كتب : إسلام مجدي
حقيقة أن يلقب واحد من أعظم رؤساء الأندية في إسبانيا فريقه بالملعونين، ربما يكون بداعي الصدمة أو من الحزن الشديد، لكن بعد تكرار الأمر مرتين؟ الأمر يدعو لتفكير شديد.
أن تفشل مرة أو اثنين فبإمكانك أن تحاول أكثر، محاولة ثالثة باءت بالفشل، عليك بتضميد الجراح ومرة جديدة تعود للمنافسة على اللقب الغالي لربما يبتسم لك الحظ وتزول اللعنة.
أتليتكو مدريد كان على وشك التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا عام 1974، الحلم بدا قريبا للغاية، فكرة اللعنة بدأت من هنا، انتصارات قوية للغاية ضد جالاتاسراي ودينامو بوخاريست والنجم الأحمر الصربي ثم سيلتك، الفريق الإسباني بدا قويا للغاية ومنيعا وبخطى ثابتة سار نحو نهائي دوري الأبطال.
أقيم النهائي في بروكسل في ملعب هيسيل، لم تكن الرحلة سعيدة في البداية لأي طرف، في مباراة الذهاب وبعد مرور 114 دقيقة افتتح لويس أراجونيس التسجيل، بإسكانه الكرة في شباك بايرن ميونيخ.
لم تدم الفرحة طويلا خاصة بعد تألق كتيبة نجوم بايرن ميونيخ، صحيفة "ماركا" الإسبانية أكدت أن أتليتكو بالغ في الاحتفال قبل نهاية المباراة وشتت نفسه بنفسه مع تبقي 6 دقائق، حتى أن ميجيل رينا حارسه كان يحتفل، حتى رأينا المدافع المتألق هانز جورج شوارزينبيك يسدد كرة صاروخية من على بعد 40 متر سكنت شباك الروخيبلانكوس لينتهي اللقاء بالتعادل.
بعد يومين أعيد اللقاء، كانت تلك المرة الوحيدة التي تم تحديد الفائز بلقب دوري الأبطال بهذه الطريقة، فاز بايرن ميونيخ بنتيجة 4-0، خاصة بعد أن هيمن العملاق البافاري نفسيا وفي الملعب ضد خصمه، بدا أمرا مشابها للغاية لما حدث في نهائي بطولة 2013-2014 بعد هدف سيرخيو راموس.
بعد نهائي 1974 تحدث فيسنتي كالديرون قائلا :"إننا ملعونون، فطر قلبنا والآن علينا أن نداوي الجراح".
بدا الأمر وكأنها مجرد كلمات عابرة جاءت مع الموقف السيء الذي تعرض له الفريق الحالم، لكن تلك الكلمات ظلت عالقة في أذهان كل مشجع لأتليتكو، النادي تطور عبر الزمان وتغير في فترات كثيرة، لكن تلك الجملة لازالت عالقة، الأمر مشابه للعنة جوتمان.
انتظر الفريق الأبيض والأحمر في ظل جاره الملكي ما يقرب من الـ40 عاما، في إسبانيا لا يمكنك أن تتحدث سوى عن ريال مدريد وبرشلونة، بقية الفرق تتألق على فترات، لكن في مدريد هناك عملاق وأخر يحاول النهوض دوما.
بين عامي 1996 و2014 فاز أتليتكو بلقب الدوري الإسباني للمرة التاسعة والعاشرة في تاريخه، أعظم اللاعبون في التاريخ ستجدهم بين الناديين وقد كتبوا الكثير والكثير، أما بقية الأندية فلاعبيها يرحلون تباعا للبحث عن سماء يمكنهم أن يكونوا نجوما فيها.
في 2014 كان دييجو سيميوني قد جهز فريقا قويا للغاية وطريقة تكتيكية صلبة مع أتليتكو مدريد، حقق معه لقب الدوري وكان قد كتب إنجازات معه منذ وصوله، وجعله ذو شخصية صلبة للغاية، من الصعب أن تكسر عزيمتهم إنهم كالملاكمين.
أتليتكو كان في المجموعة السابعة رفقة زينيت سان بيرتسبرج وبورتو وأوستريا فيين، لم يتخيل أي شخص أن ذلك الفريق قد يصل بعيدا في تلك البطولة، سجل 15 هدفا في مجموعته واستقبل 3 أهداف فقط في 6 مباريات فاز في 5 منها وتعادل مباراة.
الأدوار الإقصائية الأولى وبالتحديد دور الـ16 لم يكن المقياس الأكبر للحكم، أتليتكو كان عليه مواجهة ميلان الذي كان يعاني بدوره ولم تكن مهمة صعبة مجموع لقائي الذهاب والإياب كانت 5-1 للروخيبلانكوس.
بعد ذلك أتى الاختبار الحقيقي اللحظة التي علم فيها الجميع أن هناك مرشحا قويا للفوز باللقب، أتليتكو كان عليه مواجهة برشلونة، كانت مواجهة نارية للغاية، استطاعت خلالها كتيبة سيميوني أن تفوز بمجموع 2-1 وهو أمر صعب للغاية ضد خصم قوي مثل الفريق الكتالوني.
ريال مدريد كان عليه اجتياز بايرن ميونيخ في نصف النهائي، بينما المعادلة الصعبة كانت متمثلة في تشيلسي بالنسبة لأتليتكو نظرا لتقارب الخصمين من بعضهما البعض في طريقة اللعب.
وكأن التاريخ يعيد نفسه ريال مدريد تخطى بايرن ميونيخ بكل براعة، 1-0 ثم 4-0، المجموع 5 للملكي، وبالنسبة لأتليتكو فالأولوية كانت دوما ألا تستقبل أهدافا 0-0 ثم 3-1 ضد تشيلسي ليكون المجموع النهائي.
العمل الجاد والشخصية القوية، هذا هو إرث سيميوني الذي قال في وقت سابق :"لا أشعر بالحماسة لكنني أشعر بالمسؤولية، هناك العديد من الأشخاص يثقون بنا، وآمل أن نكون عند حسن ظنهم".
أتليتكو مدريد كان لديه أزمات قبل المباراة، إصابة دييجو كوستا وأردا توران، لكن سيميوني لم يكن خائفا، قال إنهما مجرد اسمين، لم يرغب في التقليل منهما، لكنه أراد أن يطمئن نفسه ولاعبيه، كان يعلم جيدا أنها ضربة قوية له.
بدأ المباراة بكوستا لكنه لم يستمر لـ9 دقائق، بدا الأمر مستحيلا مع خبرة كارلو أنشيلوتي في النهائيات، وقوة الكتيبة التي معه في المباراة، بدت مهمة مستحيلة، حتى جاءت رأسية دييجو جودين في الدقيقة 36.
لم يدم ذلك طويلا بأحداث مشابهة لليلة بروكسل الحزينة، وذكريات اللعنة، مدافع أخر سجل هدفا لكن هذه المرة برأسية عبر سيرخيو راموس في الوقت القاتل، جعل المباراة تدخل إلى وقت إضافي.
لم يفهم أحد ما حدث بعد ذلك، انهار أتليتكو كليا، الأمر بدا معنويا وواضحا مع قلة خبرة كبيرة، جعلت النهائي ينتهي بنتيجة 4-1.
قال سيميوني عقب المباراة :"شاهدتم ما حدث، ريال مدريد كان أفضل منا خاصة في الشوط الثاني، ضغط علينا كثيرا، أخبرت اللاعبين أنهم لعبوا وفعلوا ما عليهم، يجب ألا يطأطئوا رأسهم أبدا، سنفكر في الموسم المقبل".
وتابع "الأمر ليس حول الحزن، أشعر به لكن لأننا لم نصل لهدفنا، أتمنى لو كان بإمكاننا الفوز بها بالطريقة التي أردت، لكننا لم نفعل، سنتخطى ذلك ونعود من جديد أن أعرف ذلك جيدا".
تاريخ أتليتكو مدريد في إسبانيا قوي وكبير ربما ليس ريال مدريد أو برشلونة لكنه يمتلك شخصيته، أفضل أوقاته كانت متواجدة حتى نهائي 1974، منذ ذلك الحين عاش لحظات سعيدة لم تصل أبدا لأيام، حتى عام 1996، ثم عاد نجمه ليخفت، ثم هبط في عام 2000 للدرجة الثانية.
عاد النادي لبناء نفسه من جديد بعد استقالة خيسوس جيل، منذ عام 2003، لكن لم يصبح له شخصية قوية سوى حينما وصل سيميوني في ديسمبر 2011، وسرعان ما تطور الفريق وأصبح موجودا بقوة وسط كبار أوروبا.
قوة أتليتكو مدريد كانت دوما في قدرته على تعويض خسائره الكبرى من لاعبيه، حينما خسر رادميل فالكاو نجمه لصالح موناكو، وجد دييجو كوستا، وحينما خسره لصالح تشيلسي وجد أنطوان جريزمان واستعاد فيرناندو توريس، لطالما كان قادرا على تعويض أي لاعب، إن رحل خواو ميراندا فلا مشكلة هناك خوسيه خيمينيز ولوكاس هيرنانديز وستيفان سافيتش.
أتليتكو واصل البناء، وحانت لحظة جديدة لمعانقة ذات الأذنين في نهائي 2015-2016، ضمت مجموعته بنفيكا وجالاتاسراي وأستانا، وكالعادة تصدر بتسجيله 11 هدفا واستقبل 3 فقط فاز في 4 مواجهات تعادل في واحدة وخسر واحدة.
هذه المرة كان الوضع غريبا في دور الـ16 عليه تخطي بي إس في أيندهوفن، وفي مباراتين بدتا مملتين انتهى كلاهما بالتعادل السلبي حتى حسمت ركلات الترجيح التأهل للروخيبلانكوس.
من سيواجهه سيميوني في ربع النهائي؟ برشلونة مرة أخرى هذه المرة فاز بمجموع 3-2 في مباراتي الذهاب والإياب، وانعكس الأمر بعض الشيء، هذه المرة الفريق الإنجليزي كان عليه مواجهة ريال مدريد والألماني واجه أتليتكو.
بايرن ميونيخ خرج بعد التعادل بنتيجة 2-2 في مباراتي الذهاب والإياب لكن هدفا خارج الأرض حسم الأمر لصالح الإسبان، على الجانب الأخر ريال مدريد سجل في مباراتي الذهاب والإياب هدفا وحيدا أهله للنهائي.
صرح سيميوني قبل المباراة :"النهائي هذه المرة سيكون مختلفا ومتساويا، إنها هوية أتليتكو مدريد التي نتحدث عنها، حتى قبل نهائي 2014 بعامين، كنا نعمل على هويتنا وتوازننا وبنيتنا".
"بعد الخسارة في لشبونة عملنا سويا من دون أن نغير شيئا في شخصيتنا، لسنا بحاجة لتغيير أي شيء، إن أصررت على ما تؤمن به، فستحققها يوما ما".
لم يكن هذا يوم سيميوني أو أتليتكو مدريد، هذه المرة سجل ريال مدريد أولا في الدقيقة 15 عن طريق راموس مرة أخرى، ثم تعادل يانيك فيريرا كاراسكو في الدقيقة 79، لم يحدث أي شيء، لم تكن هناك رباعية جديدة لأي طرف، ركلات الترجيح حسمت الأمر لصالح ريال مدريد لتستمر اللعنة.
قال سيميوني عقب الخسارة مرة جديدة:"مرة أخرى ريال مدريد كان أفضل منا، كانت لدينا فرصة جديدة للفوز باللقب لكننا لم نستخدمها، ما علينا أن نفعله الآن أن نعود للمنزل ونحاول تضميد جراحنا، تفعل أفضل ما لديك الأفضل على الإطلاق، لكنك تخسر نهائيين".
"الأمر ليس سهلا أبدا، ليس سهلا على الإطلاق، وحياتي لم تكن كذلك، أن تصل لنهائيين في 3 أعوام هو إنجاز رائع لأتليتكو، لكنني لست سعيدا بما حدث".
ستظل القصة منقوصة دائما، هل أتليتكو ملعون؟ أم أنها بعض التفاصيل الصغيرة للغاية هي ما قررت نتيجة كل نهائي من الثلاثة؟ وإن كان ملعونا فلماذا لا تحل تلك اللعنة أبدا؟