تغيير المركز مع التقدم في السن يجب أن يصحبه عقلية مرنة تقبل التغيير وتتمكن من السيطرة عليه وتطويع كافة الظروف لخدمتها طيلة الوقت.
التحول من مركز الجناح إلى مركز المهاجم قد يبدو سهلا للبعض، لكن الأمر بحاجة للدقة والفاعلية وإثبات الذات، كل ذلك يمتلكه كريستيانو رونالدو وأكثر.
قبل مواجهة ريال مدريد ضد نابولي في إياب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا خلال العام الجاري قال جاريث بيل نجم ريال مدريد:"رونالدو في مستوى جيد للغاية وتغير دوره في الملعب، إنه مثل مهاجم الآن، حينما كان أصغر في السن مع مانشستر يونايتد وبداياته في ريال مدريد كان يجري في العمق".
وأضاف "لقد تغيرت طريقة لعبه، إنه فعال للغاية في منقطة الجزاء في جانب تسجيل الأهداف وصناعتها، مع التقدم في السن أصبح أكثر فاعلية، حتى أنا غيرت طريقتي، إنه يعرف ما يفعله جيدا ويقوم به بطريقة ممتازة".
في ذلك الوقت كان رونالدو قد شارك في 31 مباراة بكل المسابقات سجل خلالها 25 هدفا وصنع 8 أهداف أخرى. قد يبدو الأمر وقتها غريبا عن أن النجم البرتغالي قد بدأ في فقدان بريقه مع معدل تهديفي منخفض للغاية مع اقتراب شهر مارس من نهايته ليس ذلك رونالدو الذي اعتاد الجميع رؤيته، هل انتهى فعلا؟
التغيير الأكبر في طريقة لعب رونالدو كان فعليا مع ريال مدريد كما ذكر بيل في يونايتد كان جناحا، لكن خلال الفترة مع النادي الملكي لعب كمهاجم وكجناح، مع مانويل بيللجريني في موسمه الأول حاول المدرب التشيلي أن يطوع النجم البرتغالي وأن يستخدم قوته في الهجوم خاصة مع تقدم راؤول جونزاليس في السن والإصابات التي ضربت المهاجم جونزالو إيجواين، دفع ذلك بيللجريني لخوض التجربة مع رونالدو.
10 مباريات هي مجموع ما خاضه رونالدو كمهاجم تحت إمرة بيللجريني، وكان مردوده جيدا للغاية، إلا أن النادي الملكي كان لديه كريم بنزيمة وإيجواين وراؤول الأمر الذي جعل البرتغالي ومدربه مرغمين على إعادته للعب كجناح.
في تلك المباريات كانوا 9 في الدوري وواحدة في دوري أبطال أوروبا ضد مارسيليا في دور المجموعات وقتها سجل رونالدو في الأخيرة هدفين وصنع هدفا في فوز الملكي بنتيجة 3-1.
في الدوري ساور بيللجريني الشك حيال مركز رونالدو لأنه سجل في 4 مباريات متتالية ضد فياريال وألميريا وريال سرقسطة وبلد الوليد وصنع 3 أهداف. لكنه صام عن التهديف ضد أتليتكو مدريد وبرشلونة وسط اتهامات من الصحف الإسبانية باختفائه في المباريات الكبيرة، لكنه عادل ليسجل مرتين ضد فالنسيا وبلباو وغاب عن التهديف ضد مالاجا، مجموع ما سجله رونالدو كمهاجم كان 8 أهداف وصنع 4.
رونالدو كان قد صرح في 2009 عن مركزه مع المدرب التشيلي قائلا :"لم أتدرب قط 3 مرات في اليوم، تحدث معي بيللجريني عن المركز وما يريده مني قبل بداية الموسم، أعتقد أنه شيء جيدا لأننا نؤدي الأمر بدنيا وعمليا بالكرة، الاختلاف يقع فقط في تغيير المراكز".
خلال فترته مع مانشستر يونايتد رونالدو لم يكن يدافع كثيرا، ولم يكن يساند الظهير الذي يلعب خلفه، الأمر تحول كثيرا مع ريال مدريد، خاصة مع جوزيه مورينيو والصدام الذي حدث عام 2011 بين الطرفين، حينما غضب رونالدو لتكتيك مواطنه الدفاعي.
جوزيه مورينيو الوافد الجديد في موسم 2011-2012 كان يرغب في أن يشرك رونالدو على اليسار مع مارسيلو، وشدد على أنه سيلعب به في مركز الجناح، لكن الإصابات التي عصفت بالفريق وضربت بنزيمة وإيجواين جعلت الفريق يعتمد على رونالدو في 4 مباريات كمهاجم.
مجددا أبدع النجم البرتغالي سجل هدفين ضد فياريال في الدوري وهدفين ضد كل من أتليتكو مدريد وبرشلونة في كأس الملك، والأخير كان هدف البطولة.
لكن مواجهة برشلونة في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا كانت الظلم الأكبر لمستوى رونالدو كمهاجم، كانت المباراة بعد 7 أيام من مواجهة الكأس، ودفع مورينيو وقتها برونالدو كمهاجم والثنائي أوزيل ودي ماريا كجناحين، بنزيمة وإيجواين وإيمانويل أديبايور جميعا كانوا على مقاعد البدلاء.
رونالدو لم يكن يدرك بعد مركزه، حسب وصف صحيفة "ماركا" الإسبانية فالنجم البرتغالي كان يعاني لخلق المساحة. احتاج لمهاجم أخر بجواره وليس جناحين لكن مورينيو لم يفعل ذلك وحينما أدرك كان برشلونة قد فاز فعليا بالمباراة وتوترت أجوائها.
في الموسم التالي لم يشركه مورينيو كمهاجم سوى في مباراة وحيدة بالدوري ضد ليفانتي والتي خسرها ريال مدريد ليختفي ذلك الدور قليلا من عقل رونالدو ويشارك كجناح بعد ذلك، ثم في 2012-2013 أخر مواسم مورينيو شارك في 3 مباريات فقط بالدوري كمهاجم سجل خلالها هدفين وصنع هدفا، أحدها كانت مواجهة برشلونة ومجددا النجم البرتغالي لم يفعل شيئا.
رفقة كارلو أنشيلوتي لم يتغير الأمر، رونالدو تقدم في السن فعليا لكن المدرب الإيطالي قرر منحه المساحة باستخدام الثنائي بنزيمة وجاريث بيل الوافد الجديد ليكون مركز الجناح جيدا كفاية ويصنع المجد في موسمه الأول.
خلال الموسم الثاني رونالدو لعب في 18 مباراة كمهاجم صريح، كان ذلك الموسم الأول الذي يظهر خلاله النجم البرتغالي في كامل قوته كمهاجم في 6 مباريات بدوري أبطال أوروبا من ضمنها خسارة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ضد يوفنتوس، سجل خلالها 6 أهداف، ضد شالكه هدفين ويوفنتوس وليفربول ولودوجوريتس هدف ضد كل فريق.
في الدوري الإسباني خاض 11 مباراة سجل خلالها 18 هدفا منها سوبر هاتريك ضد إلتشي وهاتريك ضد سيلتا فيجو وأخر ضد إشبيلية وسجل أيضا ضد برشلونة في فوز فريقه بنتيجة 3-1 في الجولة التاسعة، لكنه لم يفعل شيئا في ذهاب دور الـ16 بكأس الملك ضد أتليتكو مدريد وسط اتهامات بالفشل.
رونالدو مع الوقت ازداد نضجا، وتحركاته اعتمدت على الذكاء مما أضاف ذلك لشخصيته في الملعب في كل هدف يسجله أصبح يظهر ذكاء لم يكن موجودا من قبل، ربما كان هناك لكنه هنا يظهر بدرجة أكبر، الجري داخل منطقة جزاء الخصم من الطرف مع تشتيت الرقابة بسهولة بمساندة كريم بنزيمة، مما يجعله مستقبلا سهلا للكرة من زملائه في الملعب.
تغيير مركز رونالدو بدا أكثر وضوحا مع زين الدين زيدان مع التغيير التكتيكي الواضح للنادي الملكي وتقدم اللاعب نفسه بالعمر والذي له عظيم الأثر على رونالدو.
بريند شوستر مدرب ريال مدريد السابق صرح لصحيفة "آس" خلال عام 2015 قائلا :"التحدي الأكبر بالنسبة لرونالدو؟ مركز المهاجم، إنه لاعب بحاجة للحصول على المساحة مع راحة في التحكم بالكرة، يحتاج لتشتيت الخصم".
وأضاف "هذا ما يحدث معه مؤخرا، إنه ممتاز ضد المدافعين الذين يلعب ضدهم إن وجد دعما، لكن إن تم عزله وظهر وحيدا فهو لن يكون جيدا من دون دعم".
ريال مدريد خلال فترة بيللجريني كان يلعب بطريقة 4-1-2-1-2 لفترات عديدة وخلالها كان رونالدو يجد مساندة من زميله في الهجوم إضافة لخط الوسط ودعمه طيلة الوقت.
مع رافاييل بينيتث لم يكن بنفس الفاعلية، في 8 مباريات خاضها سجل 5 أهداف لكنه لم يشعر بالراحة حيال ذلك قط حسبما أوضح شوستر في تحليله بعد ذلك لأداء اللاعب.
فيما بعد جاء زين الدين زيدان في موسمه الأول لم يغير شيئا لكن كان الموسم الثاني الذي طرح تساؤلا كبيرا.
إن أردت أن تجعل رونالدو مهاجما كرقم 9 فهذا يعني أنك بحاجة لتغيير دور كريم بنزيمة تكتيكيا مما يوضح انخفاض مستواه وهو ما لم يحدث فعليا، الأمر أشبه بالتضحية بأحد لاعبيك لتحقيق العديد من المكاسب، لكن بالنسبة لبنزيمة فإن الإصابة جعلته يائسا لاستعادة مستواه وثقته بنفسه.
مشكلة أخرى قد تبدو واضحة أن رونالدو جناح أيسر طيلة الوقت خاصة مع مانشستر يونايتد في أبرز لمحاته الانطلاق من الطرف إلى العمق، كيف تستغل ذلك؟ بمنحه مساحة أكبر في منقطة الجزاء.
تلك مشكلة لم تبد كبيرة، رونالدو ببساطة بإمكانه دوما التحرك من الطرف إلى العمق بكل سلاسة وظهر ذلك جليا ضد أتليتكو مدريد في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، كان مهاجما لكن تمركزه بدا كجناح.
بالنظر لطريقة تحركات رونالدو على طرفي الملعب، فكل مهمته كانت انتظار المساحة واللحظة المناسبة للانقضاض وتسجيل الكرة في المرمى، الأمر احتاج نضجا وذكاء، والبرتغالي كان جاهزا.
عقب تلك المباراة قال بنزيمة :"ألعب لصالح الفريق أحيانا أسجل وأحيانا لا أفعل، لي أدوار تكتيكية مع الفريق، والأهم هو اللعب لصالح المجموعة، طالما نفوز فأنا بخير".
تلك هي الفكرة الأهم، طالما أن رونالدو ينهي الفرص بشكل أفضل ويسجل ويفوز الملكي، إذا الفريق بخير.
أضاف بنزيمة :"لا أفكر في تسجيل الأهداف بل فيما لدي من أدوار تكتيكية أقوم بها في الملعب، والأهم هو تحقيق الفوز".
المهاجم الفرنسي ربما كان ضحية لخطة زين الدين زيدان باستخدام كريستيانو رونالدو كمهاجم، المدرب الفرنسي علم جيدا أن بإمكانه إخراج أفضل ما لدى البرتغالي بمساندة من بنزيمة الذي لا يمانع التضحية بنفسه في سبيل خطة الفريق.
في كأس العالم 2014 كان باولو بينتو مدرب منتخب البرتغال وقتها لا يرى أن رونالدو يصلح بالمرة كمهاجم وصرح قائلا :"لم أفكر يوما أن رونالدو بإمكانه اللعب كمهاجم رأس حربة، لم أشغل بالي بها يوما".
وأضاف "لأن ذلك ليس أفضل خيار له لمعدله التهديفي، تحدثت معه عن الأمر لا يمكنه أن يكون مهاجم، لم يبدو بالنسبة لي مرتاحا في ذلك المركز ويسجل كثيرا من الأهداف، لم يخبرني بذلك لكنني عرفت".
بالطبع المدرب لم يكن يمتلك الرؤية الكافية وقتها ليعلم أن النجم البرتغالي سيبدع في ذلك المركز، خاصة مع فيرناندو سانتوس مدرب البرتغال الذي توج بطلا لليورو.
صرح قبل يورو 2016 قائلا :"رونالدو بالنسبة لي ليس مهاجما حقيقيا ليس رقم 9 الذي يقف ويزعج خط الدفاع ولا يسجل، وليس جناحا، إنه أكثر خطورة من ذلك أعرف كيف أستخدمه، إنه يتحين الفرصة على الطرفين للانقضاض في العمق والتسجيل إنه مهاجم حقيقي فريد من نوعه".
وأضاف "إنه يمتلك الحس الكافي والثقة بالنفس من أجل تلك الخطوة".
خلال بطولة يورو 2016 قام سانتوس باللعب بطريقة 4-1-2-1-2، استعمل لويس ناني تارة بجوار رونالدو ثم ريكاردو كواريشما، لكنه فيما بعد تأكد أن ناني أفضل من يسمح لرونالدو بالحصول على مساحة للتحرك بطريقته الخاصة من الطرف إلى العمق نعم هو مهاجم لكنك لن تجده في منقطة الجزاء إلا وهو يسجل الكرة في الشباك.
زين الدين زيدان خلال الموسم الجاري استعمل رونالدو كمهاجم في 7 مباريات سجل خلالها النجم البرتغالي 9 أهداف وصنع هدفا، أهمها كانت مواجهة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ضد بايرن ميونيخ والتي سجل خلالها هاتريك.
أتليتكو مدريد حصل على إنذاره الأول من رونالدو خلال شهر نوفمبر الماضي في الجولة الـ12 من الدوري حينما سجل النجم البرتغالي هاتريك في الدوري ضد وكان يلعب كمهاجم، ربما تقدم رونالدو في السن لكن ذلك ترك له أثرا كبيرا في نضج شخصيته داخل الملعب، ومع تواجد الشريك المثالي ستتكرر أهدافه كثيرا.
ناقشني