"الطبيعة لم تمنح جسده القدرة على تحمل هذا الوزن الذي يملكه اليوم"
إيفان زامورانو يمرر الكرة برأسه للأمام، يتسلم رونالدو الكرة على صدره ويعتدل منطلقا في مواجهة فيرناندو كوتو وسينيسا ميهايلوفيتش لاعبي لاتسيو.
المدافع البرتغالي الصلب يبدو قلقا في مواجهة الإعصار البرازيلي المندفع، يحرك الأخير ساقه اليمنى للخارج محاولا التمويه، صوت قرقعة غريب يصدر ورونالدو يسقط على الأرض.
--
كرة القدم لها وجهان، ككل شيء آخر، الوجه الحزين للعبة الجميلة هو ما نتحدث عنه اليوم. بطل القصة هو الظاهرة رونالدو لويس نازاريو دي ليما.
يوم 28 أغسطس من عام 1994 شاهد الأوروبيون رونالدو للمرة الأولى يداعب الكرة في القارة العجوز.
في مباراته الأولى بقميص أيندهوفن لم يستغرق الأمر سوى 10 دقائق ليزور الفتى النحيل، وقتئذ، شباك فيتيسه. حسنا كانت تلك فقط مجرد بداية.
السجل التهديفي لرونالدو ومنجزه الكروي معروف للكل، هذا ليس محور القصة اليوم. قصة اليوم، كما قلنا، طابعها حزين.
عندما بدأ رونالدو رحلته الأوروبية قادما من كروزيرو إلى أيندهوفن في سن الـ17 كان في طور النمو البدني، لكنه عمليا كان يملك كل شيء.
سرعة خارقة، حتى كان ليبدو أسرع بالكرة من دونها، مهارة خيالية تشهد عليها مرواغات لا يمكن التصدي لها وقوة جسد تمكنه من مع مدافعين يفوقونه عمريا وعضليا بكثير برغم نحافة جسده في ذلك الوقت.
في ذلك الوقت كان رونالدو يزن حوالي 76 كيلوجراما ويبلغ طوله 178 سنتيميترا. بعد حوالي 16 شهرا سيتعرض المهاجم اليافع لإصابة في الركبة اليمنى، التشخيص كان إصابته بمرض نادر اسمه "أوسجود شلاتر" يصيب الشباب الذين ينمون عضليا بسرعة كبيرة.
المرض يسبب آلام في الجزء السفلي من الركبة وضعف في وتر الرضفة الذي يتعرض للإجهاد المتكرر بسبب الضغط الناتج من عضلات الفخذ الأمامية .
لم يكن ذلك ليوقف رونالدو الذي كان يقول حينها "كرة القدم حياتي، إذا لا يمكنني اللعب أغدو محطما".
وبالتأكيد لم يكن ليوقف أيندهوفن الذي يعتمد هجومه بشد على البرازيلي الشاب وأيضا وكلائه الذين يريدون أن يذهبوا به لأندية أكبر.
الحل كان عملية جراحية وتأهيل للوتر على يد إخصائي برازيلي يدعى فيليه كان سبق له معالجة روماريو من مشاكل في الركبة كذلك.
عاد رونالدو مرة أخرى لإرهاب المدافعين والحراس لكن وقته في هولندا شارف على الانتهاء خاصة مع انتقاداته العلنية للمدير الفني لأيندهوفن وقتها ديك أدفوكات.
برشلونة وإنتر ميلان كانا أبرز المهتمين بضم رونالدو، لكن الأخير تراجع مع مخاوف حول إصابة رونالدو في الركبة، نعم القدر يفعل ذلك أحيانا، والأول اضطر لتحطيم الرقم القياسي العالمي لجلب البرازيلي إلى كتالونيا مقابل 15 مليون يورو في صيف 1996 لأصغر من حاز جائزة أفضل لاعب في العالم.
في إسبانيا، اكتسب رونالدو حقا لقب الظاهرة، ليضاف إلى ألقاب أخرى كالملك والفتى المعجزة وكابوس الحراس، وفي عام واحد حافظ على لقب الأفضل في العالم من الفيفا وأضاف إليه الكرة الذهبية وسجل 34 هدفا في 37 مباراة.
من بين هذه الأهداف كان هدفه الشهير في مرمى كومبوسيتلا، راقب كيف نما جسد البرازيلي وأصبح أقوى وأكثر قدرة على صد الالتحامات البدنية العنيفة.
برغم كل الإنجازات إلا أن رونالدو لم يكن سعيدا في برشلونة ولم يتمكن مسئولي النادي الكتالوني من تجديد تعاقده، حتى 2006 كما كانوا يرغبون وقتها، ليدفع إنتر ميلان الشرط الجزائي البالغ 28 مليون يورو، متناسين مخاوفهم السابقة من إصابته، ويحطم رونالدو مجددا الرقم القياسي للانتقالات.
موسم أول عبقري مع إنتر ميلان يليه موسم متوسط ثم يبدأ رونالدو موسم 1999-2000 بشكل رائع قبل مواجهة سهلة أمام ليتشي تفوق فيها النيراتزوري بستة أهداف دون رد شارك فيها البرازيلي بهدف لكن التواء ركبته كان أسوأ ما حدث له في السنوات الأخيرة.
تمزق وتر الرضفة كان معناه غيابه عن الملاعب لخمسة أشهر، رونالدو قال بعد الإصابة "لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول، فقط إني غير محظوظ بشكل بالغ".
لكن الأمر ليس متعلقا بالحظ فقط، أحد أطباء إنتر في ذلك الوقت كان أليساندرو تراباتوني ورأيه كان كالتالي "رونالدو يحمل وزنه على ركبته اليمنى، في بعض اللحظات الصعبة يكون كل وزنه مرتكز على هذه النقطة من الجسد".
بعد أشهر من العلاج والتأهيل لتقوية الوتر عاد رونالدو لتدريبات فريقه. كان يعلم أن وتر ركبته اليمنى المصاب لن يعمل أبدا بنفس الكفاءة كما كان من قبل. إذا عدنا للقياسات البدنية سنجد رونالدو الآن أصبح وزنه يزيد على 82 كيلو جراما وطوله يفوق الـ180 سنتيمترا.
"إذا قارنا رونالدو لاعب أيندهوفن برونالدو الحالي يمكننا أن نرى شخصين مختلفين ، فقط أسنانه هي وجه الشبه".
إنتر ميلان يواجه لاتسيو في نهائي كأس إيطاليا، ست دقائق تمر على نزول رونالدو بديلا ونعود للمشهد حيث يسقط في مواجهة كوتو.
الكل في إنتر ميلان كان يترقب عودة الظاهرة لإنقاذ موسم الأفاعي، حينما سقط رونالدو الفاجعة كانت أكبر من مجرد خسارة مهاجم الفريق الأساسي.
كوتو كان أسرع من في الملعب لإدراك ما حدث، توقف وصاح وأشار بيديه لجلب الإسعافات لرونالدو، دييجو سيميوني متوسط ميدان لاتسيو هرع ليطمئن على رونالدو الساقط أرضا والذي كان يصيح في ألم "لماذا أنا؟".
سيغيب رونالدو عن الملاعب لـ20 شهر أخرى ويعود ليحصد كأس العالم مع البرازيل ويضيف لقب أفضل لاعب في العالم للمرة الثالثة بعد أن غير من طريقة لعبه وأصبح أقل اعتمادا على السرعة وأكثر اعتمادا على التمركز وسيحظى بمسيرة تخلده كأحد أفضل المهاجمين في التاريخ.
لكن اللاعب الذي كان بمقدوره أن يصبح أعظم من ذلك، انتهى يوم 12 أبريل عام 2000 وهو يصرخ متألما في نفق الخروج من الملعب الأوليمبي في روما.