تشيلسي ظللنا نخمن جميعا ما هي المفاجأة التي سيحضرها بيب لإيقاف كونتي.
لعب مدرب بارسا السابق بطريقة غير تقليدية في ملعب الاتحاد بـ3-2-4-1: دفع بثلاثي دفاع وبارتكازين دفاعيين، وبصانع للألعاب تحت مهاجم وجناحين على الطرف.
كان لسيتي أفضلية أربعة لاعبين في وسط الميدان على وسط ملعب تشيلسي فامتلك بيب الكرة، وكان دي بروين مصدرا لإزعاج دائم إلى جانب سيلفا صانع الألعاب الآخر بالفريق.
أما على الطرفين، ففي المواجهة المباشرة بين ساني وموسيس، كاد الألماني أن يستغل ضعف خصمه الدفاعي في التسجيل من داخل منطقة الجزاء الشوط الأول، في حين لم يتمكن ألونسو من إيقاف نظيره خيسوس نافاس حينما رفع الكرة التي حولها كاهيل بالخطأ في مرماه.
الشوط الثاني استغل دي بروين مرارا عدم ارتداد آزار للدفاع لكنه أهدر فرصة من داخل الست ياردات ارتطمت بالعارضة.
مسيطر على المباراة، تضيع أهدافا.. العبقري بيب وجد الحل أخيرا.
ولكن لأنه كان يلعب بثلاثي دفاع فقط ضد ثلاثي من هجوم تشيلسي، ظهرت مجددا لعنة الواحد على واحد في المرتدات، فكانت كرة طويلة باتجاه كوستا الذي تغلب على أوتامندي فقط ليعادل النتيجة: 1-1.
هدفا تشيلسي التاليين لم يكونا نتيجة مباشرة للـ 3 v 3، لكن ظل العنصر المشترك هو غياب التغطية الدفاعية أمام مهاجمي فريق لا تستطيع أن تحتمل بأي حال ذلك الغياب في مواجهتهم.
النتيجة النهائية كانت غفوز كونتي بثلاثة أهداف مقابل هدف.
هل فينجر هو من يجد الحل؟
فينجر غير طريقة لعبه من 4-2-3-1 إلى 4-3-3 خصيصا أمام تشيلسي في ستامفورد بريدج، أقولها مجددا، فينجر أصبح يفكر قبل المباريات ويغير من طريقته حسب طبيعة الخصم.. شيئ لا يصدقه عقل!
لعب فينجر بوسط ملعب من كوكويلين بين تشامبرلين وإيووبي، مع وجود أوزيل ووالكوت على طرفي خد الهجوم وبينهم سانشيز في قلب الهجوم.
هل تعتقد أن فينجر أو ال 4-3-3 لتهزم كونتي؟
ما حدث في تلك المباراة أبرز بشدة مشاكل الهجوم بخمسة لاعبين من تشيلسي على أربعة مدافعين. فينجر لم يتمكن من إيقاف تشيلسي، بل قدم بوضوح وجلاء تام المشاكل التي يسببها جناحي دفاع البلوز للمنافسين.
هدف ألونسو الأول يلخص كل شيء.
تقدم موسيس في اليمين - دون أن يتعقبه أوزيل طبعا - ليسحب مونريال ظهير ايسر أرسنال تجاهه، ليدخل بيدرو في المساحة خلف الفرنسي ويسحب كوشيلني له، ركز موستافي وبيليرين مع آزار وكوستا داخل المنطقة، ليتقدم ألونسو ومعه والكوت داخل ال 18.
لكن حينما تقدم ألونسو ألى داخل الست ياردات قبل أن يسجل برأسه. ظل والكوت مكانه يشاهد.. هل من الطبيعي أن يرتد الجناح للدفاع إلى هذا الحد البعيد من الملعب، ويكون مطلوبا منه أن يدافع برأسه؟
لهذا الحد تسبب زيادة الونسو وموسيس مشاكل للخصوم: يدخلان إلى مناطق تهديف مهما التزم جناحا المنافس معهما، يضعونهما في أوضاع يصعب التعامل معها.
بوكيتينو ومورينيو هم من وجدا الحل
لم يجد الحل سوى بوكيتينو ومورينيو.. فكما رأينا، الأمر يتطلب مدربين من نوعية الأرجنتيني والبرتغالي.
الأول حينما فاز 2-0 في يناير الماضي، قرر أن يأخذ المخاطرة ويلعب بنفس طريقة كونتي – رغم ما حدث لكومان وجوارديولا من قبل.
حينما تلعب 3-4-3 أمام 3-4-3 يختلف الأمر عن 3-5-2 تواجه نفسها، فالحالة الأولى تصبح المباراه فيها عبارة عن مواجهات فردية بجميع أنحاء الملعب، والحالة الثانية بها ثلاثة مدافعين ضد رأسين حربة وليس ثلاثة ضد ثلاثة.
فاز بوكيتينو في المواجهات الفردية، فتفوق ونياما وديمبيليه على كانتي وماتيتش، ولكن الأهم هو تفوق أريسكسن على كاهيل مرتين ليسمح له برفع الكرة على رأس ديلي آلي، الذي بدوره تفوق على أزبيليكويتا داخل منطقة الجزاء أيضا - مستغلا قصر قامة المدافع الإسباني ليحرز هدفين ويفوز باللقاء 2-0.
أما مورينيو، ففي كلا لقاءيه مع كونتي في الكأس والدوري أبرز كيفية مواجهة تشيلسي وإبطال نقاط قوته لكن بشكل مختلف تماما، رغم هزيمته في المباراة الأولى وانتصاره في الثانية.
لعب "ال Special One " بما يشبه ستة مدافعين في الخلف في حالة امتلاك تشيلسي للكرة، حينما اعتمد على فيل جونز وماتيو دارميان كظهيري جنب ووكل إليهما مهام رقابة آزار وويليان في المباراة التي شهدت هزيمة يونايتد 1-0 في ملعب ستامفورد بريدج بكأس رابطة المحترفين.
ولمواجهة تقدم الجناحين النيجيري والإسباني، لعب مورينيو بجناحين (ذات خصائص دفاعية) من أنطونيو فالينسيا وآشلي يانج ليرتدا معهما للخلف، حينما يسحب آزار وويليان ظهيري جنب يونايتد إلى الداخل .. فظهر فريق مورينيو وكأنه يلعب بستة مدافعين في أوقات.
في النهاية فاز تشيلسي بهدف كانتي بعد طرد هيريرا لإنذارين كليهما ضد آزار في عمق الملعب.
ورغم الهزيمة، قدم مورينيو للمنافسين ما يستطيعوا مواجهة تشيلسي به وإبطال مفاتيح لعبه الرئيسية، ولعل الأداء التكتيكي الرائع لهيريرا في مراقبة آزار والتحرك معه أينما وجد وتضييق المساحات عليه مما أدى لفوز يونايتد بثنائية نظيفة في أولد ترافورد، أكد أن المدرب البرتغالي قد وجد الحل.
ردة فعل كونتي؟
لكن يبقى السؤال، نجح كونتي في مفاجأة الجميع بطريقة لعب ناسبت لاعبيه تماما وأخرجت أفضل ما لديهم، ولكن حينما يجد الخصوم الحل، كما فعل مورينيو وبوكيتينو، كيف ستكون ردة فعله؟
بدأ كونتي بالفعل في التحرك نوعا ما، فرأينا استخدامه ل3-5-2 في نهايات بعض المباريات حينما كان يستعين بسيسك للاستفادة من قدراته في صناعة اللعب وتأمين عمق الملعب بثلاثة لاعبين من ناحية، مع إعطاء تحرر أكبر لآزار دون التقيد بواجبات دفاعية ناحية اليسار – من ناحية أخرى.
في مباراة ميدلسبره الأخيرة التي فاز فيها تشيلسي 3-0 قبل مباراة وست بروميتش التي حسم بها الدوري، رأينا أزبيليكويتا يتقدم ليكون لاعب وسط آخر .. فهل هي محاولة من كونتي لزيادة حلوله واللعب بأكثر من طريقة لعب حسب ظروف المباراة وتكتيك المنافس تحسبا لما هو قادم؟
كان مثيرا أن نرى خصوم كونتي حائرين في مواجهته هو والـ3-4-3، وكان مثيرا أيضا أن نرى مورينيو ينجح في التصدي له، ولكن بالتأكيد سيكون أكثر إثارة رؤية ردة فعل كونتي حينما يكتشف منافسوه الأسلوب الأنسب لمواجهته.