كتب : إسلام مجدي
نتذكر جميعا ذلك المشهد، لا يوجد أحد لا يحترمه، حينما أعلن عن اعتزاله كرة القدم قام الكل ليصفق له على ما قدم، مثالا يحتذى به في القيادة، وأصبح واحدا من أفضل قادة فريقه على مر التاريخ.
إن تحدثنا عن كارليس بويول نجم برشلونة السابق فإننا سنذكره وهو يجري حاملا كأس العالم بعد إنجاز تاريخي رفقة منتخب إسبانيا، لا يسعك أبدا سوى احترام ما قدمه طيلة مسيرته.
قال عنه جوسيب جوارديولا مدربه السابق :"أرقامه تتحدث عنه، إنه قائد ومثالا يحتذى به، لطالما كان أول من يصل للتدريبات، وساعدني كثيرا طيلة مسيرتي، من دون شك واحد من أعظم اللاعبين".
وأضاف "إن تحدثنا عن الموهبة أو المهاجمين الذين لعب ضدهم، إنه موهبة دفاعية، وبدا كما لو أنه يستمتع بكل مباراة يشارك فيها، لقد كان لاعبا ذكيا للغاية، واحدا من أعظم اللاعبين في تاريخ برشلونة".
ابن كتالونيا البار بدأ مسيرته مع فريق منطقته بوبلا دي سيجور، الفارق الأكبر بالنسبة له أنه كان يفضل حراسة المرمى وأن يظل على خط المرمى لم يكن يفضل مركز المدافع.
بعد ذلك وبعد العديد من الإصابات خاصة في كتفه، نظرا لأنه لم يكن قويا كفاية، لم يسمح له بالمشاركة في مركز قلب الدفاع، قرر الفتى الكتالوني الصغير أن ينتقل لمركز أخر مجبرا ليلعب في الهجوم.
فترة قصيرة مرت على مشاركته داخل المستطيل الأخضر بعيدا عن خط المرمى، ليقرر فريقه أن يلعب به في مركز المهاجم، حاول أن يتخطى المدافعين بشتى الطرق، حسب وثائقي نشرته قناة "بي إن سبورتس" فإنه كان حسب تصريحاته يحاول قراءة عقولهم لكي يتخطاهم خاصة من يراقبه.
حينما انضم إلى برشلونة بدا الأمر متأخرا للغاية، فقد كان في الـ17 من عمره، وذلك كان سنا كبيرا خاصة وأنه انضم إلى فريقه سي، بعد ذلك لعب مع كتيبة أخرى وبضعة شباب جدد هم جيرارد بيكيه وسيسك فابريجاس وليونيل ميسي، جميعهم كانوا أصغر منه حينما انضم إلى النادي، لكنه بدا لهم قدوة وقائد يحترمونه.
بدايته كانت في مركز محور الارتكاز، وحينما وصل لفريق ب، انتقل للعب في مركز الظهير الأيمن، وبدا موهوبا لكل المدربين الذين عملوا معه، كان صبورا للغاية وراغبا في التعلم، وفي قرارة نفسه علم أن الفرصة آتية لا محالة.
في الفريق الأول تم تصعيده عام 1999، مع لويس فان جال، ولم يبد أنه سيحصل على فرصة قط، خاصة مع تألق فرانك دي بور، ليقرر المدرب الهولندي أن يتخلى عن خدماته لصالح مالاجا حسب عدة تقارير صحفية في إسبانيا في ذلك الوقت، وكان على بعد خطوة من الانضمام لمالاجا.
بعد ذلك قام المدافع الشاب بويول برفض الفرصة تماما، وقرر ألا يرحل ويقاتل من أجل مركزا أساسيا في برشلونة، خاصة مع رؤيته لزميله شابي هيرنانديز يتم تصعيده للفريق الأول وهو صديقه المقرب.
لم يمتلك فان جال قط البصيرة الكافية ليعرف أن بويول قائد ومقاتل، بعد ذلك كانت صحيفة "سبورت" قد تساءلت عن ذلك الأمر والطريقة التي عامل بها المدرب الهولندي المدافع الإسباني، وشبهت بويول بالجوهرة.
الصحيفة تساءلت عن السبب، وتعجبت كيف لك أن تقدم كلارنس سيدورف وإدجار ديفيدز وباتريك كلويفرت وشابي لعالم كرة القدم، ولم تفعل ذلك مع بويول؟
بعد رفض عرض مالاجا، تم دعوة بويول للتدرب مع الفريق الأول طالما أنه لن يرحل، وحينما شارك كان انطباع فان جال غريبا.
وقال له المدرب الهولندي وقتها :"ما مشكلتك؟ ألا تمتلك أموالا لتقص شعرك؟".
ظهوره الأول مع برشلونة كان في أكتوبر 1999 ضد بلد الوليد، شارك كبديل لسيماو، وبعد ذلك بعام لعب في الكلاسيكو، تلك المباراة التي ألقي خلالها رأس خنزير ضد لويس فيجو اعتراضا من جماهير برشلونة على خيانته لهم وانتقاله لريال مدريد.
بويول لم يترك فيجو يمر وتم تشبيهه في الصحف الإسبانية في ذلك الوقت بـ"الجدار" ذلك الاسم الذي انتظر 10 أعوام حتى يصبح لقبه الرسمي.
فيما بعد تألق بويول لم يكن ملحوظا بالدرجة الكافية، إلى أن أتت مسابقة دوري أبطال أوروبا 2002، حينما كان برشلونة يواجه لوكوموتيف موسكو، والمرمى خال وفقط بويول يحمي المرمى، ليقف بين الكرة والمرمى الخال بصدره، تصدى لها ببراعة، وبطريقة جعلت الجميع يلقبه وقتها بقلب برشلونة.
لم تكن هناك الكثير من التساؤلات حول موهبته، الكل علم أن برشلونة امتلك مقاتلا في مركز قلب الدفاع، والجماهير أصبحت تتغنى باسمه.
وانضم إلى تشكيل منتخب إسبانيا في كأس العالم 2002، كان قد ساهم في تتويج الإسبان ببرونزية أولمبياد 2000، والكل كان يعرف أنه ظهير أيمن متميز، لكن وبطريقة مثيرة للجدل ودعت إسبانيا البطولة من ربع النهائي ضد كوريا الجنوبية.
بعد تلك البطولة تحول للعب في مركز قلب الدفاع، ثم صوت له اللاعبون في موسم 2004-2005 ليصبح قائدا لهم، وانتهى ذلك الموسم بالفريق متوجا بلقب الدوري الإسباني، ليصبح الأول لفرانك ريكارد كمدرب، والأول لبرشلونة منذ 1999.
وفي موسم 2005-2006، كان بويول نجما ساطعا في مركزه، بجانب ذلك الجيل الشهير، برشلونة لعب كرة ممتعة وفاز بالثنائية الدوري ودوري الأبطال، ورفع المدافع المتميز اللقب في باريس ليضيف لحظة سعيدة لمسيرته.
عانى المنتخب الإسباني كثيرا حتى يصل إلى ما وصل إليه، خاصة بعد توديع كأس العالم 2006 أيضا، لكن لن ينسى من تلك البطولة الهدف الذي سجله فيرناندو توريس بمساعدة ممتازة من بويول، وتم اختيار هذا الهدف ضمن أفضل 100 هدف في تاريخ كأس العالم.
بدا الأمر كرسالة للجميع، إسبانيا لديها شيئا ما يبنى لكنه بحاجة للوقت، خاصة مع ذلك المدافع الجسور، لكن مع فريقه لم تكن هناك سعادة طيلة الوقت، في موسم 2006-2007 ساءت الأمور، بويول عانى من الكثير، حينما مات والده لم يخبره أحد حتى خاض فريقه مواجهة ديبورتيفو لاكرونا والتي أصيب خلالها أيضا.
خسر الدوري في أخر يوم، وبصفر بطولات، وفي الموسم التالي ساءت الأمور، وودع البطولة من نصف النهائي، والدوري كذلك كانت أسوأ، أنهى الموسم على بعد 18 نقطة من ريال مدريد البطل، وعلى بعد 10 نقاط من فياريال الذي أنهى الموسم وصيفا.
من كل تلك الظروف الصعبة عاد بويول في بطولة يورو 2008 مع منتخب إسبانيا، مسيرته كانت مهددة، وبعض الصحف الإسبانية شككت في إمكانياته، لكن المنتخب الإسباني كان قويا للغاية خاصة مع بويول، ليخرج بثلاثة مباريات من دون تلقي أهداف، واستقبل 3 أهداف فقط في البطولة التي توج بها منتخب إسبانيا، ليصبح اللقب الأول له منذ عام 1964 بعد الفوز ضد ألمانيا بنتيجة 1-0.
الآن كان عليه العودة إلى برشلونة، وتحد جديد يطرق الأبواب، مدرب شاب يدعى بيب جوارديولا، ريكارد كان قد أقيل ورحل ديكو ورونالدينيو، ثم ضم الفريق بعض الصفقات أهمها ذلك الزميل السابق لبويول.
كان جيرارد بيكيه قد رحل إلى مانشستر يونايتد، لكن جوارديولا استعاد خدماته، معه وجد بويول زميلا أكثر من رائع شكل له استقرارا وأمانا في تلك المنطقة، كانا أصدقاء في الماضي وبإمكانهما تجديد تلك الصداقة الآن.
شراكتهما الدفاعية كانت من أقوى الشراكات سواء في أوروبا أو في تاريخ برشلونة، بداية الموسم كانت صعبة مع جوارديولا وأسلوبه في اللعب، لكن بعد ذلك حقق النادي أول ثلاثية له، لم يكن أي فريق إسباني قد فعلها من قبله، بويول مرة أخرى رفع الكأس.
الموسم التالي كان ناجحا لبرشلونة أكثر مع بيب، السوبر الإسباني وكأس العالم للأندية وكأس السوبر الأوروبي والدوري الإسباني.
وعلى الصعيد الدولي؟ منتخب إسبانيا أصبح عملاقا من 2008، والجميع كان يعض نصب عينيه على كأس العالم 2010، إسبانيا كانت مرشحا قويا للفوز باللقب، ومع شراكة الرباعي بويول وبيكيه وسيرخيو راموس وخوان كابديفيا بدا الأمر ممكنا.
بعد الوصول لنصف النهائي كان عليهم مواجهة ألمانيا مرة أخرى، ومع قوة الماكينات ونتائجهم المخيفة بتحطيم إنجلترا بنتيجة 4-1، ثم الأرجنتين 4-0 في ربع النهائي، استبق الجميع النتيجة وكأن الحمر قد خسروا، استمرت المباراة سلبية حتى الدقيقة 73، ركنية متقنة للغاية من شابي بعيدة عن حارس الألمان مانويل نوير، بدا وكأن بيكيه الأقرب لها، ثم ظهر بويول الذي طار وبرأسية قوية للغاية سجل هدف اللقاء الوحيد ليصعد إلى النهائي، والبقية كانت من التاريخ، بويول توج بطلا لكأس العالم، وحينها عرفته الصحف الإنجليزية بلقب "الجدار".
مر بموسم ناجح أخر مع بشرلونة توج خلاله بلقب الدوري ودوري أبطال أوروبا، لكن الإصابة حرمته من بدء النهائي في ويمبلي، وشارك لدقائق قليلة، وحينما فاز فريقه مرة أخرى ضد يونايتد، منح إريك أبيدال الفرصة ليرفع اللقب، بعد معركة قوية ضد المرض.
إصابة جديدة جعلت بويول لا يشارك في يورو 2012، وبعد ذلك انتهت مسيرته الدولية عند 100 مباراة.
صرح عنه فيسنتي ديل بوسكي قائلا :"كارليس كان مثالا للجميع سواء داخل أو خارج الملعب، إنه يستحق كل شيء جيد لما فعله وقدمه ليست كلمات، بل أفعال أيضا".
واصلت الإصابات تضييق الخناق على بويول، وع الفوز بلقب الدوري في 2012-2013، بدا أن نهاية مسيرته مع الملاعب قد قاربت على الانتهاء، وفي الموسم التالي كانت الإصابات مرة أخرى ليعرف أنها النهاية، عرف أن جسده لن يدعه يلعب مرة أخرى ليقرر الاعتزال.
قال عنه جيرارد بيكيه :"أعرف أنني سأفتقد لحديثنا سويا في غرف الملابس، ونصائحه لي خاصة حينما يطلب منا أن نقدم أقوى ما لدينا في الملعب، إن بويول فريد من نوعه، أجد الأمر مزعجا حينما يتحدثون عن بويول جديد، بإمكانهم البحث كيفما شاءوا لكنهم لن يجدوه أبدا".