كتب : محمد الفولي
كانت أندية كثيرة تتابع كريستيانو رونالدو من ضمنها برشلونة. كتب كشاف النادي الكتالوني خوان مارتينيز فيلاسيكا عنه "إنه لاعب مثير جدا للاهتمام. يتمتع بخصائص فريدة تجعل منه شابا واعدا. في يوم من الأيام إذا ما كان ذكيا وعرف كيف يدير مسيرته سيلعب في واحد من أفضل فرق أوروبا. ليس لدي شك أنه في المستقبل قريب سيكون من أفضل لاعبي العالم".
أهلا بكم في الحلقة الرابعة من كتاب "طموح بلا حدود" للكاتب الإيطالي لوكا كاليولي والذي يتناول مشيرة النجم العالمي كريستيانو رونالدو.
طالع الحلقة الأولى، الثانية، والثالثة.
أوروبا تنتبه
لم يكن فيلاسيكا هو الوحيد الذي يمتلك هذا الرأي بخصوص اللاعب الشاب حيث كانت تتابعه عدة أندية كبرى مثل أرسنال ومانشستر يونايتد وليفربول وتشيلسي وإنتر ميلان ويوفنتوس وبارما وأتليتكو مدريد وبرشلونة وفالنسيا.
كان الفرنسي أرسين فينجر مدرب أرسنال هو من تقدم على الجميع وفي يناير 2003 حصل كريستيانو على دعوة لزيارة لندن للحديث بخصوص مستقبله. كان فينجر يدرك مدى إعجاب رونالدو بنجم "المدفعجية" في تلك الفترة تييري هنري. ووعد بتقديمه للاعب الفرنسي.
استمرت المفاوضات بعد الزيارة ولكن فكرة فينجر الرئيسية كانت تتمحور بقاء الفتى لمدة عام إضافي في لشبونة قبل أن يحط الرحال إلى إنجلترا. هذه كانت نفس فكرة إنتر ميلان، كان يرغب في ترك رونالدو لمدة عام في لشبونة ليواصل تأهيله.
لويس سواريز الحاصل على الكرة الذهبية عام 1960 والذي سبق له اللعب في برشلونة وإنتر كان كشافا للنادي الإيطالي وفي يوم من الأيام تلقى مكالمة بخصوص شاب برتغالي واعد وموهوب في سبورتينج لشبونة. ذهب لمشاهدته وتحدث مع عائلته ولكن المفاوضات باءت بالفشل.
فالنسيا أيضا كان شبه تعاقد مع رونالدو مقابل ثلاثة ملايين يورو ولكن تغييرات في إدارة النادي تسببت في إفساد الصفقة. جيرارد هولييه سمع من كشافيه عن كريستيانو وانتقل لفرنسا لمتابعته في بطولة تولون الودية وكان عازما على جلب اللاعب لليفربول. تحدثت الصحافة حينها عن عرض بقيمة سبعة ملايين ونصف مليون يورو بجانب لاعب أخر لصالح سبورتينج مقابل الحصول على رونالدو.
اجتمع مسئؤولو الـ"ريدز" مع جورجى مينديش وكان الكل يتوقع أن يحط كريستيانو الرحال في أنفيلد. قال كريستيانو حينها إنه يحب كثيرا كرة القدم الإنجليزية، على الرغم من أنها ليست المفضلة بالنسبة له، فمنذ الصغر كان يحب كرة القدم الإسبانية. يترك رونالدو الباب مفتوحا ويقول:"ليفربول أحد أكبر أندية بريطانيا وحلم بالنسبة لأي لاعب".
مانشستر
خلال بطولة تولون الودية سأل الصحفيون كريستيانو عن شعوره في ظل متابعته من قبل أكبر أندية القارة العجوز فكانت إجابته "لا أشعر بأي ضغط. فقط السعادة والبهجة بمعرفة اهتمام أندية وشخصيات كبرى في كرة القدم بالعمل الذي أقدمه. هذا الأمر يمنحني القوة لمحاولة التحسن، ولكن حتى الآن لم أتحدث مع أحد ولم يصل عرض معين لسبورتينج".
كان مانشستر يونايتد هو الفائز في النهاية باللاعب مقابل 15 مليون يورو. حدث هذا الأمر عقب اجتماع السير أليكس فيرجسون وجورجي مينديش وكيل اللاعب وسيماويش ألميدا المدير المالي لسبورتينج. لم يكن يتبقى سوى توقيع رونالدو نفسه.
كان رونالدو متأكدا بنسبة 100% من أن مستقبله أصبح مرتبطا بقميص يونايتد ولكن النبأ لم يعلن حتى 12 أغسطس، فطوال أسبوع كانت هناك حفلة راقصة بين التأكيد والتكذيب من قبل أطراف مختلفة، فلا أحد يرغب في إفساد حفل سبورتينج الحقيقي بافتتاح ملعبه الجديد في السادس من أغسطس 2003 والذي صمم خصيصا لاحتضان مباريات كأس أمم أوروبا. كان من المقرر أن تجمع المواجهة بين سبورتينج لشبونة ومانشستر يونايتد.
كان هناك اتفاق تعاون موقع بين الناديين وبفضل هذا الأمر أصبحت أكاديمية سبورتينج لشبونة بمثابة قطاع ناشئين يخص الشياطين الحمر، بمعنى أخر أن لمان يونايتد أولوية عن الأندية الأخرى في صفقات لاعبي "الأسود"، ولكن كريستيانو كان يرغب في إثبات أنه صفقة ناجحة.
لهذا السبب أصبحت تلك المباراة - الأخيرة له مع سبورتينج لشبونة - بمثابة أفضل مباراة لعبها بقميص الفريق حيث صنع الهدف الأول للويس فيليبي في الدقيقة 25 بخلاف أكثر من تسديدة خطيرة على مرمى فابيان بارتيز. أذهل الجميع بسرعته ومهارته ومرواغاته وقدرته على الركض وتغيير وتيرة اللاعب وسهولة الهروب من منافسيه.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/QCeGoaaTNsg" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
ينظر أليكس فيرجسون إلى بيتر كينيون ويقول له:"من المستحيل أن نجعل هذا الفتى يهرب من بين أيدينا. من المستحيل أن نرحل بدونه. داخل غرفة الملابس لم يكن اللاعبون يعرفون أن الأمور كانت شبه محسومة ولا ينقصها سوى توقيع رونالدو، لهذا ذهبوا لفيرجسون والتفوا حوله وطالبوه بضرورة ضمه، كما يقص فيل نيفيل.
لم يرد عليهم فيرجسون، فهو ليس لديه أي نية لإعلام لاعبيه بأن الأمور تمت. إنه ثعلب عجوز بالفعل لقد جعل لاعبيه يختاروه بأنفسهم دون أن يدركوا هذا. الأمور كانت محسومة بالفعل، خاصة بعد ذلك الاجتماع السري الذي عقده فيرجسون مع كريستيانو في غرف الملابس عقب نهاية تلك المباراة.
حينما وصل رونالدو لمانشستر كان مقتعنا بأنه سيوقع العقد ويخوض الفحص الطبي ويزور النادي ومنشآته ويعود للبقاء معارا في سبورتينج لشبونة لمدة عام آخر. هذا ما ما كان يعرض عليه دائما، ولكنه اكتشف بعد التوقيع لمدة خمسة مواسم براتب يقترب من مليوني يورو سنويا أنه كان مخطئا.
يقول كريستيانو:"لم أكن أفهم أي شيء من الإنجليزية لذا لم أعرف ما الذي كان يقوله فيرجسون لمينديش الذي شرح لي لاحقا أنني لن أعود للشبونة. سأبقى في مانشستر، لهذا شعرت بالاندهاش والتوتر".
لم يعرف حينها ماذا يفعل فهو لم يحضر أي ملابس معه ولكن هذا الأمر تم حله، سيتدرب في كارينجتون ويعود للشبونة لجلب متاعه. قدم رونالدو والبرازيلي جوزيه كليبرسون في 13 أغسطس حيث ظهر كريستيانو مرتديا قميص أبيض اللون يبدو كما لو كان شفافا وبنطال من الجينز بخصلتي شعره الملونتين.
الانطباع الأول
لم يكن الانطباع الأول إيجابيا بسبب مظهر كريستيانو وعمره ومظهر "المراهق" الذي ظهر به. أغلى مراهق في تاريخ الكرة البريطانية. كانت 15 مليون يورو تبدو كثيرة على لاعب عمره 18 عاما لم يخض سوى 25 مباراة بالدوري البرتغالي ولم يسجل سوى ثلاثة أهداف.
كان فيرجسون يثق في اللاعب لأن مانشستر يونايتد يتابعه منذ أن كان عمره 15 عاما. كان كارلوس كيروش مساعد الإسكتلندي هو أول من نبه الشياطين الحمر بخصوص كريستيانو، ولكن تشاء الأقدار أن يرحل المدرب البرتغالي عن الفريق في نفس موسم وصول رونالدو لتدريبات النادي.
هناك أحد الأسماء المنسية في هذه العملية، رجل الأعمال ووكيل يونايتد بيني زاهافي الذي اجتمع في 2002 مع مسئولي سبورتينج لشبونة للتوصل لاتفاق بخصوص اللاعب صاحب القميص رقم 28. بين هذا اليوم والانتقال الرسمي كانت هناك الكثير من الاجتماعات بمشاركة وغياب عدة أطراف.
القميص رقم 7
منح فيرجسون القميص رقم "7" كريستيانو كما لو كان الأمر رسالة ضمنية مفادها أن هذا الفتى سيصبح لاعبا عظيما وربما أسطورة، ففي النهاية هذا هو القميص الذي ارتدته أسماء مثل جورج بيست وستيف كوبل وبران روبسون وإريك كانتونا وديفيد بيكهام.
كشف رونالدو لاحقا في حوار مع صحيفة (صن) الإنجليزية أنه لم يكن يرغب في القميص رقم 7 حيث يقول "طلبت من فيرجسون القميص رقم 28. نفس ذلك الذي كنت أرتديه في سبورتينج، ولكن فيرجسون رفض وقال لي. رقم 7 يخصك، فقلت له حسنا يا مدير. لم أتجرأ على معارضته".
بعد ثلاثة أيام على تقديمه خاض رونالدو مباراته الأولى على أولد ترافورد في الجولة الأولى بالدوري أمام بولتون. كان في البداية على الدكة ولكن في الدقيقة 60 أمر فيرجسون بإدخاله بدلا من نيكي بات. صفق الجمهور للصفقة الجديدة التي لم تحبطهم. خلال 30 دقيقة تمكن من إظهار مهاراته حيث صنع هدفين وتسبب في ركلة جزاء أهدرها رود فان نيستلروي واختير رجلا للمباراة.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/6TdzHjn6VII" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
كان فيرجسون يدرك أيضا أنه مجرد فتى عمره 18 عاما، لهذا كانت مشاركاته بحساب. كان الإسكتلندي يعتني به كما فعل مع ديفيد بيكام أو ريان جيجز أو بول سكولز. دقائق من اللعب وأخرى من الراحة ومباريات دون مشاركة. يجب على طفل ماديرا التأقلم على كرة القدم الإنجليزية وأسلوبها وقواعدها وطريقة لعب مانشستر يونايتد وغرفة ملابس الفريق والمناخ والطعام واللغة والصحافة الإنجليزية ومراقبتها اللصيقة وانتقاداتها المتتالية.
انتقادات بسبب ملابسه ولشخصه ولمغامراته العاطفية ولماضيه ولعائلته ولما يفعله داخل الملعب و"الغطس"، الجريمة التي لا تتقبلها كرة القدم الإنجليزية. خلال العام الأول كان أكثر ما جذب انتباه الصحافة والجمهور هو شكواه المستمرة من الحكام. المشكلة الرئيسية أن كريستيانو لم يكن معتادا على كرة القدم الإنجليزية التي تعتمد أكثر على الجانب البدني ويسمح فيها للمدافعين باللعب بصورة أكثر قسوة، وربما أكثر قبحا من البرتغال.
يخوض كريستيانو مباراته الأولى في دوري الأبطال أمام شتوتجارت. كان يلعب أساسيا وفي ق67 تحتسب ركلة جزاء له تمكن فان نيستلروي هذه المرة من تسجيلها في مباراة فاز بها الشياطين الحمر بهدفين لواحد، ثم سجل بعدها بشهر أمام بورتسموث في أولد ترافورد أول هدف له بالقميص رقم 7 من ركلة حرة. كانت بداية جيدة لفتى ماديرا ولكن بنهاية الموسم كانت حصيلته أربعة أهداف في 25 مباراة بالدوري.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/lQ3c9yJlgxY" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/Ft3TFEyo01s" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
في 25 فبراير 2004 يعود كريستيانو للبرتغال لمواجهة بورتو ومدربه جوزيه مورينيو ولكن الفريق البرتغالي فاز بهدفين لواحد في مباراة لعب بها كريستيانو 14 دقيقة فقط وشهدت طرد روي كين، في الإياب سجل سكولز الهدف الأول وألغى الحكم هدفا أخر له. كانت هذه النتيجة كفيلة بصعود مانشستر يونايتد ولكن فيرجسون كانت لديه رغبة في المزيد، أدخل رونالدو الذي لم تستمر مباراته سوى ثماني دقائق فقط حيث تعرض لإصابة في الكاحل أجبرته على الخروج ومن على دكة البدلاء شاهد كيف سجل فرانسيسكو كوستينيا هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة ليصعد بورتو لربع النهائي.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/AuLnmexj4hE" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
في 15 مايو لعب مانشستر يونايتد أخر مباراة له في فيلا بارك أمام أستون فيلا. سجل رونالدو هدفه الرابع في الدوري ولكنه حصل في ق80 على بطاقته الحمراء الأولى في إنجلترا. كان قد حصل على بطاقة صفراء لإدعاء الإصابة وفي ق80 يركل الكرة غاضبا ليحصل على بطاقة ثانية ويطرد. كانت طريقة سيئة لإنهاء الدوري.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/Ul8_ejZ8RDQ" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
أنهى مانشستر يونايتد الموسم بـ79 نقطة في المركز الثالث بفارق أربع نقاط عن تشيلسي الثاني و15 عن أرسنال الذي حصد اللقب. لحسن الحظ كان يتبقى نهائي كأس إنجلترا. كانت فرصة جيدة للتتويج باللقب لأن البطولات الأخرى كانت حسمت بما فيها كأس الرابطة الإنجليزية.
كان هذا هو أول نهائي لرونالدو في إنجلترا حيث سجل الهدف الأول في ق44 بالرأس بعد عرضية من جاري نيفيل في مباراة أنهاها مانشستر يونايتد بثلاثية نظيفة أمام ميلوول. كانت الحصيلة النهائية لموسم كريستيانو في كل البطولات هي تسجيل ثمانية أهداف في 39 مباراة بينما اختارته جماهير الفريق لجائزة (سير مات باسبي) لأفضل لاعب في العام.
<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/PeubmsKs2vU" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
قال فيرجسون عقب اختيار رونالدو:"إنه لاعب شاب له تأثير هائل. يستحق الجائزة. سير مات باسبي كان مؤمنا بضرورة إعطاء اللاعبين الشباب الفرصة وهذا هو ما حدث مع كريستيانو".
يتبع.