كتب : فادي أشرف
"في الفترة الماضية، خزينة النادي كانت خاوية. يمكن رؤية المقارنة كالتالي، مكافآة الدوري من اتحاد الكرة حوالي مليون جنيه، بينما احتراف لاعب من الفريق قد يفيد النادي بـ50 أو 60 مليون جنيه".
حسب الميزانية الرسمية لقطاع الكرة في الأهلي، باع النادي لاعبين بقيمة 6.5 مليون جنيه في عام 2015، مقارنة بـ146 مليون جنيه في 2016.
في أخر 4 مواسم، باع وأعار الأهلي 4 لاعبين لأندية أوروبية، محققا 16.2 مليون يورو، أو ما يوازي في الوقت الحالي 310 مليون جنيه مصري.
انتقل 23 لاعبا من الدوري المصري لأندية خارجية هذا الموسم في الانتقالات الصيفية أو الشتوية، وهو رقم كبير مقارنة بالمواسم السابقة، في نفس الوقت، ضمت قائمة منتخب مصر لكأس الأمم الإفريقية 10 لاعبين محترفين خارجيا. العدد الكبير يدل أن الدوري المصري أصبح مسابقة تتابعها الأندية الخارجية أكثر من ذي قبل، ما يضع ضغطا من نوع جديد على أنديته، وخاصة الأهلي – صاحب القيمة الأعلى ماليا في اللاعبين المباعين لأندية خارجية، والإنجازات القارية الأهم في الألفية الجديدة.
على أرض الواقع وبعيدا عن الأرقام، عانى الأهلي ليتأهل لدور الـ16 من دوري أبطال إفريقيا بنتيجة الفوز 1-0 على بيدفيست فيتس الذي يشارك في البطولة لأول مرة. الأمر الذي فتح مجالا جديدا للأسئلة حول مدى إمكانية لاعبي الأهلي الحاليين على حصد اللقب الإفريقي الغائب عن الجزيرة منذ 2013 في ظل اتجاه مواهب الفريق في أخر 3 سنوات، مثل رمضان صبحي وماليك إيفونا ومحمود حسن "تريزيجيه" للاحتراف الخارجي، وفي نفس الوقت غياب الإمداد الجاهز من قطاع الناشئين أو وجود مرشحين أقوياء للانتقال للفريق يستطيع صناعة الفارق من الدوري المحلي.
هل الأهلي في طريقه للتحول إلى مشروع يشبه مشروع أياكس أمستردام؟
النادي الهولندي العملاق ليس مشهورا ببطولاته الأوروبية الأربع، ولكن بقدرة أكاديميته على صناعة لاعبين مميزين يشاركون مع فريقه الأول قبل الخروج منه بمبالغ كبيرة يعاد استثمارها في أكاديمية الفريق، لتخرج لكرة القدم العالمية أسماء مثل يوهان كرويف ورود كرول وديلي بليند وويسلي شنايدر وكريستيان إريكسن، مرورا بأساطير مثل ماركو فان باستن ودينيس بيركامب والأخوين دي بور وفرانك ريكارد وإدجار ديفيدز وباتريك كلويفرت وكلارينس سيدورف.
استراتيجية نجاح أكاديمية أياكس منقطع النظير قتلت بحثا، وبالتأكيد قطاع الناشئين في الأهلي مازال بعيدا عن تلك المرحلة. لكن بالنظر لنتائج أياكس الحالية، يجدر على جمهور الأهلي القلق على مصير الفريق في المستقبل.
ظهور نادي العاصمة الهولندية في الأدوار النهائية لدوري أبطال أوروبا صار نادرا، كما أنه لم يحصد الدوري الهولندي منذ عام 2014.
رأي لجنة الكرة في الأهلي
يقول أنور سلامة عضو لجنة الكرة في الأهلي لـFilGoal.com: "من الناحية المالية، تصل لنا عروض جيدة جدا، وهذا أمر يحسب لمجلس إدارة النادي".
وأضاف "الفكرة في القدرة على تعويض اللاعبين الراحلين. في عصر الاحتراف لا معنى لترك لاعب بجانبنا في مصر".
وأكمل "في الفترة الماضية، خزينة النادي كانت خاوية. يمكن رؤية المقارنة كالتالي، مكافآة الدوري من اتحاد الكرة حوالي مليون جنيه، بينما احتراف لاعب من الفريق قد يفيد النادي بـ50 أو 60 مليون جنيه".
كيف يتم تعويض هؤلاء اللاعبين؟
عضو لجنة الكرة يقول لـFilGoal.com: "لابد أن ننظر لقطاع الناشئين بشكل أفضل لأنه من يمد النادي بالمواهب. أؤكد بعد 5 سنوات سيظهر فريق مواليد 2005 والذي يضم على الأقل 12 لاعبا جيدا".
وأردف "من الصعب بالتأكيد الصبر كل تلك المدة في الأهلي، ولكن من الضروري أن أؤكد أن نوعا من الإهمال قد أصاب القطاع في فترة من الفترات. لابد أن يتم إعادة النظر في ذلك الأمر، لأن هؤلاء البراعم يعوضون اللاعبين الراحلين للاحتراف كما أنهم يفيدون خزانة النادي فيما بعد".
وشدد "هذا أساس الاحتراف. حصلنا على كثير من البطولات المحلية، وكان النادي في حاجة لقيادات شجاعة حتى تستطيع إخراج اللاعبين لأندية جيدة خارجيا مع إفادة خزينة النادي. هذا نجاح لمجلس إدارة النادي".
لكن سلامة لم ينكر أن الأهلي في حاجة إلى صعود عناصر أفضل من قطاعات الناشئين من أجل الحصول على دوري أبطال إفريقيا.
قطاع الناشئين في الأهلي
صرف الأهلي 9.9 مليون جنيه في بند أكاديمية الفريق في عام 2015، مقارنة بـ6.7 مليون جنيه فقط في 2016.
محطتنا الثانية كانت محمود صالح مدير قطاع الناشئين في النادي، والذي أخبر FilGoal.com أن "التنسيق بين القطاع والفريق الأول من الممكن أن يكون أفضل كثيرا".
صالح يرى أن القطاع في الوقت الحالي يملك عددا مميزا من العناصر، بالتحديد في فريقي مواليد 1997 و1998، إلا أنهم ليسوا جاهزين 100% لتعويض النواقص في الفريق الأول، مشددا في الوقت ذاته أن اللاعب ذو الإمكانيات الجيدة يفرض نفسه في أي وقت.
في المقابل، شدد صالح أن القطاع مازال بحاجة إلى استثمارات كثيرة في الفترة المقبلة ليكون جاهزا لإمداد الفريق الأول "بما يزيد عن عنصرين أو 3 سنويا" حسبما أوضح، مع تنسيق أكبر مع الفريق الأول.
وأكمل "هدف القطاع الأسمى هو إمداد الفريق الأول دائما بالعناصر المميزة، وهذا ما نعمل عليه دائما. لدينا أفكار لتطوير القطاع في المستقبل، في أمور مثل عقود مستقرة لكشافين في الأقاليم من أجل زيادة رقعة الاختيار بالنسبة للقطاع واستخدام شعبية الأهلي في هذه الأماكن. تلك الأمور في حسباننا إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد".
حديث سلامة وصالح، يشير إلى أن وجود "حلقة مفقودة" بين رؤية لجنة الكرة لعملية بيع اللاعبين والتصعيد من القطاع، وما يحدث في القطاع نفسه حسبما يشير رئيسه.
الفريق الأول
الرد على تلك الحلقة المفقودة كان عند حسام البدري، المدير الفني للفريق الأول.
قال البدري لـFilGoal.com: "لن أوافق على بيع أي لاعب من الفريق بنهاية الموسم".
وأضاف "لابد أن نسير على خطين متوازيين، الأول هو تحقيق الربح المادي للقطاع، لكن الأهم هو الحصول على البطولات كلها".
وأردف "لا نريد أن نكون مثل أرسنال، لا نريد أن نكون نادي يبحث عن الربح المادي أولا والبطولات في مرتبة أقل. الأهلي دائما يريد البطولات بسرعة، ولهذا أولويتنا هي إبقاء اللاعبين الأفضل معنا".
وأتم "لو أتت لي عروض مثلا لمحمد هاني أو أحمد حجازي بنهاية الموسم، لن أوافق على رحيلهم".
"التوتر الاقتصادي"
في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال حقيقة أن قطاع الكرة في الأهلي حقق مكسبا قدره 52 مليون جنيه في عام 2016، مقارنة بخسارة 2 مليون جنيه في 2015.
كان من الضروري أن يضع هذا التحقيق في اعتباره الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولة بعد تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، وبالتحديد سعر الدولار مقارنة بالجنيه المصري.
يقول وائل جمال، الباحث والكاتب الاقتصادي، إن أسوأ خيار في ظل ما وصفه بحالة "التوتر الاقتصادي" الحالية، هو ترك المكاسب المادية دون استثمار على المدى القريب.
وأضاف جمال لـFilGoal.com: "نسبة التضخم الشهر الماضي وصلت لـ33%، ما يعني أن ترك الأموال دون استثمار يعني تآكل قيمتها مع الوقت".
وأردف "من الضروري استعمال تلك المكاسب عن طريق مثلا تجميدها في أصول ثابتة لا تتأثر بالتضخم، أو استثمارها في قطاع الناشئين بطريقة محسوبة المخاطر".
وشرح "استثمار المكاسب الضخمة في قطاع الناشئين سيفيد الفريق وقطاع الكرة كاملا، إما عن طريق الاستفادة من منتجاته في الفريق الأول وبيعها لاحقا للاحتراف الخارجي من أجل تحقيق مكاسب مماثلة".
ولكنه شدد "ذلك يجب أن يتواكب مع استراتيجية خاصة للمؤسسة ككل، يمكن النظر لنادي مثل أرسنال، استراتيجية المؤسسة كاملة تصب في فكرة الاستثمار بالناشئين ثم بيعهم واستمرار الربح المادي".
وأتم "لكن ترك الأموال دون استثمار سريع في تلك الظروف الاقتصادية المتذبذبة يعني تآكل قيمتها بالتأكيد".
في حال المقارنة بأياكس، من الناحية المادية من ناحية المكاسب والاستثمار في قطاع الناشئين، حقق النادي الهولندي 22 مليون يورو كمكاسب صافية في عام 2015، فيما تبلغ ميزانية أكاديمية أياكس السنوية 4.5 مليون يورو، ما يعني حوالي 20% من مكاسب النادي كله.
في الأهلي، وضع النادي 12.8% فقط من إجمالي مكاسب قطاع الكرة في قطاع الناشئين.
كيف يبني أياكس ناشئيه
كيفية بناء أياكس لناشئيه أمر تم شرحه كثيرا، يمكنك قراءة موضوع "أكاديمية أياكس.. أهلا بك في أرض المختارين فقط"
لمعرفة تفاصيل أكثر عن الأمر، لكن ما يهمنا هنا هو تصريح المدير السابق للأكاديمية رونالد دي بور والذي قال: "الاعتماد على الشباب وتطويرهم شيء جوهري هنا، إنه في دمنا، منافسة الأندية الكبيرة في أوروبا صعبة نظرا للفوارق المالية الرهيبة بيننا وبينهم خاصة عندما تتحدث عن عوائد البث التلفزيوني التي قد تبلغ 100 ملايين يورو لذلك، علينا أن نكون أذكياء. نستطيع أن ندبر الموارد المالية ونسخرها للأكاديمية عوضا عن إنفاق مبالغ كبيرة على لاعبين من خارج النادي، وهو ما يؤتي ثماره في النهاية".
يجدر الإشارة هنا إن عند تأسيس نادي أياكس في 18 مارس 1900 لم يكن المقصود منه أن يصبح مصنعا للمواهب، بل إن الأمر بدأ مع اتساع الفارق بين الدوري الهولندي وبقية الدوريات الأوروبية الكبرى صار لزاما على النادي أن "يغير نشاطه" ليستمر في الحصول على المكاسب المادية، ليحصد النادي 195 مليون يورو فقط بسبب بيع لاعبيه في أخر 5 أعوام.
ما قاله مارتن يول.. وما ينتظر الأهلي في حال عدم تعديل الاستراتيجية
في تقرير لجريدة "نيويورك تايمز" عن أكاديمية أياكس، يقول لاعب الأكاديمية والنادي السابق، جريجوري فان دير فيل، والذي يلعب حاليا في فنربهتشه التركي، إنه سأل مارتن يول المدير الفني للفريق الأول لنادي العاصمة الهولندية في ذلك الوقت، ومدرب الأهلي السابق، إذا ما كان يجد صعوبة في تطوير اللاعبين الصغار في ظل علمه بإنهم سيرحلون عندما تزدهر موهبتهم عاجلا أم آجلا.
وقال يول: "أظن أن هذا هدف أياكس، تطوير اللاعبين وتصعيدهم للفريق الأول في أسرع وقت ممكن، قبل أن نبيعهم بكثير من الأموال".
تشابه الرؤية بين الأكاديمية، والفريق الأول، هو ما يجعل مشروع أياكس – تختلف أو تتفق معه، ومع إمكانية تطبيقه في الأهلي مثلا – ناجحا.
وعلى بعد 3280 كيلومترا من أمستردام، يبدو الأمر في القاهرة أكثر فوضوية، والاستراتيجية ليست محددة. هل هي الفوز سواء بالناشئين أو باستقدام لاعبين من خارج النادي، أم الربح المادي من بيع المواهب الشابة لأوروبا مع وضع اهتمام أقل بالنتائج في الملعب، الرؤية متضاربة في القطاعات الثلاثة التي تشكل قطاع الكرة بين لجنة كرة تريد أن تكون مثل أياكس، وفريق أول لا يريد أن يكون مثل أرسنال، وقطاع ناشئين يبدو وأنه بعيد عن تحقيق الهدف المنشود منه سواء بهذه الاستراتيجية أو تلك.
موقف مثل ضم سليماني كوليبالي اعتمادا فقط على الفيديو بمليون دولار (أكثر بحوالي بـ12 مليون جنيه مما يستثمره الأهلي في قطاع الناشئين) كان يمكن تفاديه.
بعض الاستثمارات في قطاع الناشئين لنشر شبكة كشافين ليس فقط في مصر بل في إفريقيا أيضا، وتطوير القطاع على مستوى البنية التحتية والأدوات والأفراد على طريقة أكاديمية أياكس، ليصبح قادرا على إمداد الفريق بالمواهب بدلا من الاتجاه لشراء لاعبين من الخارج بمبالغ طائلة، بالتأكيد أفضل من ضمهم دون متابعتهم بشكل جيد من الأساس.