فلسفة برشلونة الكروية.. ثورة صنعتها ورقة انتخابية يائسة أتت بكرويف
الجمعة، 24 مارس 2017 - 11:56
كتب : أحمد العريان
"يوان كرويف وضع الأساس.. ومن يأتون من بعده يسيرون على خطاه أو يطورون فكره".. هكذا تحدث جوسيب جوارديولا عن فلسفة كرويف الكروية في برشلونة.
اليوم تمر الذكرى الأولى ليوان كرويف، الأب لروحي لفلسفة برشلونة الكروية، والتي سنسرد في السطور التالية قصة تمنكه من غرسها في قلب برشلونة.
موقع "FourFourTwo" نشر تقريرا عن فترة يوان كرويف مع برشلونة وكيف غرز فلسفته في النادي وكان سببا في توريثها لأجيال من بعده ونعيد نشره لكم في ذكرى تأسيس النادي.
في السابعة مساءا لليوم الـ 27 من شهر أبريل في عام 1988، وفي قاعة لأحد فنادق برشلونة التي لا تبعد سوى خمس دقائق عن ملعب "كامب نو".
21 لاعبا من برشلونة ومدربهم لويس أراجونيس يجلسون على طاولة واحدة أمام جوسيب لويس نونيز رئيس النادي.
يتقدم خوسيه رامون أليكسانكو قائد الفريق ويتلو بيانا باسم اللاعبين: "سيدي الرئيس أنت فضلت مصلحتك الشخصية على النادي، أنت لا تحبنا كلاعبين ولا جمهور ولكن تحب نفسك فقط.. لذلك نطالبك بالرحيل".
لقد كان الموسم الأسوأ لبرشلونة منذ موسم 1941/1942 وبعد أن كان الفريق في نهائي البطولة الأوروبية قبل موسمين بات في مركزا متأخرا بجدول ترتيب الليجا.
لويس أراجونيس محبط من النتائج وأصيب بالاكتئاب، ورئيس النادي منشغلا بالانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب.
ورقة انتخابية يائسة
جوسيب نونيز ليس سعيدا بالوضع، الجميع أصبحوا ضده وبهذه الطريقة سيخسر منصبه في رئاسة النادي. 6 أيام فقط مروا بعد هذا الاجتماع العاصف ليقرر نونيز إقالة لويس أراجونيس وتعيين أسطورة الفريق السابق والمدرب الشاب يوان كرويف.
القرار كان مقامرة من نونيز، فرغم أن كرويف فاز بكأس هولندا لموسمين متتاليين مع أياكس أمستردام وتوج ببطولة أوروبا للأندية أبطال الكأس، إلا أن النجاح ليس مضمونا مع برشلونة بطبيعة الحال.
هو الحل الأخير إذن.. فإما ينجح كرويف مع الفريق أم أن الخسارة أمام المنافس سيكستي كامبرا باتت مضمونة في الانتخابات.
شاب في الـ 23 والاحتفاظ بالقائد
كرويف وصل إلى الفريق وبدأ الثورة. عرض 15 لاعبا للبيع من بينهم نحوم الفريق الكبار فيكتور مونوز، رامون كالديري وبيرند شوستر الذي انتقل إلى الغريم ريال مدريد.
12 اسما جديدا أضافهم كرويف لتعويض الراحلين، ومن بينهم آوزوبيو ساكريستان، متوسط الميدان الدفاعي الذي أصبح حديث العالم بعد ذلك في خطة كرويف الجديدة.
أوزوبيو يقول "فخور كوني جزءا من فريق كرويف التاريخي لبرشلونة، لقد كنت شابا في الـ 23 من عمري وطموحي يزيد عن سني، لكن كرويف أحسن اختيار جنوده. لقد كنا طموحين ونريد تحقيق الإنجازات لنا وللفريق".
كرويف غير كثيرا في قائمة الفريق، لكنه احتفظ بالقائد أليكسانكو رغم صيحات الاستهجان من المدرجات في فترة الاستعداد قبل الموسم واعتراضهم على الأسماء المنتدبة.
ويقول كرويف "دور أليكسانكو كان محوريا داخل الفريق، فقد كانوا متوحدون حوله وكلمته نافذة على الكل".
وأضاف "أليكسانكو كان يرفض حضور رئيس النادي لغرف الملابس، ويعلنها صراحة أن حدوده تتوقف عند ذلك الباب، لأنه شخضيا هو القائد بالداخل. ولذلك فقد كان بقاءه أمرا حتميا لأنني أحتاجه".
الاجتماع الأول
الأول من يوليو عام 1988.. كرويف يلتقي بالفريق لأول مرة لوضع الخطة التي سيسير معهم عليها.
"كان يصطحب معه لوحة سوداء ورسم عليها تشكيل افتراضي. 3 مدافعين، 4 لاعبين خط وسط، جناحين هجوميين ومهاجم صريح".
"نظرنا إلى بعضنا وقلنا ما الذي نراه! لقد كان هذا هو عصر خطط 2-4-4 و2-5-3. لم نكن نعرف كم هو عدد المهاجمين في هذا التشكيل وكم هو عدد المدافعين!".. أوزوبيو يصف الجلسة الأولى لكرويف مع اللاعبين
الحقيقة هي أن خطة 3-4-3 التي ابتدعها كرويف خرجت من رحم 3-3-4 التي لعب فيها كرويف تحت قيادة رينو مايكلز مدربه في أياكس ومع منتخب هولندا في كأس العالم 1970.
"إذا وضعت 4 مدافعين للدفاع أمام مهاجمين اثنين، إذن فأنت تملك 6 لاعبين فقط للدفاع أمام 8 في وسط الميدان، وهذا يجعل فرصتك مستحيلة في الفوز بالمعركة، ولذلك فعلينا أن نضحي بأحد المدافعين".. كرويف يبرر سبب استعانته بالخطة فيما بعد.
كرويف لم يكن يضع الأمور الدفاعية في حساباته بشكل قوي، فقال لهم "عليكم أن تعلموا بأن الفوز على الخصم بأربعة أهداف أو 5 أفضل بالنسبة لي من الفوز بفارق هدف واحد".
وهنا قاطعه الحارس أندوني زوبيزاريتا، فقال له "نعم سيدي، لكن كيف سندافع؟ كيف سيكون تمركزنا في الركلات الثابتة؟".
رد كرويف كان غريبا، فقال له "أنت ستقرر ذلك، أنت أكثر دراية مني في كيفية الدفاع أثناء الكرات الركنية، ولك مطلق الحرية في ذلك".
الاستحواذ على الكرة كان هو الجانب الأهم في خطة كرويف، فهو ربما مفهوما لا يقبل النقاش بالنسبة له.
كرويف قال لهم "تحرك اللاعب هو ما يحدد مكان تحرك الكرة، طالما أن الكرة معكم فلن يستطيع الخصم تسجيل الأهداف في مرماكم، وإذا كانت تحركاتكم سليمة، فلن تنجح خططهم في الضغط عليكم".
هكذا وضع كرويف منهجه في التدريب مع اللاعبين في أولى جلساته معهم، ومن هنا بدأ عصر النجاح في تلك الفترة، والذي توجه كرويف بأربعة ألقاب دوري متتالية، كأس ملك إسبانيا مرة واحدة، كأس السوبر الإسباني ثلاث مرات، دوري أبطال أوروبا مرة واحدة وكأس السوبر مرة واحدة أيضا.
جوسيب لويس نونيز رئيس النادي بدوره نجح في رهانه، وبفضل نجاحات كرويف، كانت الأفضلية لنونيز على منافسه كامبرا وبقي رئيسا لبرشلونة حتى استقال في عام 2000.
جذور شابي وإنييستا
شابي وإنييستا ضمنا مكانا لهما في تشكيل برشلونة لسنوات بفضل قدراتهم الكروية الكبيرة، لكن الأمور لم تكن تقاس على هذا النحو في النصف الأول من عقد الثمانينيات.
لكي تكون لاعبا لكرة القدم يجب أن تتمتع بقدرات بدنية ومواصفات جسدية قوية، وفي عام 1986 كان هناك من يضع لنفسه هذا الهدف بأن يكون لاعبا هاما في برشلونة رغم أنه لم يتجاوز الـ 15 من عمره.. هو جوسيب جوارديولا.
وصول كرويف لبرشلونة غير المفاهيم، فالمطلوب لتكون لاعبا مع يوان هو أن تكون صاحب قدرات عقلية ومهارية عالية، وليس أن تكون في أجسام المصارعين.
"كان لدي لاعبون من نوعية ألبيرت فيرير وجويرمو أمور. لاعبون رائعون يمررون الكرة على الأرض بطريقة مبهرة، لكنهم ليسوا طوال القامة أو أقوياء البنية، فتجدهم مثل الفئران حين يضغطون على المنافسين".
"حتى جوارديولا لم يكن قويا للدرجة الكبيرة، لكنه كان مذهلا حين يملك الكرة بين أقدامه، وهذا تحديدا ما كنت أريد في لاعبي فريقي". كرويف يتحدث عن فريقه حين وصل إلى برشلونة
كرويف أصدر أوامره بأن تعمم خطته 3-4-3 في كل فرق الناشئين داخل برشلونة، وبالفعل نجح خط إنتاج كرويف مع اللاماسيا فتخرج على يده نجوما أمثال ألبيت فيرير، جويرميو أمور وسرجي باروخان. كل تلك الأسماء لم يصل طولها إلى 1.80 سم باستثناء جوارديولا الذي كان طويلا لكنه تمتع بنفس الصفات التي أرادها كرويف، وهؤلاء معا خاضوا أكثر من 1000 مباراة مجتمعين لبرشلونة.
أوزوبيو الذي كان أولى صفقات كرويف في برشلونة بات اليوم هو مدرب ريال سوسيداد، لكنه كان على رأس قيادة الفريق الثاني في برشلونة حتى بداية عام 2015.
ويقول أوزوبيو: "27 عاما مرت على رحيل كرويف عن برشلونة، لكنني دائما أشم رائحته في طريقة لعب فريقي. كرويف غير كرة القدم في برشلونة وفي إسبانيا ككل، والجميع من بعده يسير على دربه".