كتب : محمد الفولي
حينما كنت لاعبا اعتدت مراقبة الطرق التي يستخدمها من دربوني بكل اهتمام ودقة. اهتممت بكيفية إدارتهم للمجموعة ككل وكيفية تعاملهم فرديا. المدربون الذين لعبت تحت إمرتهم مع المنتخب الأرجنتيني أثروا في تكويني بصورة عميقة. من كل واحد منهم خرجت بحلول ودروس.
ألفيو باسيلي مثال واضح على هذا. كان محفزا عظيما للفريق. يتحدث معنا بصراحة رهيبة والفريق كان مؤمنا بكل ما يقوله. لا زلت أتذكر المحاضرات الفنية لبطولة كوبا أمريكا التي فزنا بها. من أهم أسباب التتويج كان ما يحدث داخل غرف الملابس والطريقة التي كان باسيلي يتعامل بها مع المجموعة. وجوده وحده كان يهيمن على كيانك: صوته القوي وطريقة سيره والثقة التي يتحدث بها. كل هذه الأمور تعلمتها منه.
دانييل باساريلا كان معبودي. القائد العظيم الذي أتذكره من أيام الصغر. كنت أعشقه كلاعب وكمدرب كان قادر على نقل ما يرغب في قوله عبر النظرات. لم يكن يحتاج للكلام. هذه الميزة لا يصل اليها الكثيرون.
مارسيلو بييلسا كان المدرب الذي أيقظ في حس التدريبات. لم يكن يتعامل مع الحصص التدريبية على أساس أنها مجرد اجراء روتيني لتمضية اليوم. كانت ما هو أكثر من هذا حيث كانت تحدد ما الذي من الممكن أن يحدث في المباريات. كان يحاول استغلال كل لحظة في المران اليومي من أجل تحسين لاعبيه.
إنه مدرب استثنائي ويعرف كيف يخرج أفضل ما هو موجود لدى كل لاعب. حينما تلعب تحت امرة بييلسا فأنت تخرج من تحت يديه كلاعب كرة قدم حقيقي. البعض يقول إنه يضغط كثيرا على اللاعبين ولكن أنا أتحلى دائما بالايجابية. من كل المدربين الذين عملت معهم استعرت جزء يضيف شيء جديد لشخصيتي. لم أكن أنظر للسلبيات لأننا جميعا لنا وجه ليس لطيفا للغاية.
القدرة على المنافسة تعلمتها من كارلوس بيلاردو. إنه واحد من المدربين الذين تركوا أثرا كرويا عميقا في مسيرتي وبخلاف هذا علمني حب ماهية حب المنتخب الأرجنتيني. علمني أيضا كيف أتمركز داخل الملعب. عملت معه وعمري 18 عاما وبسبب تمردي لم أكن أفهم على سبيل المثال أن لاعب الوسط يمكنه اللعب في أكثر من مركز. حينها كنت أرى الكرة بشكل سطحي دون وجود الكثير من البدائل داخل نفس خط اللعب. بيلاردو كان المدرب الذي علمني كيف أفسر كرة القدم وكيفية قراءة المباراة والانتباه لما يحدث داخل الملعب.
كل هؤلاء علموني أنه يجب أن تتصرف في حياتك الشخصية كما تتصرف في الملعب. القول بأنك في الملعب تختلف عن منزلك مجرد أكذوبة. أنا كما أكون. هذه هي كينونتي. بكل تأكيد لا أعامل أبنائي كما أعامل اللاعبين ولكن هناك مبادئ ثابتة في كرة القدم والحياة مثل الاحترام والالتزام والثقة...
ذكريات الطفولة والشباب
حينما كنت صغيرا كان أوسكار نيسي هو أول مدرب عملت معه في فريق أشبال فيليز سارسفيلد وهو أول من أطلق علي لقب الـ"تشولو" وظل هذا الاسم ملتصقا بي طوال مسيرتي. حتى في الصغر المدربون يحددون مسيرتك وتكوينك.
بعدما وصل عمري لـ14 عاما أتذكر مدربي فيكتوريو سبينيتو. كان أحد أساطير روساريو في الستينيات وعملت تحت امرته حينما كان عمره 70 عاما ولكنه كان صاحب رؤية. في أحد الأيام وبعد لعبة قوية اقترب مني وقال لي "بعد ثلاث سنوات ستلعب في الدرجة الأولى". صدقت توقعاته فحينما كان عمري 18 عاما تقريبا خضت أول مباراة لي في القسم الأول.
خضت أول تدريب لي مع الفريق الأول لفيليز وعمري 15 عاما. الآن من السهل رؤية مثل هذه الأمور لأن صغار السن يسافرون سريعا للعب في أوروبا ولكن في تلك الحقبة لم يكن هذا أمرا عاديا. كان أول مدرب دفع بي في مباراة مع الفريق الأول هو دانييل ويلينجتون في 13 سبتمبر 1987 أمام خيمناسيا ايسجريما وخسرنا بهدفين لواحد.
في المباراة التالية كنا متأخرين بهدفين نظيفين أمام ديبورتيفو اسبانيول وأمرني المدرب بالاحماء في الاستراحة. كنت في قمة التركيز ودخلت الملعب قبل زملائي بخمس دقائق كانت بمثابة الدهر بأكمله. كان يوما للذكرى. كنت ألعب جيدا بين الخطوط وقمت باستغلال تمريرة عميقة لأنفرد بالحارس راوغته وسددت باليسرى في المرمى الفارغ.
جنة إيطاليا ورحلة الاصابة
بعد قضاء موسمين في فيليز رحلت نحو كرة القدم الإيطالية للعب في بيزا. بقيت هناك لمدة ثلاثة مواسم. رحيلي لأوروبا كان بمثابة إحداث شرخ في العائلة. في تلك الفترة (1989) لم يكن اللاعبون الأرجنتينيون يرحلون بالسهولة التي تحدث في الوقت الحالي.
كنت أرى إيطاليا بمثابة الفردوس. حينما كنت ألعب في فيليز، أيام الأحد كانت هي الروعة في حد ذاتها: كنت أستيقظ صباحا لتناول الافطار مع زملائي لأعود سريعا لغرفتي لمشاهدة مارادونا يلعب مع نابولي. بعدها أتناول وجبة خفيفة وألعب المباراة وأعود ليلا لمشاهدة مباراة أخرى مع قليل من الجعة والبيتزا.
حينما وصلت لإيطاليا كنت متوترا للغاية. أثناء وجودي في الطائرة كنت أحاول حفظ بعض الكلمات الإيطالية في ورقة لأقولها فور وصولي وكانت تتعلق بتوجيه الشكر على تعاقدهم معي والاعراب عن سعادتي. أظرف شيء كانت صورتي لدى وصولي للمطار لأنني سافرت من الأرجنتين وأنا أعاني من نزلة برد رهيبة فيما أن أوروبا كانت لا تزال في فصل الصيف بدرجة حرارة لا تطاق. كنت أرتدي معطفا ضخما للغاية. صور هذا اليوم تظهر مدى السذاجة التي كنت عليها حينها.
تجربتي في بيزا سمحت لي بالنضج لمواجهة الواقع القادم أمامي لاحقا. في 1992 تعاقدت مع إشبيلية حيث لعبت لمدة موسمين. كانت خطوة للأمام في مسيرتي. التقيت بمارادونا وبيلاردو، الذي عمل على تقويتي كلاعب كرة قدم.
بين 1994 و1997 ارتديت قميص الأتلتي. كانت مرحلة لا تنسى بسبب حب الجماهير والألقاب وتحقيق الثنائية. بعدها جاءت مرحلة الإنتر (1997-1999) ثم لاتسيو (1999-2003) ثم العودة لأتلتيكو (2003-2005) ثم الاعتزال في راسينج (2005-2006).
في لاتسيو تعرضت لأخطر اصابة في مسيرتي قبل سبعة أشهر على مونديال كوريا واليابان. كانت اصابة في الرباط الصليبي ومنذ العملية التي كانت في نهاية أكتوبر وحتى مايو تحولت كل حياتي إلى تحدي من أجل اللحاق بالبطولة، وكما يحدث دائما معي استخدمت العناد لتحقيق هدفي ونجحت دون عطلات وبعد تضحيات كثيرة تضمنت عدم رؤيتي لعائلتي.
ألصقت على السلم الذي كنت أستخدمه للخروج من منزلي للشارع لوحة كبيرة وضعت فيها 180 يوما على موعد وصولي للتعافي الكامل وكان هناك واحدة مثلها في غرفة الملابس صالة الألعاب الرياضية التي كنت أتدرب فيها لتسريع الشفاء. بعد كل يوم كنت أشطب على تاريخه في هذه النتيجة.
تمكنت من التعافي واللحاق بالمونديال تحت امرة مارسيلو بييلسا. لعبت أخر مباراتين. أثبت لنفسي مرة أخرى أن الأشياء التي تفعلها عن اقتناع تجعلك قريبا من تحقيق هدفك. صحيح أن هناك بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر ولكن هذه القناعة لا يجب أن تنكمش أمامها. يجب أن تسير للأمام وليس الخلف. هذا هو الفارق.
بلاد غريبة وقرار الاعتزال
قبل العودة للاعتزال في راسينج تلقيت عروضا للاستمرار في اللعب داخل بلاد غريبة لذا لم أقبلها. رغبتي دائما كانت هي الاعتزال في صفوف راسينج، فريقي منذ الطفولة. اذا ما كنت أقدمت على الاعتزال في دولة أخرى غير عريقة كرويا، ربما كان سيعني هذا تدمير كل ما كنت أشعر به كلاعب. لم أفضل عزل نفسي في دولة ذات تقاليد كروية هشة واخترت أن تكون أيامي الأخير في راسينج دون الابتعاد عن هذا الشعور.
الآن لا أفتقد كثيرا حقبتي كلاعب لأنني نافست بكل قوة وأقدم ما لدي لكرة القدم من منصبي الحالي. لم أحتفظ لنفسي بشيء. سلمت لكرة القدم حياتي وشغفي والتزامي ومجهودي. الآن أعيش كرة القدم من مكان أخر وبشغف آخر. تثيرني فكرة ضرورة اقناع المجموعة وتحقيق أشياء هامة. حلمي هو ترك علامة ليس عبر الألقاب التي يمكنني تحقيقها بل ما يمكنني بثه في اللاعبين والمؤسسة.
دربت راسينج (2006) واستوديانتيس (2006-2007) وريفر بليت (2008) وسان لورنزو (2009-2010) وكاتانيا (2011) وراسينج مجددا (2011) والآن أتلتيكو مدريد. إنها فرق كثيرة في فترة قصيرة.
حلمي الآن هو جعل الأتلتي أكثر تنافسية وأن يكون التطلع الأكبر هو تحسين الأمور عما كانت عليه في الموسم السابق مع أهداف محددة وواضحة. ليتنا بمرور الوقت نتمكن من المنافسة اقتصاديا مع باقي الأندية ولكننا نحتاج للفوز لكي نقترب من الأندية كبيرة الميزانية.
--
هذه كانت الحلقة العاشرة من كتاب "تأثير سيميوني – استراتيجية التحفيز".
الكتاب هو سيرة ذاتية يحكيها سيميوني ويترجمها FilGoal.com للمهتمين برحلة التشولو الملهمة.
اقرأ الحلقات السابقة
تأثير سيميوني – (1) كيف تقنع لاعبا بطيئا بأنه سيحقق لقبا لا ينسى
تأثير سيميوني – (2) ركنية روبن كازان و"حكاية" ما قبل النوم
تأثير سيميوني – (3) درس من لاعب والحظ والحكام والنظام
تأثير سيميوني – (4) الشغف وبداية الرحلة
تأثير سيميوني – (5) برود الألقاب وعشق الأتلتي والمدرب الغبي
تأثير سيميوني – (6) الفرق الكبرى وبيب جوارديولا ودور الإدارة
تأثير سيميوني - (7) كيف تؤنب لاعبيك وتقود فريقك؟
تأثير سيميوني – (8) نجوم أتليتكو والروح المطلوبة
تأثير سيميوني – (9) اللاعب المتمرد ودييجو كوستا