حينما تقدم كل ما لديك من أجل فريقك، وتسعى لتحقيق المستحيل من أجله، ثم تجد أنك لا تحصل على شيء في المقابل، أو على أقل تقدير لا أحد يعترف بما قدمته، فكيف سيكون رد فعلك؟
قد تخرج في الإعلام وتصرح عن الطريقة السيئة التي عوملت بها، قد ترح إلى أحد الأندية المنافسة لإثبات أنك كل شيء، قد تصمت ولا تفعل أي شيء على الإطلاق، لكن هناك رد فعل وحيد لن ينساه التاريخ.
في عام 1983 كان يوان كرويف في الـ36 من عمره، أثناء فترته الثانية مع أياكس، وقد ساعد النادي في تحقيق الثنائية المحلية بطولة الكأس والدوري، في المقابل وجد أخبارا حزينة للغاية.
النادي لن يجدد عقد اللاعب الذي قدم طيلة حياته كل ما لديه من أجله وتلك الألقاب التي توج بها معه، أراد كرويف أن يثبت أنه قادر على تحقيق المزيد على إثبات ذاته.
قرر كرويف أن يتخذ قرارا غاضبا للغاية بالانضمام إلى منافس أياكس في ذلك الوقت، فينورد، على الجانب الأخر في ذلك الوقت كلا الطرفين احتاج لبعضهما البعض.
فينورد لم يكن قويا كفاية لمجاراة قوة أياكس، ولديه مجموعة جديدة من الشباب، وبطريقة ما بدا الأمر صعبا على الطرفين في البداية، خاصة وأن متابعي كرة القدم لم يتقبلوا حقيقة أن ذلك حدث فعليا وأن كرويف ارتدى قميص فينورد.
بدأ فينورد الموسم بقوة، وفاز في 5 من أول 6 مباريات له في الدوري وأهدر نقطة وحيدة قبل مواجهة أياكس في كلاسيكو الموسم، المباراة لعبت في الملعب الأوليمبي.
فينورد سجل 14 هدفا في أول 3 مباريات له في الدوري، عودة كرويف إلى أياكس بقميص فينورد لم تكن أبدا أمرا طبيعيا.
حسب صحيفة "دي تليجراف" الهولندية فإن فينورد كان ممتلئا بالثقة ضد أياكس، ورغب في إثبات نفسه، لكنه خسر بنتيجة 8-2، الأكبر بينهما، ولم يفهم أحد ما حدث على الرغم من ذلك لم يؤكد أحد أن فينورد لعب بطريقة سيئة، اشتبك الجماهير، لكن التأكيدات كانت بسلسلة من الأخطاء التي عوقبت بأسوأ طريقة ممكنة.
كانت تلك النتيجة كافية لتدمير بداية فينورد الجيدة في ذلك الموسم، لكنها فعلت العكس تماما، فينورد تعافى بشكل جيد مع تألق نجم شاب في الـ21 من عمره يسمى رود خوليت.
كرويف كان يلعب في تلك الفترة مع أسماء متميزة مثل جوب هيلي وبيتر هوتمان وأندري هويكسترا وإيفان نيلسين وبيير فيرميولين وأندري زيليازكوف.
تطلب الأمر منذ مباراة أياكس 5 أشهر كاملة ليخسر فينورد مجددا، بعدما لعب 15 مباراة من دون خسارة من ضمنها 12 فوز، ثم خسر ضد جرونينجين في أواخر شهر فبراير، لكن تلك كانت أخر خسارة للفريق في موسم 1983-1984.
تمكن فينورد من إبعاد أياكس من بطولة كأس هولندا في دور الـ16 ثم التتويج باللقب. أما في الدوري الأوروبي فخرج الفريق من المسابقة على يد توتنام هوتسبر بعدما تألق جلين هودل.
بعد الخسارة من جرونينجين في الدوري، كان على فينورد مواجهة أياكس مرة أخرى، والآمال في أمستردام كانت واضحة فوز جديد من أجل تدمير موسم الخصم.
في المباراة نجح الثنائي رود خوليت وكرويف في هز شباك أياكس، ليفوز فينورد بنتيجة 4-1، وسجل يان مولبي هدف أياكس الوحيد، وأكدت تلك النتيجة أن فينورد قد تعافى كليا من الخسارة بنتيجة 8-2 في وقت سابق خلال الموسم.
كرويف لم يكن دوره كلاعب كرة قدم فقط في فينورد بل كان أكثر من ذلك كانت له عين خبيرة، في مباراة "إيجلز" بالدوري والتي تعادل خلالها الفريقان، سجل ستانلي برارد وهو كان يلعب في مركز الظهير الأيسر، قبل أن يصر يوان كرويف على أن يغير مركزه إلى الجناح اليسر، بعد ذلك لم ترتح الجماهير لذلك القرار وشعر اللاعب نفسه بعدم الراحة.
في وثائقي عبر "بي إن سبورتس" أكد من خلاله برارد أنه كان يشعر بذلك في البداية لكن مع الوقت عرف ما كان يطلب منه فعليا.
برارد لعب دورا حيويا للغاية في التمركز على الجناح الأيسر، مما سبب قلقا للظهير الأيمن الذي يواجهه، إضافة إلى أنه حرمه من التقدم لمساندة فريقه هجوميا، وذلك كان يضفي ضغطا أقل بكثير على كرويف في الملعب مما يمنحه المساحة والفرصة لتغيير مجرى اللقاء.
في أخر 11 مباراة بالدوري الهولندي نجح فينورد في الفوز بـ8 مباريات والتعادل في 3 بعد الفوز ضد أياكس، نجح ذلك في التتويج بلقب الدوري بعد موسم ممتاز ليصبح اللقب رقم 12 في تاريخ فخر الجنوب.
المقربون من كرويف أوضحوا فيما بعد أنه حاول تقديم رد مباشر لأياكس الذي قرر التخلي عنه بعد 12 عاما من مساندته للفوز بلقب الدوري والكأس، وهي نفس الثنائية التي حققها مع فينورد، كما فاز بجائزة لاعب العام باختيار كتاب هولندا.
خوليت بعد ذلك فاز بنفس الجائزة باختيار لجنة المحترفين واللاعبين، وكانت طريقة كرويف مختلفة للغاية في إنهاء مسيرته كلاعب كرة قدم.
صرح توني فيتزباتريك لاعب سانت ميرين السابق والذي واجه كرويف أثناء فترته مع فينورد قائلا:"لاعب مثله ينضم إلى فينورد هو أمر جلل خاصة وأنه كان لاعبا لأياكس".
وأضاف "نحن كلاعبين كنا متشوقين للغاية لأننا سنراه فقط وسنلعب ضده، إنه يوان كرويف".
وتابع "إنه يوان كرويف حينما تصل إليه الكرة في أي وقت وأي عمر فأنت ستخشى الاقتراب منه، إنه يلعبها بطريقة جميلة، يجز العشب بحذائه محاولا صنع الفارق، لا أفهم لما قد يتخلى عنه أياكس طالما قادر على اللعب".
في حين أن صحيفة "جارديان" البريطانية كتبت :"كرويف فاز بلقب دوري متتاليين لأياكس، حينما كان في سن الـ36 لم يدفعوا له مالا كافيا، لذا انتقل إلى فنيورد وتوج بطلا للدوري واعتزل في نهاية الموسم".
وأضافت :"ضم كرويف لا يضمن لك البطولة، لكنه يجعلك مرشحا مباشرا للفوز باللقب، حينما غادر كرويف الملعب قام المذيع الداخلي بالاستاد بالتصفيق له ثم قال أصفق للرجل الذي جعل الحياة غنية وثمينة للغاية أفضل مما كان ليصبح عليه الحال من دونه".
رحل كرويف عن فينورد في الصيف وقام النادي بضم لاعب أخر مثل أياكس في وقت ما وكان أيقونة للفريق هو جوني ريب صاحب الـ33 عاما في 1984، لكن الموسم لم يكن ناجحا كما كان عليه الحال مع كرويف، خسر الفريق كل شيء وكأن مفعول السحر قد انتهى برحيل الأيقونة الهولندية، وفوق كل تلك المعاناة رحل رود خوليت في صيف 1985 إلى بي إس في أيندهوفن، وأصبح كرويف مدربا لأياكس.
لا شك أن يوان كرويف كان كافيا ليجلب لقب الدوري والكأس لفينورد ويثبت أنه قادر على الإبداع والتطوير في كل شيء، حتى في الانتقام جاء على طريقته الخاصة وقدم نفس ما قدمه في أخر مواسمه مع أياكس.