أن يصبح اسمك علامة تجارية ليس بالأمر الهين، إنه أمر شاق لأن البعض فيما بعد سيتهمك بكونك كنت لاعبا سيئا لكنك كنت مسوقا ممتازا وربما العكس لذا أنت بحاجة لأن تكون عبقريا.
بناء إمبراطورية في عالم كرة القدم خاصة في مكان يعج بالنجوم من أبناء جيلك ليس أمرا سهلا، خاصة وإن كانت مسيرتك مهددة في بدايتها بالانتهاء.
ديفيد بيكام خير مثال على كل ما سبق، يمتلك سمعة كبيرة سواء كلاعب كرة أو كشخص أو كعلامة تجارية، حياته كانت تشكل مادة خبرية ممتازة للصحفيين في شتى الأقسام، لكن في عالم كرة القدم؟ هنا تكمن المشكلة.
قد تجد أي شيء أمامك عن بيكام في محركات البحث إما بخصوص الموضة أو فيديو جديد، لكن عن مسيرته في كرة القدم أنت بحاجة لبعض الجهد، لكن رؤيته منحته القوة ليصبح نجما كبيرا في مانشستر يونايتد.
بكل تأكيد لم يكن لاعبا فاشلا كما يتصور البعض، فالنجم الإنجليزي استمتع بـ21 عاما من لعب الكرة ومثل منتخب إنجلترا في 115 مباراة دولية وحقق لقب الدوري الإنجليزي 6 مرات وكأس الاتحاد مرتين إضافة لدوري أبطال أوروبا والدوري الفرنسي والإسباني وكأسي رابطة المحترفين الأمريكية، كل تلك الألقاب وأكثر حققها بيكام، فلا شك أنها مسيرة ناجحة وإن كان قد أخفق في كأس العالم فمن بعده تكرر الأمر مع نجوم كثيرين أبرزهم كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي مع البرتغال والأرجنتين على الترتيب.
والده تيد كان يأمل أن يكون ابنه الصغير أحد اللاعبين المتميزين في الدوري الإنجليزي حسب كلماته، لم يكن يدري أبدا ما ينتظره، خاصة وأنه كان الولد الوحيد.
تيد تولى تدريب ديفيد في فريق ريدجواي روفرز وحرص على تقويمه وتعليمه كل شيء منذ نعومة أظافره، والده كان يتخذ من سير بوبي تشارلتون مثلا أعلى، وتمنى لو لعب بيكام يوما للشياطين الحمر.
حينما كان بيكام طفلا صغيرا كان يتعرض لمضايقات شبه يومية في المدرسة عندما كان يخبر زملائه برغبته في لعب كرة القدم على مستوى احترافي وصرح بذلك في 2007 قائلا:"قالوا لي ماذا ترغب في أن تصبح حينما تكبر؟ أجبت بثقة لاعب كرة قدم، لكنهم ردوا لا حقا ماذا تريد أن تكون؟ لكن لطالما ذلك كان الشيء الوحيد الذي أردت فعله".
الفتى الشغوف بكرة القدم لم يكن يوما سيئا في لعبها، لطالما كان موهوبا ودخل في فترات معايشة بأندية ليتون أورينت ونورويتش سيتي وخطف الأنظار بمستواه، وحاول توتنام هوتسبر أن يستقطب بيكام وقد كان وانضم لمدرسة الفريق، ومثل فريق بريمسدون روفرز وتوج مع النادي ببطولته الأولى في عام 1990.
الفتى الصغير كاد أن يصبح لاعبا لشباب توتنام وربما الفريق الأول في فترة قصيرة في ظل تطوره الملحوظ، حسب وصف شبكة "بي بي سي" في تقرير نشرته عن اللاعب، لفت أنظار إدارة سبيرز والكل كان يعلم أنه موهوب وسيترك بصمة في النادي.
في عيد ميلاده الـ14 قضى بيكام ظهيرة ذلك اليوم رفقة سير أليكس فيرجسون وارتدى رابطة عنق الشياطين الحمر، المدرب الإسكتلندي الأسطوري تحدث معه وجلب له كعكة ليحتفل بعيد ميلاده.
رغب فيرجسون في ضم بيكام إلى مدرسة الفريق وإقناعه، لكنه لم يكن بحاجة لأي مجهود، فبيكام كان عاشقا لمانشستر يونايتد وأسرته كذلك، لطالما حلم بسماع اسمه يتردد في أولد ترافورد والفرصة قد أتت، التردد الوحيد من جانب العائلة كان في الانتقال من لندن إلى مدينة مانشستر حسب تصريحات نقلتها شبكة "بي إن سبورتس"، لكن عائلة بيكام قررت خوض التجربة.
كفتى متميزة في أكاديمية مانشستر يونايتد لفت إليه الأنظار بموهبته في لعب كرة القدم، ساهم في تتويج فريق الشباب بكأس الاتحاد الإنجليزي عام 1992 بجانب لاعبين شباب أخرين مثل ريان جيجز وبول سكولز وفيل وجاري نيفيل.
بيكام سجل في ذهاب النهائي ضد كريستال بالاس وكان مجموع المباراتين 6-3 لصالح الشياطين الحمر.
مستواه دفع فيرجسون ليضمه إلى الفريق الأول وشارك كاحتياطي ضد برايتون في بطولة كأس الرابطة، ثم ضد بورت فالي، ولصقل موهبته قرر مانشستر يونايتد أن يعيره.
قرر جاري بيترز مدرب بريستون نورث إيند أن يحصل على خدمات الشاب الإنجليزي الواعد صاحب الـ19 عاما، خاصة وأنه تمنى ولو يتركه مانشستر يونايتد في النهاية.
كتب جاري في كتابه "عالمي":"اعتقدت أن تلك الإعارة هي إشارة من النادي للتخلص منه لأنه خذلهم".
لكن سير أليكس فيرجسون كان له هدفا مختلفا، أراد صقله ومنحه خبرة في دوري الدرجة الثالثة ليثبت قوة شخصيته وجودته.
وخلال ذلك الشهر تشكلت شخصية بيكام وأصبح أكثر قوة وشارك مع الفريق الأول، وأصبح مسؤولا عن تنفيذ الكرات الثابتة، لم يكن يشعر بأي ضغط من أي نوع حيال تنفيذها، ودائما كان يطلبها وسجل هدفين في 5 مواجهات أحد هذه الأهداف جاء مباشرة عن طريقة ركلة ركنية.
عاد بيكام إلى مانشستر يونايتد، وشارك لأول مرة في الدوري ضد ليدز يونايتد في المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي عام 1995، كان أمرا كبيرا بالنسبة له، ثم شارك 4 مرات أخرى مع يونايتد في موسم 1994-1995 وبدا الأمر محبطا له، خاصة بعد خسارة لقب الدوري ضد بلاكبيرن ثم خسارة كأس الاتحاد الإنجليزي ضد إيفرتون.
في موسم 1995-1996 البداية لم تكن قوية مع خسارة مانشستر يونايتد بنتيجة 3-1 وبيكام كان من سجل هدف يونايتد، وحقق الفريق ثنائي بعد ذلك.
في الموسم التالي بيكام سجل واحدا من أفضل الأهداف في مسيرته كان ضد ويمبلدون حينما وجد نيل سوليفان حارس ويمبلدون متقدما وقرر التسديد من نصف الملعب لتسكن الكرة في الشباك، في ذلك الوقت علم الجميع أن بيكام قد أعلن عن ظهوره كنجم وسط كبار الدوري، وساند فريقه في الحفاظ على لقب الدوري، وحصل على جائزة أفضل لاعب شاب من رابطة اللاعبين المحترفين.
وفي 1996 انضم صاحب الـ21 عاما لمنتخب إنجلترا ليشارك ضد مولدوفا، ومع مشاركته ضمن الفريق الأول لمانشستر يونايتد شارك في كل مباراة ضمن الجولات المؤهلة لكأس العالم 1998.
وفي دور المجموعات سجل هدفا رائعا من ركلة حرة مباشرة ضد كولومبيا، بعد ذلك أصبحت تلك علامة مسجلة خاصة ببيكام، وتأهل منتخب الأسود الثلاثة لدور الـ16.
ضد الأرجنتين في ذلك الدور كانت أكثر المشاهد السيئة التي تورط فيها بيكام، كانت ضد دييجو سيميوني مدرب أتليتكو مدريد حاليا حينما قام بركله وقام الحكم بطرده، وودع منتخب إنجلترا البطولة بركلات الترجيح.
الفصل الأكبر في مسيرة بيكام، كان في عام 1999 حينما قاد مانشستر يونايتد للثلاثية التاريخية، فبعد الفوز بالدوري وتسجيله هدفا للتعادل ضد توتنام في أخر يوم من الدوري ليؤمن اللقب، ثم كأس الاتحاد الإنجليزي، جاءت مساهمته الأكبر ضد بايرن ميونيخ في نهائي دروري أبطال أوروبا.
صنع بيكام هدفين لكل من أولي جانر سولسكاير وتيدي شرينجام من خلال ركنيتين، ليثبت أن الركلات الثابتة هي من اختصاصه فقط، واحتل المركز الثاني في تصويتات الفيفا لأفضل لاعب في العالم.
واصل مانشستر يونايتد هيمنته على إنجلترا، وأصبح بيكام هو العنصر الأكثر فاعلية لدى الشياطين الحمر، ثم جاء هدفه الأكثر من رائع، وواحد من الأهداف التي لا تنسى في 6 أكتوبر 2001 ضد اليونان ومنتخب بلاده متأخر بهدفين لهدف.
سجل بيكام هدفا من على بعد 25 ياردة، لتنسى جماهير إنجلترا ما حدث في 1998 وتعود للتغني باسمه مرة أخرى.
الأيام الوردية التي عاشها بيكام انتهت بعد كأس العالم 2002، حينما فاض الكيل بسير أليكس فيرجسون بانشغال بيكام بما يحدث خارج الملعب مع زوجته فيكتوريا، وفقد إيمانه به خاصة وأنه وجد أن كرة القدم لم تعد حافزا له ولم تعد المحرك لقراراته، وأبعدها في مباراة هامة للغاية ضد ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا كلفت الشياطين الحمر الخروج رغم تألق بيكام وقلبه لمعطيات المباراة وفوز فريقه بنتيجة 4-3.
انهار كل شيء تقريبا بينه وبين مانشستر يونايتد بعد الحادثة الشهيرة حينما قام سير أليكس بركل الحذاء تجاه بيكام ليصطدم بوجهه، وعلى الرغم من كل ذلك ساهم في تتويج مانشستر يونايتد بلقب الدوري الإنجليزي، السادس له.
وفي صيف 2003 انضم إلى ريال مدريد وأصبحت صورته أكبر واسمه علامة تجارية كبيرة في عالم كرة القدم.
في ذلك الوقت كان ريال مدريد يضم راؤول وروبيرتو كارلوس ولويس فيجو وزين الدين زيدان ورونالدو.
خلال تلك الفترة كانت الأسئلة تتزايد حول إذا ما كان بيكام قد انضم إلى ريال مدريد ليبيع النادي قمصانه فقط، لكن النادي الملكي كان قد باع كلود ماكليلي.
وصرح فيجو بعد ذلك :"ريال مدريد بدأ في كسر القواعد قليلا فيما يخص فريق كرة القدم وكيف يجب أن يكون".
شعر بيكام بأنه يتم التقليل منه كلاعب كرة قدم، حسبما أوضحت صحيفة "جارديان" فهو لعب جيدا وأثبت أنه خطير وملتزم.
صرح فيجو عنه قائلا :"إنه ظاهرة، صورته مختلفة كليا عما يبدو عليه كلاعب وكشخص إنه يعمل بكد".
بيكام فاز بقلوب جماهير ريال مدريد سريعا بعد أن سجل في ظهوره الأول ضد ريال مايوركا في كأس السوبر الإسبانية، وساعد ريال مدريد للفوز ضد برشلونة في كامب نو الأول من1 20 عاما، ثم ضد ريال بلد الوليد بنتيجة 7-2 وأبرزهم كان هدفا سجله زيدان بعد تمريرة طويلة من بيكام.
فيما بعد كتبت صحيفة "ماركا" عن بيكام :"توقعنا أنه فتى جميل أنيق ثري، لكن هذا الشخص يقاتل ويبدع إنه ليس كما توقعناه".
حتى أتى عام 2007 حينما خرج من حسابات منتخب إنجلترا وقرر الرحيل إلى الدوري الأمريكي، وقتها قالت تقارير صحفية إن فابيو كابيللو هو من قرر استبعاده، لكن ذلك القرار أتى من بيدراج مياتوفيتش ورامون كالديرون المدير الرياضي ورئيس النادي على الترتيب.
ومع كثرة الإصابات في صفوف النادي الملكي دفع به كابيللو إلى تشكيلته، ليقود عودة تاريخية للنادي الملكي انتهت بالتتويج بلقب الدوري.
وبين شوطي أخر مباراة في الدوري ضد مايوركا اضطر بيكام للخروج بين شوطي المباراة ليشارك خوسيه أنطونيو رييس بدلا منه ويسجل هدفين قادا الفريق للقب.
فيما بعد كانت علامة بيكام التجارية قد ثبتت أقدامها في عالم المشاهير، ربما تناسى البعض جودته كنجم كرة قدم نظرا لأنه بمرور الوقت استحوذت العلامة التجارية على محركات البحث أكتر، لكن بيكام لم يكن في الملعب أبدا فتى جميلا يجلس لتقليم أظافره، بل كان مقاتلا يرغب دوما في الفوز.