كتب : محمد يسري
عرفت كرة القدم مركز "ليبرو" عن طريق الألماني فرانز بيكنباور أثناء فترته الذهبية مع بايرن ميونخ، وأعاد الإيطالي أندريا بيرلو استحداث مركز "ريجيستا" أو صانع الألعاب المتأخر، وفي إقليم كتالونيا كان ميسي يطبق واجبات المهاجم الوهمي “false 9” بكل حذافيرها مع بيب جوارديولا بما قدمه من ألاعيب وهمية ما بين 2009 وحتى 2012.
تلك المصطلحات الكروية أُدركت بقاموس كرة القدم بفضل هؤلاء اللاعبين لتأثيرهم الكبير مع فرقهم في تحقيق البطولات. لاعب أخر انضم لهؤلاء، ليس لأنه يجيد اللعب كليبرو مثل مواطنه، لكن بسبب قدرته على استغلال المساحات وهز شباك الخصم من أي ثغرة. أنه توماس مولر أو "رومديتور".
"رومديتور" أو مهندس المساحة هو مركز عرفته كرة القدم عن طريق الألماني صاحب الـ27.
البداية تكون بالتواجد على أحد جانبي الملعب، ثم الدخول للعمق وخلق المساحة، ثم التسجيل. هذا هو تعريف المركز الذي ابتدعه مولر.
ويقول مولر: "كل ما في الأمر هو الوقت الذي يدور بين لعب التمريرة وبين التمركز في المكان الصحيح".
مولر ليس وحده من أدخل هذا المركز في كرة القدم، بل جاء بمساعدة من جوارديولا.
حين تولى بيب جوارديولا مهمة تدريب بايرن ميونخ في 2013، كان يستهدف نقل الكرة الشاملة المعتمدة على الاستحواذ وما فعله مع برشلونة إلى الفريق الألماني.
لكن أساليب جوارديولا كانت يجب أن تناسب هداف كأس العالم 2014 وخريج الأكاديمية الذي كان عنصرا أساسيا في الفريق منذ تصعيده مع لويس فان جال حتى بات أهم عضو في المنظومة الهجومية ليوب هاينكس والتي حققت الثلاثية.
يقول مؤلف كتاب Pep Guardiola: The Evolution مارتي بيراناو عن مولر: "كان أكثر من فقد الكرة من لاعبي بايرن ميونيخ خلال العامين ونصف الماضيين، لا يجيد المراوغة بالشكل المطلوب، ولا يمتلك السرعة الكافية للركض بالكرة، ويحتاج للعمل أكثر لاتقان التصويب على المرمى وليس جيد بما يكفي بضربات الرأس؛ لكنه ومع كل هذا يظل لاعبا مذهلا".
الموسم الثاني لجوارديولا مع بايرن، وبعد انطلاقة قوية للبافاري في الدوري الألماني، كان الفريق على موعد خارج أرضه مع اينتراخت فرانكفورت، كما جرت العادة بدا جوارديولا اللقاء مهاجما بثلاثي مكون من مولر، ريبيري وليفاندوفيسكي.
بعد 22 دقيقة فقط، توغل الظهير الأيسر خوان بيرنات من جبهته وتبادل تمرير الكرة مع ليفاندوفيسكي قبل أن يحولها عرضية لمولر الذي هرب من الرقابة، وصوب الكرة بيمناه لكن الحارس تصدى لها، وهنا لم يجد مولر أي صعوبة في وضع ركبته بالكرة لإسكانها الشباك.
في الدقيقة 63 عاد مولر وسجل هدفه الثاني بعد تحرك عرضي ممتاز كسر به التسلل وحول تمريرة فرانك ريبري في المرمى من خراج منطقة الجزاء بذكاء شديد.
بعدها بـ4 دقائق، ومن تبادل مراكز مع ليفاندوفيسكي سجل هدفه الثالث بعدما راوغ الحارس فيلكس فيدفالد.
تلك المباراة توضح لماذا يعتبر الألماني لاعبا مذهلا. فالأهداف جاءت بطرق مختلفة من أماكن مختلفة، مولر انتهز أقل الفرص وأضيق المساحات للتسجيل، التي حين توجد يكون مولر في أوج تألقه.
<<iframe width="100%" height="450" src="https://www.youtube.com/embed/ELCD1jNgl3Y" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
لكن على الرغم من ذلك، في أول موسمين لجوارديولا مع بايرن سجل مولر 26 هدفا فقط في الدوري بواقع 13 هدفا في موسم 2013-2014 ومثلهم في موسم 2014-2015، وهو ما جعل بيب يضعه في مركز المهاجم الوهمي، الجناح، ورأس الحربة من أجل تسجيل المزيد، لكن مولر لم يكن ليتألق في هذا المراكز.
مولر فسر قائلا: "لا أجد نفسي في عملية بناء اللعب".
لذا كان على بيب أن يجد حلا لتلك الأزمة، أزمة استغلال لاعب بمثل هذه المواصفات لكنه قادر على حسم المباريات والتسجيل. وهو ما وجده بعد موسمين من العمل معه.
أخر مواسم جوارديولا في ألمانيا وجد أسلوب مناسب لمولر، اللعب بجناحين في الهجوم وليفاندوفيسكي ومولر، مما اتاح له الحرية في التحرك، وأصبح لا يشارك في بناء الهجمة، فقط يشارك في إنهاء الهجمة المرمى، على أن يقوم باقي اللاعبين بتحضير وبناء وصناعة اللعب.
جوارديولا صنع التوازن في الفريق بين الحرية لمولر وبين باقي الأفراد، كل على حدة في منظومة خاصة به، كل يساهم في عملية تسجيل الأهداف لكن لكل منهم طريقة خاصة.
ليفاندوفسكي هو من يشترك في اللعب ويلتحم مع المدافعين ويبتعد عن منطقة الجزاء أحيانا وأحيانا أخرى يكون داخلها، بينما يبحث مولر عن الهروب من الرقابة وتواجد في الفراغات والتسجيل.
وربما يفسر حديث المدرب الإسباني عن مولر لماذا استحدث هذا الأسلوب: "ينتهز كل فرصة، ويعرف كيف يذهب للمرمى بسبب فطنته ورؤيته".
وكما استحدث جوارديولا مركز المهاجم الوهمي لميسي في برشلونة وجعل قلبي دفاع ريال مدريد كريستوفر ميتزيلدر وفابيو كانافارو في حيرة من أمرهم بسبب تحركات الأرجنتيني في الكلاسيكو الذي انتهى لصالح برشلونة بهدفين دون رد في 2009، خلق جوارديولا هذا المركز لمولر.
النتيجة كانت تسجيل 20 هدفا في الدوري الألماني بالإضافة إلى 8 أهداف في دوري الأبطال و4 أهداف في الكأس ليصل مجموع أهداف مولر 32 هدفا في كل المسابقات.
أما هذا الموسم مع كارلو أنشيلوتي، فالأمر اختلف. مركز "رومديتور" مازال حاضرا؛ لكن بمهام أخرى.
المدرب الإيطالي الذي تولى تدريب بايرن ميونيخ في الموسم الحالي خلفا لجوارديولا، جعل مولر يقوم بخلق المساحات لليفاندوفسكي للتسجيل، وليس التواجد فيها كما ككان يفعل مع جوارديولا. خدعة مشابهة لما كان يفعله كريم بنزيمة مع كريستيانو رونالدو أثناء تولى أنشيلوتي القيادة الفنية لريال مدريد.
لهذا لم يسجل مولر سوى 4 أهداف فقط في الدوري الألماني حتى الآن بعد مرور 23 جولة.
لكن استخدام مولر الجديد للمساحات في دفاع الخصوم يظهر في صناعته لـ12 هدفا ليكون أكثر من صنع لبايرن أهدافا حتى الآن في الدوري بعد صناعة 7 أهداف فقط طوال الموسم الماضي.
المحتوى مترجم من موقع thesefootballtimes